مصطفى إسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 1131 - 2005 / 3 / 8 - 09:45
المحور:
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي
التوجه الأساسي والملفت في العصر الحديث – لا سيما في العقود الأخيرة – هو نحو المزيد من تحطيم اليقينيات الكبرى والمسلمات المزعجة وخلخلة المقدسات ثم محاولات إزاحة كل ذلك الركام المتشكل عبر الحقب والعصور , والتي مع مرور الزمن تشكلت كهوية دالة , أحادية وتحولت أصناما في وعينا السكوني ولا وعينا المقموع .
على أن المقدس الرمزي لا يقتصر فقط على الجانب المعتقدي الديني وإنما ينسحب على حقول الانسانيات الأخرى , من مثل : التركيبة الاجتماعية , والتفاعلية الاجتماعية , وبنى المجتمع المتعددة انطلاقا من الفرد , مرورا بالأسرة والعائلة والعشيرة والقبيلة , وانتهاء – ربما – بالدولة .
وتبدو النظرة التهميشية إلى المرأة , واعتبارها ملحقا بالرجل في مجتمعاتنا الشرقية مضافا إلى تراث المقدس الرمزي الذي أصبح جزءا من ثقافة الحضارة الإنسانية في كل أطوار تشكلها على يد البطاركة .
إن محاولات مثل إعادة كتابة تاريخ العالم وتفسير أجزاء من سيرورته مجددا سيحوز الإجماع ليس عند الاثنيات المصابة بالغبن التاريخي فحسب . بل سيلقى صداه عند أطراف أخرى في المنظومة المجتمعية . ولعل المرأة ستنال قسطا وافرا لا بأس به من مسألة اعادات النظر هذه .. لماذا ؟.
لأن من شأن إعادة كتابة التاريخ وإعادة النظر في الكثير من المفاهيم والنظريات والفرضيات إعادة الاعتبار إلى المرأة والإعلاء من شانها .
لأن المرأة تاريخيا أزيحت عن مواقعها المتقدمة , لتشهد نكوصية مروعة , داخلة إلى عصور انحطاطها , فتغير البنية الاجتصادية التاريخية من المطريركية إلى البنية البطريركية شهد نكوصا حادا في المواقع والاعتبارات .
هل الانتقال من طور المطريركية إلى طور البطريركية بدعة نظرية ونوع من الأسطرة والميتافيزيقيا وضرب من الأوهام ؟ .
الجواب سيكون لا . لأن تحليل الأساطير ومغامرات العقل الأولى في سومر وغيرها من الأصقاع بناء على الآلية الابستمولوجية يزودنا بالحقائق ويؤكد بشكل قاطع على المرحلتين : الأنثوية والذكورية في المسيرة البشرية .
ونزود القارىْ بمثال من أمثلة لا تحصى في هذا الصدد. فـ / جومو كينياتا / القائد الثوري ورئيس الدولة الكيني فيما مضى يدرس في كتابه "مواجهة جبل كينيا " قبيلته " كيكويو " دراسة انثروبولوجية مكتشفا هذه الأسطورة التنويرية الغريبة :
(( النساء كن يسيطرن على حكم القبائل , وكان الرجال يقومون بخدمتهن , ومضى الأمر هكذا لفترة طويلة , وباءت كل محاولات الرجال بالانقلاب بالفشل فلجأوا إلى الحيلة والعمل السري ونجح الرجال في جعل جميع النساء حبالى في وقت واحد وفي لحظة واحدة وجدت النساء أنفسهن في موقف ضعيف فاستولى الرجال المتآمرون على السلطة العسكرية والسياسية والاقتصادية ولم يتركوها أبدا بعد ذلك )) .
فالأسطورة وأن كانت متخمة بالكثير من الغيبيات والإضافات إلا أنها نتاج مجتمع ما في طور تاريخي , اجتصادي , ثقافي ما .
والأسطورة قديما كانت حصيلة لتفاعل الإنسان مع ذاته وامتدادات الذات في العالم وتأثيرات المحيط بالتالي في تشكل وتبلور الذات .
هذه الأساطير كنتاج للعقل البشري تزعزع دونما شك الكثير من المقدسات ولاسيما في حقل الميتافيزيقيا .
وهي تؤكد على مسألة القطع المعرفي بين الثقافتين والتراثين :المطريركي والبطريركي .
إن أطروحات مثل إعادة كتابة تاريخ العالم وتفسير أجزاء من سيرورته مجددا هو من الترجمات الثقافية للعولمة . ويمكننا اعتبار صعود الهويات الاثنية والثقافية والمطالبات المتكررة بالإصلاح السياسي والاقتصادي من تجليات العولمة . لذا نتوقع أن تتم عملية إعادة انتشار للمرأة إلى مواقع مفارقة لمواقعها الارتكاسية السابقة .
كانت الماركسية فيما مضى فرس الرهان لاجراء عمليات التغيير في المجتمعات العالمية العديدة , واحتشدن النساء الثوريات في النصف الأول من القرن العشرين حول المفاهيم الماركسية ولكن ماذا كانت النتيجة ؟.
لقد بقين في وضع أدنى من نساء المخادع في العالم الرأسمالي .
لقد برز سؤال المرأة إلى السطح مع بداية عمليات قتل الإله , الذكر , الوحيد , المتفرد , المتعجرف في كل الديانات على يد فلاسفة عصر الأنوار والحداثة الأوروبية بالغا الذروة على يد " نيتشه " الذي وجد البديل في الإنسان الخارق .
تأسيسا على تراث الحداثة وما بعد الحداثة تنامي الحركة " الأنثوية " التي تقود آخر ثورات الإنسان الكبرى في العقود الأخيرة .
والحركة الأنثوية المعاصرة لا تسعى نحو تحسين شروط التبعية للذكر . بل غاية سعيها هو قلب الشروط نهائيا وإيجاد مفاهيم لم تكن سابقا .
المشروع الأنثوي عند بعض الباحثين يتركز في تخطي العائلة وحتى تخطي التكوين الصغر والذي يؤبد وضع المرأة في ذلك الركن من المجتمع وهو الأسرة.
لسنا من أنصار انهيار الأسرة كوحدة مجتمعية صغيرة , ولسنا مع إيجاد ثقافة جديدة محورها قتل الذكر وتحنيطه . لكننا مع ثقافة مساواتية لا تضع جدران فاصلة بين الجنسين , ولا تؤكد مكانة المرأة على حساب مكانة الرجل . إذ لا يجب علينا اللجوء إلى مبدأ " رد الفعل من طبيعة الفعل نفسه " أو اللجوء إلى تنظير هيغلي هو قانون " نفي النفي " بمعنى بروز مكانة المرأة هو على حساب اضمحلال مواقع الرجل التاريخية . ولكننا مع المعقولية والعقلانية , مع هدم تصورات الذكر المتهافتة عن الأنثى وجعل الثقافة الإنسانية هي الأساس لا الثقافة الذكورية فقط . ويجب كذلك خلق آليات تسهم في مراجعة كل هذا الكم الهائل من عقد الإقصاء بحق المرأة المتداولة في الكتب الدينية والدب والفلسفات والفن والموروث الشعبي .
#مصطفى_إسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟