|
حوارأملاه الحاضر 7 الشريع وتطبيق الحدود حد الزنا 2
عبد المجيد حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 3904 - 2012 / 11 / 7 - 20:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حوار أملاه الحاضر 7 الشريعة وتطبيق الحدود الزنا 2 بادرني محاوري قائلا : اسمح لي ، قبل بدء حوارنا الليلة ، أن أقول كلمة في شأن بعض ما تضمنته حلقة حوارنا السابقة . قلت : تفضل . قال : كنت قد رفضت التعليق على ما ذكرته عن أبينا إبراهيم وأمنا سارة ، من منطلق عدم إيماني ، كمسلم ، بما يرد في كتاب نعتقد أنه محرف ، وبالتالي هو غير مقبول علينا . نحن يا سيدي نعتقد بعصمة الأنبياء ، وأن الله نزههم عن ارتكاب المعاصي ، حتى الصغيرة منها ، فما بالك بمعصية ينطبق عليها وصف الفاحشة ، كتلك التي حكيت عنها ، منسوبة لأمنا سارة ؟ قلت : أعرف هذا ، ولكن ما قول الإسلام في هذه الواقعة ، وأظنك لا تحتاج إلى تذكير بأن عدد من يؤمنون بالتوراة ، مسيحيين ويهود ، يزيد كثيرا على عدد المسلمين في العالم أجمع ، وبمختلف طوائفهم ؟ قال : يقر الإسلام بحدوث الواقعة . بمعنى أن أبانا إبراهيم ارتحل لمصر فعلا هربا من قحط أصاب فلسطين . وأن الحاكم المصري – فرعون في بعض الروايات - وقد فتنته ملاحة أمنا سارة ، أخذها عنوة من زوجها ، وضمها إلى حريمه . أما وقد وجدت أمنا سارة نفسها في هذا الوضع ، فقد دعت الله أن يحميها من طمع الحاكم بها ، وأن يحفظ عليها شرفها . واستجاب الله لدعائها . فعندما مد الحاكم يده إليها أصيبت يده بشلل مؤلم ، جعله ينتفض متراجعا عن لمسها . وتكرر معه الأمر مرة ثانية ثم ثالثة ، وفي الرابعة عرف مما يحدث له أنها زوجة رجل صالح ، زوجة رجل من رجال الله ، فتركها . ناداه وتحدث معه ، واقتنع بأنه رجل الله ، فأعاد له زوجته ولم يمسها ، وأغدق عليه عطاياه ، وأعاده مكرما إلى بلده فلسطين . قلت : أنا بالطبع أعرف هذه الحكاية ، لكن مشكلتكم أنتم المتأسلمين أنكم لا تعترفون بالطبيعة البشرية ، ولا تحاولون ، لأنكم لا تقبلون ، رؤية نقاط الضعف فيها ، ومن ثم لا تستعدون للتعامل مع نقاط الضعف هذه . قال : بداية أرفض وصفنا بالمتأسلمين ، وأذكرك بأن استخدام لفظ كهذا خروج على اتفاقنا حول أدب الحوار . ثم ماذا تعني بكل ذلك ؟ قلت : أنت يا صديقي تقر ، بسردك هذا التفسير لما حدث في هذه الحكاية ، أن إبراهيم استسلم بالفعل لما وقع فيه ، وأن الحاكم المصري بالفعل أخذ منه زوجته لأنه أراد معاشرتها . والفرق بين حكايتك وحكاية التوراة ، أن الله تدخل وحال بين الحاكم وتحقيق غرضه ، فيما تقول التوراة أن الله لم يفعل ذلك وحقق فرعون غرضه ، ولدرجة أنه بعد أن شبع منها ، كان على وشك رميها إلى حرسه ، كما كان يفعل مع غيرها . قال : ما لهذا وحديثك عن عدم اعترافنا بالنفس البشرية ، ونقاط ضعفها...الخ ؟ قلت : دعني أضع ردي في نقاط كما يلي : 1 ) ألم تلاحظ في كلامك أن أبانا إبراهيم ، كما تصفه ، وهو النبي الذي يفترض أن لا يهاب الموت ، انصاع لغريزة حب البقاء ، وقدمها على واجبه في الدفاع عن شرفه ، الذي يوجب على أي شخص عادي ، فما بالك بنبي ، وليس أي نبي ، بل هو إبراهيم ، الذي تتقاتل أمم كثيرة على حيازة أبوته ، أن يفضل الموت على التفريط هكذا ، التسليم هكذا بشرفه ؟ قال : هو فعل ذلك لأنه كان واثقا أن الله معه ، وأنه سيحميه ويصون له شرفه . قلت : لن أسألك لماذا لا يقف الله مع بشر هو خلقهم ، وكتب لهم مصائرهم ، في حال شبيه . بل أسألك لماذا خاف إبراهيم إذن من احتمالية قتله ؟ ولماذا سلم زوجته ، التي هي أخته في ذات الوقت ، لذلك الحاكم مرتجفا ، أو طائعا ، لا أدري ؟ ولماذا أمل بالخير الذي سيناله من الحاكم جراء ذلك ؟ ولماذا عاد وكرر ذات الفعل مع الملك الفلسطيني ، بعد عشرة أو خمسة عشر عاما ، وهو يعرف أن الملك الفلسطيني لا يقتل رجلا استملح زوجته ، ليأخذها منه ؟ رد محاوري بكلام كثير لم يخرج في مضمونه عما قاله في البداية ، ولذلك قلت له : إذن دعنا ننتقل إلى النقطة الثانية . 2 ) تقول حكايتك أن الحاكم المصري ، أو الفرعون ، عرف مما حدث له أن هذه المرأة هي امرأة رجل صالح ، رجل الله . وتنسى أن المصريين آنذاك كانوا يعبدون الشمس ، وأن الله ، رع ، هو الشمس . وما كانوا يعتقدون بإله غيره . وإبراهيم القادم من فلسطين ، لم يكن مثل المصريين من عبدة الشمس . هو إذن في نظر الحاكم كافر ، إلا إذا كان الفرعون يعرف أن إله إبراهيم ، الذي لا يعرفه ، هو أكبر من إلهه رع . أو أن المصريين في ذلك الزمن البعيد ، كانوا يتصفون بالتسامح إزاء الأديان الأخرى . يحترمون دين غيرهم ، ويقدرون آلهته ، تقديرهم لإلههم ، فكان من فرعون ذلك الكرم الذي أغدقه على إبراهيم . قال : في الحقيقة لا أعرف . قلت : وإذن كيف تفسر إكرامه لإبراهيم ، حسب روايتك ، بدل أن يقتله ، كما يفترض أن تقضي أعراف ذلك الزمان ؟ قال : الله هو من حفظه . قلت لننتقل إلى النقطة الثالثة : 3 ) كما ترى دفاع الإسلام عن إبراهيم مبني على حقيقة أن تسليم زوجته لفرعون ، يتمتع بها ، خطيئة لا يمكن لنبي أن يقدم عليها . وأسألك : هل كان إبراهيم ، ومجتمع ذلك الزمان ، يرى فيما أقدم عليه معصية أو خطيئة ؟ قال : ذلك مؤكد . قلت : أنت ، وكل الأدبيات الإسلامية ، لم تعترض على كون إبراهيم كان متزوجا من أخته . ومسألة أنها أخت غير شقيقة غير هامة في واقع الأمر . وأسألك : حسب الشرع أيهما أكبر ، جريمة معاشرة الأخت كزوجة ، أم استمتاع شخص آخر بها وهي على ذمة زوجها ؟ قال : كلاهما خطيئة ومن كبريات الكبائر ؟ قلت : أعتقد ، حسب أعرافنا وتقاليدنا المجتمعية الحاضرة ، أن الزواج من الأخت ومعاشرتها كزوجة ، جريمة لا تعادلها جريمة أخرى . قال : وإذن إلام ترمي من كلامك ؟ قلت : أرمي إلى أن قيم البشر تتغير . وهي في زمن إبراهيم كانت غير ما هي عليه الآن . وهو تبعا لتلك القيم ، لم ير فيما أقدم عليه ، تمكين فرعون من التمتع بزوجته ، مقابل عائد خير يتوقعه ، لم ير أنه يرتكب جرما ، معصية أو خطيئة . وأرمي إلى إيضاح أن مفهوم الشرف آنذاك كان مناقضا تماما لمفهومه الآن ، وإلا لكانت عصمة أبينا إبراهيم قد انثلمت ، أو انشرخت تماما . ودليلي أن الله لم يغضب من فعلته ، وأنه ظل يرضى للناس ما ارتضوه لأنفسهم . بمعنى أن الشرائع ظلت تواكب التطور الذي يحدث في المجتمعات ، وحكاية العقوبات هذه ، لا تتجاوز كونها إجراءات تخويف تلزم المجتمعات بإتباع ، فالخضوع لتلك التشريعات ، التي كانت في الأصل أعرافا وتقاليد وعادات ، سنها الناس لأنفسهم ، كما هي كل التشريعات الإسلامية ، المستمدة من أعراف وتقاليد وعادات أهل الحجاز . قال : والله لولا أنني التزمت باتفاقنا عن أدب الحوار لقلت أنك كافر ، تنكر شرع الله ، وتتعمد تحقيره والطعن فيه . ضحكت وقلت : أنت في الواقع قلت ما عنَّ في بالك ، أو بالأصح لجأت إلى ما يلجأ له كل أمثالك حين يعوزهم المنطق ، ويعجزون عن مواجهة الحجة بالحجة ، وكفرتني ، وخرجت على اتفاقنا ، وأنا أسامحك هذه المرة . يوسف : قلت لنكمل حديثنا عن النفس البشرية وضعفها . وهذه المرة سنبتعد عن التوراة ، وسنحتكم إلى القرآن فقط . وأضفت : أنت بالطبع تعرف قصة يوسف مع امرأة العزيز التي كانت في مرتبة أمه . قال بالطبع ، ومن لا يعرفها . وتركته يطيل في الحديث عن يوسف وتقواه وصلاح أعماله . قلت : ما لا أفهمه لماذا تقفز أنت ، ومن هم مثلك ، عن الآية رقم 24 من سورة يوسف ؟ الآية في رأيي شديدة الدلالة ، وأظن أن وضوح دلالتها هو داعيكم للقفز عنها . قال : وكيف ذلك ؟ قلت : نص الآية هو :{ وهمَّتْ به وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } . وتعال نحاول فهمها . بداية لا أظن أن أحدا بحاجة لتفسير معنى {همَّتْ به وهمِّ بها } . الاثنان ، هو وهي ، تأججت لديهم الرغبة ، وكانا على وشك أن يفعلاها . هنا تدخل الرب وأراه برهانه الذي لم يقل النص لنا ما هو . لماذا ؟ لأن الله لم يرد ليوسف أن يمارس الفاحشة لكونه { من عبادنا المخلصين } . وسألت : هل هذا التفسير صحيح ؟ قال : نعم صحيح . قلت : المسألة بالنسبة لي هي ما تحاولون التهرب منه في شرح حكاية يوسف هذه . يوسف ، وهو النبي ، كما تنص الآية بوضوح لا لبس فيه ، لم يستطع أن يتجاوز طبيعته البشرية . استجاب لنداء الغريزة . وهمَِ أن يباشر فعل الخطيئة ، وهو يعرف أنها خطيئة . تدخل الله ومنعه من فعلها . لم تقل لنا الآية كيف كان ذلك التدخل . لكن يمكن أن نفهم من وضع يوسف ، وهو عبد مملوك ، أن حاسته السادسة نبهته ، أن خوفه تحرك ، أن حذره استيقظ في هذه اللحظة الحرجة ، إلى ما يمكن أن يؤول إليه مصيره ، لو فاجأه سيده ، وهو في حضن زوجته . فعاجل إلى الهرب . لكن امرأة العزيز ، وقد تهيأت شعوريا للممارسة ، ولم يتدخل الله ليريها برهانه ، حاولت أن تمنعه من الهرب . فأمسكت بقميصه من ظهره . وفوجئ الإثنان بالعزيز على الباب . كان حذر يوسف في محله إذن . ومع أن الزوجة أقنعت زوجها بأن يوسف حاول إغواءها ، لم يقتله العزيز ، وإنما اكتفى بسجنه سبع سنوات . وأسألك : إذا كان الأنبياء ، كما في حالتي إبراهيم وحفيده يوسف ، قد ضعفا أمام فعل طبيعتهما البشرية ، وتدخل الله بشكل مباشر لإنقاذهما من السقوط في براثن الرذيلة ، فكيف توقع الله أن يتصرف باقي البشر العاديين ، والذين لا يعاجل الله بالتدخل لإنقاذهم ؟ وهل يكون من العدل فرض كل تلك العقوبات الفظيعة بحقهم ؟ أم أن المسألة هي أن الله ظل يرضى للناس ما ارتضوه لأنفسهم ، وأن العقوبات ما هي إلا وسيلة لدفع الخارجين على عادات المجتمع وتقاليده إلى الالتزام بها ؟. وأضفت : ألا ترى ، ألا تعرف أن الناس يخشون العقوبة الدنيوية ، ولا يخافون عقاب الآخرة ؟ قال هذا غير صحيح . فلا شيء يخشاه المسلم خشيته من الله ، ولا يخاف من شيء خوفه من عقابه . قلت : انظر يا صديقي حولك . الناس يتظاهرون بذلك ، ثم لقد سبق وناقشنا هذه المسألة واتفقنا . كان غضب محاوري يتجمع . وعند قولي الأخير كان السيل عنده قد بلغ الزبى . وما انتبهت إلا وقد انفجر في ثورة انفلتت كل زمبركات كوابحه . رشقني بوابل من الاتهامات ، مخالفا لاتفاقنا ، ودون أن يعتذر هذه المرة . التعبئة : شربنا باردا ، وبعد أن هدأت أعصاب محدثي قلت : لنعد لموضوع حوارنا الأساسي ، أي إلى ما انتهينا إليه في الجلسة السابقة . وسألته : هل أنت جاهز ؟ هز برأسه أن نعم . قلت : قبل أن نبدأ أود تذكيرك بأن حكاية قريبة الشبه بما سبق حدثت مع نبينا محمد ، لكن ليس هذا مكانها ، وأرجوك أن تذكرني بها ، متى جاء دورها . قال : سأفعل رغم أنني مقتنع بأنك ستأتيني بإحدى الحكايات التي دسها المستشرقون على نبينا ، أو ربما من الإسرائيليات التي شوهت تراثنا ، والتي أراك دائم النبش عليها ، كأداة إفحام لنا كما تعتقد . قلت : ذلك غير مهم الآن . المهم أنكم في سعيكم لتطبيق الشريعة وحدودها ، لم تنتبهوا ، وتواصلون عدم الانتباه ، لحقيقة أنكم كدستم أمامها من الصعاب ، ووضعتم في طريق تطبيقها من العقبات ، ما يجعل تطبيقها ، وأنا أقصد تطبيق الشريعة كما نزلت ، لا كما تفسرونها ، أمرا يقرب من الاستحالة . قال : وكيف ذلك ، ونحن عملنا كل ما بوسعنا كي نعيد تعليم الناس شؤون دينهم ، ومن جملته ما يبيحه الشرع ويحله ، وما ينهى عنه ويحرمه ؟. قلت : هذا ما تقولون ، لكن واقع الحال يقول غير ذلك . قال ، وقد عاودته بوادر الانفعال : وكيف ذلك في رأيك ؟ قلت : نحن هنا نتحدث عن حد الزنا . وكما أشرت في حوارنا الماضي ، نكص الناس ، ومبكرا جدا ، عن تطبيق الشرع ، الذي كانت الآيات الخاصة بالزنا ، قد أوضحته تماما ، وبما لا يقبل أي تأويل ، عائدين إلى ما كان عليه حالهم في الجاهلية . فعلوا ذلك رغم أن النظم التي كانت تحكمهم نظما إسلامية ، وتطبق الشرع ، وتقيم الحدود . قال : رغم أنني لا أتفق معك أسأل : وكيف كان ذلك ؟ قلت : عادوا على قتل ممارسي فعل الزنا، في حال ضبطهما في حالة تلبس . وأكثر من ذلك إقصار عقوبة القتل على الأنثى ، ضاربين بعرض الحائط بآيات الشهود الأربعة والملاعنة ، وعقاب القاتل على فعل القتل العمد في هذه الحالة . قال : كلامك غير صحيح بالمطلق ، وإن كان فيه بعض الصحة نسبيا . قلت : دعنا لا نبتعد كثيرا في استنطاق التراث ، وأسألك : هل كانت الخلافة العثمانية تطبق حدود الزنا ؟ قال بعد تردد : في الحقيقة لا أعرف . قلت : في رأيك كيف استقرت ما نصفها بعادات ما يوصف بمحو العار ، وشرف العائلة ، وقتل الأنثى على أساسها ؟ ومن أين جاءت القوانين السائدة في كل العالم الإسلامي ، والتي لا تجرم القاتل ، رغم أنها مناقضة ومتصادمة تماما مع الشرع ؟ قال : في الحقيقة لا أعرف . وما أعرفه أنها كانت ضرورية ، بعدما أصاب المجتمعات الإسلامية من فساد ، إثر وقوعها بين براثن وأنياب الاستعمار ، وفرض عاداته وتقاليده عليها ، بما في هذه العادات من فحش وفساد ، تخالف طبائع وعقائد شعوبنا الإسلامية . كانت هذه العقوبات وقوانينها ضرورية لوقاية شعوبنا الإسلامية من شرور ذلك الفساد ، وتحصينها من الوقوع في أحضان الرذيلة التي جلبها لنا الغرب ، وحَسَّنها في عيون الذين تشربوا ثقافته ، والذين أزاغت حضارته عيونهم ، ووضعتهم في موقف معارضة ، لا بل وعداء لعقيدتنا . قلت : ولكنكم في وعظكم وإرشادكم رفعتم هذه الممارسات المناقضة لصريح النص ، إلى مرتبة الشرع . وأكثر من ذلك جعلتموها شرعا بديلا . عبأتم الناس بها باعتبارها صحيح الدين . وتستخدمون كل منابر الدين في وجه أية محاولة للرجوع عنها وإلى صحيح الدين . تفعلون ذلك رغم الجرائم الشنيعة التي تقع باسمها وباسم الدين ، وأنتم تعرفونها تماما وتسكتون عليها . قال : عدنا إلى الاتهامات الباطلة . يا سيدي نحن لا نفعل ذلك . نحن نقدم كل جهدنا ، نقدم أرواحنا دفاعا عن الدين ، وأنت بكل خفة تتهمنا بأننا نفعل عكس ذلك . جرائم الشرف : قلت : أنت بلا شك تعرف عن القوانين الخاصة بما يعرف بالعذر المحل والعذر المخفف . قال : نعم أعرفها . قلت : وأنت بالتأكيد تعرف أنها قوانين وضعية . قال : نعم أعرف ذلك . قلت : وهذه القوانين تتيح للرجل ، أي رجل ، قتل أي من محارمه ، إن فاجأها في وضع مخل بالشرف . وكما يحدث في الواقع حتى إن لم تحدث المفاجأة ، ونقل إليه الخبر، أو الشائعة ، ولو بعد حين . وأذكرك أن هذا المضمون لكلمة محارم هو أوسع كثيرا مما كان عليه قبل الإسلام . قال : ذلك صحيح أيضا . ومساعدة للقارئ نوضح أن كلمة محارم تشمل أي امرأة من أقارب القاتل ، كالزوجة بداية ، والبنت والأخت وبنت الأخت ، وبنت الأخ ، والعمة والخالة وحتى الجدة . قال : ذلك أيضا صحيح . قلت : ولا تتوقف مخالفة الشرع عند مسألة أن القاتل لا يحاكم بصفته قاتل ، ومن ثم يكون جزاؤه القتل ، بل ويعفيه العذر المحل من أية عقوبة ، والتي إن وقعت لا تتجاوز الشهر سجنا ، والسنة سجن ، في حال انطباق العذر المخفف عليه . وأعيد ليس هذا هو التناقض الوحيد مع الشرع . والتناقض الثاني يتمثل في تبرئة طرف الفعل الثاني ، أي الرجل ، من المسؤولية ، ومن ثم من تبعة الفعل وعقوبته . أما الثالث ففي تجاوز تبعة هذا الفعل من الفاعلة إلى كل محيطيها ، أبنائها ، أهلها ، أقاربها ، أسرتها الصغيرة وعائلتها الكبيرة ، فيما يعرف بالعار . وقلت : ولا أظنك وأنت تراجع نص الآيات الخاصة بفعل الزنا ، وشهادة إثباتها ، في غياب الاعتراف ، ونطق الحكم بالعقوبة وتطبيقها ، إلا قد عرفت ، أن المسؤولية فيها شخصية ، ولا تحمل أي مدلول ، أو معنى ، لما يعرف بالعار ، أو الشرف . الآيات سمتها فاحشة ، خطيئة ، تبعتها تقع على فاعلها ، ومسؤوليتها يتحملها هو وحده . ولا تتعدى شخوص طرفي الفعل بأي حال ، كما سنبين في التطبيق النبوي أيضا ، إلى أي أحد آخر ، كالابن أو الابنة ، أو الأب أو الأخ أو العم ...الخ . قال : نعم ما تقوله صحيح . قلت : وأعيد أن مفهوم الشرف ، والعار ، وحماية الشرف وغسل العار ، مفاهيم لا تناقض الشرع فقط بل وتصطدم مع صداما مدويا . قال : وأنا أعاود التأكيد على صحة ذلك . قلت : أما التناقض الرابع فإن الضحية ، وهي الأنثى دائما ، وبموجب سريان هذه العادة ، والقوانين الحامية لها ، ينتزع منها ، وتحرم من ، حق الدفاع عن نفسها ، هذا الحق الذي كفله لها نص آيات الزنا . قال : هذه لا أوافقك عليها ، إذ متى حدث أن حرمت الأنثى من حق الدفاع عن نفسها ، وكيف يحدث ذلك ، ومن أين لك مثل هذه الفرية ؟ . قلت : حفزتني ما توصف بجرائم الشرف ، للبحث في موضوعها . وجاءت نتيجة البحث في كتاب صدر بعد طول تلكؤ في العام 2005 تحت عنوان " حقوق المرأة بين شريعة القبيلة ورداء الشريعة " . وفي البحث اكتشفت أن أكثر من 90 % مما توصف بجرائم الشرف ، تقع على خلفية لا علاقة لها بالشرف . وفي كل الأحوال ، ورغم البرهان الذي يقدمه الطب الشرعي ، ناهيك عن التحقيق الجنائي ، تتم تغطية الجريمة بثوب الشرف ، ويفلت الفاعل ، استنادا لقانون العذر المحل ، من أي عقاب . والأدهى أنه يعامل كبطل . وما تأكدت منه أن الضحية يجري قتلها ، في الغالب ، حتى دون إعلامها عن الجرم المتهمة به ، فما بالك بحق الدفاع عن نفسها . تسحب مثل معزة ، ويجري قتلها بدم بارد . وبعد انقشاع ظلمة العقل ، والظلمة الاجتماعية ، لم يسمع عن قاتل أصابه شيء من الندم . قال : على فرض أن ذلك صحيح فأين مسؤوليتنا في كل ذلك ؟ قلت : على كثرة ما يتطرق أئمة المساجد لمواضيع تتعلق بالفتنة ، بحجاب المرأة ولباس المرأة ، وخروجها من البيت ....الخ هل سمعت مرة واحدة ، شيخا واحدا ، إماما واحدا ، تطرق لموضوعات قتل النساء على خلفية ما يوصف بشرف العائلة ؟ هل سمعت استنكارا ، مهما اتصف باللين والمرونة ، لحادث قتل أثبت الطب الشرعي ، والبحث الجنائي فيه براءة المقتولة ؟ قال : إن كان ذلك يحدث ، فإنه يحدث أيضا عدم حض الناس على ارتكاب هذا النوع من الجرائم . قلت : وها أنا أمسكت بك وأنت لا تناور فقط ، وإنما تجافي الحقيقة مجافاة كاملة الأوصاف . قال : كلامك مردود عليك فأنا ، ونحن جميعا ، نستهدف الحق ، ولا شيء غير الحق ، وليكن ما يكون . قلت : اسمع يا صديقي : في العام 97 شكل عدد من مراكز المرأة ما عرف في حينه باسم البرلمان الصوري . برلمان شعبي يهتم بقضايا المرأة بعد أن جاء تمثيلها في أول مجلس تشريعي فلسطيني ضعيفا . اهتمت هذه المؤسسة ، من بين أمور كثيرة تُهم المرأة ، بقضايا قتل البنت والمرأة على خلفية ما يعرف بشرف العائلة . ووضعت أصبعها ، ومن بين عوامل عديدة ، على أحد أهم الأسباب التي تشجع على قتل المرأة ، وهو قانون العذر المحل ، والعذر المخفف ، اللذين سبقت الإشارة إليهما . الهيئة البرلمانية هذه طالبت ، من بين تعديلات يتم إدخالها على قانون العائلة ، بتعديل هذين القانونين ، وفي اتجاه العودة للشرع ، الذي تجاوزه القانونان ، وعادا بنا إلى ما كان عليه الحال في جاهلية الحجاز قبل الإسلام . هذه المطالبة التي كان من المفترض أن يرحب بها رجال الدين ، ووجهت من قبلهم بثورة عارمة ، دعتني إلى كتابة :" حقوق المرأة بين شريعة القبيلة ورداء الشريعة " المنشور على موقع الحوار هذا، كما أشرت . وتراجعت النساء تحت قصف مكبرات مآذن المساجد والاتهامات التي يندى لها الجبين ، وحيث لم أجد من يجرؤ على نشر كتابي ، الذي قلت عنه أنه صدر ، وبنسخ محدودة ، بعد تلكؤ طويل . ومضت الأيام . وكان أن حركت فضائح جرائم الشرف في الأردن ضمائر الكثيرين . وتركزت مطالبات الحد منه على تعديل قانوني العذر المحل والمخفف ، وليحاكم الفاعل كمجرم كما يقضي الشرع . وتحركت في عمان مظاهرات لهذا الغرض ، قادتها الملكة رانيا ، وأيدها العاهل الأردني ، حين طار فوقها بطوافة – هليوكبتر - . ومرة أخرى تخيلت ، ربما لغشم مني ، أن تيارات الإسلام السياسي ستجد فيها فرصة للدعوة بإعادة تطبيق الشرع ، ولو عبر خطوة ، يحدوهم الأمل كي تعقبها خطوات . وكانت الصدمة أن هذه التيارات هي من حشدت ونزلت لمعارضة تعديل هذه القوانين ، متهمة المطالبين ، ومطلب التعديل بأنها دعوة ، وخطوة ، نحو دفع المجتمع إلى الفساد وإسقاطه في الرذيلة والعياذ بالله . وتراجعت الدولة الأردنية ، وفي المقدمة ملكتها وملكها ، أمام ضغط التيارات الإسلامية ، وبقي القانونان على حالهما . وفي الكتاب الذي وثقت فيه مواقف تلك القوى ، طرحت تساؤلا صارخا ضاجا عميقا : كيف يمكن أن يقود تطبيق بند من بنود الشرع المجتمع إلى مزالق الرذيلة ؟ وهل القرآن في نصوص آيات تعريف الزنا ، وبيان براهينها ، ثم تطبيق العقوبة ، استهدف دفع المجتمع الإسلامي إلى طريق الرذيلة ؟ وأنا الآن أسألك نفس السؤال ، وأضيف عليه : هل كان النبي في تطبيقه لحد الزنا ، ومعاملة قاتل من يفاجئ زوجته في حضن رجل على فراش الزوجية كقاتل ، يحكمه الشرع بأن القاتل يقتل ، هل كان النبي ينشر الرذيلة في مدينته ، في دولة الإسلام التي أنشأها هو ، وبناها هو ؟ قال : النبي لم يفعل شيئا من هذا . أنت تقول ما يحلو لك . ولولا أنني ما زلت ملتزما باتفاقنا لقلت لك ، وفي وجهك ما لا يسرك . قلت مرة أخرى أنت عدت وقلتها . ومرة أخرى سأتجاوز ذلك . ولكن يا صديقي عليك أن تجلس مع نفسك ، وأن تجيبها بصراحة ، كيف ستمكنون من تطبيق حدود الزنا ، بعد كل هذه التربية ، كل هذه التعبئة ، عن كرامة الرجل ، عن شهامة الرجل ، عن الحمية التي تتلبسه وتفقده عقله ، عن الرجولة التي تفرض عليه أن يقوم بقتل الخائنة وفورا ، عن العار الذي يتلبس العائلة ولا يمحوه إلا سفك دم المجرمة ، عن الشرف الذي لا يصان إلا أن يراق على جوانبه الدم ‘ن .. وعن ...الخ . أنتم وضعتم في طريق تطبيق الشرع أكواما وأكواما من ركام العوائق والصعوبات ، وتقول لي أن ذلك سيكون بسيطا . وأسألك ولا تجبني أنا ، بل دع إجابتك لنفسك حين تخلو لها : هل تنون تطبيق الشرع الإسلامي كما نصت عليه الآيات ، وكما أوضحه الفعل النبوي ، أم تريدون تطبيق شرع ترونه أنتم ، تدعون أن أئمة وفقهاء جمعوه وبنوه . وأضفت : لا تجب الآن فالحوار طال لأكثر مما توقعنا ، ولذلك أقترح رفعه الآن ، والعودة لتناول تطبيق النبي لحد الزنا في الجلسة القادمة .
#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار أملاه الحاضر 6 الشريعة وتطبيق الحدود ....الزنا (1)
-
حوار أملاه الحاضر 5 الشريعة وتطبيق الحدود ....الخمر
-
حوار أملاه الحاضر 4 العورات بين المجتمعي الإنساني والرباني
-
حوار أملاه الحاضر 3
-
حوار أملاه الحاضر 2
-
حوار أملاه الحاضر
-
عفوك يا سماحة المفتي 3
-
خطوة للأمام ... عشر للوراء
-
عفوك يا سماحة المفتي 2
-
تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت
-
يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديمو
...
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 17 اختطاف الثورة قبل الأخ
...
-
عفوك يا سماحة المفتي هذه ليست مساواة
-
تغيير يوجب تغييرات
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 16 تغيير ام إصلاح
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 15 المثقفون وأدوارهم 4 سو
...
-
آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 14 المثقفون وادوارهم 3 مخ
...
-
قرراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 13المثقفون وأدوارهم 2
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 12
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|