أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - أمام الأزمة وجهاً لوجه















المزيد.....

أمام الأزمة وجهاً لوجه


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1132 - 2005 / 3 / 9 - 11:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يشغل لبنان في وعي السوريين وحساسيتهم موقعا صغيرا لا يقارن بالموقع الكبير الذي تحتله سوريا في وعي وحساسية اللبنانيين، إذ لا يفكر عموم السوريين بلبنان، وشأنه ليس إشكاليا، ولا يكاد يكون موضع خلاف أو مثار انقسام بينهم. خلافا لذلك، يبدو الشأن السوري إشكاليا وخلافيا وعالي الطاقة الاستقطابية في أوساط اللبنانيين. يشعر اللبناني انه > بأخذ موقف من سوريا، إيجابا أو سلبا، فيما يندر أن يضطر السوري إلى إدخال لبنان دائرة اهتمامه المباشرة.
هذا الواقع امر يسهل فهمه. فسوريا تحتل مساحة كبيرة من وعي اللبنانيين لأنها > لبنان، و<<السوري>> مرئي في كل مكان في لبنان وحاضر بكثافة في حياة اللبنانيين اليومية. بالمقابل ليس ثمة حضور مباشر وملموس للبنانيين في حياتنا ومعاشنا اليومي. نحتاج إلى تجاوز للمباشر، إلى <<تحليل>> وإلى <<سياسة>>، كي <<نرى>> لبنان وتأثيره علينا، وبالخصوص منذ أن هدأت أحواله وكف عن كونه <<قضية>>.
لذلك، الفئات الثلاث أو الأربع المستثناة من قلة الاهتمام هي تلك المشتغلة بالتحليل أو السياسة، أو تلك التي ترى لبنان رؤية العين أو تلمسه لمس اليد. ثمة أولا صناع القرار السياسي في البلاد، وهم دائرة ضيقة تقدر بآحاد الأشخاص أو عشراتهم (وهؤلاء خارج تناولنا هذا)؛ وهناك ثانيا معارضون ومثقفون يرون الصيغة الحالية للعلاقة السورية اللبنانية غير سليمة ويودون إرساءها على أسس أكثر عدالة؛ وفي المقام الثالث ثمة بالطبع العمال السوريون في لبنان، وهم حوالى نصف مليون عامل. وقد يمكن الكلام أيضا على فئات من رجال الأعمال وارباب المصالح الاقتصادية ممن يهتمون بالشأن اللبناني وتطوراته وبالعلاقة بين لبنان وسوريا من مدخل اقتصادي. على أن نطاق اهتمام السوريين بالشأن اللبناني متبدل عبر الزمن، يتسع ويضيق وفقا لتبدلات الأوضاع المحيطة بالبلدين. ففور اغتيال الرئيس الحريري طفح ماء الاهتمام والتتبع لما يجري في الجار الغربي الصغير ليشمل دوائر من الناس أوسع من تلك التقليدية المشار إليها للتو، فضلا عن تبدل لافت في نوعية تفاعل هذه الدوائر بالذات.
فالحدث بحد ذاته جسيم وخطير، وبمناسبته اكتشف سوريون كثيرون انهم كانوا يكنون إعجابا خفيا بالحريري، قد يكون مصدره اختلافه عن الأثرياء السوريين. كان إطراء الحريري وسيلة كثيرين بيننا لهجاء مليونيريينا الذين يهدمون الكثير ويبنون القليل.
غير أن انجذاب السوريين إلى الشأن اللبناني سرعان ما ارتبط بالتداعيات المحتملة لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق أكثر مما بواقعة الاغتيال البشعة بحد ذاتها. فالجهة الأوفر نصيبا من الاتهامات بقتل الرجل هي الحكم السوري، الأمر الذي لم يعد يمكن عزل السوريين عنه بفضل الأقنية الفضائية العربية التي تكاد تحتكر عيون وأسماع السوريين. إلى ذلك اثارت الضغوط الأميركية والأوروبية القوية والكثيفة والمتسارعة على سوريا شعورا لدى السوريين بسبق الرؤية. يكاد لسان الحال يقول: لقد سبق أن رأينا ما يشبه ذلك، في توجس ضمني من السابقة العراقية. ثم إن اتساع نطاق المبادرين إلى معاملة غير كريمة لعمال سوريين في لبنان، والشعارت المعادية لسوريا والسوريين دون تمييز، والتي تناقلتها وسائل الإعلام، كان لها جميعا دور في كسر الحدود النخبوية للاهتمام بالقضية اللبنانية في سوريا.
قول الساكتين
يكاد يستحيل معرفة العاطفة الحقيقية للسوريين. فطوال جيلين تقريبا لم يعبروا عن مواقفهم علنا، ولم يشعروا بالحاجة إلى أن تكون لهم آراء حول غير شؤونهم الخاصة. بل لطالما بدا لهم الشأن العام محفوفا بالمخاطر ووجع الرأس، وبغير قليل من الكذب. لذا فإن إصدار أحكام عامة حول مواقفهم من الأزمة اللبنانية والسورية الراهنة مستحيل، وكل تعميم مزور وغير صحيح مبدئيا. ومعلوم انه ليس هناك اي نوع من دراسات الرأي العام في سوريا. فنقطة الانطلاق والمسلمة الضمنية لدراسات من هذا النوع هي عدم التطابق بين مواقف المسبورين والموقف الرسمي، الأمر الذي لا يمكن للسلطات قبوله. لذلك فإن الملاحظات التالية انطباعية، تعكس مواقف دمشقيين أو مقيمين في دمشق يلتقيهم المرء في الدكان أو <<السرفيس>> او التكسي أو المقهى...
الحلاق والسمان وسائق التاكسي يشككون في أن المسؤول عن اغتيال الرئيس الحريري هو سوريا، لكن تغلب عليهم نفسية الشهيد حين يعتبرون اتهام سوريا أمرا طبيعيا بقدر ما هو مختلق. لا يستمرئون الخطاب الرسمي الذي يقول إن سوريا مستهدفة لأنها <<صامدة>> و<<مدافعة عن الثوابت القومية>>... لكنهم يميلون إلى الإقرار بأن سوريا مستهدفة فعلا.
إن جمهورا صامتا، غير مسيس ومنزوع التسييس، يجد نفسه مقذوفا فجأة في اوضاع سياسية تفرض عليه ان يقول شيئا أو يأخذ موقفا، يميل إلى وعي العالم من حوله باللغة المألوفة التي لطالما لقنت له. يشكك السوريون عادة في خطاب السلطة، لكنهم لا يجدون غيره حين يبدون رأيا سياسيا. لعله من هذا الباب نجد سوريين من عامة الشعب يعتبرون ان اللبنانيين مخطئون وناكرون للجميل إذ يطالبون برحيل القوات السورية، وأنه <<بكرة رح يعلقوا ببعض>>. فهم يستظهرون الخطاب الرسمي ويعلقون على الاحداث بما بين ايديهم من متاع خطابي. وربما فاقمت اخبار الاعتداء على عمال سوريين من هذا النزوع. فالخطاب الرسمي، وهو خطاب تفضل وتضحية، ملائم للتعبير عن الاستياء مما تعرض له العمال. وقلما يخفق أحد في ذكر ان هؤلاء العمال يقومون بأعمال يأنف منها اللبنانيون، وأنهم يقيمون في بيوت أشبه بالحظائر، وأنهم <<بنوا لبنان>>...
كان من الطبيعي كذلك أن يستاء السوريون من شتم بلدهم أو التعريض به، الأمر الذي يدفع كثيرين منهم إلى موقف انفعالي إلى جانب نظام حكمهم وضد الاستقلاليين اللبنانيين. أخيرا، وجد سوريون في الانتقال الحاد والسريع لسياسيين لبنانيين من <<مبخرين>> لنظامنا (بتعبير أحد المثقفين) إلى معادين أشداء له علامة خفة لا تطمئن على المستقبل. غير أن العنصر الأهم في تفاعل السوريين مع الشأن اللبناني بعد اغتيال الحريري هو ترقب تطورات الأوضاع في لبنان وحول سوريا. ترقب مصنوع من انتظار وقلق. ثمة مقارنة ضمنية مع العراق، لكن يبدو أن المزاج العام يستبعد تطورا دراماتيكيا، ويراهن على أن <<القيادة>> ستعرف كيف تتجنب مسارا عراقيا. ولا يبدو أن أحدا من السوريين في مزاج <<المزايدة>> على النظام إذا انحنى للعاصفة، بل إن كثيرين يدعونه علنا للانحناء. والطريف ان أول ما يحب معرفته الصحافيون الأجانب الذين يغزون دمشق غزوا هذه الأيام هو: هل هناك هلع في صفوف السوريين؟ هل يشعرون ان سوريا تسير على درب العراق؟
عمال سوريون
التداعيات التي يثيرها لبنان في نفوس العمال السوريين تجمع بين المرارة والافتتان. جزء من المرارة مبعثه وضع العامل الأجير المتغرب مقابل رب العمل الأهلي، اي يلتقي فيها استغلال ودخل منخفض من جهة، وازدراء الأهلي للوافد من جهة اخرى. هنا لا فرق بين من يعمل في لبنان ومن يعمل في الخليج. غير أن جزءا من مرارة العامل السوري في لبنان مصدره <<حضاري>>، اي شعور السوري بدرجة من <<غربة الوجه واليد واللسان>> في لبنان. وفي هذا الجانب ثمة فرق بين وضع العامل السوري في لبنان وفي الخليج. ويعزز من الغربة أن معظم العمال السوريين قادمون من ارياف حوران والجزيرة وبعض الساحل، اي من المناطق الأكثر حرمانا وفقرا وعوزا تعليميا، والأدنى تأهيلا. وخبراتهم في لبنان غير سارة ومن النوع الذي يفضل المرء نسيانه أو كتمانه في قلبه. وهي تشبه خبرات الريفيين السوريين حيال المدن وابناء المدن في مرحلة سابقة على الحكم البعثي، خبرات يمتزج فيها الشعور بالضغينة والنقمة مع الشعور بالنقص والانبهار، وتبنى حولها إيديولوجيا ثنائية: ريف/ مدينة = صلابة / ميوعة = رجولة / تخنث = أخلاق/ مكر وتحلل. وكانت عناصر الصورة النمطية للبنان قبل الحرب تتكون من مدركات الطرف الثاني في هذه المعادلات.
أبدى المثقفون المعارضون والمستقلون اهتماما مألوفا بالشأن اللبناني. هناك شيئان جديدان في هذا الاهتمام. الأول توسع دائرة المثقفين الذين يطالبون علنا بانسحاب القوات السورية من لبنان أو يؤيدون مطلبا كهذا. الثاني تنامي القلق في أوساط المثقفين السوريين من احتمال انقلاب العلاقة السورية اللبنانية وانتشار مزاج عدائي حيال سوريا والشعب السوري في لبنان. عبر عن هذه الخشية مثقفون في الداخل والإخوان المسلمون في الخارج، التنظيم الذي يبدو اكثف تفاعلا مع تقلبات الأحوال السورية رغم منفاه المديد. لعله من باب الخشية هذا علت أصوات تلح على رؤية الوضع اللبناني من زاوية النيات والخطط الأميركية لا من زاوية عدالة القضية اللبنانية ومصير نظام الهمينة السوري اللبناني، وتاليا تضع اتفاق الطائف موضع تقاطب مع القرار 1559، الموقع الذي تراجع إليه الحكم السوري في الأيام الأخيرة.
الأمر المحير والمثير للسخط أن الأحزاب السورية المعارضة كانت عظيمة الغياب عن النقاش الحالي: <<لا حس ولا نفس>>، غير بيان محزن صدر عن <<التجمع الوطني الديموقراطي>> عشية اغتيال الحريري. عشرة ايام بعد ذلك، ومصير البلد ذاته دخل المضاربات والأحداث تتسارع في لبنان وحوله والحكم السوري مرتبك وتصريحات المسؤولين تتضارب وتنسحب قوات سورية من لبنان وتغدو بيروت ودمشق محجتين لمبعوثين ومسؤولين عرب ودوليين وامميين... ولا يصدر السياسيون المعارضون رأيا أو يعلنون موقفا. لا شيء على الإطلاق.
شركاء في السلبية
في العموم، يغلب على تفاعل السوريين مع الأزمة اللبنانية والسورية التي تفجرت بعد اغتيال الرئيس الحريري طابع السلبية. هذا ينطبق على عمومهم، لكن كذلك على أحزابهم ونظام حكمهم. هذه السلبية، وليس مادية الحدث الجسيمة ولا تتابع حلقاته اللاهث، هي ما يقلق في البلاد وعلى البلاد السورية. لذلك نتحدث عن أزمة: التقاء مشؤوم بين أوضاع خطيرة وتغيرات متسارعة تحف بالبلاد وبين الافتقار إلى قيادات سياسية فاعلة تساعدها على <<المروق>> من العاصفة بأقل قدر من الخسائر.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يقتل رفيق الحريري؟
- الإعلام الفضيحة: ماذا فعلت جريدة -تشرين- بالحوار مع الأسير ا ...
- السجناء السوريون في إسرائيل أو موقع الجولان في الوعي السوري ...
- دولة مؤسسات أم دولة أجهزة؟
- في ذكرى انتفاضة الجولان: الشجاعة وحدها لا تكفي!
- موجتان لنزع العقيدية في الثقافة السياسية السورية
- نظام اللاسياسة: العنف الطليق والعقيدة المطلقة
- ضد الحرية وليس ضد -الحرة-
- عشر أطروحات حول السلطة والندرة
- موقع الثقافة في مشروع الإسلاميين السوريين
- من يهين سوريا؟
- اصول تناقضات السياسة الخارجية السورية
- تعاقد سوري لتقاسم تبعات سلام مفروض
- لبنان المستقبل لا يبنيه لبنانيو الماضي!
- السوريون والسياسة الأميركية: هل من جديد؟
- محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
- نقد ثقافة الضحية
- بين النقد والاتهام
- نقد ذاتي
- معاناة -السيد ياسين- ومغامراته في عالم -الصحيح الواقعي-


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - أمام الأزمة وجهاً لوجه