|
لن اصفق لافتتاح المجسرات
مفيد بدر عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 3906 - 2012 / 11 / 9 - 00:05
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
من أحلام البصريين والتي صارت واقعا ملموسا الجسور التي أنشأت مؤخرا في تقاطعات مهمة من البصرة ، جسور كنا نشاهدها في الكثير من شوارع بغداد فتضفي لها جمالا و تخفف اختناقاتها المرورية ، قريبا تكتمل وتصبح معالم بصرية ويصفق الكثيرون احتفالا بافتتاحها ، لكن آخرون سيذرفون الدموع وتبدأ ماساتهم لحظة افتتاحها ، بعضهم يتسولون وآخرين يبيعون المناديل الورقية والسكائر والحلويات في تلك التقاطعات مستثمرين توقف السيارات في طوابير طويلة ومنهم صديقي حسن ، يقطع المقص الشريط ومعه يقطع أعمالهم وسبل عيشهم التي لا يعرفون غيرها بديل وينضمون مرغمين إلى مجاميع العاطلين ، قد يجد بعضهم عملا آخر إلا صاحبي حسن فلا يستطيع أن يبتعد عن التقاطع لقربه من منزله الذي تقيم فيه أمه المقعدة ، فلا يعرف عملا غير التسول منذ أن أعيقت أمه التي كانت من امهر الخياطات وأعالت ابنها بعد وفاة زوجها ، تعرفت عليه منذ عام تقريبا في أحد التقاطعات ومن خلال أحاديثي معه وأنا في انتظار أن يفتح الطريق ، عرفت بان سبب عجز أمه هو انزلاقها وسقوطها على عتبة كونكريتية عند مدخل إحدى المدارس بسبب التدافع على صناديق الاقتراع في الانتخابات الفائتة ، ولكنها رغم ألمها لحظة الحادث أصرت على أن تغمس إصبعها بالحبر البنفسجي قبل أن تنقل للمستشفى حالها حال الكثيرين ممن كان يملؤهم الأمل ، حصل ما أرادت ولكن الحادثة لم تمر بسلام فقد تركت عندها شلل وأقعدتها , أما حسن فترك مدرسته مرغما رغم تفوقه وبدأ التسول وأنا على يقين لولا ما حصل لامه يوم الانتخابات لاستمر بتفوقه وتقدمه ، أتحسس ذكائه من كلامه مثلما أتحسس حبه لمن معه ولبلده ، يمتلك حضور وإقناع لا مثيل له ، اذكر انه في احد الأيام تمكن من إقناع أصدقائه في التقاطع من أن يجمعوا مبلغا ليشتروا دهان ابيض لطلاء دورهم العشوائية لسبب منطقي جدا ، يقول حسن : كان يحجب منظرها السيئ عن المارين نبات ( الكاربس ) الكثيف على جانبي الطريق ، ولكن بعدما تكتمل المجسرات وتعتليها السيارات يصبح من السهل لأي مار من ملاحظة خراب بيوتنا المتعبة المغطاة بالصفيح ، كما أقنعهم برفع المزابل التي أمامها ، ما دعاه لهذه الفكرة أنه يخشى على البصرة وسمعتها فلا يرضى أن يقال عنها بأنها مدينة مشلولة مثل أمه . نسمع من أطفال التقاطعات حكايات وقصص تقشعر لها الأبدان ، يصفون أحيانا سلوكا قاسيا لبعض المارين الذين لا يعرفون الرحمة ، نهر ، شتائم ، محاولات اعتداء مستغلين حاجة الأطفال للخبز والتي تدفع بعضهم لمسح زجاج السيارات دون طلب السائقين ، الغريب أن هؤلاء تجمعهم ألفة عجيبة ، يتقاسمون رغيف الخبز ويشعر احدهم بالآخر ، اذكر أن احدهم كسرت يده مدافعا عن أرملة تتسول معه في التقاطع طلب منها احد السائقين أن تكشف عن شيء من جسدها مقابل أن يعطيها خمسة وعشرون ألفا ، بصقت في وجهه فحاول ضربها ولكنه تدخل ولقن السافل درسا ، فكان ثمن شهامته أن كسرت يده . ما يثير عطفي أن كل هذه المعانات لا تقدم لهم سوى المأكل والملابس المتهالكة ، يقول حسن أكثر من يعطينا هم أصحاب السيارات القديمة ، أما اصحاب السيارات المضللة فلم نجن منهم غير الأتربة التي تثيرها مواكبهم المسرعة والتي لا تتوقف فلها طريقها الخاص ، تمنيت أن أتحدث مع احدهم لأقول له : رغم منزلي المغطى بالصفيح ورغم تركي الدراسة مرغما وأبات بعض الليالي دون عشاء ، إلا أني أحب واعشق العراق قدر حبي لامي التي دفعت ثمنا لوصولك لما أنت فيه لذا فأنا أستحق منك وممن معك الاهتمام ، سأصطحب أمي للانتخابات القادمة على كرسيها المتحرك لو أوصلتم لمنزلنا الماء رأفة بي وبحماري فلقد أتعبنا نقل الماء ، ولو ردمتم من حولنا المستنقعات فبعوض الصيف لا يطاق ، و لو أعدتموني لمدرستي فهي روحي بعدما توفروا لامي حياة كريمه وهي تستحق ، وأن لم يحصل هذا فستكون أمي هي الخاسرة وسلكت مثل الكثيرين الطريق الخاطئ وسيزداد ألمها وندمها . أثارت كلمات صديقي حسن عطفي وشفقتي وازددت تعلقا به ، وبدأت ارقب خائفا عقارب الساعة وهي تطوي الأيام المتبقية لانتهاء المجسرات وانتهاء رؤيتي اليومية له ، فلن أنسى ابتسامته التي كانت تشق طريقها وسط الدموع ، لم يخطر ببالي أن تكون أفراح افتتاح المجسرات هي مأساة للمعدمين الذين يستحقون أن نتضامن معهم ونمسح دمعاتهم ، وأولهم صاحبي حسن ، فلن اصفق في يوم خراب بيته .
#مفيد_بدر_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دولة سيد فرج
-
ترحموا على جدي والنخيل
-
ما تعلمت من القطة
-
كفى تجاهلا للسياب
-
ثلاثون مليون محلل سياسي
-
جاسمية وهيلري كلنتن
المزيد.....
-
تطهير عرقي وانتهاكات جسيمة.. الجنائية الدولية تتجه لإصدار مذ
...
-
الإمارات تستعرض تقريرها الوطني الثاني بشأن الميثاق العربي لح
...
-
المتحدث باسم أمين عام الأمم المتحدة:الانروا ستواصل عملها حتى
...
-
-السجن وليس الجيش-.. الحريديم يتظاهرون رفضا للتجنيد
-
لازريني لمجلس الأمن: تطبيق التشريع الإسرائيلي بشأن-الأونروا-
...
-
سيلينا غوميز تبكي بسبب خطة ترامب لترحيل المهاجرين و-قيصر الح
...
-
إعلام إسرائيلي: عودة النازحين لشمال غزة تعني فقدان أهم ورقة
...
-
بأمر ترامب.. هكذا تم ترحيل المهاجرين إلى كولومبيا
-
إسرائيل تعتزم قطع كلّ الاتصالات مع الأونروا
-
لبنان: إطلاق سراح 9 معتقلين من السجون الإسرائيلية
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|