|
استلهام الكاتب المسرحي للتراث بين الارتباك الاتصالي والوعي الحداثي
أبو الحسن سلام
الحوار المتمدن-العدد: 3905 - 2012 / 11 / 8 - 19:38
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
تباينت كتابات كل كاتب من كتّاب المسرح ومبدعيه عن غيرها وتميزت بمقولة رئيسية ارتبطت بإيقاع الفكر الذاتي للكاتب نفسه متفاعلاً مع إيقاع فكر مجتمعه وعصره ؛ بحيث تشكل التيمة الرئيسية الأثيرة لديه . وما فتأ - من ثم - يعالجها في أعماله كلها أو في غالبية أعماله المسرحية من زوايا إبداعية متابينة ومتفاوتة ؛ غير أنها مطبوعة أو ممهورة ببصمته الإبداعية . وهو أمر حري بالبحث أن يتتبعه ويرصده ومن ثم يضعه على مائدة التشريح والتحليل أو التفكيك البحثي أحياناً . لنرى مَـنْ مِـن كتاب المسرح العالمي قد شغل بمقولة سائدة في عصره ومن منهم شغلته مقولة الإنسان مجرداً ، ومن شغلته مقولة الذات ومن انشغل بمقولة البيئة ومن اشتعل مسرحه بمقولة صراع الطبقات ومن حاول أن يشعل بمقولة التراث حياة أمته ، ومن شغلت حسه مقولة الجنس ومن منهم وظّف المسرح في خدمة مقولة فلسفية ومن حركت قلمه مقولة الفكر . هذا من ناحية الموضوع . أما من ناحية المعالجة الإبداعية فإن من الكتابات المسرحية ومن الإبداعات الأدائية في العروض المسرحية وفي تلقيها ما انسجم شكله مع موضوعه وتناغمت تقنياته مع قيمه الفكرية والجمالية ومنها ما ارتبك الأداء فيها فكشف عن خلل يبطل فاعلية الإبداع فيه ويحجب دوره الإبداعي ومن ثم الإقناعي فيعجز عن تحقيق التأثر الدرامي المنشود . وإذا كان هذا هو حال كتّاب المسرح وفنانوه في العالم على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والفنية، فإن كتّاب المسرح العربي وفنانيه قد انشغلوا - وخاصة المصريين منهم - بذلك كله ، كل حسب ثقافته وانتماءاته ووعيه ، وفيما يتعلق باستلهام التراث فنحن نجد الكاتب المسرحي المنشغل أبداً بالتراث يرى في التراث أنه مكتف بذاته ، فكل شيء في التراث : الماضي والحاضر والمستقبل ؛ ومن ثمّ فهو يمهد العقول أو يجتهد في ذلك غاية الاجتهاد خدمة لعودة سيطرة التراث والفكر الماضوي على حياة مجتمعنا المعاصر . لكن إلى أي مدى يتمكن مثل ذلك الكاتب من بسط نفوذ التراث أو الفكر الماضوي على حياتنا المعاصرة ؟! تلك إشكالية أولى وكذلك نجد الكاتب المسرحي المشتعل بالوطن وبالفكر القومي مثيراً لنقع غبار المعارك الوطنية والقومية بوقود الفن وأسلحته المسرحية ، فإلى أي مدى ينجو إبداعه من الارتباك الذي تحدثه تضارب المقولات الفكرية القومية والمواقف المتباينة في زحمة الشعارات السياسية ومزاحمات اللافتات الأيديولوجية وتلك إشكالية ثانية . كما إننا نجد الكاتب المشتغل بمقولات العصر مستظلاً في كتاباته بفكرة قبول الآخر ، فكرة الكونية ، فكرة تراجع الأنا القومية ، تراجعها عن التشبث المستميت بالهوية القومية . وفي ذلك التراجع ربما يرتبك الإبداع وتلك إشكالية ثالثة . ومن الكتّاب من ارتبك إبداعه بين فكره وعاطفته أو زاحمت الصفات في مسرحه شخصياته وأزاحتها أو طمست ملامح إنسانيتها ؛ فأبطلت بذلك تأثيرها الدرامي . ولعل معالجة فكرة (الخطايا السبع ) التراثية - الدينية - خير مثال على قيمة استلهام الإبداع المسرحي لها من منظور اكتفاء التراث بذاته كما هو عند كريستوفر مارلو من كتّاب المسرح الإليزابيثي أو عند جيته أو عند إبسن أو من منظور حداثي أو تفكيكي كما هو عند بريشت . صورة الخطايا السبع بين الوعي التراثي والوعي الحداثي - التصوير الإبداعي للفكرة بين الاستعراض والباليه والمسرح -
إن ما يفرق بين وعي المبدع المستلهم للتراث من منظور ثقافة الثبات ، ووعي المبدع المستلهم للتراث من منظور ثقافة التغير يتمثل في أن المبدع من منظور اليقين لا يخرج عن كونه مجرد مؤدي ، وإنتاجه الأدبي أو الفني لا يتعدى حدود الأداء ؛ لأنه يقف عند عتبات ترجمته الواعية لفكرة تراثية أو لموضوع تراثي يؤمن به . وبما أن التصور أو الرؤية التي يستند إليها في استلهامه المترجم للفكرة التراثية هو عبارة عن ترجمة ؛ فإن الخيال الذي يشكل التصور يكون مقيداً بمحدودية الفكرة التراثية نفسها ومقيداً بضوابطها التي غالباً ما تكون متصلة بمعتقد أسطوري أو خرافي الملامح والسند . أما المبدع من منظور حداثي فهو لا ينظر من خلال واحدية المنظور في توجه اتباعي لا تردد فيه ؛ وإنما يراجع عبر تعدد المنظورات إلى الفكرة الواحدة وتوالد المعنى في كل مرة ثم التوحيد بينها مع صياغة الرؤية الإبداعية حولها وما للخيال والتفسير من أدوار في خلق تلك الرؤية ، بحيث تستأهل أن توصف بالإبداع . وللتأكد من صحة هذا الفرض نتوقف عند التناول المسرحي المتعدد والمتباين لفكرة (الخطايا السبع ) تلك التي شغلت عدداً من كتاب المسرح ومبدعيه بدءاً من التمثيليات الدينية للعصور الوسطى وما تداخل في صياغاتها من خلط بين الوحدات والأنواع مع التهجين في أساليب الفن ما بين المأساة والملهاة والحوار الدرامي والغناء والشعر المباشر لها من العهد الجديد في نص مارلو ( مأساة الدكتور فاوستس ) وفاوست جيته ما أصاب تصويرهما لها من ارتباك إبداعي ، إذ نفرت صورة الخطايا السبع عند كليهما عن البناء الدرامي فظهرت عند مارلو على هيئة استعراض لعدد منن الصفات أو الفقرات التي تستعرض أمام فاوستس في إطار تسلية ميفستوفوليس له دون أن تشتبك تلك ( الصفات / الشخصيات ) أو الأنماط مع الشخصية المحورية ( فاوستس ) بل هي تمر أمامه وفق الاستدعاء لتصف نفسها ليس إلاّ كلون من ألوان المفاخرة بذاتها . ثم وقوفاً عند نظرة بريخت الحداثية لتلك الفكرة ، حيث صورها بأسلوب السيناريو الشعري الغنائي في باليه : ( الخطايا السبع للبرجوازي الصغير ) تصويراً معنوياً - غير تجسيدي كما فعل مارلو وجيته ولينين الرملي وصبحي في الهمجي - من جهة نظر البرجوازية الصغيرة ؛ فهي خطايا إذا عطلت حصوله على الثروة والملكية. فقد جعل بريخت الكلام عن الخطايا السبع نقداً يعلق به على فعل مضاد لهدف ذلك البرجوازي الصغير في الحصول على الثروة ، وذلك رواية تغنى على لسان الأسرة البرجوازية الصغرى أو أحد أفرادها ، فهي خطيئة فحسب إذا لم تحقق له كل النفع الذي يأمله بعد أن خطط لنجاحه في الحصول عليه . وبذلك قصر بريخت فكرة الخطايا على البرجوازي الصغير الطامح أبداً للاستحواز والملكية وليست مسألة شائعة يقع فيها كل البشر من الميلاد إلى المعاد أو من بدء الخليقة حتى الغناء الكوني . وكذلك عالجها جيته في " فاوست " كشخصيات نمطية ( صفات ) فظهرت مرتبكة في البناء الملحمي السمات الذي تأسس عليه نص مسرحيته تلك فبدى غير ممتع غير مقنع كما هو الأمر عند مارلو . وبما يكشف عن الطبيعة الاستعراضية لصياغة مارلو لتلك الخطايا / الصفات في نصه وملامح ذلك أيضاً في فاوست جيته . وفي اتجاه ترجمة الفكرة بقناعة ثقافة الثبات ورسوخها في فكر المؤمن بها والداعية لها بما لا يبتعد عن الإرشاد الأخلاقي الوعظي ( الخطاب الديني ) والأمر نفسه فعله لينين الرملي ومحمد صبحي في معالجتهما المسرحية المصرية للخطايا السبع في مسرحية ( الهمجي ) من حيث الموضوع ، وإن جاء الشكل ملحمي الملامح حيث وظف الرواة في هيئة ملائكية ( الزي الأبيض ذو الجناحين - وفق الصورة التراثية الدينية ) في تقديم كل لوحة من اللوحات السبع توظيفاً أخلاقياً ، باعتبار كل البشر خطائين . وقد فصل الرملي وصبحي الشكل عن المضمون باستخدامهما لتقنية الحكي التغريبي من ناحية وإلحاقها بتجسيد الخطايا من خلال شخصيات نمطية ( الحسد - الكسل - النهم - الغضب - إلخ ) في مباشرة لا تبتعد بالخطاب عن أسلوب المباشرة الوعظية وأساليب الإيضاح بالأنماط . وهكذا تباينت معالجات المبدعين المسرحيين لفكرة الخطايا السبع ما بين البذور الأولى لفن الاستعراض في تصوير مارلو ، وفن الباليه ممتزجاً بفنون الغناء والسرد التمثيلي والرقص والموسيقى بإبداع بريخت ، وفن المسرح كما هو عند لينين وصبحي بما تعكس تباين ثقافة كل مبدع تعرض لهذه الفكرة سواء ولى وجهه شطر محراب التراث أو جال ببصره في الموضوع التراثي فخرج له من كهف عمة البصيرة ليضعه أو يعيد إنتاجه في عصر ثقافة التفكيك التي أحكمت قبضتها على حياتنا المعاصرة في السياسة وفي الاقتصاد وفي الجغرافيا المكانية والبشرية . غير أن الإشكالية تتبدى للباحث في مدى اقتراب استلهام المبدع المسرحي من الفكرة الدينية التراثية ومدى ابتعاده عنها . وإلى أي مدى أصاب هذا الاستلهام متعة الإبداع ومصداقية الإقناع أو وقع في الارتباك الإبداعي سواء تزيا تصويره لها بزي الاستعراض مستهدفاً إبراز مهارات أدائية فردية أو ثنائية أو جماعية تتيح في عمل إبداعي مشاركة استطرادية أو إلحاقية ( ملحقة على البناء الإبداعي الرئيسي ) باعتبار أن الاستعراض لوناً من ألوان اصطناع طريقة مبالغ فيها مع إتقان التعبير عن غرض من الأغراض بما يواكب قدرة العارض المستعرض نفسه . حيث يحرص على إبراز أفضل ما لديه من طرق وأساليب أدائية ومهارات فنية لإضفاء مزيد من الإمتاع حتى وإن لم يجانبه الإقناع ولذلك كثيراً ما يكون الاستعراض منفصلاً عن نسيج العمل الدرامي الذي وضعه المبدع في صياغته لعمله ، بمعنى أنه لا يدخل في نسيج عمله الدرامي . وبذلك لا يكون مقنعاً مع أنه ممتع لزيادة عناصر الشكل فيه عن حاجة الموضوع الذي تصدى النص نفسه لمعالجته وبهذا لا يتوازن الاستعراض شكلاً مع موضوعه لانتفاء الحبكة التي تربط عناصر الشكل بالموضوع المعروض . أو تزّيا بزي الباليه أو بزي المسرح الشامل أو بزي المسرح الدرامي .
ارتباك معالجة مارلو لفكرة الخطايا السبع في ( مأساة الدكتور فاوستس )
" فوستس : لن أذكره من الآن فصاعدا . اغفر لي هذا إن فوستس يقسم إنه لن يتطلع إلى السماء ، ولن يذكر اسم الله أو يصلي له ، وسأحرق أنا جيله وأذبح قساوسته ، وسأجعل أرواحي تدمر كنائسه . إبليس : افعل هذا ، وسنجزيك كثيراً . لقد جئنا من الجحيم يا فوستس لنعرض عليك شيئاً من التسلية واللهو اجلس وسترى الخطايا السبع الماحقة في صورها الحقيقية . سوف أسر لهذا المنظر كما ابتهج آدم بالجنة في اليوم الأول الذي خلق فيه . فوستس : سوف أسر لهذا المنظر كما ابتهج آدم بالجنة في اليوم الأول الذي خلق فيه . إبليس : لا تتحدث عن الجنة ولا عن الخليقة ولكن عليك أن تنظر إلى هذا المشهد ، وأن تتحدث عن الشيطان ولا تتحدث عن شيء سواه هيا بنا . ( تدخل الخطايا السبع الساحقة ) والآن افحصها يا فوستس بحسب تعدد أسمائها وطبائعها فوستس : ومن تكون هذه الأولى ؟ الكبرياء : أنا الكبرياء إني أحتكر أن يكون لي ولدان فأنا شبيها ببرغوث أو فيد أستطيع أن أزحف إلى أي ركن أشاء فأحط مرة على جبين إحدى الفتيات كالشعر المستعار أو أقبّل شفتيها كما لو كانت مروحة من الريش ولكن تباً لك ، ما هذه الرائحة ؟ سوف لا أنطق بكلمة أخرى ما لم تعطر الأرض كلها وتكسها بالأبسطة فوستس : ومن تكون الثانية ؟ الجشع : أنا الجشع وليد الوضاعة والخسة ، ولو طلب لي التمني لوددت أن يتحول هذا البيت بجميع سكانه إلى ذهب ، حتى أحبسكم جميعاً في الأقفاص الجميلة . إيه يا ذهبي العزيز . فوستس : ومن تكون الثالثة ؟ الغضب : أنا الغضب لا أعرف لي أباً ولا أماً فقد انطلقت من فم أسد ولم أتجاوز نصف الساعة من عمري وأخذت أطوف العالم كله منذ ذلك الحين بهذين السيفين ، أصيب بهما نفسي إذا لم أجد من أنازله لقد ولدت في الجحيم ؛ وسأظل أرنو إليها ، إذ لابد أن بعضكم سيتولاني بأبوته . فوستس : ومن يكون الرابع هذا ؟ الحسد : أنا الحسد : جئت منن والد ينظف المداخن وأم تشبه الجمبري إني لا أستطيع القراءة ، لذا كم أتمنى لو أحرقت جميع الكتب إن رؤية غيري يأكل يزيدني نحولا. كم تمنيت أن يحل بهم القحط حتى يشمل العالم أجمع فيهلك الجميع وأبقى أنا وحدي إذن لرأيت ما أكون عليه من السمنة ، ولكن أيحق لك أن تجلس وأنا واقف ؟ ألا من طاعون يفتك بك ! فوستس : اذهب عني أيها الوغد الحسود ! ومن تكون الخامسة ؟ البطانة : من أنا يا سيدي ؟ أنا البطانة . مات عني والداي ولم يتركا لي بحق الشيطان إلاّ معاشاً هزيلاً لا يكاد يعدو الثلاثين أكلة في اليوم الواحد ، تتخللها عشر أكيلات بين وجبتي الإفطار والغذاء مما لا يكفي لسد حاجتي . إني أنتمي إلى سلالة ملكية ! فقد كان جدي فخذ خنزير سمين وكانت جدتي برميل خمر كبير ، كما كان والدي بطرس ومارتن من صناع البيرة المعتقة . ولكن أمي كانت امرأة مرحة لطيفة محبوبة من سكان المدينة بأسرها وكانت تدعى السيدة مارجري صاحبة بيرة مارس . والآن هلا تدعوني يا فوستس للعشاء بعد أن سمعت قصة سلالتي كلها ؟ فوستس : ولو رأيت رأسك معلقة على المشنقة ! أنك سوف تلتهمين جميع أنواع الطعام التي تقدم لي . البطانة : إذن فليخنقك الشيطان فوستس : أخنقي نفسك أنت أيتها البطانة ! من تكون السادسة ؟ الكسل : أنا الكسل . ولدت فوق شاطئ مشمس . حيث أستلقي هناك منذ ذلك الحين لقد ألحقت بي أذى كبيراً بإحضارك لي من هناك فلتدع البطانة والفسق يحملاني إلى هنالك، فلن أفوه بكلمة بعد الآن ولو كان فيها فدية ملك . فوستس : ومن تكون هذه الفتاة الخليعة - آخرة السبع ؟ الفكهة : من أنا يا سيدي إن أول حرف من اسمي يبدأ بالحرف ف إبليس : إلى الجحيم ! إلى الجحيم ! ( تخرج الخطايا ) "
تقنية الصورة بين الاستعراض والدراما : تتبدى إشكالية تقنية تصوير مارلو للخطايا السبع في ( مأساة الدكتور فاوستس) - الذي باع روحه للشيطان في سبيل الحصول على قدراته الخارقة – في انتماء تلك الصورة إلى أسلوب الاستعراض لا إلى أسلوب الدراما - بغض النظر عن شيوع هذا الأسلوب في تمثيليات المسرح الديني للعصور الوسطى وبغض النظر عن إدراك مارلو لطبيعة فن الاستعراض أو عدم معرفته . إذ أن صياغة هذا المشهد صياغة استعراضية ، لا صياغة درامية ، وذلك يتضح من سبب عرضه الذي أعلنته شخصية إبليس على فوستس : " لقد جئنا يا فوستس من الجحيم لنعرض عليك شيئاً من التسلية واللهو " هذا من حيث النظرة التفكيكية في قراءة الشكل الفني للمشهد نفسه . أما من حيث الحتمية الدرامية ، فإن المشهد لا يدخل في لحمة النسيج الدرامي وسداه من حيث البناء ولو جربنا حذفه لما تأثر البناء الدرامي للمسرحية . ولو راجعنا علاقة فوستس بالشخصيات ( الأوصاف أو الخطايا ) التي تمر أمامه مرور الكرام لما وجدنا لها أثراً . فهو يكتفي بدور المذيع الذي لا دور له سوى الربط بين الفقرات التي تعرض أمامنا أو التعليق السطحي الذي لا يقدم الحدث ولا يؤخره . واللوحة بهذا الشكل لا تعدو عن أن تكون ( عرضاً ) أو ( استعراضاً ) وهو كذلك بالفعل ، إذ يمكن أن تعرض هذه الشخصيات المنمطة ( الصفات ) بالرقص وبالغناء وبهما أو بالعرائس أو بخيال الظل أو غيره من فنون الاستعراض . وربما كان ذلك ما فهمه بريشت من قراءته لذلك المشهد أو تلك اللوحة ، فألهمته بكتابة الفكرة على شكل نص ( سيناريو ) للباليه - متجاوزاً أصول الإنتاج في فن الباليه من حيث هو دراما راقصة بالتوازي مع عمل موسيقي خاص به - فأبدع سيناريو يحمل فكره التقدمي الحداثي المضاد لثقافة الثبات ولكل ثقافة الطبقات البرجوازية وأهمها الصغيرة ؛ لأنها تشكل بأعدادها الكبيرة وباستعداداتها الرصيد الاستراتيجي للطبقة العاملة - في عرف طليعتها الثورية ، التي كان بريشت نفسه أحد دعاتها من خلال فن المسرح والشعر، لذلك وظف وعيه الطبقي في إعادة إنتاج صورة الخطايا السبع فرأى أن يقصر وجودها على البرجوازية الصغيرة لا على كل البشر ،وفق ثقافة الثبات التي تؤمن بأن الخطيئة مخلوقة مع البشر منذ بدء الخليقة ، ذلك أن البرجوازية الصغيرة طامحة متطلعة دوماً إلى الملكية ولا يعد خطيئة في نظرها - هكذا رأيه - إلاّ ما يعطل حصولها على ما يحقق لها الامتلاك والاستحواز . ولاشك أن بريشت بذلك ينطلق من ثقافته التفكيكية ، فهو لا يستلهمها في مسرحه استلهام مارلو أو جيته الذي حوّر في مسميات الخطايا السبع في إعادة توظيفه لها في ( فاوست ) أو كما فعل إبسن في ( بيرجنت ) ولا لينين الرملي ومحمد صبحي في معالجتهما لها مسرحياً ، وإنما يكشف عن صور تناقضاتها ويعزلها عن البشرية فهي ليست عدوى غريزية تصيب كل بني البشر ، وإنما هي مرض محصور في طبقة اجتماعية واحدة ، هي طبقة البرجوازية الصغيرة . هذا من حيث الموضوع . أما من حيث الشكل الفني فإن صياغة مارلو للفكرة ربما تعد البذرة الأولى لفن الاستعراض متأثراً بأسلوب تداخل فنون الكتابة الذي ارتبك به أسلوب كتابة المسرحية الدينية في العصور الوسطى أو توسل به لتحقيق أو توصيل الخطاب الديني . وسواء أدرك مارلو ذلك أو لم يدرك فإن مشهد الخطايا هو نموذج أول للمشهد الاستعراضي غير أننا لا نستطيع إلاّ أن نقول إن بريشت كان مدركاً في صياغته لفكرة الخطايا السبع كيف يطوعها لفكره بالكيفية التي تتسق مع أسلوبه التغريبي بالإضافة إلى أنه حقق شمولية الفنون وتكاملها بصياغته للفكرة في قالب يجمع بين فنون الباليه والموسيقى والغناء والسرد التمثيلي وهو أسلوب ابتدعه ؛ فحقق دعوة نيتشه وهيجو إلى تكامل الفنون مثلما فعل فاجنر عن طريق فن الأوبرا ولكن من خلال فن الباليه . بريشت والتناول الإبداعي في كتابة نص للباليه : مع أن المتعارف عليه أن فن الباليه قصة راقصة يتضافر فيها الرقص مع الموسيقى المؤلفة تأليفاً مخصوصاً تبعاً لكل باليه على حده ؛ إلاّ أن بريشت قد آثر أن يكتب نصاً درامياً للباليه ، أو هو بمعنى آخر قد اختار الرقص وسيطاً تعبيرياً أقوى تأثيراً من الكلمة ، لكنه رأى أن يصحب الرقص نص درامي إيضاحي ( موازي ) وحوار شعري غنائي وسردي بين الابنتين تارة والأبوين تارة أخرى لتوضيح ما يريد توضيحه من جوانب معالجة للخطايا السبع فكسل ( آنّا ) الثانية عن ممارسة الخطيئة يعد خطيئة تنبهها إليها أختها ( آنّا ) الأولى مديرة الرحلة عبر سبع الولايات الأمريكية في سبيل جمع المال اللازم لبناء منزل الأسرة في لويزيانا على ضفاف نهر المسيسبي . وتعاظمها على الناس وتقاعسها عن إبراز مفاتنا للرجال يعد خطيئة ثانية تنبهها إليها أختها مديرة الرحلة وغضبها من قسوة الفنان بطل الفيلم تمثل أمامه دورا مساعداً في تعامله مع حيوان أليف تعاطفاً مع الحيوان ( يمثل فوقه دور الفارس ) بحيث يفقدها عملها يعد خطيئة ثالثة تستوجب اللوم والتحذير . وكذلك نهمها في الأكل بما يزيد وزنها ويعطل رشاقتها المنصوص عليها في تعاقدها للعمل في السينما يعد خطيئة رابعة تستوجب المؤاخذة والشدة . وممارستها للجنس بدون مقابل مادي ( على هيئة مضامدة الالتزام بالمناكحة مع رجل معين ) هو خطيئة كبرى لا تحقق الملكية ومن ثم تستوجب نهرها والوقوف ضدها بكل شدة . والجشع في ابتزاز الرجال ( العشاق ) وإفلاسهم تماماً لدرجة انتحارهم يعد خطيئة لا تغتفر . وللغيرة من أخريات ( برجوازيات صغيرات ) يمارسن ما تمارسه ( آنا ) الثانية في سبيل الملكية يعد الخطيئة السابعة والأخيرة التي لا تجوز ممارستها . وهكذا تنجح الأختان ( آنا ) ( واحد ) و( آنا ) إثنان في تحقيق حلم الأسرة في الملكية بتمويل مشروعها لبناء منزل على نهر المسيسبي في لوزيانا من خلال ممارسة الثانية لكمل الطرق غير الشريفة في سبيل الغاية المنشودة بتوجيه ( آنا ) الأولى ) وإرشادات الأسرة المتطلعة إلى الملكية . وتتجلى براعة بريخت الإبداعية ووعيه الطبقي والفني في تناوله أو إعادة تناول فكرة الخطايا السبع تناولاً معنوياً بحيث جعلها من ناحية ( خطايا للبرجوازي الصغير ) الطامح دائماً إلى الملكية . ومن ناحية أخرى صياغتها بحيث تشكل جزءاً من نسيج عمل فني تمتزج فيه فنون متعددة هي فن ( الحكي الدرامي وفن الغناء وفن الباليه وفي الموسيقى ) بما يحقق أسلوبه وفق نظريته في التغريب الملحمي ، ويخلق شكلاً إبداعياً شاملاً لعرض مسرحي . وهو ما يكشف عن أن بريشت بذلك يعد رائداً لفن المسرح الشامل أيضاً . وبالنظر إلى تناول مارلو للخطايا السبع وتجسيدها على هيئة شخصيات تستعرض أمام فوستس للترفيه عنه كمكافأة يقدمها له ميفيستوليس بسبب طاعته له بعدم ذكره اسم الله يتضح انفصال عرضها التصويري عن نسيج النص الدرامي ، وتصوير فوستس كما لو كان مجرد مقدم برامج أو مذيع ربط تليفزيوني أو مسرحي ؛ فلا صراع بين فوستس والصفات أو الخطايا السبع ولا حدث بينهما وبينه . والصورة بذلك يمكن أن تعد بذرة لفن الاستعراض . وإذا كان مارلو قد جسد الخطايا السبع بوصفها صفات مجردة أو أنماط ورموز فإنه جعلها تقدم نفسها بنفسها في حالة فخر وزهو بنفسها ، فهي هنا ليست مذمومة من جهة الدين ، ولا هي محببة من جهة فوستس مشاهدها الأوحد في الحدث بهدف التسلية . صفات معنوية مذمومة من قبل البرجوازي الصغير من حيث طريقة ممارستها في إطار وعيه الطبقي الحاد بما هو نفعي له دون غيره وبما يحول دون الملكية التي ينشدها ويسعى إليها سعياً حثيثاً وفق تخطيط وفكر مدروس ومبرمج وإدارة تنفيذية شديدة الوعي على المستوى الطبقي والبراجماتي وشديدة الصرامة في التزام برنامجها وخطوات تحقيق هدفها النهائي وتعديل مسار رحلة الثراء استرشاداً بما يناسب كل مرحلة من إرشاد أو وصية تقبح أو تذم الفعل الذي يبعدها عن تحقيق هدف من أهدافها أو إحباط مرحلة من مراحل الوصول إلى حيازة المال والثراء . وذلك بعد وقوعه فيما يشبه التحذير من ناحية وفيما يشبه النقد الذاتي بعد ذلك ولاشك أن بريشت قد انتبه لتلك البذرة الاستعراضية إذا كان قد انطلق من الصورة النمطية التي رسمها كريستوفر مارلو للخطايا السبع بما يفصلها عن نسيج نصه الدرامي ، لتبدو على هيئة فقرات أو عرض لصور منفصلة كنماذج أو موديلات للصفات ، كما لو كانت كل صفة زيّاً من الأزياء الأخلاقية في عرض للأزياء أمام شخصية عظيم أو ضيف زائر بترتيب من مضيفه ( ميفستوفوليس ) احتفاء به على ذلك النحو الكرنفالي ( الاحتفالي ) وأدى انتباه بريشت لتلك الصورة إلى صياغة تناوله للخطايا السبع على هيئة سيناريو لباليه . فإذا جئنا إلى جيته في فاوست نجده يصور صفات متعددة أيضاً مثل ( النقص - الخوف - الرجاء - الدين - الحاجة - الهم ) بوصفها شرور أو خطايا بسشرية ويصور (الحصافة) وسيلة تقييد للخوف وللرجاء ، حماية للناس منها بوصفهما الباعثان الرئيسيان على كل خطيئة . وهي عنده سبع صفات أيضاً . أما هنريك ابسن فقد وضع الخطايا السبع على هيئة الاعتراف الأخير " لبيرجنت" في مسرحيته أمام ملاك الموت الذي ظهر له متنكراً في هيئة قس يحمل شبكة صيد الأرواح ، وذلك في تصوير رمزي ، حيث يعترف له بيرجنت بأنه اقترف الجشع والإشراك والكفر والقتل والكذب . أما المعالجة المسرحية المصرية للخطايا السبع عند لينين الرملي في عرض من إخراج محمد صبحي وتمثيله في ( الهمجي ) حيث يجسد الممثلون الخطايا كشخصيات بعد تقديم الرواة (رجل وامرأة ) على هيئة ملائكة ) هي أشبه بتقديم لوحات تستهدف ذم الخطيئة غير أن الرواة أشبه بمقدمي الفقرات وهو تقديم مباشر في أسلوب ملحمي النهج ذي هدف تعليمي ويظهر الارنتباك في انفصال أسلوب الحكي في تقديم اللوحات بأسلوب اللافتات وهو أسلوب المسرح الملحمي .
حول الفكر الحداثي للخطايا السبع في إبداع بريخت : " الخطايا السبع للبرجوازي الصغير " باليه تعبيري في سبع صور ، أخذ بريشت عنوانه من الخطايا السبع التي يذكر الإنجيل أن الدين يحرمها ، والله لا يغفرها . لكنه غيّر من هذه الخطايا وجعل بدلاً منها سبع صفات هي في نظر البرجوازي الصغير أكبر الخطايا . الباليه يمثل عائلة أمريكية تعيش في ولاية " لوزيانا " مكونة من الأبوين وولدين وبنتين ، ولا حلم للعائلة إلاّ أن تبني منزلاً صغيراً على شاطئ المسيسبي ، لكن الأبوين بدلاً من أن يزيدا من عملهما وعمل ابنيهما من أجل تحقيق هذا الحلم فضلاً أن يوفدا البنتين كي تطوفا أنحاء أمريكا وتجمعا المال اللازم بأي وسيلة وبكل وسيلة؛ لا تهم الوسيلة فكل الوسائل مشروعة ! .. وتجمع الابنتان المال اللازم ، وتحقق العائلة حلمها البرجوازي ، فتبني البيت الريفي على شاطئ المسيسبي ، وتلقي الابنتان كل التقدير من المجتمع البرجوازي الذي تعيشان فيه . • تقنيات التناول الإبداعي في كتابة نص الباليه : مع أن المتعارف عليه أن الباليه قصة راقصة يتضافر فيها الرقص مع الموسيقى المؤلفة تأليفاً مخصوصاً تبعاً لكل باليه على حده ؛ إلاّ أن بريشت قد آثر أن يكتب نصاً درامياً للباليه ، أو هو بمعنى آخر قد اختار الرقص ( الباليه ) وسيطاً تعبيرياً أقوى تأثيراً من الكلمة ، لكنه رأى أن يصحب الرقص نص إيضاحي وحوار بين الابنتين تارة ، وبين الأبوين تارة أخرى لتوضيح ما يريد توضيحه من جوانب معالجته للخطايا السبع . ( النص ) يمثل هذا الباليه رحلة لأختين تعيشان مع أسرتهما في مدينة " لويزيانا " إحدى مدن جنوب الولايات المتحدة . تخرج الأختان من مدينتهما في رحلة تزوران فيها سبع مدن مختلفة .. تاركتين باقي أفراد الأسرة في انتظار المال الذي ستجمعه الشقيقتان من رحلتهما .. لتبني به الأسرة منزلاً جميلاً يضم كل أفرادها . واسم كل من الشقيقتين ( آنّا Anna ) إحداهما تقوم بدور المديرة الفنية للرحلة .. والأخرى تقوم بدور السلعة .. الأولى اسمها ( آنّا ) رقم (1) والثانية ( آنّا ) رقم (2) . تظهر على المسرح مائدة صغيرة .. وخريطة تبين خط سير الرحلة للمدن السبع ، أمام الخريطة تقف "آنا " رقم واحد .. وبيدها مؤشر صغير . وفي جانب آخر من المسرح لوحة دائمة التغيير للأماكن التي ستزورها الشقيقتان في أثناء رحلتهما .. في نهاية كل لوحة تبين " آنّا " رقم اثنين إلى أختها " آنا " رقم واحد ومعها باقي أفراد الأسرة .. الأب والأم وولدان . بينما يأخذ شكل المنزل في الارتفاع درجة درجة بعد كل زيارة لمدينة من المدن السبع .. إلى أن يكمل ويتم البناء .. وذلك بفضل تحاشي الأختين للخطايا السبع الكبرى . نشيد الأختين نشأنا أنا وأختي في لويزيانا حيث تجري مياه المسيسبي تحت ضوء القمر كما سمعتم كثيراً في الأغاني وحيث نريد أن نعود إليها ثانية اليوم قبل غد ( الغد ) لقد رحلنا منذ أربعة أسابيع لكي نجرب حظنا في المدن الكبرى آملين أن نحققه في سبع سنوات ثم نعود ثانية بعد ست سنوات خير من سبع لأن والدينا وشقيقنا ينتظروننا في لويزيانا حيث نرسل لهم كل المال الذي نكسبه ومن هذا المال سيبني بيت صغير على شاطئ المسيسبي في لوزيانا آنا (1) : أليس كذلك يا " آنّا " ؟ آنا (2) : بلى يا " آنا " . آنا(1) : إن أختي جميلة وأنا واقعية وإذا كانت أختي طائشة فأنا معقولة وإننا في الحقيقة لسنا شخصين منفصلين وإنما شخص واحد فقط واسمنا كلتانا هو " آنّا " ولنا ماص ومستقبل كما لنا قلب ودفتر توفير وكل منّا تعمل ما فيه مصلحة للأخرى أليس كذلك يا " آنّا " ؟ آنّا (2) : بلى يا " آنّا " اللوحة الأولى • الكسل في ارتكاب الخطيئة : كانت هذه أول مدينة في الرحلة ولكي تحصل الأختان على أول كسب لهما نفذتا حيلة ، فقد كانتا ترتادان حدائق المدينة وهما تتلصصان باحثتين عن الأزواج من بين المتنزهين ، ثم تلقى "آنّا"(1) بنفسها على الزوج كما لو كانت تعرفه من قبل وتحتضنه وتوجه إليه اللوم العنيف .. إلخ .وتضعه بالاختصار في موقف لا يحسد عليه بينما تحاول "آنا " (2) فجأة نحو الزوج وتبتز منه بعض المال بحجة إبعاد أختها عنهما . وقد نفذتا هذه الحيلة بسرعة عدة مرات إلى أن حدث ذات مرة بينما كانت تحاول " آنا " (1) أن تبتز بعض المال من زوج أخذته جانباً وهي مطمئنة إلى أن أختها قد أبعدت زوجته ، وإذا بها تفاجأ وهي مذعورة بأن أختها جالسة على مقعد وقد وقعت في سبات عميق ، فاضطرت إلى إيقاظها ودفعها إلى العمل دفعاً . نشيد العائلة إننا لنأمل أن تكون ابنتنا " آنا " حريصه فقد كانت دائماً تحب الراحة وإذا يدفعها إنسان من فراشها فإنها تبقى نائمة طيلة الصباح وكنّا دائماً نقول لها : إن الكسل هو بداية كل الخطايا يا " آنا " فقد كانت دائماً إبنة عاقلة ، مطيعة ومخلصة لأبويها ، وإنّا لنأمل أن تبقى كذلك دائماً وألاّ نتهاون ف أي لحظة في أثناء العمل . اللوحة الثانية • التعاظم على الناس بأحسن ما عندك : في كباريه صغير قذر تصعد " آنّا " (2) على المسرح وتستقبل بتصفيق أربعة أو خمسة متفرجين كان منظرهم قبيحاً لدرجة أنها اشمئزت وكانت تلبس ملابس متواضعة ، ولكنها أرادت أن ترقص رقصاً محتشماً نظيفاً وكانت تبذل كل ما في وسعها ولكن دون جدوى ، فقد كان ملل الحاضرين يزيد في كل لحظة ؛ فكانوا يتثاءبون كما يتثاءب سمك القرش ( وهم يلبسون أقنعة ذات فم واسع مفتوح تظهر منه أسنان كبيرة ) ثم يرمون فضلات موائدهم على المسرح ثم يطفئوا المصباح إذ يقوم أحدهم بإطلاق رصاصة على المصباح الوحيد الموجود فيطفئه ، ولكن " آنّا " (2) تستمر في رقصها متمسكة بفنها إلى أن يحضر صاحب الكباريه ويأتي براقصة أخرى على المسرح - راقصة عجوز بدينة كريهة المنظر تصعد على المسرح لكي تريها كيف يكون الرقص بنجاح في مثل هذه المواخير ، ورقصت العجوز الشمطاء رقصاً بذيئاً منحطاً ، ولكنها لاقت نجاحاً منقطع النظير . ولكن آنا (2) رفضت أن تنحدر إلى هذا المستوى من الرقص فما كان من " آنا " (1) التي كانت واقفة بجانب المسرح والتي كانت تحاول وحدها أن تشجع أختها بتصفيقها إلاّ أنها سرقت رداءها وأعادتها إلى المسرح دون رداء وأجبرتها على الرقص مثل العجوز الشمطاء وذلك تحت تصفيق الجمهور وتهليله ، فكان ذلك نصر وتهدئة للأخت الباكية . نشيد الأختين عندما تم تزويدنا بالملابس الداخلية والخارجية والقبعات وجدنا وظيفة راقصة في كباريه ولم يكن الأمر هيّناً على " آنّا " فالملابس والقبعات تعطي الفتاة إحساساً بالعظمة لذلك أرادت أن تكون فنانة وأن تقدم فناً في ممفيس التي كانت مدينة رحلتنا ولم يكن هذا هو ما يتطلبه الجمهور لأن الجمهور يدفع ويريد أن يرى شيئاً ممتعاً نظر ما يدفع فإذا أرادت راقصة أن تخفي مفاتن جسدها فإنها لا تلاقي أي نجاح لذلك قلت لأختي بكل جد يا " آنا " إن التعاظم من شأن الأغنياء فاعملي ما يطلبه الناس منك وليس ما تريدين أن يطلبوه منك وفي بعض الأمسيات كنت احتاج لكل جهدي ولم يكن سهلاً أن أنزع منها هذا التعاظم وكنت أواسيها وأقول لها فكري في بيتنا في لويزيانا وكانت تقول حينئذ : نعم يا " آنا " نشيد العائلة ولم تتقدم الأمور كثيراً لأن ما كانت ترسلانه لم يكن بالقدر الذي يكفي لبناء منزل فقد كانتا تستهلكان كل ما تجمعانه من مال وكان لزاماً علينا أن نفيقهم من غفوتهم وإلاّ فلن تتقدم الأمور لأن ما كانتا ترسلانه لم يكن بالقدر الذي يكفي لبناء منزل وكان لزاماً علينا أن نفيقهم من غفوتهم فقد كانتا تستهلكان كل ما يجمعانه من مال .
اللوحة الثالثة الغضب على العادات الدنيا : لقد أصبحت " آنا " الآن ممثلة ثانوية في السينما وكان النجم رجلاً من طراز دوجلاس فيرنباكس . وكان يركب حصانه ويقفز به من فوق سلة من الزهور . ولكن الحصان لم يكن متمرناً فيضربه الفارس ويقع وقعة شديدة ، ولا يمكنه الوقوف ثانية بالرغم من محاولات الفارس .. وتقديم السكر له .. وحينئذ يضربه الفارس ثانية بقسوة وفي هذه اللحظة تتقدم الممثلة الثانوية وقد تملكها الغضب فتأخذ العصى من يد الفارس وتضربه هو بدلاً من الحصان وفي الحال تطرد " آنّا " من عملها ، ولكن أختها تمسك بها وتهزها بعنف ثم تعيدها لتركع على ركبتيها أمام البطل مقبلة يده مستعطفة إيّاه لكي يعيدها إلى عملها . نشيد الأختين والآن تتقدم الأمور فقد أصبحتا في لوس أنجلوس حيث تفتح الأبواب أمام الفتاتين خاصة إذا تكاتفتا سوياً فإن الأمور تسير إلى الأمام دون توقف إن من يريد أن يغضب لكل هفوة يراها فإنه سيدفن سريعاً ومن لا يتحمل حقارة الآخرين كيف يطلب من الناس أن يتحملوه ومن لا يريد أن يتسامح أبداً فإنه يأثم على الأرض
اللوحة الرابعة النهم في الأكل : أصبحت " آنا " الآن نجمة يربطها بعملها عقد رسمي ينص على أن يبقى وزنها ثابتاً وألاّ يسمح لها بأن تأكل شيئاً تريده .. وفي يوم من الأيام سرقت " آنا" تفاحة وأكلتها كلها خلسة ، ولكن عندما أعيد وزنها اتضح أنه قد زاد جراماً واحداً مما دفع المتعهد أن يشد شعره غضباً ، ومن ذلك اليوم اضطرت ألاّ تأكل إلاّ تحت رقابة أختها وأن يقدم لها الطعام بمعرفة خادمبين يحمل كل منهما مسدساً وألاّ يسمح لها أن تأخذ إلاّ قطعة صغيرة من اللحم . نشيد العائلة وصل خطاب من فيلادلفيا يفيد بأن " آنا " بخير وأنها الآن بدأت تربح وأنها وقعت عقداً للعمل كراقصة يحرّم عليها أن تأكل كثيراً وهو أمر عسير لأنها نهمة إذا أرادت أن تلتزم بنص العقد لأنهم في فيلادلفيا لا يريدون ممثلة بدينة ولذلك بالطبع فإنها ستوزن كل يوم والويل لها لو زاد وزنها جراماً واحداً لأنهم قرروا أن يقف وزنها عند نقطة ثابتة 52 كيلو دون زيادة أو نقصان وما يزيد على ذلك فهو مرفوض كالخطيئة ولكن "آنا" شديدة التفاهم وتهتم بأن يكون العقد عقداً وكانت تقول دائماً يمكنك أن تلتهمي في النهاية في لويزيانا يا " أنا " كثيراً من الفطائر وشرائح اللحم والفراخ والحلوى ذات العسل الذهبي الجميل فكّري في تينا في لويزيانا وانظري كيف ينمو طابقاً فوق طابق كوني حريصة فإن النهم من الخطايا
اللوحة الخامسة • الدعارة بدون ثمن : لقد أصبح لآنّا صديق فتى جداً يحبها ويهديها الكثير من الملابس والجواهر - وعشيق كانت تحبه وكان يأخذ منها - من ثم - هذه الجواهر . لكن " آنا " (1) عابت عليها ذلك بشدة وأجبرتها على الانفصال عن فرناندو وأن تبقى مخلصة لإدوارد ، ولكن في أحد الأيام مرت " آنا " (2) أمام مقهى ورأت أختها " آنا" (1) تجالس فرناندو والذي كان يحاول بدون أي نجاح أن يتودد إليها ولكن " آنا " (2) هجمت على أختها بشدة وتشاجرتا حتى وقعتا على الأرض أمام إدوارد وأصدقائه وأمام جمهور الفضوليين وأطفال الشارع حتى سخر منهم الكبار والصغار وهرب إدوارد وهو في شدة الانزعاج ، ولكن "آنا"(1) عابت الأمر على أختها وأرسلتها ثانية لإدوارد بعد أن ودعت فرناندو وداعاً مؤثراً .
نشيد الأختين لقد وجدنا في بوسطن رجلا كان يدفع بسخاء عن حب وعن غرام وكم تعبت مع أختي لكي تحبه . ولكن رجلاً آخر كانت هي تدفع له وأيضاً عن حب وعن غرام وكنت كثيراً ما أقول لها : إنك بدون إخلاص تفقدين نصف قيمتك. لأن الرجال لا يدفعون كثيراً لامرأة ساقطة ولكنهم يدفعون للتي يحترمونها إن ما تعملينه لا يمكن أن تقوم به إلاّ تلك التي لا تحتاج إلى أحد أما الأخريات اللاتي ينسين حقيقة أوضاعهن فلن يصادفن إلاّ المتاعب وكنت أقول لها لا تجلسي بين مقعدين ثم أزور فرناندو وأقول له إن هذه الأحاسيس هي الخراب بالنسبة لأختي إنما تعمل ذلك تلك التي لا تحتاج إلى أحد أما الأخريات اللاتي ينسين حقيقة أوضاعهن فلن يصادفن إلاّ المتاعب لكني كنت بكل أسف أقابل فرناندو كثيراً ولم يكن في الحقيقة بيننا شيء ولكن أختي رأتنا مصادفة فهجمت عليّ في الحال إن هذه أشياء مؤسفة ينساها الإنسان كثيراً ولا يقوم بها من كانت الأضواء مسلطة عليه وبذلك أظهرت جسدها العاري الجميل وهو أثمن من مصنع صغير وجعلته فرجة رخيصة مهينة للفضوليين وأطفال الشوارع وهذه الأشياء تحدث دائماً عندما ينسى الإنسان نفسه ولكن هذا ما تفعله المرأة التي لا تحتاج إلى أحد وكم كان صعباً إصلاح كل هذا وداع فرناندو والاعتذار لإدوارد والليالي الطويلة التي كنت أسمع فيها بكاء أختي وهي تقول لقد كان هذا صواباً ولكن كم كان صعباً .
اللوحة السادسة الجشع في السرقة والخداع : وبعد مرور مدة قصيرة خسر إدوارد كل ما يملك بسبب " آنا " وأطلق الرصاص على نفسه ومات. ونشرت الجرائد صوراً لآنا وهي مبتسمة وكان القراء - وفي أيديهم هذه الجرائد - يحيونها باحترام ويتبعونها في كل مكان وهم يطمعون في أن يكون خرابهم على أيديها . ولكن عندما ألقى شاب ثان بنفسه من النافذة منتحراً بعد ذلك بمدة قصيرة وبسببها أيضاً تدخلت الأخت وأنقذت شاباً ثالثاً كان يريد أن يشنق نفسه وأخذت من أختها آنا (2) ما ابتزته من أمواله وأعادتها إليه ، وقد فعلت ذلك لأن الناس كانوا قد بدءوا يبتعدون عن أختها بسبب جشعها الذي أساء إلى سمعتها .
نشيد العائلة ذكرت الجرائد أن " آنا " وهي الآن في تينسي وحولها ينتحر الناس بكل الوسائل وقد جمعت هناك مالا ً كثيراً ونشر مثل هذه الأشياء فيالصحف شيء جميل يزيد من الشهرة ويدفع أي فتاة إلى الأمام إذا لم تكن هي جشعة للغاية وإلاّ أخذ الناس بسرعة يتحاشونها .. ويبتعدون عنها إن من يظهر جشعه يبتعد الناس عنه ويشيرون إليه بالبنان ذلك الذي لا حد لجشعه فإذا أخذت بإحدى اليدين يجب أن تعطى باليد الأخرى ويسمى ذلك الأخذ والعطاء وتكون القاعدة جنيها مقابل جنيه ومن حسن الحظ فإن ابنتنا "آنا" حريصة ولا تأخذ من الناس آخر قميص لهم والآن فاعلم أن الجشع العاري ليس مما يوصى به
اللوحة السابعة الغيرة من السعداء : ومرة أخرى تظهر آنا وهي تسير في طرقات المدن الكبرى وتشاهد في أثناء سيرها ( آنّات ) كثيرات أخر ( تحمل الراقصات أقنعة تجعلهن جميعاً شبيهات " بآنّا " يمارسن الجشع وغيره دون تورع أي أنهن يرتكبن الخطايا التي حرمت عليها هي وتكون الفكرة الأساسية التي يقدمها هذا الباليه هي " أن الأخريات سيصبحن الأوليات " إذ بينهن شبيهات أخريات بفخر تحت الأضواء تحس " آنّا " (2) خطاها بتعب منحنية القامة ، ولكن بعد ذلك يبتدئ النصر فتسير بينما تقع الأخريات الواحدة بعد الأخرى ويخرجن من أزقة مظلمة . نشيد الأختين وكانت آخر مدن رحلتنا سان فرنسيسكو وقد صار كل شيء على ما يرام . ولكن " آنا " كثيراً ما كانت متعبة كل امرأة كانت تقضي يومها في التراخي لا تحفل بشيء وفخورة تغضب لكل ما هو وضيع مستسلمة لرغباتها سعيدة لا تحب إلاّ الحبيب وتققبل منه دائماً ما تريد وكنت أقول لأختي المسكينة يا أختي : لقد ولدنا جميعاً أحرارا وكان يمكننا أن نسير في الحياة كما يحلو لنا وفي وضح النهار ونسير في طريق ملتو إلى أبواب النصر ولكن إلى أين نذهب . هذا ما لا تعرفينه يا أختي اتبعي نصائحي وتنازلي عن رغباتك التي توقعك كما وقعت الأخريات دعك من هؤلاء الحمقاوات اللواتي تكون نهايتهن سيئة لا تأكلي ولا تشربي ولا تكوني خاملة فكري في عاقبة الحب تذكري ما يحدث إذا فعلت دائماً ما تريدين لا تفرطي في شبابك فإنه لا يدوم يا أختي اتبعي نصائحي وسترين في النهاية إنك ستنتصرين على كل الأخريات وستقضين صامدة أمام العقبات المخيفة ولن ترتعدي أمام الأبواب المغلقة ثم عدنا .. أختي وأنا إلى لويزيانا حيث تجري مياه المسيسبي تحت ضوء القمر كما تعلمون من الأغاني الكثيرة لقد بدأت رحلتنا منذ سبع سنوات إلى المدن الكبرى لنجرب حظنا الآن لقد حققناه والآن لقد بنيناه وهاهو ماثل أمامنا منزلنا الصغير في لويزيانا منزلنا الصغير على نهر المسيسبي في لويزيانا "
تعقيب نقدي عام تتجلى براعة بريشت الإبداعية في تناوله أو إعادة تناوله للخطايا السبع تناولاً معنوياً بحيث جعلها من ناحية خطايا للبرجوازي الصغير الطامح دائماً إلى الملكية ومن ناحية أخرى صياغتها بحيث تشكل جزءاً من نسيج عمل فني تمتزج فيه فنون متعددة هي فن الحكي الدرامي ، وفن الغناء وفن الباليه ، وفن الموسيقى ، ربما يحقق أسلوبه وفق نظريته في التغريب الملحمي ، ويخلق شكلاً إبداعياً شاملاً لعرض مسرحي . وهو ما يكشف عن أن بريشت بذلك يعد رائداً من رواد فن ( المسرح الشامل ) وبالنظر إلى تناول مارلو للخطايا السبع وتجسيدها على هيئة شخصيات تستعرض أمام فوستس للترفيه عنه كمكافأة يقدمها له ميفستوفوليس بسبب طاعته له بعدم معودة ذكر اسم الله ، تتضح انفصال عرضها التجسيدي عن نسيج النص الدرامي ، وتصوير فوستس كما لو كان مجرد مقدم برامج أو مذيع ربط تلفازي أو مسرحي إذ لا صراع بين فوستس والصفات ( الخطايا ) ولا حدث بينه وبينها . والصورة بذلك يمكن أن تعد بذرة لفن الاستعراض . وإذا كان مارلو قد جسد الخطايا السبع بوصفها صفات مجردة أو أنماط ورموز ، فإنه جعلها تقدم نفسها بنفسها في حالة فخر وزهو بنفسها ، فهي هنا ليست مذمومة من جهة الدين ولا هي محببة من جهة فوستس - مشاهدها الأوحد في الحدث بهدف التسلية لا أكثر ولا أقل - أي لا أثر درامي لها . فإن بريشت في تناوله للخطايا السبع بوصفها صفات معنوية مذمومة من قبل البرجوازي الصغير من حيث طريقة الممارسة في إطار وعيه الطبقي الحاد بما هو نفعي له دون غيره ، وبما يحاول دون الملكية التي ينشدها ويسعى إليها سعياً حثيثاً وفق تخطيط وفكر مدروس ومبرمج ، وإدارة تنفيذية شديدة الوعي على المستوى الطبقي والبراجماتي وشديدة الصرامة في التزام برامجها والخطوات المرحلية لتحقيق هدفها النهائي ، حيث تعمل باستمرار على تصويب مسار رحلتها نحو الثراء ، وذلك استرشاداً بما يناسب كل مرحلة من إرشاد أو وصية تقبح أو تذم الفعل الذي يبعدها عن تحقيق هدف منشود في الخطة أو عامل إحباط لمرحلة من مراحل الوصول إلى حيازة المال والثراء ، وذلك بعد وقوع الخطيئة وفيما يشبه التحذير من ناحية ويشبه النقد الذاتي من ناحية ثانية . ولاشك أن بريشت قد انتبه للبذرة الاستعراضية في نص ( مأساة الدكتور فاوستس ) وإبسن في ( بيرجنت ) ولينين الرملي في (الهمجي ) واعتقد أن كل هؤلاء الكتاب قد انتبهوا إلى ذلك ، فإذا كان بريشت قد انطلق من هذه الصورة التي رسمها مارلو للخطايا السبع الذي فصلها عن نسيج نصه التراجيدي لتبدو على هيئة ( نمر ) أو فقرات ، بشكل حيلها إلى عرض نماذج أو موديلات للصفات كما لو كانت كل صفة منها زياً مكن الأزياء الأخلاقية في عرض للأزياء أمام شخصية عظيم ( ضيف زائر ) بترتيب من مضيفه وهو هنا (مفيستوفوليس ) الذي يحتفي به على ذلك النحو الكرنفالي ( الاحتفالي ) فإن بريشت قد صاغ عمله كسيناريو لباليه تتخلله أغان تمهيدية ونقدية ، في حين أن جيته في ( فاوست ) يصور صفات متعددة أيضاً تصويراً احتفالياً أيضاً مثل صفات ( النقص ، الخوف ، الرجاء ، الدين ، الحاجة ، الهم ) سبع صفات يصورها بوصفها شروراً لا مهرب منها سوى بصفة أخرى واقية منها وهي صفة ( الحصافة ) وهي عنده وسيلة تقييد ( للخوف والرجاء ) حماية للناس من شرهما . ففي ثنايا الأحداث من عمله الملحمي الدرامي (فاوست) وفي الجزءالثاني تتنقل الأحداث عبر عشرين منظراً ( مكاناً ) من خلال استهلالين تعقبها أحداثالنص المسرحي الأول الذي يستغرق ثلاثة وثمانين ومائة صفحة ، وتدير الحوار في أحداثها سبعة وثمانون شخصية . ويتضمن الجزء الثاني من النص المسرحي خمسة فصول اشتملت على أربع عشرة شخصية تدير عشرين مكاناً ومنظراً تضاف إليها جوقات متعددة من الشياطين والصبيان والرهبان واملائكة وجند السماء ومجاميع نوعية . هذا فضلاً عن اللغة المدججة بالمعلومات والمزدحمة بأسماء الأعلام والأماكن والحوادث والمعارف التي اثخن بها جيته جسد النص ، الأمر الذي حدا بالمترجم د. عبد الرحمن بدوي أن يحشد لها تسعين وخمسمائة حاشية في هوامش جزئية للنص وهو ما يحول بينها وبين التجسيد في عرض مسرحي ، ويصيب متلقيها بالارتباك في التركيز والاستيعاب حيث ارتباك النص نفسه . ففي تناوله لفكرة الخطايا عالجها أيضاً كصفات تلبست شخصيات نمطية تؤكد البعد الديني الأخلاقي عند البشر جميعاً . وحتى مع الإعداد الذي وضعه شعراً د. محمد عناني للمسرحية نفسها وهو قصير ( في فصل واحد ) لم يتجسد هذا النص المعد أيضاً على المسرح حتى الآن . على أن معالجة إبسن لها متفرقة في المشاهد الأخيرة من مسرحية ( بيرجنت ) لم تخرج عن ذلك التصوير أيضاً ، فهي صفات لصيقة بالبشر جميعاً - مخلوقة معهم - ولا تنتهي إلاّ بنهاية البشر ، فهي إذن دينية أخلاقية - وهي وإن ارتبطت بنسيج الشخصية - إلى حد ما - إلاّ أنها لا تحدث الارتباك الذي يحدثه تصوير الخطايا كما هي عند مارلو أو عند جيته أما المعالجة المسرحية المصرية للخطايا السبع فنجدها عند لينين الرملي في عرض من إخراج محمد صبحي وتمثيله بعنوان ( الهمجي ) حيث تحولت الخطايا إلى عناوين يتبع كل منها لوحة يقدم لها راويين في هيئة ملاك ( ذكر وأنثى ) وآخر في هيئة شيطان وذلك في انفصال تام عن الحدث الذي يشخص أو يجسد بعد الرواية أو التقديم بما يحيل الرواة إلى مجرد مقدمي برامج أو فقرات في عرض مسرحي أمام الجمهور . ويلي كل تقديم صورة تجسيدية ممثلة للصفة المذمومة أو الخطيئة التي يجب تجنبها ويأتيها الارتباك في استخدام تقنية تغريبية ( الرواية والأقنعة ) في موضوع ديني أخلاقي إيهامي يستهدف التعليمية في حين أن المنهج التغريبي الملحمي كل لا يتجزأ تقنيات وأسلوب ومضمون وتلقي . وهكذا ظهر الاختلاف في المعالجة بين مارلو وجيته وابسن الذي وضع الخطايا على هيئة الاعتراف الأخير لبيرجنت أمام ملاك الموت الذي ظهر متنكراً في هيئة قس يحمل شبكة صيد الأرواح حيث يعترف له بيرجنت بأنه اقترف ( الجشع والإشراك والكفر والقتل .. ) وظهر فاوست جيته موكب المساخر بذرة للاستعراض ، كما ظهر عند مارلو وذلك تتويجاً لمثالية الفكر والتوجه بعكس بريشت الذي نحا به فكره المادي الجدلي إلى قصر الخطايا على البرجوازي الصغير . أخلص مما تقدم إلى أن اختلال توازن انتباه المؤلف أو المخرج أو المصمم أو الممثل هو نتيجة عدم استغراقه التقريبي في عمله الإبداعي في توزيع انتباهه على كل عناصر عمله الإبداعي بالتساوي مما يربك الصورة الإبداعية ومن ثم يفقد الإبداع قدرته على خلق الإثارة الإمتاعية والإقناعية للمبدع نفسه قبل المتلقي .
#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشريح نصوص مسرحية
-
الإبداع بين الحرية والالتزام
-
هوامش مهرجاناتية
-
الثقافة الجماهيرية من ثروت عكاشة إلى فاروق حسني
-
مسرح الثقافة الجماهيرية بين المد والجذر
-
درامية التعبير الصوتي في فن الأداء المسرحي
-
فنون التمثيل داخل التمثيل بين بيرانديللو ومحمود دياب
-
ثقافة التناكح في حياة المسلم
-
ذكريات .. لزمن آت
-
ضوء أسود وحوائط عازلة
-
حرية العقيدة في القرآن
-
الفاعل الفلسفي في المسرح الوجودي - المومس الفاضلة نموذجا -
-
كتابة الصورة المسرحية بين أفلاطونية التقديس والتدنيس
-
خيوط الاتصال بين الناقد والباحث
-
الممثل وبناء الدور المسرحي بين البواعث والدلالات
-
مدرسة المشاغبين فبي ميزان النقد
-
عروض مسرحية بلا إنتاج
-
كتابة ناقدة لنصوص مسرحية واعدة
-
- برشيد - وقضية تخوين الحركة النقدية المسرحية
-
تراجيديا في قالب كوميدي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|