جاسم المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 1132 - 2005 / 3 / 9 - 11:52
المحور:
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي
مقدمة :
المرأة هي القصيدة التي لم نكتبها بعد , وهي الانسان الذي لم نعطه حقه بعد
, وهي التي اعطت كل شيء بما في ذلك الحياة .. وهي التي اعطت للوجود
معناه .. فحقوقها حقوق مقدسة لايمكن المساس بها ناهيك عن حرمانها منها..
واعتقد جازما ان اكبر جريمة نواجهها في العصر الحديث تتمثل في هضم
حقوقها والنيل من كرامتها وهي اختنا وحبيبتنا وامنا وابنتنا , وان النضال من
اجل نيلها حقوقها هو نضال وجهاد مقدس يستحق التضحيات مهما كانت ,
فسلام عليها في يومها العالمي وتحية لتضحياتها ونضالها.
ان معاناة المرأة العراقية ليست جديدة في كيفيتها وحجمها, ولكنها الان
في ذروتها بسبب غياب الامن والقانون , وبنظرة سريعة لمعاناتها يمكن
لنا ان نعرف كم هي عميقة ومؤثرة , بل هي مخزية الى حد تقشعر له
الابدان وتـندى له الجباه , فهي السجينة المعذبة بسبب ا لنشاط السياسي لزوجها او اخيها او ابيها او حتى قريبها من الدرجة الثالثة في عهد
الطاغية صدام, فكيف لو كانت مناضلة في صفوف حزب من الاحزاب
المعارضة في الامس القريب , وهي العظام الانثوية التي عثر عليها
في جميع المقابر الجماعية في العراق بعد سقوط النظام الجائر , وهي
التي تأثرت وبشكل مباشر بالحصار الاقتصادي المزدوج الذي فرضه
على الشعب العراقي نظامه الساقط والدول التي كانت تحالفه على قتل
ابنائه وتشريدهم وسجنهم وزجهم في طواحين الحروب ضد الجيران
والمسلمين , فكانت تعمل في اشق الاعمال من اجل توفير لقمة العيش
لاسرتها , وكانت تتعرض للضغوط الكثيرة كي تبيع نفسها وكرامتها
للظالمين والمجرمين والفاسقين , واما عن اغتصابها وقتلها فحدث
ولا حرج حيث كانت ومازالت تتعرض للاغتصاب وتقتل من قبل
اهلها ان لم يقتلها مغتصبها ثم يمشي بين الناس رافعا راسه مفتخرا
بفعلته , اما معاناتها من الجهل والمرض فهي المصيبة الكبرى حيث
بلغ عدد الاميات من النساء العراقيات اكثر من النصف , ولكن هنالك
امر اخر ربما لم يلتفت اليه احد وهو انها مازالت تتعرض
لمشكلة جديدة في نوعها فنحن نعرف انه بعد انتفاضة الشعب العراقي
الخالدة قام النظام العراقي بقتل او تشريد الملايين من العراقيين فكانت
الام تعاني فراق الولد والاخت تعاني فقدان اخيها لكن الزوجة كانت
تعاني فقدان زوجها فلم تستطع اللحاق به وهو قد تركها معلقة بين الارض
والسماء لا هو عائد اليها ولاهي قادرة على اللحاق به ولا يقوم بتطليقها
لكي تستطيع ان تمارس حياتها بشكلها الطبيعي وهذا هو اقسى درجات
الظلم والعدوان على المراة في رأيي , ان نسبة الارامل وفاقدات الازواج
في العراق هي نسبة مؤلمة حقا فبين كل عشرة نساء شيعيات او كرديات متزوجات تسعة فقدن ازواجهن في السجون او المقابر الجماعية او الحروب او التهجير او عمليات الاغتيال والاختطاف وغيرها .. فما هو السبب ياترى ؟ هل هو في الانظمة السياسية التي تحكمت بالعراق في
العصر الحديث ام هو المجتمع ام نظرة الدين الى المراة ام امور اخرى ؟
اعتقد ان الخلل يكمن في التطبيق لنظرة الدين الاسلامي الى المراة
وليس في النظرية او القانون او الشريعة فالمراة في نظر الاسلام انسان
لايختلف عن الرجل في شيء الا في التكوين البدني او الشكل الظاهري
صحيح انه دعى الى ان ترتدي المراة ملابس خاصة بها كالحجاب مثلا
الا ان هذا لم يقلل من شانها في شيء بل على العكس تماما انه يشكل
اشارة احترام واضحة لشخصيتها وكرامتها الانسانية ولم يجبرها على
ذلك ولا ادري لماذا عندما تتعرى المراة في الشارع يقال بان هذا من
حريتها بينما عندما تختار هي بنفسها ان ترتدي الحجاب يقال بأن هذا
ليس من الحرية في شيء ؟ ولماذا التركيز في الحديث عن الملابس دون الحديث عن عن حرية الفكر والعقيدة وغيرها من الامور ذات المضامين السامية او الاهمية الكبيرة ؟ ان الاسلام يحترم المراة اكثر بكثير من
اي دين او قانون اخر وكتاب الاسلام الخالد يشهد على ذلك وكذلك
النصوص الواضحة التي وردت الينا عن لسان نبي الرحمة والسلام
ورسول المحبة والامان محمد ( ص) وليس اوضح من قوله تعالى
هن لباس لكم وانتم لباس لهن , فساواهن بل قدمهن على الرجال
وقوله تعالى خلقكم من نفس واحدة .. خلق لكم من انفسكم ازواجا
لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ..ومعنى من انفسكم اي
كأنفسكم وجعل بمعنى فرض , فأي عدل ومساواة اكثر من هذا العدل
وهذه المساواة واما مسألة الميراث فلا تدل على اجحاف لحق المرأة
بل هي المساواة بعينها اذا نظرنا اليها نظرة الباحث لا الخصم والصديق
لا العدو, حيث ان الاسلام فرض على الرجل في الجانب الاخر ان يقوم
هو بتوفيراحتياجات العائلة بما فيها احتياجات الزوجة بل فرض عليه حمايتها ولم يفرض ذلك عليها فما تحصل عليه من الميراث هو كله لها
ولها الحق في الاحتفاظ به لنفسها فاين الخلل في ذلك ؟.
واما رسول الرحمة فيقول النساء شقائق الرجال ما اكرمهن الا كريم
وما اهانهن الا لئيم , الجنة تحت اقدام الامهات .. اتقوا الله في النساء
واستوصوا بهن خيرا .. خيركم خيركم لاهله وانا خيركم لاهلي ..
وقول علي (ع) ومازال رسول الله يوصي بالمرأة حتى ظننت انه
يحرم طلاقها وقوله المرأة الصالحة خير من الف رجل غير صالح
ان مانفهمه ونؤمن به في ديننا ان للمرأة مكانة خاصة وعزيزة
بل ان العلاقة الشرعية معها هي علاقة مقدسة غاية التقديس , ولقد
شرع لنا سبحانه وتعالى كل ما من شأنه ان يضمن حقوقها ويقوم
برعايتها ويحترم كيانها ومشاعرها , ذلك التشريع الذي لا نظير له
في جميع الاديان الاخرى وليس لمثيله وجود في جميع ما فكر به
المفكرون ونظر له المنظرون , ولكن الخلل يكمن في التطبيق
لهذه النظرة , فالمسلمون اليوم لا يمثلون الاسلام بالضرورة
فهم في واد والاسلام في واد اخر , فليس من الاسلام حرمان
المرأة من المشاركة في الانتخابات كما يحصل في الكويت والسعودية
بل وصل الامر الى حرمانها من قيادة السيارة وغيرها من الامور
التي أ ُريد من خلالها تشويه صورة الاسلام دين الرحمة والمحبة والسلام
ودين العدل كل العدل والمساواة كل المساواة خاصة فيما يتعلق بالمرأة
وما يتعلق بالعلاقة معها كأم وزوجة واخت وحبيبة وزميلة وجارة وصديقة
انني في هذا اليوم يوم المراة العالمي ادعو الى احترام حقوق المراة
واقف معها في جميع قضاياها العادلة والمقدسة التي اكتسبت شرفها
وقدسيتها من الاسلام العظيم .. ادعو الى احترام حقوقها ليس من خلال
التهجم على دين يعتنقه نصف سكان الارض , بل من خلال البحث
الموضوعي والدراسة المتأنية وايجاد الوسائل القوية والفاعلة في خدمة
القضية النسوية وزجها في ساحة المعركة معركة المطالبة بالمساواة
والعدل والحرية والكرامة للمرأة عموما لاسيما المرأة العراقية المظلومة
والتي اصبحت اليوم ومنذ مايقارب الاربعين عاما رمزا حيا وشاخصا
للمرأة المظلومة في العالم بأسره .. وان المسؤول الاكبر عن معاناة المرأة
هو الانظمة السياسية المتخلفة والجهل المتفشي في المجتمعات الاسلامية
وبعض التشريعات والقوانين التي ساهمت وتساهم في هضم حقوقها
والتعدي على كرامتها وان الضمان الوحيد لاسترجاع حقوقها هو
في تشخيص الخلل ومعرفة العلة والمرض وكشف العدو والمعتدي
, ثم العمل على الاخذ بيدها واستنهاضها ودخول المعركة جنبا الى جنب معها حتى تحقيق العدل والحرية والمساواة .
جاسم المعموري
#جاسم_المعموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟