أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - ضياء الشكرجي - مع هاشم مطر في نقده للمشروع الديمقراطي















المزيد.....


مع هاشم مطر في نقده للمشروع الديمقراطي


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 3901 - 2012 / 11 / 4 - 18:08
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


الدراسة النقدية الدقيقة والمسؤولة والمهمة التي قدمها الصديق الأستاذ هاشم مطر، استفزتني منذ قرأت الحلقة الأولى، وبقيت أترقب الحلقة الثانية. أقول استفزتني بالمعنى الإيجابي للاستفزاز، والذي يُشكَر له عزيزنا الكاتب أيما شكر. أقول استفزتني لتنتزعني مما أنا متفرغ له حاليا، مما جعلني أتوقف عن كتابة المقالات، إذ كنت آليت على نفسي أن أتفرغ في الوقت الحاضر وإلى أجل غير مسمى لإنجاز كتاب تجاوز الثمنمئة صفحة، والذي له عندي من الأهمية، ما يجعلني أعده مشروع العمر الأهم، ثم لأتحول إلى مشروعَي تأليف آخرَين، أحدهما بالعربية والثاني بالألمانية، أتمنى أن يكون عام 2013 عام إنجازهما. لكن ما طرحه الصديق العزيز ذو الهم الديمقراطي هاشم مطر، أوجب علي أن أقول لكتابي، انتظر قليلا، فلي شغل مهم مع حلم العمر، وهو حلم نجاح المشروع الديمقراطي في العراق. ومما استفزني في مقالته بجزئيها هو الهم المشترك والتشخيص المتقارب إلى درجة تكاد تكون متطابقة، فيما هو عليه مشروعنا الديمقراطي الموسوم بـ(التيار الديمقراطي)، وفيما نتطلع له أن يكون عليه.

رأيت بدلا من التعليق على المقالة أن أكتب مقالتي هذه، ووجدت أن يكون منهج كتابتها على النحو الآتي: أدون أولا أهم النقاط، فيما أراه أنا، من نقد للواقع، وتطلع للطموح، ثم أعيد قراءة الحلقتين بإمعان، ثم أواصل مع العزيز هاشم مطر ومع القراء، لاسيما حَمَلة الهم المشترك، وهو الهم الديمقراطي في ضوء (الديمقراطية-العلمانية). لكني لم ألتزم في النهاية بهذا المنهج بدقة، لأني رأيت أنه سيستنزف الكثير من الوقت، رغم إن الموضوع يستحق أكثر من هذا من الوقت والجهد، لكني شخصيا مع الاعتذار لا أتوفر على كل هذه السعة من الوقت.

أهم ما أراه فيما ينبغي أن يتوقف عنده التيار الديمقراطي، لغرض إعادة النظر الشجاعة، واتخاذ خطوات التجديد والتصحيح، والتي ظهرت كهم أساسي في طرح صديقنا هاشم مطر، يمكن أن ألخصه في النقاط الآتية، ومنها ما مر عليه صديقنا العزيز في دراسته النقدية:

رمزية 14 تموز:

بلا شك إن لـ 14 تموز وللزعيم الراحل عبد الكريم قاسم موقعا متميزا في الذاكرة الوطنية العراقية. لكن ليس كل ما له موقع متميز في الذاكرة يجب أن يتخذ رمزا، لاسيما لحركة جديدة، ويراد لها أن تكون مجددة. مع هذا أن تمثل تجربة 14 تموز رمزية مركزية عند بعض قوى التيار الديمقراطي، فهو أمر محترم، ولا اعتراض عليه أبدا، لأن مشروع التيار لا ينبغي أن يلغي خصوصيات الأطراف المنضوية تخت خيمته على وفق المشتركات المعتمدة. لكن ليس من الصحيح أن تتخذ 14 تموز موقع الرمزية لمشروع (التيار الديمقراطي)، الذي يفترض أن يكون أوسع استيعابا من الاتجاه القاسمي، الذي يجعل لـ 14 تموز رمزية مركزية له. وسبق وكتبت في تموز 2011 مقالة بعنوان «لماذا لم أخرج في مسيرة 14 تموز»، بينت فيها أسباب عدم إمكان اعتبار هذه التجربة نموذجا ورمزا ومرجعية للمشروع الديمقراطي ليومنا هذا، لاسيما ونحن - وهذا ما ركز عليه صديقنا هاشم مطر - نريد إحداث عملية تجديد وتحديث. وهنا أقتبس من تلك المقالة أهم الأسباب لما ذهبت إليه، وهي:

1. التجربة الجمهورية الأولى (جمهورية عبد الكريم قاسم) وإن كانت تجربة وطنية وعلمانية وتقدمية، إلا أنها لم تكن تجربة ديمقراطية، وإذا قيل أنها كانت تملك قابلية التطور نحو الديمقراطية، فالعهد الملكي كان أيضا يملك القابلية للتطور بهذا الاتجاه، ولو بعد انتهاء عهد نوري السعيد؛ هذا العهد الذي كان سينتهي إما بوفاته، أو بعجزه عند بلوغه شيخوخته، أو فرض عملية الإصلاح الديمقراطي عليه بالتدريج، وليس بالضرورة عبر الانقلاب العسكري، تماما كما نسعى اليوم لإصلاح العملية السياسية.

2. اقترن اليوم الرابع عشر من تموز بالقتل الجماعي للملك الشاب، ولعموم العائلة المالكة، ولرئيس الوزراء والأمير عبد الإله، قتلا بشعا وحشيا تبعه التمثيل بالجثث وسحلها في الشوارع أو تعليق بواقي أشلائها في الأماكن العامة. ومن هنا لا يمكن أن أسمح لنفسي أن أجعل من مثل هذا اليوم يوم احتفال وابتهاج، مع احترامي لمن يرى أن يجعله كذلك، من حيث أن له مبرراته الوطنية المحترمة من غير شك.

3. تجربة الجمهورية الأولى كانت تشتمل من غير شك على الكثير من الإنجازات على مختلف الأصعدة، ولكنها اقترنت أيضا بكثير من السلبيات، وبالتالي فإن العهد الملكي كان هو الآخر رغم سلبياته يشتمل على الكثير من الإيجابيات والإنجازات، وكذلك على مختلف الأصعدة.

العلاقة مع الأحزاب الكردية:

كديمقراطيين علمانيين، نؤمن بالمواطنة، كنا دائما مناصرين للنضال الكردي من أجل الحقوق القومية، بما في ذلك إيماننا بحق تقرير المصير. ولكن يجب أن نميز كديمقراطيين علمانيين بين إيماننا بالقضية الكردية العادلة، وبين ملاحظاتنا على الأداء السياسي للقوى السياسية القومية الكردية، وعلى رأسها الحزبان الكبيران؛ هذا الأداء الذي تُسجَّل عليه، مثلما تسجل على السلطة في بغداد مع الفارق، الكثير من الثغرات فيما يتطلبه الأداء الديمقراطي، وما تتطلبه النزاهة. صحيح إن القوى الأساسية في التيار الديمقراطي لها علاقات تاريخية مع الحزبين في النضال آنذاك من أجل الديمقراطية للعراق، والفيدرالية لكردستان، وصحيح إن هناك من العلاقات لبعض هذه القوى الممتدة إلى يومنا هذا مع الحزبين، مما يجعلها في حرج إذا ما اتخذت موقفا ناقدا تجاههما، أو تضامنت مع أوساط كردية ديمقراطية علمانية، منها يسارية، ومنها ليبرالية، معارضة لهما في كردستان. بملاحظتي هذه التي يعرفها أعضاء المكتب التنفيذي لا أعني أن نتقاطع مع الأحزاب الكردية، ولكن في نفس الوقت لا ينبغي أن نعطي للشارع العراقي رسالة تضر بمشروع التيار الديمقراطي، توحي بأن التيار الديمقراطي مرتبط على نحو ما بالحزبين، أو هو مجامل لهما حتى لو كان أداءهما غير منسجم كليا مع متطلبات إنجاح مشروع التحول الديمقراطي في العراق، أو كان فيه ضرر على المصالح الوطنية. فهناك إشكالية الحريات في كردستان، وهناك إشكالية المبالغة باعتماد الاتجاه القومي، وهناك إشكالية الفساد، وهناك إشكالية اختلال التوازن بين المركز والإقليم، أي الانفراد بإدارة الإقليم وعدم السماح للسلطة الاتحادية بالتدخل بالشأن الداخلي للإقليم بما يشبه الدولة المستقلة من جهة، والمشاركة في السلطة الاتحادية كشريك متكافئ من جهة أخرى، مع إن هذا الأخير مشروع تماما ولا اعتراض عليه. هذا كله إلى جانب أن الحزبين الكرديين مسؤولان بما يقارب مسؤولية قوى الإسلام السياسي الشيعية، عن تأسيس دولة المكونات، بدلا من دولة المواطنة ودولة المواطن. ومن أمثلة المبالغة في مجاملة الأحزاب القومية الكردية أن أدبيات التيار الديمقراطي تقحم كلمة (الاتحادية) بمناسبة وغير مناسبة أحيانا. نعم نحن نتمسك بالفيدرالية، ولكن مشكلتنا اليوم هي الخلل في ديمقراطية ومواطَنِيّة ومدنية - أو دعونا نقول - علمانية الدولة، ولا أحد يفكر بإلغاء النظام الفيدرالية، ونحن قبل غيرنا المدافعون عن الشعب الكردي، إذا فكر أحد أن يمس بحقوقه المكتسبة. وكذلك نجد أحيانا نوعا من مجاملة الرئيس ورئيس الإقليم أكثر مما هو مطلوب، وكأنهما حاميا الديمقراطية. ثم إننا إذا أردنا أن ننفتح على الواقع الكردي أو الكردستاني، فلماذا لا يجري الانفتاح على كل الأحزاب الكردستانية، وأقصد العلمانية بالذات، كحركة التغيير. ولو إنها جميعا أصبحت للأسف أحزابا قومية، وعلى كل منها ملاحظات فيما شاب مسيرتها في السابق من عنف لم تعتذر بسببه، لا أقل لحلفائها الذين كانوا ضحية ذلك العنف، بل أريق أيضا دم كردي من جراء الصراع الدموي الكردي الكردي، ولم تمارس النقد الذاتي، ولا أريد سرد التفاصيل، تجنبا لتعكير الأجواء. أقول كل هذا في الوقت الذي كتبت في 28/04/2012 من موقع الإيمان بالقضية مقالتي «الدولة الكردية التي أتمنى أن أرى تأسيسها»، فاتهمني أحدهم أني استلمت ثمنا لذلك بيتا في أربيل، فالدولة الكردية للشعب الكردي تبقى طموحا مشروعا، وإن كنت أتمنى بقاء العراق موحدا في إطار الدولة الديمقراطية الاتحادية، لا من موقع التمسك بمقدس الوحدة الوطنية، بل لإن نجاح تجربة ديمقراطية فيدرالية في بلد ذي مجتمع متنوع كالعراق، هو فوز لعموم المشروع الديمقراطي، كرسالة إنسانية، قبل أن تكون رسالة وطنية.

الموقف المعادي للغرب:

ما زالت القوى التقليدية والتي تمثل الأحزاب الأساسية في التيار لم تتخلص من ثقافة - لا أقول المعاداة – وإنما الموقف الحاد تجاه الغرب، وربما ليس من موقع القناعة بقدر ما استصحاب لشعارات ومواقف النصف الأول من القرن الماضي. لا أعني أبدا إنه لا يجوز اتخاذ موقف ناقد تجاه السياسة الأمريكية أو البريطانية أو الغربية عموما، ولا أقول إن هذه السياسات ليس فيها ما يُنقَد، لكن يجب أن نعيد النظر في الحساسية المفرطة تجاه الغرب (الرأسمالي، الإمپريالي)، فلطالما قلت إن الانفصال النفسي تجاه الغرب كبيئة منتجة للديمقراطية، ومنظومة حقوق الإنسان، والحريات، والعلمانية، ومساواة المرأة، وغيرها؛ لا يجعلنا متفاعلين مع مفاهيم الحداثة التي تعتبر ضرورية لتشييد الصرح الديمقراطي، والتي هي من إنتاج هذا الغرب. وهذا ما أشار إليه الأخ والصديق العزيز هاشم مطر عندما تكلم عن المرحلة التي نشأت و«ازدهرت» فيها القوى السياسية اليسارية، والتي كانت كما عبر قد «تزامنت مع معسكرين متعارضين متناحرين ووضع دولي منقسم بين شرق وغرب»، فكانت قوى اليسار منحازة وفق ما فرضته طبيعة تلك المرحلة إلى أحد المعسكرين، بوصفه حسب قناعة تلك الفترة المعسكر المناصر لتطلعات الشعوب في التحرر، والداعم لها في صراعها ضد الرأسمالية، والإمپريالية والرجعية المحلية، دون أن تلتفت القوى السياسية المتحالفة مع المعسكر الشرقي إلى ديكتاتورية تجربة هذا المعسكر، وكان للحرية معنى آخر غير الذي نفهمه اليوم، ألا هو تحرير شعوب المنطقة من التبعية الأجنبية ومن الأنظمة الموالية للغرب، والتي كنت نوصمها بالعمالة، وليس بالمعاني التي أنتجتها الحداثة للحرية في كل مجالاتها.

عدم الإفصاح عن حقيقة هويتنا العلمانية:

من المؤسف إن القوى الديمقراطية، وحتى بعد ولادة المشروع الديمقراطي باسم (التيار الديمقراطي)، بقيت تخاف من الإفصاح عن الهوية الأساسية التي تجمعها، وتمثل مشتركها الأساس، ألا هي الهوية (الديمقراطية-العلمانية) أو (العلمانية-الديمقراطية). فإن أهم ما يميزنا عن القوى المتنفذة إلى جانب مركزية موضوعة الديمقراطية، هو علمانية التوجه، والتي تتضمن مبدأ المواطنة، والدولة المدنية، وأساس الفصل بين الدين والدولة، وبين الدين والسياسة. وضوح الهوية العلمانية والإفصاح عنها والدفاع عنها وإزالة الشبهات والاتهامات التي تحوم حولها، يُعَدّ من أهم ما ينبغي أن يتحلى به مشروع يريد تصحيح المسار، فإخفاء الهوية يؤكد الشبهات أكثر مما يخفف منها، ناهيك عن أن يزيلها. الآخرون يسموننا علمانيين، ونحن ما زلنا نخاف من المصطلح، لما يختزن من معاني الكفر والإلحاد، كما يشيع خصوم المشروع الديمقراطي من قوى الإسلام السياسي والطائفية السياسية.

التركيز على اليسار:

هذه النقطة لا تُسجَّل على التيار الديمقراطي بوصفه التيار الديمقراطي، فيما هو موقفه الرسمي المعلن، بل على أجواء أكثر أوساط هذا التيار وأصدقائه، بما فيهم الصديق كاتب حلقتَي «نقد المشروع الديمقراطي» اللتين استفزتاني وأفرحتاني. لا يُنكَر ما لليسار من دور وطني في العراق، ثم إننا إذا ألقينا نظرة على المشهد الثقافي، حيث وُجد الكُتّاب والشعراء والفنانون والمبدعون والمثقفون، وجدنا أكثرهم ذوي خلفية يسارية، بل وبشكل خاص من الشيوعيين أو الشيوعيين السابقين. ولا نغفل عن إن المفاهيم التقدمية، كمساواة المرأة بالرجل، كان أول من حملها وروّج لها هم اليساريون، لكن لكل زمان لغته وفلسفته، ثم لا بد من ملاحظة الفرق بين التقدمية والحداثة، وإن ما نحتاجه اليوم هو الحداثة. أقول رغم الدور الرائد لقوى اليسار لا يمكن اليوم الاقتصار على اليسار، بحيث كلما يكون الحديث عن الديمقراطيين، يُتحدَّث بطريقة وكأن الحديث يجري عن اليساريين، أو كأن (الديمقراطية) و(اليسار) مفردتان مترادفتان، أي لفظان لمعنى واحد، فالديمقراطية ازدهرت في العالم الغربي الليبرالي وليس في المعسكر الاشتراكي. هذا الفهم لا بد من تصحيحه، من خلال التأكيد على اعتبار المشترك للتيار الديمقراطي، هو الهوية الديمقراطية والعلمانية، ولطالما ذكرت أن أهم جناحين لهذا التيار، أحدهما اليسار الديمقراطي، لأن ليس كل اليسار ديمقراطيا، والآخر هو الاتجاه الليبرالي. ولكن هذا لا يمنع من استيعاب كل القوى التي تعتمد الديمقراطية ولو بالحد الأدنى، وترفض تسييس الدين واستبدال دولة المواطنة بدولة المكونات أي دولة الطوائف والأثنيات والعشائر. لكن القوى والشخصيات التي يجب أن تكون رائدة لهذا التيار، وتمثل طليعته هي المنتمية لليسار والتيار الليبرالي.

غياب التداول

مشكلتنا في الوسط الديمقراطي عموما وفي قوى التيار الديمقراطي بشكل خاص، أننا عجزنا حتى الآن من تقديم نموذج للأداء الديمقراطي داخل هذه القوى، إذ إن من أهم ما نفتقده هو ممارسة التداول على مستوى القيادة. وأكاد أكون يائسا من الأحزاب الراهنة في أنها ستمارس التداول قريبا، لذا كنت أتمنى أن يُتوَّج جهدنا نحن – مجموعة أنا من ضمنهم - الذين عملنا منذ بداية 2011 في إطار ما أسميناه بـ(التجمع العلماني)، بانبثاق كيان سياسي يكون نموذجا جديدا في متبنياته وآليات عمله، فيؤكد على هويته الديمقراطية العلمانية الليبرالية، مع التزامه بمبدأ العدالة الاجتماعية، وتأكيد إبعاد الدين عن السياسة، ويمارس أقصى درجات الشفافية، ويضع ضوابط للحيلولة دون أبدية تركيز القيادة في شخص واحد مهما كان دوره، بتحديدها بمدة زمنية قصوى، أو بعدد محدد من الدورات، كأن تكون دورتين متتاليتين. صحيح إن هذا غير متَّبَع في الدول ذات الديمقراطية الراسخة، لأن الديمقراطية هناك كثقافة وكممارسة متجذرة إلى درجة لا يخشى عليها، بينما بالذات المجتمعات التي ليس لها تجربة ولا تقاليد ولا ثقافة ديمقراطية متجذرة، والتي تسود فيها ثقافة أصنمة الفرد، تحتاج في مرحلة التأسيس إلى آليات استثنائية، تكون بمثابة صمامات أمان أمام أي نزعة للتفرد. والتيار الديمقراطي لن يكون ديمقراطيا بالمستوى المطلوب، ما لم يقدم نموذجا رائدا للأداء الديمقراطي.

المواقف السلبية من التيار الديمقراطي

هذه الملاحظة غير موجهة إلى التيار الديمقراطي، بل إلى أولائك الديمقراطيين الذين هم خارج إطار التيار. فلا بد من تسجيل ملاحظة مهمة هنا، وهو إن هناك من الذين يحملون الهم الديمقراطي من علمانيين، ما زالوا يتخذون موقفا سلبيا من التيار الديمقراطي. ومبرر هذا الموقف السلبي أن لديهم ملاحظات ورؤية نقدية تجاه التجربة، لا تبتعد ربما كثيرا عما لديّ ولدى الصديق الأستاذ هاشم مطر، ولكن الفرق أننا قررنا أن نكون في صلب المشروع، أو ندعمه بأقصى ما نستطيع، أو لا أقل لا نعمل على إضعافه، ومع هذا نبقى نعمل على تطويره وتجديده وتحديثه، إلى جانب توسيعه وتقويته. وهنا يجب أن تُسجَّل ملاحظة هي أن الكثيرين ممن لديهم ملاحظات على التيار الديمقراطي، أو على بعض قواه، ومع اتفاقنا معهم على تلك الملاحظات، أو على بعضها، أو ربما أكثرها، هم أيضا – أعني أصحاب هذه الملاحظات والإشكالات والموقف السلبي - قد لا يكونون متعافين تماما مما يؤشرون به على تلك القوى. وأكثر أولائك المتحفظين على مشروع التيار الديمقراطي هم شيوعيون سابقون، اختلفوا في فترة ما مع الحزب الشيوعي، وأصبحت لديهم حساسية مفرطة تجاهه، وقد نتفق معهم في بعض ملاحظاتهم على الحزب الشيوعي الصديق، وقد يكونون في نقاط ما مبالغين في الحساسية، أو ما زالو يحكمون على الحزب على ضوء الصورة المتكونة لديهم في لحظة انفصالهم عنه، ولكن حتى لو اتفقنا معهم في كل ما لديهم من ملاحظات، فالتيار الديمقراطي لا يعني الحزب الشيوعي، مع إن للحزب الشيوعي دورا متميزا لا ينكر، ينبغي أن يُشكَر عليه ولا يُتحسَّس منه. منذ البداية - وأنا أتمتع بصداقة متميزة مع الشيوعيين - قلتها، لو تبين لي أن التيار الديمقراطي هو مشروع شيوعي محض، أراد أن يتخذ لافتة التيار واجهة له، سأكون أول المنسحبين من هذا المشروع، رغم احترامي للحزب. لكني بقدر متابعتي فإن التيار الديمقراطي ليس مرادفا ولا واجهة للحزب الشيوعي، ولا الأصدقاء الشيوعيون حسب اطلاعي يريدونه هكذا، بل هو تيار واسع وقابل للتوسع أكثر، يمثل الحزب الشيوعي ربما أبرز أركانه ومحركيه، ولكنه أخذ يزداد استيعابا، مع التحاق أطراف جديدة إضافة إلى الوطني الديمقراطي بشقيه، كحزب العمل الوطني الديمقراطي، وحزب الأمة العراقية، علاوة على أن المستقيلن هم أكثر بكثير مما يتصور من يكوّن رأيا عن التيار من بعيد، بل إن للمستقلين دورا متميزا، ولا يقتصر وجودهم على الجانب الكمي، بل النوعي، والدور الذي يضطلعون به. أرجع وأقول إني لا أنفي وجود ملاحظات، ولا أقول إن التيار الديمقراطي أصبح يلبي تطلعاتنا، وليس فيه ما ينقد، من هنا كانت الدراسة النقدية الجريئة والمسؤولة من عزيزنا الأستاذ هاشم مطر. لكني قلت دائما، هذا هو واقعنا، هذه هي قوانا الديمقراطية، هذا هو الموجود، وهو - نعم - دون الطموح بمسافات لعلها لا تكون قصيرة، لكن المشروع يتحرك بالاتجاه الصحيح حسبي تقديري، لذا علينا أن ننطلق في مشروعنا من هذا الواقع، ولكن لنملك جرأة النقد والتصحيح والتحديث، بل وجرأة تجاوز الخطوط الحمراء، الذي اعتذر من أجله هاشم مطر، وأنا أقول تجاوزك الخطوط الحمراء، إن كنت فعلا تجاوزتها، ليس مما ينبغي أن تعتذر عنه، بل ما ينبغي أن تُشكَر له.

ثم إن هذه الأفكار التي طرحها الصديق هاشم، والتي ألتقي معه في أكثرها، ليست خاصة به، أو بي، بل وجدت أثناء زياراتي الميدانية ومشاركتي في بعض نشاطات التيار، وجدت الكثير من الناشطين في تنسيقيات التيار وفي أوساط جمهور مناطق هذه التنسيقيات، سواء داخل العراق، وأذكر هنا بالخصوص النجف، وكذلك الكوت، أو في الخارج، وأخص بالذكر الدانمارك، وجدت الكثيرين ممن يتبنون أكثر ما طُرِح في حلقتَي (نقد المشروع الديمقراطي) للأستاذ هاشم مطر، وما طرحته أنا هنا، ولديهم ذات الملاحظات، ومع هذا هم إيجابيون ومتفاعلون مع المشروع، وناشطون فيه بشكل يُشكَرون عليه.

قبل أن أتناول بعض ما طرحته حلقتا صديقنا النقديتان، أود أن أعتذر لعدم اطلاعي على المقالات التي أشار إليها للأساتذة المحترمين صبحي مبارك مال الله، وجاسم المطير، و د. تيسير الآلوسي، وكنت أتمنى لو أجد الفرصة لذلك، لمعرفتي بأهمية وقيمة وعمق ومسؤولية ما يطرحه الأساتذة.

والآن لأمر على بعض ما طرحه. لكني لن أتوقف عند كل نقطة أتفق معه فيها، حتى لو كانت مهمة، لأن ذلك سيكون تكرارا، أريد تجنبه، ومع هذا أريد أن أؤكد مرة أخرى، إن أكثر ما طرحه كان مهما ودقيقا، ويستحق أن يعطى الاهتمام الذي يستحقه. لكن سأشير إلى بعض النقاط القليلة.

أتفق معه تماما بأننا «غير معنيين بؤتمر المصالحة»، ولذا سجلت ملاحظاتي أكثر من مرة على مسودات بيانات صدرت عن التيار اشتملت ما يشبه استجداء إشراك التيار في المؤتمر الوطني، فاستجيب لها وعدلت على ضوئها قبل النشر. نعم لو كنا نملك مفاتيح حل الأزمة السياسية، أو يمكن أن نشارك، ونُسمَع، فلا ينبغي أن يكون التيار بعيدا عن المؤتمر، ولكننا نعلم إن الأزمة مستحكمة، والذين أوجدوها مصرون على المراوحة، بل والتصعيد، ثم التهدئة النسبية، ثم العودة إلى التصعيد، والتصعيد المضادّ، ولا نجد إرادة حقيقية وجدية للخروج من الأزمة من قبل أطرافها الأساسيين.

كذلك أتفق معه في ملاحظته على «دورية التنسيق العام كل أربعة أشهر»، وتساؤله عن «ما الذي سينجزه المنسق العام خلال أربعة شهور». لكني أقول ربما كانت هذه الآلية مطلوبة في مرحلة التأسيس، لحساسيات يعرفها الجميع، ولا داعي للكلام عنها، وربما لحداثة المشروع، ولكن بعدما قطع التيار شوطا لا بأس به، وربما زالت بعض الهواجس، إن كانت قد وجدت، بين الأطراف الأساسية، لذا أتمنى أن يجري التفكير الجاد في تجاوز هذه المسألة، ولو تدريجيا، بإطالة مدة الدورة إلى ستة أشهر، وبعد فترة إلى سنة، ثم سنتين، ثم يجب أن نضع كهدف مستقبلي أن نجعل انتخاب المنسق العام من قبل المؤتمر العام بالقتراع السري، ولسنتين، ويمكن أن ينتخب نفس الشخص لدورة ثانية، ولكن لا يحق له الترشيح لثالثة.

وأتفق معه فيما أثاره حول الدعوة لانتخابات مبكرة، وكنت قد بينت وجهة نظري بأننا من غير الصحيح أن نبدي حماسا لهذه الدعوة، إلا إذا كنا واثقين من عدم خسارتنا، أو إذا شخصنا في الانتخابات المبكرة مصلحة للعملية الديمقراطية، بقطع النظر عما نحققه كتيار من نجاح أو إخفاق، على أن يفهم الجمهور المتلقي ذلك منا بشكل واضح.

أخيرا أقول أرجو أن تكون إثارات صديقنا الأستاذ هاشم مطر، وإثارات كل من يثري هذا الموضوع، وكل المهتمين بموضوعة إنجاح – أو إنقاذ – عملية التحول الديمقراطي مادة تتحول بإثراءها إلى برامج لا على مستوى التظير فقط، بل على مستوى القرارات والإجراءات والخطوات العملية البرنامجية. ومع هذا لو افترضنا أننا لن نحقق شيئا يذكر في المستقبل القريب، لا يعني هذا منحنا أنفسنا مبرر التوقف أو اليأس أو اتخاذ المواقف السلبية، بل لا بد من الإصرار على مواصلة المشروع الديمقراطي، حتى تتكون ربما الحاضنة والبيئة الاجتماعية التي تستطيع بجيل جديد، ذي عقلية أكثر جدة من جيلنا وأكثر قابلية في التجدد المطرد، وعلينا أن نؤمن أن الديمقراطية هي خيار العصر، وإن كانت منطقتنا قد تخلفت عن مسيرة العصر، وإنها مشروع المستقبل، ولكن علينا العمل بكل ما في وسعنا، لتقصير المسافة بين اللحظة الزمنية لواقعنا الراهن، ولحظة بداية مسيرة إنجاح المشروع الديمقراطي.



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام والديمقراطية
- فوز مرسي محاولة لقراءة متجردة
- لا أقول: «ديكتاتور» لكنه يتكلم كما الديكتاتور
- بين تحريم التصويت للعلمانيين وحفلة القتل الشرعي للطفولة
- علمانيو مصر أمام الامتحان
- ويبقى العراق يتيما وإن تعدد الآباء
- سليم مطر من دفع له ليفتري علي
- الدولة الكردية التي أتمنى أن أرى تأسيسها
- ماذا نسي كمال أتاتورك في عملية علمنته لتركيا؟
- قالت: الحمد لله كلنا مسلمون
- رئيس وزرائنا يعلن حربه الفكرية ضدنا نحن العلمانيين
- سيبقى العراق وطنا بلا عيد وطني
- الربيع العربي ومدى قدرته على إنتاج عملية ديمقراطية 2/2
- الربيع العربي ومدى قدرته على إنتاج عملية ديمقراطية 1/2
- الديمقراطية والإسلام .. متنافيان – إجابة على تعليقات القراء
- إجاباتي على أسئلة الحوار المتمدن
- الديمقراطية والإسلام .. متعايشان أم متنافيان 2/2
- الديمقراطية والإسلام .. متعايشان أم متنافيان 1/2
- لماذا تضامن العراق (الديمقراطي) مع ديكتاتوريات المنطقة
- دعوة تشكيل الأقاليم ما لها وما عليها


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - ضياء الشكرجي - مع هاشم مطر في نقده للمشروع الديمقراطي