|
رؤية يسارية حول مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية الديمقراطية
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 3905 - 2012 / 11 / 8 - 00:29
المحور:
المجتمع المدني
لا شك أن الحديث عن دولة مدنية ديمقراطية أو مجتمع مدني، في أي بلد عربي في ظل استمرار بقاء أنظمة الاستبداد والتبعية والتخلف أو في ظل مشهد الاسلام السياسي من جهة ، وفي إطار هذا المزيج أو الشكل المرقع من "الجماعات" ما قبل الحداثة أو المدنية في المجتمعات العربية من جهة ثانية، مسألة تحتاج إلى المراجعة الهادئة التي تستهدف تشخيص الواقع الاجتماعي العربي، وأزمته المستعصية الراهنة، تشخيصاً يسعى إلى صياغة البديل الديمقراطي القومي وآلياته وصولاً إلى تفعيل مفاهيم وأدوات الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية ومؤسسات المجتمع المدني في إطار النضال الوطني والقومي التحرري والديمقراطي من ارضية الصراع الطبقي وفق رؤية وبرامج ماركسية واضحة، ونقيضة لمفهوم المجتمع المدني والديمقراطية الليبرالية الذي تروج له بعض القوى السياسية والمنظمات غير الحكومية، عبر " نخب" تخلى رموزها عن مواقفهم اليسارية السابقة، ولم تنجح في الوصول أو التغلغل بأي شكل من الأشكال إلى الأوساط الجماهيرية الشعبية، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على غربة هذه المفاهيم بطابعها وجوهرها الليبرالي عن الواقع من جهة، وغرابة صيغها وعناوينها الفرعية المتعددة، مثل : "التمكين في المشاركة" "الشراكة الجديدة بين الدولة والأسواق"، "تنمية قدرات الإنسان"، "تقدير الفقر بمشاركة الفقراء في وضع استراتيجيات تخفيف فقرهم!" "تنمية المبادرات المحلية"، " والتنمية المستدامة"، "دور المنظمات الأهلية مع القطاع الخاص"، "التنمية البشرية من منطلق الأطفال"، "الجندر"، "عمليات التشبيك"، "الليبرالية والخصخصة واقتصاد السوق".. الخ حلت محل المفاهيم المعادية للإمبريالية والصهيونية ومفاهيم التحرر القومي والوحدة والاشتراكية، وأضيفت إلى مفردات اللغة والخطاب السياسي الهابط، الذي حدد النظام الرأسمالي المعولم الجديد، أسسه ومنطلقاته الليبرالية، الفكرية والسياسية العامة ، بما يؤكد تقويم المفكر العربي سمير أمين لهذه المنظمات بقوله "إن الطفرة في المنظمات غير الحكومية، تتجاوب الى حد كبير مع استراتيجية العولمة، الهادفة الى عدم تسييس شعوب العالم، وهي انسجام أو إعادة تنظيم لإدارة المجتمع من قبل القوى المسيطرة". و في هذا المشهد الملتبس داخلياً، في إطار النظام العربي المأزوم والمهزوم، وخارجياً على الصعيد العالمي، وخاصة في ظل مشهد الاسلام السياسي الراهن وما يعنيه من تكريس التبعية واعادة انتاج التخلف والاستبداد والاستغلال الطبقي في مجتمعاتنا العربية يصبح الحديث عن الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية عنوانا رئيسيا وأولويا في برامج قوى واحزاب اليسار العربي في هذه المرحلة ، انطلاقا من ادراكنا أن الحديث عن الدولة المدنية والمجتمع المدني العربي، هو حديث عن مرحلة تطورية لم ندخل أعماقها بعد، ولم نتعاطَ مع أدواتها ومعطياتها المعرفية العقلانية التي تحل محل الأدوات والمعطيات المتخلفة الموروثة ، وبالتالي فان مجتمعنا العربي اليوم، هو "مجتمع بلا مجتمع مدني"، فطالما كانت بلادُنا في زمنٍ غير حداثيٍّ / حضاريٍّ ولا تنتسب له، بالمعنى الجوهري، فإن العودة إلى القديم أو ما يسمى بإعادة إنتاج التخلف سيظل أمراً طبيعياً فيها،خاصة في ظل مشهد الاسلام السياسي . أمام هذا الواقع المعقد والمشوه، وفي مجابهته، ندرك أهمية الحديث عن الدولة المدنية والمجتمع المدني وضروراتهما في سياق النضال من اجل استكمال مهمات الثورة الوطنية الديقراطية الشعبية بافاقها الاشتراكية ، بعيداً عن المحددات والعوامل الخارجية والداخلية، المستندة إلى حرية السوق والليبرالية، لأننا نرى أن صيغة مفهوم المجتمع المدني وفق النمط الليبرالي، فرضية لا يمكن أن تحقق مصالح جماهيرنا الشعبية، لأنها تتعاطى وتنسجم مع التركيبة الاجتماعية-الاقتصادية الكومبرادورية التابعة والمشوهة من جهة، وتتعاطى مع المفهوم المجرد للمجتمع المدني في الإطار السياسي الاجتماعي الضيق للنخبة ومصالحها المشتركة في إطار الحكم أو خارجه. وفي هذا السياق، فإن رؤيتنا لمفهومِ المجتمعِ المدني وتطبيقاته في بلادنا، تتجاوز التجزئة القطرية لأي بلد عربي، تتجاوزها كوحدة تحليلية قائمة بذاتها (مع إدراكنا لتجذر هذه الحالة القطرية ورسوخها)، نحو رؤية اشتراكية ديمقراطية قومية -تدرجية- تنطلق من الضرورة التاريخية لوحدة الأمة -المجتمع العربي، وتتعاطى مع الإطار القومي كوحدة تحليلية واحدة، ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، في بنيتها التحتية ومستوياتها الجماهيرية الشعبية على وجه الخصوص..... من هنا أهمية التركيز على حقل المعرفة كحقل مميز من حقول الصراع الطبقي" ذلك إن وحدة المفاهيم أو الإطار المعرفي السياسي، ووضوحها لدى احزاب اليسار الماركسي، ارتباطاً بوضوح تفاصيل مكونات الواقع الاجتماعي -الاقتصادي-الثقافي العربي، ستدفع نحو توليد الوعي بضرورة وحدة العمل المنظم المشترك، وخلق "المثقف الجمعي العربي" عبر الإطار التنظيمي الديمقراطي الاشتراكي الموحد من ناحية وبما يعزز ويوسع إمكانيات الفعل الموجه نحو تحقيق شروط "الهيمنة الثقافية" في أوساط الجماهير الشعبية من ناحية ثانية . بهذا التصور، يصبح تعاملنا مع مفهوم المجتمع المدني، مرحلياً، وبعيداً عن المشروع الرأسمالي وحرية السوق والليبرالية الجديدة، وبالقطيعة معها، دون أن نتخطى أو نقطع مع دلالات النهضة والحداثة في الحضارة الغربية من الناحية المعرفية والعقلانية والعلمية والديمقراطية وجميع المفاهيم الحداثية الأخرى، وتسخيرها في خدمة أهدافنا في التحرر القومي والبناء الاجتماعي التقدمي بآفاقه الاشتراكية كمخرج وحيد لتجاوز أزمة مجتمعاتنا العربية المستعصية ، ومن أجل الإسهام في بناء النظام السياسي العالمي الجديد الرافض لسلطة رأس المال الاحتكاري. لقد حانت اللحظة للعمل الجاد المنظم في سبيل تأسيس عولمة نقيضة من نوع آخر عبر أممية جديدة، ثورية وعصرية وإنسانية.
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن أوهام الربيع العربي في الذكرى (95) لوعد بلفور............
...
-
الموارد المائية في الضفة الغربية وقطاع غزة
-
السمات الفكرية المشتركة بين العصر الاقطاعي في اوروبا وبين ال
...
-
حوار مع الرفاق في قيادة وكوادر الحركة الديمقراطية الشعبية ال
...
-
تحية رفاقية من رفاقكم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
-
عن منظمات NGO.s للمرة العاشرة ..................
-
نظرة على مفهومي المواطنة والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني و
...
-
أفكار عامة حول منطقة التجارة الحرة
-
من هو اليساري ؟
-
رأس المال ينزف دما من كل مساماته ....الرأسمالية المتوحشة بال
...
-
حول تطور الرأسمالية منذ القرن 18 إلى بداية القرن 21 ........
...
-
الرفيق العزيز عبد الله الحريف
-
الديمقراطية وسؤال العلمانية في مشهد الإسلام السياسي الراهن
-
في الذكرى الأربعين لاستشهاد الرفيق غسان كنفاني
-
عشية الذكرى الأربعين لاستشهاد رفيقنا غسان كنفاني
-
نداء إلى الرفاق في كل أحزاب وفصائل اليسار العربي
-
الرأسمالية الفلسطينية والتكيف مع - حكومتي- فتح وحماس
-
الديمقراطية..محدد رئيسي لمجابهة وحل التعارضات والتناقضات الد
...
-
إلى كل الرفاق والأصدقاء والفصائل والقوى الوطنية في فلسطين وا
...
-
حديث في تطور مفهوم الأخلاق في المسيرة التاريخية للفلسفة
المزيد.....
-
جنوب إفريقيا: مذكرات المحكمة الجنائية الدولية خطوة نحو تحقيق
...
-
ماذا قالت حماس عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو.. كندا: عل
...
-
مدعي المحكمة الجنائية الدولية: نعول على تعاون الأطراف بشأن م
...
-
شاهد.. دول اوروبية تعلن امتثالها لحكم الجنائية الدولية باعتق
...
-
أول تعليق لكريم خان بعد مذكرة اعتقال نتانياهو
-
الرئيس الإسرائيلي: إصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق
...
-
فلسطين تعلق على إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال
...
-
أول تعليق من جالانت على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار
...
-
فلسطين ترحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|