|
عودة لمبادرة اليونسكو في 8 مارس 2000
نادية بنسلام
الحوار المتمدن-العدد: 1131 - 2005 / 3 / 8 - 09:21
المحور:
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي
دعت منظمة اليونسكو عام 2000 وسائل الإعلام العالمية، مكتوبة ومرئية وسمعية، إلى جعل الثامن من مارس يوما للمرأة الصحفية تصنع فيه الخبر. كانت دعوة تنصيب المرأة في مواقع صناعة الخبر دعوة غير مسبوقة، ولقيت غير قليل من الاحتفاء الإعلامي المدفوع في رأيي بجاذبية الإثارة والطرافة في الدعوة. لكن من المؤكد أن ثامن مارس عام 2000 كان يوما عالميا متميزا بالنسبة للمرأة الإعلامية، وكذلك كان في المؤسسات الإعلامية التي استجابت للدعوة. وكان يوما لم يخْلُ من أجواء التندر ومشاعر الاستسهال بين زملاء وزميلات المهنة على أية حال. كانت الاستجابة لدعوة اليونسكو في المغرب واسعة، والتجربة كانت متقاربة في مجملها، قريبة من روح رد المجاملة للمنظمة، والرغبة في تلميع صورة المؤسسة الإعلامية. لكن اليونسكو لم تصاحب دعوتها برصد التجربة، وكيف تمت الاستجابة للدعوة، أو لماذا لم تتم الاستجابة أصلا في كافة المؤسسات الإعلامية...ولهذا، لا أستطيع أن أنصب نفسي حكما في موضوع وصلتني عنه بعض الأصداء العامة. هكذا، أفضل التركيز على تجربتي الخاصة كرئيسة تحرير في يوم 2000-03-08 في صحيفة العلم اليومية الناطقة باسم حزب الاستقلال.
استجابة يومية العلم يمكن أن تدخل في خانة الاستثناءات مقارنة ببقية التجارب في المغرب. إذ سجلت العلم التنازل الفعلي والرسمي لرئيس التحرير عن منصبه، وغاب اسمه من مانشيط الصفحة الأولى يوم ثامن مارس، وفي أعلى الصفحة صدر الخبر التالي:
استجابة لاقتراح اليونسكو، فإن الزميل رئيس التحرير قد أُذن له في يوم عطلة استثنائي مدفوع الأجر، لتتولى الزميلة نادية بنسلام رئاسة التحرير، ليس تعبيرا رمزيا فقط، بل لتأكيد موقع المرأة وفاعليتها في كل المواقع، وفي رحاب ومشاغل الإعلام بصفة خاصة، وهو ما تؤكده المادة التي يحتويها هذا العدد والتي أعدتها الزميلة زهور السيدة رئيسة التحرير الزميلة نادية، كل الملعب لك .
ويوم تاسع مارس حل اسمي محل اسم رئيس التحرير، لأنني أشرفت على إعداد عدد ثامن مارس من الجريدة. وأعتقد أنه كان في حرص أصحاب القرار في العلم على تمييز استجابتهم شيء من مجانبة منطق تاريخ اليوم العالمي للمرأة، كان يفترض أن أكون قد أشرفت على عدد سابع مارس حتى يصدر عدد ثامن مارس في موعد المناسبة العالمية. ذلك ما تقتضيه خصوصية الصحافة المكتوبة في شرطها الزمني ربما كان في هذا الحرص رغبة ما في تسجيل الحضور الذكوري في يوم نسائي.. ولو تحليت بقليل من الإيجابية لقلت إن هذه الخلخلة الزمنية التي أجّلت وثيقة حضوري في موقع صناعة الخبر من يوم ثامن مارس وغيبتني عنه في نفس الآن، فيها تمديد لحضور المرأة ب 24 ساعة أكثر. كما فيها تشبث أمين بمعنى الزمن الواقعي لا بمعنى الزمن الصحفي..
لكنني لا أميل للتحلي بالإيجابية ، فلم أشعر ولا أشعر بالأشياء ولا أعقلها كما تستدعيني إليها روح إيجابية فيها مزايدة ومبالغة. لم يطرح أحد هذه الملاحظة الزمنية، ولا أنا، لكنني سجلتها، ولم أهتم لها كثيرا في حينه، كنت قد دخلت قبل اليوم المعلوم حالة نفسية خاصة. مبادرة اليونسكو واستجابة الصحيفة في شخصي شيئان لم يخطرا لي على بال. كنت قادمة إلى عالم الصحافة من عالم كنت تركته للتو بشكل مؤقت، عالم بطالة خريجي الجامعات، وكنت حديثة عهد بالصحافة، فلم يكن قد مضى على التحاقي بها عامين كاملين، و العلم إحدى أعرق الصحف المغربية، صدرت عام 1946، وارتبطت كما يشير اسمها بالنضال الوطني ضد الاستعمار الأوربي للمغرب، وهي تمثل حزب الاستقلال، حزب محافظ، أبرز شخصياته منظره المفكر علال الفاسي، سلفي شهير بفكر حداثي.
لم أكن قد راكمت تجربة مهنية مهمة، لكن إشرافي على ملحق الإعلام بالجريدة، أولى مهامي بها، ساعدني مبكرا على الممارسة المهنية المباشرة من موقع صناعة الخبر. كنت أضع تصور الملحق الأسبوعي، وأكتب فيه عمود رأي، أو افتتاحية إن جاز القول، وأرتب مواده وأنجز بعضها وأكلف متعاونين بإنجاز مقالات فيه. كنت أصنع الخبر في أضيق حيز بالجريدة.
عام 1999، سافرت لأول مرة خارج المغرب في مهمة صحفية، من أجل تلقي تكوين في الصحافة في مصر. دعوة أخرى من اليونسكو لفائدة تكوين الصحفيات العربيات. كان مندوب اليونسكو بالمغرب، أستاذ بالمعهد العالي للصحافة الإعلام بالرباط هو من رشحني بحكم متابعته لعملي، خاصة ما يهم حقل النقد الإعلامي في ملحق الإعلام. ونهاية السنة نفسها، حصلت على الجائزة الوطنية الأولى في جنس صحافة التحقيق عن موضوع صحي كان حدث الساعة آنئذ، يتعلق بتسويق عقار الفياغرا الخاص بالعجز الجنسي في المغرب عنوان التحقيق: ثورة الفياغرا في المغرب . هذه كل تجربتي حتى حدود تاسع مارس 2000، قبلها، كنت مجازة في شعبة الأدب الإنجليزي. وكنت استفدت من تدريب لمدة شهرين في وكالة المغرب العربي للأنباء، الوكالة الرسمية للأخبار بالمغرب، والذي مكنني من هذا التدريب أنني كنت طالبة بمدرسة فهد العليا للترجمة بمدينة طنجة شمال المغرب. بهذا الرصيد المتواضع جدا بوأتني العلم بفضل اليونسكو موقع رئاسة التحرير. وبطواعية هنا أتحلى بروح الإيجابية لأسجل اقتناعي بأن استجابة العلم بالشكل الذي تمت به، وميزها كاستثناء، يعود لشخصية رئيس التحرير ذاته، شخص ميال للأفكار غير التقليدية، هو مبدع في الأصل في حقل القصة القصيرة، ولعله أبدع في استجابته كي يسجلها له التاريخ. لعله نافسني بشكل استثنائي في يومي الاستثنائي. ولعلني لم أحبذ تماما إبداعه، لهذا ضمنت مقالي يومها رسالة لم ترقه، أو هكذا تمنيت، لكنها شكلت موضوع أولى عباراته التي وجهها إلي صباح التاسع من مارس وهو يعلق على التجربة.
تماهيت ومنصبي في رسالتي لرئيسي في التحرير، رسميا كنت ولمدة 24 ساعة رئيسته، وشحنني الموقف بمشاعر السلطة، وفكرت أنه ما كان ينبغي له أن يسمح لنفسه بشيء دون أن يستشيرني...كنت الرئيسة.. ألم أكن؟؟ السلطة، ولو كانت عابرة وبدون سند قانوني، تمد الإنسان بقوة غريبة لا يستشفها في داخله ما لم يملكها، وحين يملكها تستبد به، قانونيا لم أكن رئيسة تحرير، لأن ذلك يستوجب إجراءات تبدأ من الحزب ولا تنتهي في المحكمة، لكن بما أن رئيسي في التحرير ذهب إلى أبعد مدى مقارنة مع زملائه في الموقع ذاته، وتخلى لي لمدة يومين عن منصبه، اليوم الأول بصدور الجريدة بدون اسمه في المانشيط، وثاني يوم بصدور اسمي، كان علي أن أكون في مستوى الموقف والموقع، وفي الواقع، فكرت أنه كان يتعين على رئيسي في التحرير استئذاني، ولو فعل لكنت رفضت طلبه، وطالبته بأن يشتغل ضمن فريق التحرير، وربما كنت فكرت بتكليفه بمهمة تخص مناسبة عددي .. حسنا، هي أوهام السلطة حين تستبد بالإنسان، وقد استبدت بي يومها، فبدأت مقالي بطموحات من تبلغه السلطة و...تخذل تطلعاته. كتبت:
لحماسي الزائد عشرة أيام قبل هذا الموعد التاريخي، تصورت أنه سيكون بإمكاني أن أغير العالم، عفوا، أقصد " العلم".
واليوم، وقد أوصلتني مبادرة اليونسكو إلى أعلى مراتب صاحبة الجلالة، تبين لي أن العالم لا يمكن أن يتغير بين عشية وضحاها. ولا أدري إن كان أحد قد شعر بتغيير فعلي في موقع صناعة الخبر، سوى زميلي، رئيس التحرير " سابقا" الذي غادر مكتبه في عطلة استثنائية مدفوعة الأجر، وسواي التي جلست في مقعده أراقب كيف أن الأمور تسير سيرها الطبيعي.
لازمني شعور بثقل المسؤولية والتخوف من الفشل في تحملها كما ينبغي. ولم أكن أعلم أنه تم ترتيب العدد كله، وما تبقى منه كان موكلا لزملائي، ساعدي رئيس التحرير الغائب- الحاضر. لكنني خلال ذلك اليوم وقبله، كنت أعدّ نفسي بالفعل لصنع الخبر، وسمحت لنفسي أن أعيش وهم الرئاسة، محاولة إقناع نفسي بأنني لم أكن طرفا مفعولا به في لعبة مكشوفة.
فكرت أن الأمور لا يتوجب أن تمر مرّا عابرا، على الأقل في حياتي، وغالبت أجواء المرح والتندر والاستسهال والاستهزاء التي سادت في الصحيفة، حتى أهزم شعورا ثقيلا كان يزعجني، هو الشعور بأني مجرد كركوز في مسرحية من إنتاج اليونسكو وإخراج وسائل الإعلام. خشيت الجمهور، وكان في تلك اللحظة جمهورين، القريب مني يومها في مكاتب الصحيفة وردهاتها، والبعيد عني الذي ربما سيلاحظني أو لا يلاحظ لي وجودا في عددي الخاص.
دعاني رئيس التحرير إلى شغل مكتبه يوم الثامن، حتى تتكامل الصورة والصفة، واحتجت للكثير من التفكير قبل اتخاذ قرار الانتقال إلى مكتبه. في قرارة نفسي كنت أريد أن أعيش التجربة بكل تفاصيلها، وأن أذهب فيها إلى أبعد حد، وتخيلت أن أبعد الحدود قد يتطلب أن أغير ما كنت أحسه مجرد دعاية تسوق لها منظمة دولية في حاجة لأن تجدد مبادراتها لإثبات الوجود والصلاحية، وما منت أحسه استجابة من المخاطبين بدعوتها دغدغت حاجتهم لتزيين صورتهم في منتديات حقوق المرأة لكن ماذا كان بالإمكان تغييره؟ كان هذا هو السؤال الصعب؟ لم يتفاعل معي زملائي الذكور حين صبغت.على نفسي صفة رئيسة التحرير، وبدأت أتصل بهم قبل الثامن من مارس لأعرف فيم يشتغلون، وأقترح عليهم أن نفكر بشكل جماعي في عدد المناسبة . حسم أغلب الزملاء الموضوع معي بشكل واحد يعني شيئا واحدا، هو أنهم يشتغلون في ما يشتغلون فيه، ولا مجال للتدخل، أي لا مجال للتوهم.
بدا أني كنت واهمة في حصولي على سلطة معنوية ما تخول لي، كزميلة بلا تاريخ أن أوحي لهم، مجرد إيحاء، بأني يمكن فعليا أن أقود عمل الصحيفة في يومي الوحيد من مكتب الرئيس. في الواقع، لم أكن واهمة في تلك اللحظة التي لم تكن توقعاتي العظيمة قد انهارت فيها بعد. كنت شيدت توقعاتي على ردود أفعالهم لما أطلعهم رئيس التحرير عن نيته في الاستجابة لدعوة اليونسكو، وتفكيره في زميلة من الزميلتين الوحيدتين اللتين تشكلان كل العنصر النسوي في الصحيفة. رحبوا بالفكرة، ونوهوا باستجابة العلم، وأكدوا استعدادهم للتعاون معي، وثقتهم في كفاءتي. هذا كل مصدر أوهامي، وفي تلك اللحظة، لم تكن أوهاما، كانت توقعات معقولة. أوليست كذلك؟
تبينت أن الملعب الذي أفرغه لي كاملا رئيس التحرير الذي كتب خبر التنازل والتنصيب يكاد لا يوجد به مقعد واحد شاغر لي أملؤه دون أن أتعرض لما يتعرض له في العادة جمهور الملاعب الذي لا يجلس في المنصة الشرفية. لكن المفترض أن مكاني الأصلي كرئيسة تحرير لم يكن مدرجات المتفرجين، بل ميدان اللعب. وموقعي في ميدان اللعب كان ضيقا جدا، أضيق من ذلك الحيز الذي كنت أتحرك فيه بملحق الإعلام.
يوم الثامن من مارس، كنت حققت تراجعات مهمة في تطلعاتي. ومن مكتب رئيس التحرير، حاولت لعب آخر ورقاتي...في الصفحة الأولى. كنت أفكر في كتابة مقال الافتتاحية الذي كنت أنوي أن أسجل فيه ارتساماتي عن موقعي وتجربتي. وأجلت الموضوع إلى آخر لحظة حتى تكتمل التجربة وبجهد جهيد تمكنت من إجراء تغييرات شكلية في طريقة الإخراج الاعتيادية للعلم وفق تصور كان يبدو لي موفقا أكثر في جذب القارئ، لكن العقبة الكأداء كما يصفونها كانت أن أزحزح افتتاحية الصحيفة التي يكتبها المدير، مثقف بارز في الساحة المغربية والعربية والحزبية. ولهذا، أعتبر أن عددي الخاص الذي لم يصدر بإشرافي صدر بافتتاحيتين، وهذا نص الافتتاحية الموقعة باسمي.
رئيسة تحرير ليوم واحد، وماذا بعد؟
بقلم: نادية بنسلام
لحماسي الزائد عشرة أيام قبل هذا الموعد التاريخي، تصورت أنه سيكون بإمكاني أن أغير العالم، عفوا، أقصد " العلم".
واليوم، وقد أوصلتني مبادرة اليونسكو إلى أعلى مراتب صاحبة الجلالة، تبين لي أن العالم لا يمكن أن يتغير بين عشية وضحاها. ولا أدري إن كان أحد قد شعر بتغيير فعلي في موقع صناعة الخبر، سوى زميلي، رئيس التحرير " سابقا" الذي غادر مكتبه في عطلة استثنائية مدفوعة الأجر، وسواي التي جلست في مقعده أراقب كيف أن الأمور تسير سيرها الطبيعي.
وأنا جالسة عابرة في هذا المقعد الرجولي، تمر بذهني أشياء صادفتها في كتب أو قصاصات صحفية، أو أشياء سمعت عنها تحكي نضال المرأة الأزلي لأجل أن تتساوى مع الرجل وتمارس حقوق الكائن البشري، لا أن تحكمه كما يزعم من يؤمنون بتاريخ العصر " المطريركي".
في مصر، تم أخيرا إقرار قانون جديد يمنح المرأة حق طلاق الخلع، وفي اليوم الأول لسريان القانون، تقدمت عشرون امرأة بقضايا خلع لأزواجهن، وبالتأكيد لم يرق للرجال تعرضهم لمصير خصوه للمرأة فقط، واعتبروا القانون مأساة وحكما فوريا بالتشرد، بسبب أزمة الإسكان، لأن الرجل حين يطلق زوجته غالبا ما يكون قد وفر لنفسه مسكنا يأوي إليه، أما وقد أصبح تحت رحمة الزوجات لمجرد رغبتهن في التخلص فجأة من أزواجهن، هكذا يقول المقال المنشور بصحيفة القدس العربي في الثاني من مارس، فإن امتيازات الرجل غدت في مهب الريح، لأن الزوج المخلوع يلزم بتوفير مسكن مناسب للزوجة والأولاد، وإن لم يفعل خلال فترة العدة، يحرم من مسكن الزوجية.
لكن علماء الاجتماع يستشرفون المستقبل بطريقة غاية في الطرافة، ويرون أن هذا القانون سوف يخفض من نسبة جرائم النساء التي انتشرت في التسعينات، وعرفت في مصر باسم جرائم الساطور والأكياس، للجوء المرأة العاجزة إلى قتل الزوج ووضع أشلائه في أكياس.
وفي تقرير منظمة العمل الدولية يبلغ التشاؤم، أو لربما الموضوعية، الأوج لدى الخبراء الدوليين وهم يؤجلون حصول المرأة على حقوق الكائن البشري كاملة أو مساوية للرجل إلى خمسة قرون قادمة! وبالتأكيد، يبدو اقتراح منظمة اليونسكو العالمية خياليا إلى حد بعيد حين ترفع تحدي جعل المرحلة القادمة في هذا القرن مرحلة المشاركة الكاملة للنساء في صنع القرار.
ويمر بذهني في هذه اللحظة التي أستحضر فيها " خيالية" طموح اليونسكو، طموح مشروع تشكر عليه على أية حال، استجابة يومية " الإيكونوميست" المغربية بطريقة خاصة جدا، حيث تنازلت رئيسة التحرير في اليوم العالمي للمرأة لرجل بدل امرأة أخرى عن المنصب، للوقوف في وجه زحف النساء على مناصب العمل والقرار بالجريدة. لعل هذا القرار سيثير في الكثير منا ردود فعل متناقضة، وإنصافا للحق، أرى أن المرأة التي تنازلت لرجل في هذه الصحيفة قد وفت بهدف اليونسكو من المبادرة إلى أبعد الحدود، فكانت هي من صنعت الخبر، وصنعته في أجود تجلياته المهنية، فليس الخبر أن نقول إن الكلب عض الرجل، وإنما الرجل هو من عض الكلب!
ما أشبه اليوم بالأمس، أتوقف باسترسالي عند إحدى عادات قبائل افريقيا الموغلة في القدم والبدائية، لمنها، لعجائب الصدف، عادة من عمق روح وفكر هذا العصر، ففي يوم معلوم من أيام السنة، يتم قلب الأدوار بين الرجال والنساء، فتسيطر النساء. ويتحدث الأنتروبولوجي البريطاني " تيد تورنر" عن طقوس هذا الانقلاب، فيورد أن زعيم القبيلة نفسه يتنازل عن عرشه ويعامل كعامة الناس، وتتقلد النساء مناصب القيادة في القبيلة، ويسيطرن في كل مجالات الحياة اليومية، مثلما يفعل الرجال طيلة السنة، وبعد انصرام اليوم، تعود الحياة إلى سيرها الطبيعي، والمرأة إلى خنوعها وثانويتا.
أجد أنني أتماهى إلى حد بعيد مع تحليل هذه الظاهرة في سياق تفاعلي الشخصي مع مبادرة اليونسكو، فتنازل رؤساء التحرير ليوم واحد للمرأة الصحفية لتحل مكانهم، قد يبدو مكسبا للمرأة وإثباتا لتساوي كفاءتها وكفاءة الرجل، لكن أليست زعزعة الواقع ليوم واحد هي فوضى تخدم النظام، وتمتص الصراعات، ليتثبت النظام السائد، وتترسخ مواقع الحاكم والمحكوم؟ لحظة تطهير ودعاية جيدة لاستعداد الرجل لأن تتساوى المرأة معه؟ كم قرنا نحتاج لكي تتقاسم الصحافية مواقع القرار مع الرجل، دون أن يعتبر هذا الأخير نفسه في عطلة استثنائية؟
بكل ما تحمله لفظة الرمزية من معنى، تحملت اليوم مهامي في رئاسة التحرير، ولم يكن الملعب كله لي، لأن صانعي قواعد اللعبة بالأمس وغدا لم يتركوا لي كبير حيز للحركة، ولعلها حال زميلاتي الأخريات ممن تصبن برمزية في هذه المناسبة.
#نادية_بنسلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
المشاركة السياسية للمرأة في سورية
/ مية الرحبي
-
الثورة الاشتراكية ونضـال تحرر النساء
/ الاممية الرابعة
المزيد.....
|