خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3905 - 2012 / 11 / 8 - 08:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع اعادة انتخاب اوباما رئيسا لفترة ثانية للولايات المتحدة, تتزايد عالميا التوقعات حول توجهاته السياسية في فترة لم يعد يخشى فيها نتائج عملية اعادة انتخاب الرئاسة, دون ان يسقط من حساباته طبعا, الحرص على خلق فرصة لانتخاب رئيسا من الحزب الديموقراطي خلفا له بعد نهاية فترة رئاسته الثانية, ولا يعود ذلك الى محاولة رد الجميل للحزب الذي اوصله لهذا المنصب, وهو قطعا احد العوامل في ذلك, ولكن لان وجود اي من الحزبين في ادارة الشان الامريكي يعني قطعا توجها اقتصاديا محليا مميزا يخدم شريحة محددة من شرائح الطبقة الراسمالية الامريكية, ويخدم بشكل اكبر مسارا معينا من مسارات عملية الانتاج التي تستثمر فيها اموالها, ولا يعني ذلك بالطبع انه لن يخدم كل الطبقة الراسمالية الامريكية ولكن قطعا سيكون هناك قطاعا مميزا منها يستفيد من توجهات الاقتصادية لكل من الحزبين,
ان الحوار الانتخابي بين مرشحي الحزبين الامريكيين, ويتابعه الناخب الامريكي بشغف يدور اغلبه حول الرفاهية والخدمات, والانعكاس السياسي عليها, لكنه لا يعكس في الحقيقة الحوار الذي يدور موضوعيا بين اذرع عملية الانتاج الامريكية, ولا حول توجهات تمركز الراسمال الامريكي, فهذه من خفايا الديموقراطية الامريكية وغيرها, كما انه لا يعكس صورة صراعها الاقتصادي العالمي, فهذا جميعه مغيب عنه الناخب الامريكي الذي لا يهمه من العملية الديموقراطية سوى ما تجلبه له او تحرمه منه من عائد مالي وخدمات ورعاية ورفاهية,
ان المازق الرئيسي الذي تواجهه الولايات المتحدة هو حالة تسرب وضع التفوق العالمي من يد سيطرتها, و العودة الى وضع تعددية القطبية, في صورة وشكل تعددية مراكز القوة لا تعددية الايديولوجيات والانظمة الذي كانت تواجهه خلال الحرب الباردة ضد المعسكر الاشتراكي, فهي تواجه الان تنافس في النفوذين السياسي والاقتصادي من مراكز انظمتها من نفس طينة النظام الامريكي الراسمالية, الامر الذي يحرم دعاويتها التحريضية ضد هذه المراكز من الدعاية حول قدسية الملكية الخاصة ولذلك لم يكن غريبا ان راينا اعلامها يتجه الى تناول موضوع درجة و مستوى تحقق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية خارج الولايات المتحدة وداخل المجتمعات الاخرى, وهو ما انعكس على استقرار مجتمعات الدول النامية والمتخلفة بصورة رئيسية حيث تواكب مع حالة الفقر والبطالة التي تعيشها مجتمعات هذه الدول بسبب افقار مراكز التفوق العالمي لها, وكان الحراك في منطقة الشرق الاوسط وفي اطار مقولة الربيع العربي هو الاكثر استجابة لهذه الدعاية الامريكية نظرا لتلازمه مع قمع الحريات الكبير الذي تعاني منه مجتمعات المنطقة, حيث جاء بنتائج خدمت توسيع نطاق النفوذ الامريكي ( مؤقتا ), اما المراكز الرئيسية المنافسة للولايات المتحدة في التفوق فلم تعكس الدعاية الامريكية عليها اكثر من حالات ازعاج محددة عانت منها حتى الولايات المتحدة نفسها كما راينا في حراك شارع البورصة في نيويورك وبعض المدن الاخرى,
ان المشكلة الرئيسية التي تواجه الولايات المتحدة اذن هي في حركة انتقال وضع التفوق الاقتصادي العالمي من النطاق السياسي الغربي, وخصوصا النطاق الامريكي الى النطاق السياسي الاسيوي وعلى وجه الخصوص الصين, ذات الانتاج السلعي رخيص الثمن, والقادر على اساس مبدأ حرية التجارة العالمية على اختراق اي اعاقة نفوذ سياسي له, في حين يؤمن التفوق العسكري الروسي الغطاء الامني لهذا التفوق الاقتصادي الصيني من خلال توافق المركزين في تحالف شنغهاي, وهي مشكلة ورثتها ادارة الرئيس اوباما عن ادارة بوش الابن منذ فترة الرئاسة الاولى ويبدو ان انعكاساتها ستلازم الرئيس اوباما في فترة رئاسته الثانية, فالازمة المالية الامريكية لم تنتهي بعد وهي بحاجة الى معالجة طويلة الامد ومشكوك في جدوى الحلول التكنوقراطية المطروحة لها, لان توفير شروط التنافس الاقتصادي هي مبدأ نظام الاقتصاد الحر, وبهذا الصدد هناك عاملين ينعكسان بصورة سلبية على قدرة الولايات المتحدة على منافسة الاقتصاد الاسيوي وهما اولا رخص الايدي العاملة الاسيوية, وثانيا تدني مستوى الانفاق الحكومي الاسيوي مقارنة بفحش مستوى الانفاق الحكومي الامريكي, ولا ننسى هنا ايضا ان الولايات المتحدة مضطرة في مواجهة هذا التحدي الى خلق تالف عالمي ضده مما يعني اضطرارها الى تقديم تنازلات لشركائها من مراكز التفوق الاخرى والمراكز النامية التفوق في اسيا وامريكا اللاتينية وغيرها والاولى تعرف بمجموعة الدول الثمانية والثانية بمجموعة الدول العشرين,
في اطار مواجهة هذا التحدي تحاول الولايات المتحدة عن طريق تحسين وضع الالتفاف السياسي العالمي من حولها ان توفر اصطفافا سياسيا يحسن شروط تنافسيتها وتنافسية شركائها الاقتصادية في مواجهة الاندفاعة الاقتصادية الاسيوية, وفي هذا الاطار تتموضع الاهمية السياسية للقضايا الاقليمية ويكتسب وزن الاطراف الاقليمية قيمة سياسية مضاعفة, حيث تكتسب مشاكل الشرق الاوسط على وجه التحديد اهمية خاصة نظرا لمركزية موقعها ولوجستيته في خارطة الاتصال العالمي, ونظرا لقيمتها الاقتصادية العالية, الامر الذي وإن لا ينفي الاهتمام الامريكي بالعمق الاسيوي وتحدياته الا ان اهمية منطقة الشرق الاوسط ستفرض نفسها على اهتمامات الادارة الامريكية لاعتراضها التوجهات الامريكية نحو عمق اسيا
لم يكن غريبا اذن وبكل وقاحة وبعد مشاركة واسعة منه في حملة ضد اعادة انتخاب اوباما ان يبادر رئيس وزراء الكيان الصهيوني الى تضمين تهنئته للرئيس الامريكي المنتخب بالتذكير بتالف المصالح الامريكية الصهيونية, والذي يعني ان نتنياهو يقترح على اوباما ان يبتلع وقاحة نتنياهو السابقة والالتفات الى حاجة مصالح البلدين للخدمات المتبادلة بينهما, ونظرا لان نتنياهو عبر تقديم موعد الانتخابات الاسرائيلية يبني تحالفا قويا مع ليبرمان سيمكنه كما يعتقد نتنياهو من مواجهة ضغوط محتملة ستمارسها عليه ادارة اوباما وتتعلق بضرورة احترام الادارة الاسرائيلية للمصالح والنفوذ الامريكي في المنطقة, والعودة لوضعها في مقدمة لائحة الخدمات الجيوسياسية التي يقدمها الكيان الصهيوني لمراكز التفوق العالمي,
لقد استشعر المجتمع الصهيوني والذي ينحو نحو التحرر من المبدا الوظيفي الخدماتي لوجوده معنى اعادة انتخاب اوباما لفترة رئاسة امريكية ثانية ولم يكن مسرورا من ذلك, بل حملت ردة فعله احباطا لاحظه الاعلام الصهيوني, مما استدعى من نتنياهو ان يصدر تعليمات الى اعضاء حزب الليكود بعدم التعليق على فوز ابوباما, ومعنى ذلك انه لا يحتاج لمزيد من توتير العلاقات به, فقد وترها هو شخصيا بما فيه الكفاية من قبل, حين كانت لا تزال بيده ورقة الانتخابات الامريكية وتاثير الكيان الصهيوني على صوت الناخب اليهودي الامريكي, اما الان وقد سحبت منه هذه الورقة كما سحبت منه الاوراق الشرق اوسطية الاخرى, فهو بحاجة الى تهدئة علاقته بالرئيس الامريكي وعلى شكل خاص تفاديا لتدخلات الادارة الامريكية بالعملية الانتخابية الصهيونية, وهو ما تكرر مرارا في تاريخ الكيان الصهيوني
ان ما اشرنا اليه بهذا الصدد لا يعني ان الادارة الامريكية ستنحاز ميكانيكيا لصالح الاطراف الاخرى ومنها الطرف الفلسطيني, ففي كل الاحوال تبقى المصلحة الامريكية في الهيمنة على مسار تسوية صراعات المنطقة هي الاهم بالنسبة للادارة الامريكية ولكن ذلك لا ينفي ان القرار الامريكي في ظل هذه الشروط سيكون اكثر اتزانا وإن لم يكن في العادة عادلا تجاه الحقوق الفلسطينية, حيث يتاسس الموقف الامريكي على الانحياز لوجود واستمرار وامن وتفوق الكيان الصهيوني, ولكن ضمن مقولة حل الدولتين الذي يضمن للولايات المتحدة ماديا وعمليا اسقاط الصهيونية لشعار اسرائيل الكبرى
ان ادارة اوباما لن تفكك معارضتها للتحرر الفلسطيني من العزلة المفروضة عليها بموجب اتفاقيات اوسلو, والاتجاه الفلسطيني لتدويل الصراع, والمحاولة الفلسطينية لاختراق الشرعية الدولية ومحاولة تعريف اسس ومرجعيات واضحة لعملية التفاوض, تحفظ لهم حدا ادنى من الحقوق يصر الكيان الصهيوني على ان تتجاوزه تنازلات القيادة الفلسطينية, وهو ما لم يعد بامكان هذه القيادة خصوصا في ظل الحد الادنى الذي حددته لها القيادة الصهيونية والذي احال الحقوق الفلسطينية ماديا ومعنويا الى اشلاء, لكنه لا يجب ان ننسى ان هذه الادارة الامريكية قرأت سابقا مستوى انحطاط شروط الطرف الفلسطيني التفاوضية حيث لم تترك سياسات نتنياهو للطرف الفلسطيني منفذا يعود من خلاله للمفاوضات, بل اغلقت المنفذ في وجه الادارة الامريكية ايضا, مما دفع بالموقف الفلسطيني الى منحى التمرد على الطرفين الامريكي والصهيوني, ولا اظن وهذه الحال ان المصالح الامريكية قادرة على الاستمرار في ابتلاع هذا الوضع
ما نقصده هنا انه ليس شرطا ان يجب ما بعد الانتخابات الامريكية ( كامل ) ما قبلها, ولكن صمودا سياسيا فلسطينيا متميزا يمكن له ان يوسع فيما يمكن لها ان تجبه مرحلة بعد الانتخابات الامريكية من مدى وحجم الانحياز الامريكي الذي اعلن يوما من الايام ان قيام دولة فلسطينية هو مصلحة قومية امريكية
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟