|
في الظِّل الغامق لامرأةٍ لا تشبهنا
عماد فؤاد
الحوار المتمدن-العدد: 1131 - 2005 / 3 / 8 - 09:03
المحور:
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي
I لا شيء أنا قابعٌ في آخر السَّطرِ تليني نقطةٌ ويسبقني الفراغْ.
II مثل أعمى يستردَّ نورَ عينيه من ظلمةٍ في القاعِ كان وحدَهُ يدرِّبُ يدهُ على الكتابة ووحدَهُ يختبرُ قدميه بالمشي وصدرَهُ بتحمِّل ثقل النيكوتين وقلبه بالحزنْ
الأرضُ التي هجرتْهُ قديماً أنبتتْ زهراً غريبَ الشَّكلِ طيِّبَ الرَّائحةْ وناسها لم يعودوا أنفسهمْ.
III كأنَّكَ على سفرٍ ترتَّبُ الأشياءَ تزيحُ الأتربةَ الخفيفةَ بضربةِ مِنْفضةٍ وتنصتُ لشروخِ الأصواتِ في أذنكَ وهْيَ تتبدلُ من حالٍ إلى حالْ تودِّعُ الأصدقاءَ بنظراتٍ مكسورةٍ وابتساماتٍ معتذرةٍ بلا سببٍ
كأنَّك على سفرٍ تحتارُ ما الذي تحملهُ معكَ وما الذي تهملهُ أيُّ الكلماتِ تقولها لأمِّكَ وأيُّها لا تلفظه
كأنَّكَ على سفرْ.
IV فتَّشوه أخرجوا من جيبه الصَّغير صوراً عائليةً مكسَّرةَ الحوافِّ أولادَ عمومةٍ لم يرهم منذ سنينَ وأسماءَ رفاقٍ طارئينَ أوصوهُ بأنْ يرعى المحبَّةَ بالسِّؤالْ وثيقةَ سفرٍ وقبلاتِ أمٍّ محلاةٍ بملحِ دموعِها لحظة الوداعْ أحجبةً ضدَّ الخوفِ وقلاداتٍ تحفظُهُ من العينِ سنابكَ خيلٍ متعبةٍ من التِّجوالِ في كتب التَّاريخِ وتذكاراتٍ رخيصةً من الأصدقاءِ البعيدين نوباتِ حنينٍ وفتياتٍ لم يعصرهن بعدُ بين ذراعيه.
فتَّشوه أوقفوهُ في آخر الصفِّ وصوَّبوا عيونَهم عليه بغِلٍّ نادوا على اسمه مرةً مرَّتين وحينَ لم يستجبْ لهم تركوهُ يمضي خفيفاً لا هدهداتِ أمٍّ تُثقلُ عليهِ ولا أدعية تشبكُ أكفُّها الصغيرة في ذيل ثوبه الذي يحفُّ التُّرابَ كلَّما مشى.
V في البردِّ عدَّ أصابعَهُ ( زرقاء .. ومُصفرَّة الأطرافِ )
أحكمَ غلقَ سترتِهِ على صدرهِ الضَّامر وشدَّ دخانَ سيجارته بحرقةٍ: يحرمُكِ اللهُ كلَّ راحةٍ يا التي تركتِني وحيداً.
VI لا لغة ولا كلامْ لا التَّنهيدةُ الحارقةُ وهْيَ تخرجُ مكسورةً من صدري ولا نظرةَ عينيَّ المهزومتين قدَّامكِ لا شيءَ ينقلُ حضوركِ فيَّ وجسمكِ لا تترجمُهُ الحروفُ.
قدمكِ وهْيَ تخطو يدكِ وهي تلمسُ القلمَ عيناكِ خلفَ نظَّارةِ الشَّمسِ شفتُكِ مضغوطةٌ تحت سنَّتيكِ الأماميتين شعرُكِ حين تهزُّه الرِّيحُ ويبتكرهُ الهواءُ صوتُكِ المبحوحْ غناؤُكِ الخجول وهْوَ يتدحْرجُ فوق الوسائدْ ضحكتُكِ التي ترنُّ في صمتِنا كعملةِ نقدٍ ممحوةِ الوجهينِ خفَّتُكِ وأنتِ تخبطينَ الأرضَ في خطوكِ الهشِّ ... ............ ......... لا لغة ولا كلامْ.
VII قالتْ لهُ أمُّهُ: لتكنْ تلكَ اتكاءتَكَ في البعيدِ صوتكَ الذي ترفعُهُ خفيةً في الظَّلامِ يدَكَ التي تبْطشُ بها الآخرينَ ودمعتَكَ التي تبكيها عليهم!
قالتْ له: أرِنِي يديكَ يا ابن بطني وبِكْري الذي سيكونُ سندي في القادمِ من الأيامِ أرِنِي يديكْ هنا طَبْعُكَ الذي ربيتَ عليهِ وعمرُكَ الذي كبرَ تحتَ عينيَّ كنبتةِ ظلّْ ندوبُ جسدكَ التي ارتكبتْها رعونتي بغفلتي عنكَ وسقطاتُكَ الخمس من فوق ركبتيَّ
هنا أسماءُ أخوتِكَ .. أبوكَ وأمُّكَ طينتُكَ التي عجنتْها الآلهةُ وصلصالُكَ الذي سوَّاهُ رحْمي فبحقِّ الذي في يديكَ دعْ عينيكَ معصوبتين وافتحهما خلسةً من تحت الغمامةْ مدَّ يدكَ لمن يسحبكَ في الزِّحامِ واسحبْهُ أنتْ
حين تقرصُكَ الوحدةُ في مكمنِ ضعْفٍ قوِّ قلبَكَ بندهةِ أمِّك وأَرِحْ كتفيكَ من تعبِ التذكُّر ولا تصف أحداً إلا بالذي فيه وامرأتكَ أنتَ ربُّها وراعيها فاجعلها فَرْشَتكَ وسترَكَ عن العيون اضربْ غرورَها برحمةٍ إن عصتْكَ وانهضْ لها إن دخلتْ عليكْ وإن رأتكَ تبصُّ إلى حُسن سواها قلْ لها: لي قلبٌ تحفُّ الصَّبايا إن مررْنَ بهِ وعينٌ مختومةٌ على الجمالِ فكيفَ أنهيها؟!
لتكن تلك اتكاءتَكَ في البعيد هذه الصفحة البيضاء ليس قبلها ليس سواها.
VIII مسَّتْ يده الباردة وهْيَ تتنهَّد نظرتْ إلى شفتيه كأنَّها تنتظر منهما أن يصفاها همَّ بالكلام حين شعر بعينيه تسبقانه: أنتِ ككأس النبيذ هذا أوَّلكِ مُسْكرٌ وآخركِ مرارة.
IX يلوي لسانَه كلَّ يومٍ ليفهمه الناس تنبت فوق شفتيه ابتسامات شاحبة وهو يربتُ على كتف نفسه يقولُ: غداً سوف أرى أمِّي.
X رغم تعبه رغم قدميه اللتين تئنَّان كمومستينِ أكلَ الغرباءُ لحمَهُما عُنوةً رغم قلبه الذي يهرولُ من سياط التَّدخين حطَّ رأسَهُ على فَرْشَتِهِ شمَّ رائحة شعر امرأته المنسدلِ جواره تنفَّس كلَّ الرَّائحة بكامل رئتيه أغمضَ عينيه الضِّيقتين وهْوَ يفتح فمه قليلاً بوسع حلْمة نهدها الذي يرقد هادئاً تحت كفِّه وضغطَ شفتيه في رقةٍ بدائيةٍ جعلتْ لسانَهُ المحمومَ يميِّز ما بين دمعه المالح الذي فاجأه وحموضةِ لبنها هذا الذي تخثَّر كجرحٍ على شفتيه تسعة وعشرين عاماً بكاملِها.
XI قالَ: كيف تركتِ محبَّتك الحرير كقبر وَليّ يحكُّ الأحبة أياديهم المدنسة على قطيفتها الزرقاء ويبتهلون إليكِ؟
يا بنتُ ردِّي فمي إلى طفولتِهِ وامنحيني بئريَ الأولى ضعي يدَكِ دافئةً بين وركيَّ شدِّي عليه واجعليه صلباً مثل ساريةٍ أنا سأفتحُ أوراقَ وردتكِ التي تنامُ هادئةً وأجعلها تزهرُ من جديد.
XII قالتْ له أمُّه: عندما تكون هناكَ في البعيد الذي لم أره في الظِّلِّ الغامق لامرأةٍ لا تشبهنا في البيت العتيق الذي تحرسُه الأشجارُ الغريبة والطرقاتُ الباردةُ المكسوَّةُ بالثلجِ نمْ وتدفَّأ بأنفاسي
يا ولد لا تحلم بامرأةٍ ليستْ ملكَ يمينكْ ولا تُهرِّب نظرتك تحت فستانٍ لم تشترهْ وابقِ عينيكَ مفتوحتين اتقاءً لغدرٍ.
مارس 2004 Gent
عماد فؤاد شاعر مصري مقيم في بلجيكا. من مواليد قرية "الفرعونية" بدلتا مصر في 22 أكتوبر 1974. أصدر ثلاث مجموعات شعرية، هي: "أشباح جرَّحتها الإضاءة"، سلسلة "ديوان الكتابة الأخرى"، القاهرة، مايو 1998. "تقاعد زير نساء عجوز"، عن دار "شرقيات"، القاهرة، سبتمبر 2002. "بكدمة زرقاء من عضَّة النَّدم"، عن دار "شرقيات"، القاهرة، يناير 2005. أنشأ أول موقع لقصيدة النثر المصرية على شبكة الإنترنت على الرابط: http://www.egyptianpoetry.jeeran.com ترجمت بعض قصائده إلى اللغات: الهولندية والإنجليزية والألمانية. الإيميل الشخصي للشاعر [email protected] الموقع الشخصي http://efouad.jeeran.com
#عماد_فؤاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديوان تقاعد زير نساء عجوز
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المشاركة السياسية للمرأة في سورية
/ مية الرحبي
-
الثورة الاشتراكية ونضـال تحرر النساء
/ الاممية الرابعة
المزيد.....
|