|
عالم آخر ممكن
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 3907 - 2012 / 11 / 10 - 22:08
المحور:
ملف حول المنتدى الاجتماعي العالمي، ودور الحركات الاجتماعية والتقدمية في العالم العربي.
عالم آخر ممكن اسماعيل شاكر الرفاعي نعم " عالم آخر ممكن " اذا ما حافظنا على قوة تخيلنا وصرنا مسكونين بهاجس التغيير من اجل عالم افضل . نحن لا نتبأ انطلاقاً من فرضيات لم تقدم بين يديها البرهان على امكانية تحققها ، بل من فرض يمليه لاعدالة الواقع القائم ، والذي لم يوفر الحد الادنى من كرامة الانسان . حين نريد ان نعترف بأنفسنا كبشر ، يجب بالضرورة احترام كرامة الآخر الذي يشاطرنا سكن المكان الواحد . ديناً كان هذا الآخر ، او اثنية لها كينونتها وشخصيتها الثقافية المميزة . اما كيف يكون هذا الاعتراف فهو مسألة منوطة بالآخر لا بنا . علينا ان نتعلم حسن الاستماع لما يحب ان يكون عليه الآخر ، ولما يحب ان يمارس . من غير هذا الاعتراف يظل تفكيرنا ووعينا امبراطورياً . والوعي الامبراطوي يعني الايمان بالمركزية الشديدة للدولة ، وبأننا المالكين الوحيدين لها ، فنكتب تشريعاها بما يضمن نفي الآخر عنها والنفي هنا مقصود كموقف ، لكي نصبح من خلاله : السيادة ، والحق ، والعدالة .
2
لم ينتبه مفكرو عصر الانوار العربي الى الانقلاب الكبير الذي حلّ بزاوية نظر الاوربيين الى ارض الدولة كمفهوم سياسي اولاً ، وكمفهوم اقتصادي ثانياً . فمع تحول الوعي هذا ، لم تعد الارض ملكاً صرفاً لقومية واحدة ، وتراجع الى حد كبير النظر اليها : خالقاً وحيداً للثروة والغنى والقوة . لقد زحزح منهج الثورة الصناعية القائم على مبدأ التحويل : زحزح الوعي السياثقافي العام ، وانعطف به من المنطق الامبراطوري : منطق الفتح وضم الاراضي ، الى منطق جديد تأخذ فيه الارض قيمتها من المشهد الصناعي : سوق للمنتجات الجديدة ، او كنزاً للمواد الخام . وهو منهج يحتاج الى اخلاق جديدة : اخلاق ثقة ، يصطنعها تاجر السوق لكسب المزيد من الزبائن . سمًى المفكرون والمؤرخون هذا الموقف الجديد من الارض : ديمقراطية و ليبرالية . فالديمقراطية تتضمن فيما تتضمنه موقفاً جديداً من الارض ومن سكنتها ، تجسد على شكل تشريعات جديدة لصالح الاعتراف بوجود اثنيات وهويات وثقافات اخرى ... لم يرَ محمد عبدة في رحلته الى اوربا شيئاً من ذلك . لكأن الاوربيون لم يأتوا بجديد ، ولم يفعلوا اكثر من استعادة الكلمة التي انفجرت كايقاع ثابت للكون والحياة في شعاب مكة وطرقات يثرب ــ المدينة . لم يرَ محمد عبدة سيماء حضارة جديدة ماثلة بقوة في دخان المعامل ، وفي المحرك البخاري والمحرك ذاتي الاحتراق ، ولم يرَ المدن التي توسعت بفعل اختراع سكة الحديد ، بل نظر كما ارادت له الكلمة البدوية ان ينظر وان يفلسف ما رأى فقال : رأيتُ اسلاماً ولم ارَ مسلمين . مثل هذا الذي قاله محمد عبدة قاله ايضاً الصينيون واليابانيون والالمان . قالوه جميعاً في وقت واحد تقريباً . هم جميعاً لم يكتشفوا في ما رأوا اوربا الثائرة على نفسها ، اي على موروثها الذي لا يختلف في جوهره عن الموروث الصيني والعربي والهندي والمكسيكي : موروث ما قاله السلف يوماً ، وخلاصته : ليس بالأمكان افضل مما كان ، ولا جديد تحت الشمس . لم يكتشفوا التحول في المنهج الذي ارسل كل شئ الى المختبرات وطالب بالبرهان : اي ان تبرهن كل كلمة قالها السلف على صدقها بالدليل العلمي العقلي ، لا بالظن . فصادر هذا الرعيل الاول الآتي من منطقة الوعي الأمبراطوري ، والمثقل بأطنان المرويات عن اقوال وافعال السلف ، صادر كل انجاز لحركة تاريخ البشر على الارض ، فهذه البشرية لم تأت بجديد ، انما هي سائرة سيرَ عود على بدأ : الى الكلمة الاولى التي قالها السلف ذات يوم . ومثلما صادر النهضويون العرب تاريخ افعال البشرية التي لا تتضمن سوى العودة بحركة دائرية الى الكلمة التي قالوها بدو الجزيرة العربية قبل 1400 سنة ، نصادر نحن كل الخصوصيات الاخرى . لا يوجد في لغة تحليلنا ساكن لهذه الارض . ولم تطف اجواء هذه الارض اصوات ولغات اخرى ، ولم يعش على ارضها من كانت ديانته غير اسلامية . لقد وجدت هذه الارض منذ الابد وستستمر الى الازل بملامح واحدة وبثقافة واحدة وبلغة الضاد الواحدة : التي هي لغة رجال عالم الارض وعالم ما بعد العالم الارضي . اذ لا مكان في هذا العالم للجنس الآخر لا في هذه الدنيا ، ولا في العالم اللاحق . هكذا تكلم الجابري سليل الكواكبي ومحمد عبدة ، عن الصفاء القومي والمذهبي في المغرب ، ونفى ان تكون ثمة مسألة قومية او مذهبية فيه ، فلا امازيغ ولا طوارق ولا هم يحزنون ، المغرب ليس بحاجة الى فك الاشتباك بين الدين والدولة . ولذا فأن مسألة العلمانية غير مطروحة كتحدً حضاري في بلاد المغرب وشمال افريقيا عموماً ، انها في رأيه مسألة مشرقية . المشرق وحده غارق في مشاكل التعددية المذهبية والدينية والقومية . ولهذا ولدت فكرة العلمانية من المشرق لا من المغرب . هكذا يطرح الجابري تلميذ محمد عبدة ، مسألة العلمانية لا كتحدٍ حضاري على حلها يتوقف ولوجنا بوابة الحضارة الجديدة ، بل مسألة اقوامية ، ضرورتها مرتبطة بالتعددية العرقية والمذهبية ، وليس بزاوية نظر جديدة الى الدولة من حيث بنيتها التشريعية والمؤسساتية .
3 الثقافة صراع جدلي بين الوعي والارادة ، وانهما يعيشان كتابوتين لجثتين هامدتين اذا لم يدخلا التاريخ الذي دخله انسان عصورنا الحديثة بوعي واحد محدد : هو وعي التغيير . وان التغيير يصبح عودة الى الشرب من الاناء ذاته اذا لم يقترن بالدعوة الى تغيير الحقوق . . " عالم آخر ممكن " شرط ان لا ندخل بخصام مع التاريخ ، شرط ان ننطلق من التاريخ ، من وقائعه ، من ميوله واتجاهاته ، وذلك بالضبط هو الفعل الذي مارسته بشرية ما بعد الثورة الصناعية ، منذ ان دخلت مرحلة الوعي بالذات واستطاعت ان تصنع تاريخها عبر صناعة وقائع هذا التاريخ . في هذا التاريخ انتزع الوعي البرجوازي الواعي لما هو سائر الى اجتراحه ، حقوق المساواة امام القانون ، انتزعها لنفسه بداية ، الاّ انها تعممت عالمياً واصبحت اداة حرية واداة تحرير ، تضمنتها دساتير كل البلدان التي تملك دستوراً بشرياً لا سماوياً . لكن في عالم الضاد المنكود بحمولته الموروثة ، تعطلت قوى التغيير عن اداء دورها التاريخي في انتزاع الحقوق الاولية للملايين . لأنها لم تشرع بعد بفتح بوابات مرحلة من نقد لا يلين ، لقص حبال المقدس الذي ربطت اليه عربة التغيير ، فى عالم الضاد المثقل باطنان من مقدس الحضارة الزراعية التي اجبرت الانسان على التنازل عن ابداع يديه ، بنسبتها الى قوىً اخرى مجنحة ترود المسافة الكائنة بين الارض والسماء ، تحصي عليه انفاسه وتوجهه الى عبودية دامت آلاف السنوات ، الى الوقت الذي اخذ على عاتقه مستنيرون التقطوا انفسهم ــ ولم يصطفيهم احد ــ ومارسوا نقداً لا يرحم ضد زاوية النظر هذه ، فقصوا ، لكن من غير رأفة ، الحبال عن عربة التغيير وسحبوها بقوة نقد لم يرتجف ، ووضعوها على سكة البداية الصحية في تحرير الانسان لنفسه . فاطلقت قوى الانسان عاصفة عاتية من الابتكارات التكنولوجية تعززَ في مرآتها مسار الانسان في مدارج روحانية جديدة ، هي روحانية تحرير انسانية الانسان من اغترابه وتشيؤه . في البلدان الناطقة بالضاد : "عالم آخر " غير ممكن اذا لم يكن سؤال الحقوق وارداً وهو سؤال لا يضمن ديمومة الحقوق في تشريعات الدولة { كما حصل في الاتحاد السوفياتي } اذا لم يقترن المفهوم الامني للدولة بادارة اصحاب الحقوق لحقوقهم ، عبر ما يرونه مناسباً من تنظيم واجهزة ، وان لا يحل غيرهم في الدفاع عن هذه الحقوق . لقد اثبتت وقائع التاريخ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي خطل النظرية اللينينية في النضال الحزبي نيابة عن الاخرين : فقد قادت هذه النيابة الى اغتصاب حق التفكير نيابة عن اصحاب الحق في التغيير ، وفي وضع الخطط لحياتهم . ان المسألة الاساسية كما تتبدى لي تتمثل بالكيفية التي نمنع فيها عودة ثنائية السادة ــ العبيد ، المتحدرة من الافق الثقافي للحضارة الزراعية ، الى تنظيمات فعل التغيير . فاي امتياز داخل هذه التنظيمات يشرع الابواب عريضة امام ما سماه فرويد بعودة المكبوت . ان مهمة التغيير مناطة باصحاب الحق في التغيير ، الذين ستكون اولى مهامهم القاء ثنائية الستراتيج / التكتيك في مزبلة التاريخ ، والتفكير الدائم بالمسكوت عنه او اللامفكر فيه المصاحب دائماً لمسألة التكتيك . هذه هي التاريخية كما نراها او نفهمها : اسقاط عبادة النص الذي شاخ ، وترك عادة التبرك بجثث الاموات ، واستشراف ميول واتجاهات المستقبل انطلاقاً من نقد التجربة التي سقطت ، والنظر اليها لا على طريقة الملل الدينية ، بل بمنهجية تشريحية لازالة ما تحمله من روائح كريهة لمعادلة : السادة ــ العبيد . كانت اديان الحضارة الزراعية قد تصورت بانها قالت كلمة الفصل في خلق المدينة الفاضلة ، ولم يمر بخلد انبيائها بان ثورة اخرى سترتبط بالانسان ستجعل من الابداع والابتكار التكنولوجي للاشياء بديلاً عن موجودات الطبيعة القديمة ، وستغذ السير حثيثاً عبر متوالية لا تنتهي من الثورات التكنولوجية في تحقيق معجزة الطيران فوق حدود الزمان والمكان ، وفوق مخافر حدود الدول التي لم تستطع خيول الحضارة الزراعية من تحقيقها ، رغم الهالة الكبيرة من المعجزات التي احاطت برموزها ... ادى منهج ابتكار الاشياء وتكثيرها الى صناعة سوق عالمي واحد ، ما زالت تتسيّد الحقوق فيه رؤى من القداسة المتسللة من الحضارة الزراعية ، والتي تشطر المجتمع الى سادة وعبيد ، لكن على ارضية من التقدم والرفاه اغنى واكبر مما كانت عليه ارضية المدن الفاضلة في خيال المفكرين والانبياء . ويبدوا ان فعالية السوق التي تضم اركان الارض جميعاً ، ما زالت تتمتع بقدر عظيم على المنافسة وبقدرة خلاقة على الابتكار ووضع الحلول . الاعتراف بذلك ضروري للبحث عن مواطن الضعف ، لا المكابرة عليها بقصائد عصماء مستوحاة من ترسانة فكرة الجمال البدوية الممعنة بمدح الذات وهجاء الآخر . كيف يمكن اطفاء شعلة البحث عن الارباح وتكثيرها التي ما زالت تمثل رافعة التحولات العظيمة وارتقاء النوع البشري ؟ كيف يمكن احلال شعلة اخرى محلها تقضي على التفاوت والفقر والندرة ، وتحافظ على جذوة الابتكار مشتعلة ومتأججة ؟ هل سنوفق بالاجابة على هذا الاسئلة......
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
{ تلفت القلب }
-
الدولة الكردية والشرعية
-
صالح المطلك
-
عنها
-
لقطة
-
التكنولوجيا ومنظومة العمال الفكرية
-
حكايات طويلة عن احداث قصيرة
-
آلهة ورصاص
-
بحر وسينما
-
العراق : ازمة وعي دائمة ، ام في الطريق الى وعي الأزمة ؟
-
نهر ومدينة
-
لهاث
-
دولة قطر ومؤتمر القمة العربية
-
نباح
-
موت
-
قصيدتان مونولوج غروب
-
قصيدة حب
-
الرفاعي
-
بلادي
-
مفارقة
المزيد.....
-
جلس على كرسي الرئيس.. تيكتوكر سوري يثير الجدل بصورة له في ال
...
-
السيسي يعقد اجتماعا بشأن عبور قناة السويس والوصول إلى سيناء
...
-
ربما كان لشمسنا توأم ذات يوم، ماذا حدث له؟
-
أسعار شوكولاتة عيد الميلاد ترتفع بسبب أزمة الكاكاو
-
38 قتيلا جراء قصف إسرائيلي على قطاع غزة
-
مسرح الشباب الروسي يقدم عرضا في نيابوليس
-
بوتين: ملتزمون بإنهاء الصراع في أوكرانيا
-
شاهد عيان يروي فظائع ارتكبتها قوات كييف في مدينة سيليدوفو بج
...
-
المدعية العامة الإسرائيلية تأمر الشرطة بالتحقيق مع زوجة نتني
...
-
لافروف: الغرب يضغط على الشرع ضد موسكو
المزيد.....
|