|
هؤلاء يرفعون شعار: -لا إله!-
مؤمن المحمدي
الحوار المتمدن-العدد: 3897 - 2012 / 10 / 31 - 13:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
• دراسة علمية في جامعة ميتشجن: 3 % من المصريين ملحدون تماما و49% منهم لا يثقون بالمسجد أو الكنيسة • الخريطة الكاملة للا دينيين على الإنترنت تكشف: 100 ألف مصري على الشبكة يعلنون عدم إيمانهم بالأديان
من السهل أن تقول لنفسك إن مصر لا يوجد بها إلا مسلمون أغلبية ومسيحيون أقلية، أقلية جدا، وربما أعطيت لنفسك فرصة لتضيف: وكذلك بعض الأفراد من البهائيين، وبقايا اليهود. هذا سهل جدا، لكن الصعب أن تنظر حولك، وأن تدقق في الصورة، لتكتشف أن هناك مصريين مواطنين يتمتعون بكامل الأهلية لا يؤمنون بإله، أو على الأقل لا يؤمنون بدين ما، وأن وجود هؤلاء ليس مفاجئا، ولا جديدا، وأنهم موجودون في كل العصور، كل ما هنالك أن شبكة الإنترنت أتاحت لهم الظهور، والحديث بصوت أعلى قليلا، وسمحت لهم بكشف معتقداتهم حتى بدون كشف هويتهم.
نعم، الأمر ليس جديدا ولا مفاجئا، وقد عرفت مصر في النصف الأول من القرن العشرين عددا من الرجال الذين أعلنوا إلحادهم صراحة، منهم إسماعيل أدهم الذي ألف كتابا صغيرا عنوانه لماذا أنا ملحد، قبل أن يرحل رحيلا غامضا وهو في الثلاثينيات، ومنهم أيضا شبل شميل، ومحررو مجلة العصور، وغيرهم. عرفت مصر أيضا ملحدين كثيرين ينتمون إلى تيار الماركسية، لكنهم لم يكونوا يعلنون معتقداتهم على نجو صريح، لانشغالهم بفكرة العمل الجماهيري، وبالتالي فإنهم كانوا ينحون جانب الدين حتى لا ينفروا من يستهدفونهم للتجنيد في التنظيمات التي كانت سرية وقتها. كما عرفت مصرانتشار الإلحاد بين كبار الكتاب، والساسة، وإن لم يظهروا إلحادهم حتى لا تتأثر شعبيتهم، أو تنهار حياتهم بأكملها، وبالطبع فإننا لسنا في حل حتى نذكر أسماء للكبار من المبدعين ممن كان المقربون منهم يقطعون بإلحادهم، كما أن كتاباتهم تدل عليهم، ولا تحتاج دليلا، فما داموا قد فضلوا الاختفاء، فإننا نحترم اختياراتهم. نستثني من ذلك الروائي صنع الله إبراهيم الذي أعلن لا دينيته في دراسة نشرتها "عالم المعرفة" قبل عشرين سنة.
ليس الإلحاد جديدا على مصر، لكنه اتخذ منحى جديدا مع انتشار شبكة الإنترنت،حيث أتاحت شبكة المعلومات الدولية فرصة تاريخية للإنسان أن يعبر عن رأيه دون أن يكون مضطرا للدخول في معركة مع المجتمع، وبالتالي فإن شرائح وفئات ومللا لم تكن تمتلك الجرأة الكافية، أو فلنقل المساحة الكافية، للتعبير عن نفسها، وهكذا أمكن سماع أصوات يعرفها مستخدمو الإنترنت جيدا، لم يكن يعرف المصريون بوجودها، فضلا عن امتلاك معلومات وتصورات عنها.
كانت البداية مع المنتديات، وفي عام 2002 يظهر منتدى اللادينيين العرب، الذي فضل مؤسسوه أن يحمل هذا الاسم ليعبر عن شرائح أوسع، فالكفر ليس كله ملة واحدة، هناك الملحدون، وهم الذين لا يؤمنون بوجود إله من أساسه، ولا بالروح، ولا بما وراء الطبيعة، بل يؤمنون بالمادة وحدها، سواء جاءوا من باب ماركس أو نيتشه أو داروين أو سارتر، وجميعهم مفكرون وفلاسفة لهم نظريات تفترض عدم وجود محرك للكون. وإلى جانب الملحدين يوجد "اللا أدريون"، الذين لا يؤمنون ولا يلحدون، هم يعبرون عن حيرة أكثر من يقين، هم "لا يدرون" هل هناك إله أم لا؟ ويعتبرون أن حسم هذا الأمر ضد العلم، وأن كل إنسان له أن يختار ما يشاء بحسب ما يريحه نفسيا. وبين الملحدين و"اللا أدريين" توجد منطقة اللادينين، وهم الذي يؤمنون بأن كل الأديان أوهام، ولكنهم لم يحسموا أمرهم بخصوص إيمانهم بإله من عدمه، فبعضهم مؤمنون بإله مختلف عن تصورات الأديان للإله، وبعضهم لا أدريون. ولأن الدائرة الأخيرة هي الأوسع اختارها مؤسسو المنتدى عنوانا لهم. ضم منتدى اللادينيين 7000 عضو، وكان عدد زواره يتجاوز 4000 زائر في اليوم الواحد. ونشر مقالات ما كان لها أن تنشر في بلاد العرب مهما تخيلنا تمدد سقف الحرية، وطالت كتابات الأعضاء كل شيء يتعلق بالدين، فنقدته، وسخرت منه، وقدمت إثباتات لفشله. قدم منتدى اللادينين العرب نموذجا فريدا، استطاع أن يجد له أشباها بكل التنويعات والأشكال وانتقلت التجربة إلى المدونات مع ظهورها 2005، ثم اليوتيوب 2006، ثم فيسبوك 2007. وتويتر بعده، وأصبح من الصعوبة بمكان أن تعرف إن كان هذا ملحدا مصريا أم عربيا بشكل عام.
وبقراءة عامة لطبيعة الملحدين، من خلال مشاركاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، يمكنك أن تكتشف بعض الأمور، منها أن الملحدين من خريجي الأزهر الشريف عدد لا يستهان بهم، وهذا ليس غريبا فقد عرفت جامعة الأزهر في السبعينات والثمانينات تنظيم المطرقة الشيوعي، الذي كان ينافس تنظيم الجماعات الإسلامية داخل الجامعة، هذا بخلاف الملحدين من التيارات الأخرى. يمكنك أيضا أن تلمح ارتفاع المستوى الثقافي والتعليمي للملحدين بشكل عام، فمنهم باحثون، وأساتذة جامعة، وأطباء ومهندسون ومتخصصون في اللغة ودارسو فلسفة، وفيزياء، وغيرها من العلوم والمعارف. كما أن عددا كبيرا منهم خريجو جماعات سلفية أو إسلامية أصولية أو رهبان سابقون.
ولعل أشهر التجارب الفريدة التي لاقت انتشارا وجماهير ومريدين هي ظاهرة ياسر جورج، وهو بالطبع اسم مستعار، أنشأ ياسر هذا حسابات على كل مواقع التواصل الاجتماعي ضمت مشتركين بعشرات الآلاف، خصصها جميعا لنشر الإلحاد، قبل أن يغلقها جميعا فجأة ودون سابق إنذار، وربما تمت سرقتها ويعرف ياسر نفسه على مدونته بأنه "ياسر جورج، هو لقب مكون من الاسم المسلم (ياسر) والاسم المسيحي (جورج) وهو ليس اسمي الحقيقي. أنا مسلم سلفي متدين سابقاً، ولدت وتربيت وعشت وتعلمت في المدينة المنورة بالسعودية. منذ نعومة أظفاري كانت حياتي تتمحور حول الدين، تربيت في عائلة متدينة ومحافظة، بدأت في حفظ القرآن عند سن السادسة وأتممته عند الخامسة عشر، برعت في جميع فروع الدين ابتداءً من القرآن إلى التفسير والفقه والشريعة والتوحيد … الخ ... كانت حياتي تسير على نهج إسلامي سلفي إلى أن بدأت في استخدام عقلي، اكتشفت أني كنت موهوماً طوال حياتي وأن عيني كانت معصوبة كيلا ترى الحقيقة".
وبالطبع، فإنه لا يكفي أن ننظر هذه النظرة العامة، لذلك فإننا نقدم إحصائية ودراسة تحاول أن نكتشف من خلالهما خريطة للملحدين في مصر، وإن كانت هذه الخريطة تختلط بالعالم العربي في الإحصائية، إلا أن الدراسة تنصب حول مصر بشكل محدد. على أية حال فإن عددا كبيرا من هذه المواقع محجوب في البلاد العربية الأخرى. نبدأ بالإحصائية التي يعرف صاحبها نفسه باسم "المجذوب". وفي الإحصائية نجد أن أشهر صفحات الملحدين على الفيسبوك: الحوار المتمدن، نصف مليون مشترك، ملحد وأفتخر، 1143 مشترك، سخرية الفكر الدينى، 2,953 ، نظرية التطور، 10,188 ، القردة العليا، 2,100 ، مدونة مجرد إنسان، 10,635، فيسبوك العلمانية،58,609 . ونجد أشهر المواقع: الحوار المتمدن - 70 ألف زائر يوميا، عدد الكُتاب للمقالات 18 ألف كاتب، إلحاد، 10 ألاف زائر يوميا، 14 ألف عضو، وشبكة اللادينيين العرب 4 ألاف زائر يوميا، 7000 عضو. أما على اليوتيوب فإننا نجد مترجمات العلم والفلسفة، 1,485,000 مشاهدة، 3800 مشترك، المنطقة الحرة، 1,410,000 مشاهدة، 1290 مشترك، تليفزيون الإلحاد، 350 ألف مشاهدة، 1240 مشترك، أنتى جوبلز، 400 ألف مشاهدة، 1460 مشترك، شاكوش، 720 ألف مشاهدة، 1000 مشترك، أنا أفكر، 150 ألف مشاهدة، 1000 مشترك، التنوير، 88 ألف مشاهدة، 1000 مشترك، المصرى الملحد، 160 ألف مشاهدة، 845 مشترك. بالإضافة إلى مئات الحاسابات التي تضم عضوية قليلة بالمئات أو بالعشرات. وتخلص الإحصائية إلى أن عدد الملحدين النشطاء على الإنترنت والمجهرين بإلحادهم تقريبا 100 ألف شخص. ويفترض الكاتب الذي أجرى الدراسة أن هناك نسبة لا تقل عن الضعف من الملحدين الخائفين من الإجهار بإلحادهم، بالإضافة إلى غير المستخدمين للإنترنت، ومن هنا نفهم أن الملحدين عن ربع مليون شخص. وينبه إلى أنه أجراها قبل الثورة، مما يعني أن هذا العدد قد وصل للضعف على الأقل، بما يعني أن الملحدين لن يقلوا بأي حال عن نصف مليون شخص.
غير أن دراسة أخرى أكثر علمية، مبنية على استطلاع رأي بين شرائح مختلفة من المصريين، وهي العمدة في الدراسات التي تتحدث عن الأمور الدينية في مصر، وتعطينا صورة أكبر عن عدد وطبيعة الملحدين واللادينيين في مصر، خاصة أنها مخصصة للظاهرة في مصر دون غيرها، الدراسة منشورة بالإنجليزية، ويرجع الفضل في اكتشافها للدكتور أحمد الغيطي الذي يستعد لترجمتها كاملة. الدراسة مشتركة بين اثنين من الأساتذة الإيرانيين، الأول هو منصور معادل أستاذ الاجتماع بجامعة ميتشجن، والثاني هو تقي أزدار مكي، أستاذ العلوم الاجتماعية لجماعة طهران. وأظهرت الدراسة أن نسبة الذين لا يؤمنون بإله في مصر تصل إلى 3 بالمائة، وهو ما يعني أنهم لا يقلون عن مليونين ونصف المليون شخص، هذا بخلاف اللادينيين وأصحاب الاجتهادات المختلفة كالقرآنيين ونحوهم. لم تقتصر الدراسة على قياس مسألة العقيدة، بل تناول استطلاع الرأي عدد من الأمور المرتبطة بالدين، منها أن 22% فقط من العينة يقومون بأنشطة دينية أيا كان نوعها، أكثر من مرة في الأسبوع، بينما تقول إن من يؤدون الطقوس الدينية لمرة واحدة في الأسبوع، صلاة الجمعة مثلا، لا تتجاوزنسبتهم 45 بالمائة، أي أن 55 بالمئة من المصريين لا يؤدون طقوسا دينية. 51 بالمئة فقط من المصريين يثقون بالمسجد أو الكنيسة، في حين أظهر 49 بالمئة أنهم لا يثقون بالمساجد أو الكنائس، والمعنى هنا بالطبع يتناول رجال الدين القائمين على هذه المؤسسات. اللافت أنه كلما زاد مستوى التعليم قلت الثقة في المؤسسة الدينية، حتى إن 64 بالمئة من الجامعيين لا يثقون بالمساجد والكنائس. اللافت في الدراسة أن الشباب بين 18 و25 سنة هم الأقل ترحيبا بالحجاب، وأن هناك 32 بالمئة من الشباب يرون أن الأفضل للسيدة ترك الحجاب. كما ذكرت الدراسة أن خمسة بالمئة من المصريين يؤمنون بأن الزواج ظاهرة عفا عليها الزمن ويفضلون العلاقات الحرة. وأخيرا تقول الدراسة أن 43 بالمئة من المصريين يرون أن السلطة الدينية سبب رئيس في كثير من مشكلات المجتمع.
هذه الأرقام والإحصائيات تؤكد أن الصورة التقليدية حول المصري "المتدين بطبعه" بحاجة إلى كثير من المراجعة، وبغض النظر عن موقفك من ظاهرة تراجع الفكر الديني، فإن عليك أن تعلم أن هذه حقيقة، وأن رفضك لها لا ينفيها، وأن ظهور تيارات الإسلام السياسي في السلطة لن يفيدهم بشيء عندما يصبح المتدينون في مصر أقلية.
#مؤمن_المحمدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشهيد قزمان بن الحارث .. رد اعتبار
-
هل أنت الله؟
المزيد.....
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|