أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الدين والديمقراطية والديكتاتورية الإسلامية















المزيد.....

الدين والديمقراطية والديكتاتورية الإسلامية


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3904 - 2012 / 11 / 7 - 21:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدين الإسلامي، مثل جميع الأديان دون استثناء، نقيض الديمقراطية. الأديان تقوم في الأساس على علاقة رأسية بين آلهة خالقين حاكمين أعلى في السماء وبشر مخلوقين محكومين أسفل على الأرض. الإسلام ليس استثناء. تلك قاعدة عامة تشترك فيها كافة الأديان، سواء أضفيت إليها صفة "السماوية" أو "الوضعية" أو "الوثنية" أو "المشركة" أو حتى "الكافرة". الدين، أي وكل دين، هو في المنشأ علاقة رأسية عمودية بين أعلى وأسفل، خالق ومخلوق، عالم وجاهل، حاكم ومحكوم، سيد وعبد، آمر ومطيع ما يجعل من المستحيل أن تقوم أبداً بين الطرفين علاقة تساوي وندية حقيقية، هذا إذا كانت العلاقة في حد ذاتها ممكنة بينهما أصلاً. على النقيض، تقوم الديمقراطية على العلاقة الأفقية المستوية بين المواطنين الناخبين المتساوين بالكامل في القيمة التصويتية لكل مواطن فرد، وفي كافة الحقوق والواجبات والحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والصحية والترفيهية والثقافية...الخ دون أي تمييز من منطلق الاختلافات بينهم في العرق أو الدين أو اللغة أو لون البشرة أو المعتقد أو الرأي أو خلافه؛ مرجع المساواة هو هذه العلاقة الأفقية، إذ يقفون جميعاً على أرض ذات مستوى واحد ووحيد، لا يفرق أو يميز بينهم أعلى وأسفل أو سيد وعبد كما في العلاقة الرأسية. أساس الديمقراطية مساواة، وليس مساواة إلا أن يكون الجميع نداً لند، بشراً لبشر، جسداً لجسد، رأساً لرأس، حقاً لحق، رأياً لرأي، حرية لحرية، واجباً لواجب. هذا لا يتحقق إلا عندما يقف الجميع على أرض واحدة مستوية أفقية، ليس بها فوق وتحت؛ بينما يستحيل أن يتحقق بين بشر في الأرض وآلهة في السماء، أو المتحدثين باسمهم.

الديمقراطية، كفلسفة نظرية وآلية حكم عملية، ليس بها مكان لإله، أي وكل إله دون استثناء؛ وإذا ما شغل أي ركن فيها إله، من خلال متحدثين باسمه أو مدعين كونهم خلفاء له على الأرض، يتحول نظام الحكم تلقائياً إلى الديني. لكي تسمي أي نظام حكم باسمه الصحيح، فتش عن موطن المرجعية في الحكم والسيادة على المحكومين. عندما تكون المرجعية والسيادة ملك المواطنين يفوضون فيها بحرية واستنارة من يختارون في انتخابات نزيهة، تكون في نظام ديمقراطي؛ أما عندما تكون، لو في جزء ضئيل منها لا يتجاوز العلاقة الدينية والروحانية بين المواطنين وآلهتهم، مرجعة لإله أو لمؤسسة أو هيئة دينية ممثلة له أو متحدثة بلسانه، تكون في نظام حكم ديني صريح. من صاحب الحكم والسيادة النهائية على البشر وشؤونهم الحياتية؟ إذا كانوا البشر أنفسهم، يكون النظام ديمقراطياً. أما إذا كان الله هو صاحب الحكم والسيادة أولاً وآخراً في شؤون البشر، كما تفسر وتستنبط وتريد وتبرهن وتؤكد النظرية والممارسة الإسلامية، يكون النظام دينياً قطعياً. هل يقبل الدين الإسلامي أن تكون السيادة والحكم لغير الله، لاسيما البشر الذين يأمرهم بعدم إتباع الهوى (الإرادة الحرة) حتى لا يضلون السبيل؟ إذا كان الالتقاء والتوافق مستحيل بين الإسلام والديمقراطية فيما يخص أمور السياسة والحكم، بماذا إذاً توصف الادعاءات والجهود الجارية الآن على قدم وساق في مصر ما بعد 25 يناير 2011 للتوفيق والتهجين بين الديمقراطية والإسلام، لإقامة "دولة ديمقراطية حديثة ذات مرجعية إسلامية"، وكتابة دستور يوصل لهذه النهاية؟

كذب. الإسلاميون يكذبون عن علم وقصد. لماذا يكذبون؟ لأن لا سبيل، ولا وسيلة، أمامهم غير ذلك: الكذب، ثم الكذب والعودة إلى الكذب مرة أخرى، ثم الهروب تحت الضغوط من كذب قديم إلى كذب جديد. بينهم وبين أنفسهم، الإسلاميون يعلمون يقيناً أن لا التقاء ولا وفاق ولا تزاوج ولا تهجين على الإطلاق بين فلسفتي وممارستي الحكم الديمقراطي والإسلامي، لأن الأول مرجعيته وسيادته الكاملة للبشر، ما يجعله في نظر الإسلاميين كفر صريح بوجود وحقوق الإلوهية؛ بينما المرجعية والسيادة في الثاني خالصة لله وحده لا شريك له في السموات العلى، يمارسها من خلال علمائه وممثليه على الأرض بين الناس، ما يصنع منه الدولة الدينية بعينها، وشحمها ولحمها، وفومها وعدسها وبصلها، وسمنها وزيتها وسكرها. يريد الإسلاميون في مصر دولة دينية، تكون المرجعية والسيادة النهائية فيها لعلماء وأتقياء وأصفياء وخلصاء وأحباء وخلفاء الله، الذين في جميع الأحوال سيكونون هم أنفسهم الحاكمون المتحدثون باسمه. في سبيل ذلك، اضطرتهم الضرورة المحلية والإقليمية والدولية الحالية إلى استعمال مفردات جديدة وحديثة مثل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية والمساواة والتداول السلمي للسلطة والانتخابات النزيهة وسيادة القانون واستقلال القضاء والفصل بين السلطات...وما شابه. ورغم جدة وحداثة وقيمة وجاذبية هذه الكلمات والعبارات، إلا أنهم يسعون باستماتة مفضوحة لإفراغها من أهم معانيها وحشوها بمضامين قديمة غبراء ظلامية حالكة الظلمة. هي مجرد ساتر تمويهي يحتمون به أثناء زحفهم المقدس صوب الدولة، وربما الخلافة، الدينية الربانية المنشودة. ما دامت الغاية نبيلة ومقدسة، كما يقولون في أنفسهم حتماً، لا مانع أبداً من أن يكون الكذب، حتى عن علم وقصد، وسيلة مرحلية ومؤقتة- تقية من شرور شياطين الداخل والجوار والخارج.

هذا التفكير ينطبق على الإسلاميين الأصوليين في إسلامهم مثل السلفيين، هؤلاء الذين لا يسعون وراء الحكم والسلطة كغايات في حد ذاتها، إنما كوسائل لتطبيق وتنفيذ الغاية الكبرى والعظمى- جعل كلمة الله هي العليا على البشر أجمعين؛ لكنه، بالتأكيد، لا ينطبق على التيارات الأقرب إلى السياسة منها إلى الدين مثل الإخوان المسلمين، هؤلاء الذين يتخذون من الدين ذاته وسيلة ودعاية فجة لخدمة أغراضهم ومصالحهم السياسية. يريد السلفيون الإسلام في حد ذاته وتطبيق الشريعة الإسلامية في حد ذاتها قبل وفوق كل شيء آخر، وليس لهم أي غاية عظمى أخرى مقدمة على ذلك. على العكس، الإخوان المسلمون هم حزب سياسي مثل كل حزب سياسي آخر في مصر أو حول العالم، هدفه الأساسي الوصول إلى الحكم وممارسته، وليس الإسلام في حد ذاته ولا تطبيق الشريعة الإسلامية في حد ذاتها. ما يشغل ويهم السلفيين في المقاوم الأول والأخير هو الإسلام والشريعة الإسلامية؛ بينما ما يشغل الأخوان قبل أي شيء آخر وما لن يترددوا كثيراً في التضحية بأحلام الإسلام وتطبيق الشريعة من أجله هو الحكم والسلطة. الدين بالنسبة للإخوان ليس سوى وسيلة، سلاح ناجع لحشد وتعبئة العامة ورائهم والتخلص بسهولة من الخصوم السياسيين. لكن الدين بالنسبة للأصوليين والسلفيين دنياهم وآخرتهم.

هكذا، إذا تمكن الأصوليون والسلفيون من اعتلاء الحكم، سوف يقيمون حتماً الدولة الدينية، ولو تحت مسميات جديدة ومحدثة؛ أما إذا وطد الأخوان سيطرتهم على مقاليد الحكم، سوف تقوم في مصر حتماً ديكتاتورية جديدة خلفاً للديكتاتورية العسكرية القائمة منذ انقلاب 1952، لكن هذه المرة ديكتاتورية مدنية، بمجرد غطاء ومبرر ديني لقمع وإخراس الأصوات المعارضة. أما إذا تحالف الأصوليون والسلفيون مع الأخوان، وهو الواقع الحادث بأعماق متقلبة منذ 25 يناير 2011، سوف يكون هذا كابوساً وظلاماً حالكاً يحط لأجل على الأمة المصرية، حتى تزيحه ثورة أخرى في يوم آخر من عمر مصر العجوز.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في فلسفة الدستور
- العلماء الكهنوت
- وكذب القرآنيون-3
- وكذب القرآنيون-2
- وكذب القرآنيون
- الحكمة الإلهية داء العقل العربي
- بالدستور، المصريون المسيحيون يدفعون الجزية للمصريين المسلمين ...
- مشروع دستور لسفك الدماء
- احترسوا من فضلكم، الدستور يرجع إلى الخلف!
- حرية التعبير..وصحافة البورنو
- القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
- إشكالية الدستور والشريعة
- تعدد الزوجات جريمة
- حرية الاعتقاد مطلقة في مشروع الدستور المصري!
- العاهرة والجنرال على ميزان القيمة
- أسطورة العرب
- من يكون المتطرف؟
- مربع سياسة ومربع دين، أيهما فوق الآخر؟
- نزاع قديم على السيادة بين الآلهة والعامة في مصر
- في معرفة الله...والنص


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الدين والديمقراطية والديكتاتورية الإسلامية