عبد الصمد السويلم
الحوار المتمدن-العدد: 3897 - 2012 / 10 / 31 - 12:15
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
جلد الذات الاحساس بالدونية وعقدة الاضطهاد شبهى اتهم بها المسلمون عامة والشيعة خاصة حيث يتهم الموالين للحسين عليهم السلام في مسالة التطبير او الحزن الشديد بجلد الذات زورا وبهتانا كما تتهم الشيعة بالخنوع تحت ذريعة التقية زورا وبهتانا والحق ان التطبير وان لم نجد اي رواية عن المعصوم في الحكم الشرعي فيه سواء القول باستحبابه او تحريمه الا ان اصالة البراءة او قاعدة الاباحة تجري فيه خصوصا ان كانت تعني تعبير الموالي عن استعداده لبذل دمه في سبيل نصرة الحسين عليه السلام كما ان التقية التي هي على حد قول الصادق سلام الله عليه ((التقية ديني ودين ابائي ومن لا تقية له لادين له)) فهي لحفظ المذهب وابناء المذهب ومنع الوقوع في التكليف بما لايطاق او الوقوع في الحرج الشديد ولاجل دفع هذه الشبهة(شبهة جلد الذات )عن الشيعة نرجع الى عرض تعريف جلد الذات واعراضه المرضية وعلاجه. يقول اطباء علم النفس عن تعريف جلد الذات بان جلـد الـذات هو (شعور سلبي يتنامى دائماً في أوقات الهزائم و الإحباطات بسبب مناخ الهزيمة )عندما يخيم على الأجواء بحيث تتوارى النجاحات ( و التي غالبا ما تكون قليلة أو باهتة ) و يتصدر الفشل واجهة الصدارة .و الشعور السلبي المتمثل في جلد الذات ينبع من رغبة دفينة بالتغلب على الفشل و لكن ليس عن طريق مواجهته و إنما بالهروب منه ( أو ما يعرف بالهروب إلى الداخل حيث ينزوي الإنسان و يتقوقع داخل هذا الحيز الضيق من الشعور بالعجز و الفشل ) و ذلك لعجز الفرد ( أو الأمة ) عن إدراك مواطن قوته و مواطن ضعفه و أيضاً مواطن قوة و ضعف أعدائه ( أو تحدياته ) و يسرف بدلا ًمن ذلك في تهميش كل قوة له و يعطى لعدوه ( أو تحدياته قوة أكثر بكثير مما هي عليه في الحقيقة ) .اي ان جلد الذات هو حيلة العجز و مطية الفشل و مهرب الجبن .و هناك حجج وتبريرات حاضرة دوما لتبرير الشعور بالعجز ذات أسماء براقة للتمويه و خداع النفس ( أو خداع الآخرين) مثل الواقعية أو مسايرة الأحداث أو الرضا بالأمر الواقع .فإذا كان الضعف و الهزيمة النفسية و المعنوية ( و ربما الحسية ) هما الدافعان لجلد الذات .. فما غاية و منتهى جلد الذات ؟ الغاية و المنتهى هما التقوقع و الانحسار داخل بوتقة الانهزام مروراً بفقدان الأمل وصولاً إلى فقدان الرؤية و الطموح و انتهاءً بالتلذذ باجترار مرارة الألم حتى إدمانها . ولا يعتبر جلد الذات نقدا للذات ومطالبة بالمراجعة والمراقبة وتصحيح السلوك البشري حيث يقول علماء النفس عن نقـد الـذات على انه هو (شعور إيجابي ناضج يتلمس معرفة مواطن القوة و مواطن الضعف بصدق و موضوعية ) أي أنه يقيسها و يقيمها و لا يهمشها أو يتخيلها . و نقد الذات ليست له أوقات محددة و لكن له عقليات محددة تجيد قراءة نفسها و محيطها و بالتالي لا تخشى مواجهة الأعداء أو التحديات و إنما تأخذ بأسباب النجاح و الوصول إلى الهدف عن طريق التخطيط الجيد و الاستفادة من أخطاء الماضي . و نقد الذات ليس " هروباً " إلى الأمام كما قد توحي المقارنة مع جلد الذات حيث أن الهروب إلى الأمام يتضمن بعض الشجاعة و لكنه هروب اليائس من النصر فيفر للأمام لعله يجد حتفه فيرتاح أو لعله لم يجد مهرباً إلى الخلف ففر للأمام .و نقد الذات يسد الطريق على الهزيمة النفسية التي تأتي من الاستسلام لنوازع و دواعي الفشل و يزرع في النفس ( و في الأمة ) بذور المقاومة و الوعي و يمدها بالمناعة و التحصينات اللازمة لمقاومة أعدائها و مجابهة تحدياتها .و نقد الذات لا يحتاج إلى حجج أو مبررات أو تسميات و إنما يستمد قوته من إحساس داخلي عميق بالقوة و بالقدرة على المواجهة نما من يقين و إيمان تام بأن أسباب القوة و المواجهة المظفرة كامنة في النفس تحتاج فقط لمجرد استنفار و ليس إيجاد من عدم .و الشعور الإيجابي المتمثل في نقد الذات ينبع من إيمان صادق و مبدأ ثابت و رغبة حقيقية في النجاح مما يعطيه الدفعة و القوة و " الثقة " للوصول إلى الهدف ، و الهدف هنا هو القناعة الذاتية و التثبت الداخلي من توفر إمكانية النصر و بالتحديات و هى الركن الركين و أهم أسباب القوة فعندما يعرف عدوك أنك لا شك منتصر فمن البديهي أن يوقن أنه لا شك منهزم .
ان معاتبة الشخص لنفسه اذا ما بدر منه تصرف غير محبب, أو عند التقصير في حقوق الاخرين, أمر جيد وصحي يطلق عليه البعض تسمية النفس اللوامة, ويزداد العتاب كلما عظم الفعل, الا أن الأمر قد يتطور أكثر من هذا, ليدخل الانسان فيما هو أخطر, حيث تلاحقه أخطاؤه, وتلح على ذهنه باستمرار مشاعر الأسف, والادانة, ويدخل في حالة من الاكتئاب والعزلة, التي ترسخ بداخله "عقدة الذنب" ويسيطر على الفرد قناعة بأنه انسان سيئ, لا يغفر لنفسه, وان غفر الآخرون, وحول تلك العقدة وأبعادها النفسية والسلوكية, وسبل مواجهتها يقول علماء النفس عنها ان الشعور بالذنب, يبدأ اذا ما ارتكب الشخص خطأ ما, أو أتى بأحد الأفعال التي تتنافى مع القيم والعادات الاجتماعية, والدينية السائدة مثل الاشتراك في احدى الجرائم, أو الادلاء بشهادة الزور, أو التجاوز في حقوق الآخرين, وايذائهم, والحاق الأضرار بهم, ليشعر بعد ذلك بتأنيب الضمير, ولوم الذات, على تلك الأفعال, والأخطاء. وتعتبر حالة الشعور بالذنب هنا أمرا قهريا يلح بشدة على ذهن صاحبه, ويسيطر على تفكيره رغمًا عنه, ويوحي اليه بأنه شخص سيئ, وفي أحيان أخرى قد يكون الانسان بريئًا من تلك الأخطاء, ولم يفعلها من الأساس, وفي تلك الحالة يكون الشعور بالذنب هو أحد أعراض الوسواس القهري.كما أن عقدة الذنب والاحساس بالدونية هو كريق ومقدمة للاكتئاب المزمن أحيانًا ما تتشكل نتيجة للاصابة ببعض الحالات المرضية الأخرى, ومنها الاكتئاب, الذي تصاحبه بعض التغيرات في افرازات الهرمونات, والمواد الكيميائية بالمخ, وقد يشعر الانسان المصاب به بأنه مقصر في حقوق الآخرين, ومن هنا تنشأ تلك العقدة, مع استمرار العزلة. ويحتاج المصاب بعقدة الذنب الى الخضوع لعلاج نفسي واذا ما صاحب ذلك بعض الأعراض كالقلق, أو التوتر, وحالة الاكتئاب, فان الطبيب يصف له بعض العقاقير, التي تساعده في التخلص من تلك الاضطرابات, الى جانب العلاج الارشادي, والذي يوضح للمريض حقيقة أمره, ويخفف عنه الآثار النفسية التي يجدها. وعادة ما يستلزم العلاج بالجلسات النفسية, وقتًا طويلا, بينما العلاج الدوائي يزيد من تحسن الحالة بشكل أسرع, واذا ما دخل المريض في حالة من الاكتئاب الشديد, نلجأ عندها الى عمل جلسات لتنظيم ايقاع المخ, وجلسات الكهرباء, التي تحسن الحالة بشكل جيد.ومن الأفضل أن يأخذ المريض اجازة للراحة من العمل, الى أن تتحسن حالته المزاجية, وتختفي أعراض الاكتئاب, والشعور بالذنب, ليصبح بعدها قادرًا على مواصلة الحياة والانخراط فيها من جديد, واتخاذ القرارات المهمة ببصيرة أفضل وحيادية أكثر.
أن عقدة الذنب ما هي الا نتيجة لشعور الانسان بالتقصير تجاه شيء ما, قد يرتبط بالعمل أو بالأسرة, أو بالعجز عن القيام بالمهام المطلوبة منه على أتم وجه, ويتحول هذا الشعور الى حالة مرضية اذا صاحبته أعراض الاكتئاب, ليعتبر المريض نفسه في تلك الحالة مسؤولا عن كافة المشكلات التي تحدث في محيطه, وبالتالي يبدأ في جلد ذاته, وتأنيب ضميره بقسوة, وتزداد حالة الاكتئاب, ليرى الحياة من منظور سوداوي, وقد يحدث الاكتئاب في مثل تلك الحالات بسبب الأحداث السيئة التي يمر بها الانسان, كفقدان عزيز, أو الصدمة النفسية, نتيجة للطلاق مثلاً, أو مشاهدة حادث مؤلم, فتلك الأمور تضطر الشخص الى الانسحاب والانزواء بعيدًا عن المجتمع, والشعور الدائم بلوم الذات بل ويبدأ في اهمال نفسه ومظهره., ومن هنا فان الأسباب النفسية هي السبب في الاكتئاب أو الشعور بالذنب, وليست الأسباب العضوية, أو الخلل في كيمياء المخ, و قد يعمل الطبيب النفسي على حل تلك المشاكل من خلال جلسات العلاج النفسي, والعلاج المعرفي السلوكي, وتعتبر تلك الجلسات مرحلة تالية على العلاج الدوائي, اذا لم يحقق النتائج المطلوبة. وفي مرحلة العلاج المعرفي السلوكي, يقوم العلاج على تعديل أفكار الشخص الخاطئة عن ذاته, وتخليصه من مشاعره السلبية, وتساعد تلك الطريقة في بعض الأحيان على التخلص من الاكتئاب, ولوم الذات خلال فترة وجيزة, خاصة ان تلك الجلسات تعمل على اعادة بناء الأفكار, على مدار جلسات نصف أسبوعية قد تمتد الى 15 جلسة. ويتم في بعض الحالات المزج ما بين العلاج المعرفي السلوكي, وبين العلاج النفسي الديني, اذا ما ارتبطت عقدة الذنب بارتكاب المريض ل¯"خطيئة" أو لأمر محرم, فهنا تصبح آيات للتوعية الدينية, أمرا ضروريا وفاعلا في العلاج, كما يتم رصد حالة الشخص, وعلاقته بربه, بعد تقديم النصيحة بالتوبة, والاقلاع عن الذنب, لأن الله يغفر الخطيئة والذنوب أيًا كانت. وهناك أيضًا ما يعرف بجلسات "صرف الانتباه", التي تساعد المريض على طرد الافكار الخاطئة, أو المشوهة, واستبدالها بأفكار أخرى اكثر ايجابية عن نفسه.
أن احساسنا بالذنب تجاه بعض المواقف قد يتطور, ويزداد, اذا تعاظمت نظرتنا لما ارتكبناه, وكأننا أول المخطئين, وهنا يظهر ما يسميه البعض ب¯"جلد الذات". وقد شاعت تلك المشاعر في الفترة التي نعيشها الآن, نتيجة للظروف التي تلم بأوطاننا, وبمجتمعاتنا فالأغلبية لديها احساس بالتقصير الشديد تجاه الوطن, وتجاه المجتمع. ولكن ليس معنى هذا أن الشعور بالذنب أمر مضر, بل على العكس, فالأصل فيه أنه عادة صحية, تجعل الانسان يراجع مواقفه, ويعيد تقييمها, وربما اتجه الى تغييرها, وتبني أفكار ومعتقدات أخرى. كما أن تلك الحالة من وخز الضمير تنمي بداخله الشعور بأن للآخرين حقا عليه, اعمالاً للحديث الشريف المروي عن النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم الذي يقول: ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم), وحتى يكون هذا الشعور بالذنب أمرا صحيا يجب أن يكون معتدلاً, فلو تتبعنا النصوص الاسلامية سواءً في القرآن الكريم أو سيرة اهل البيت عليهم السلام اجمعين, لوجدنا أن النفس الانسانية هي المحركة للبشر بصفة عامة, ومن المعلوم تمامًا أن الاسلام اعتبر النفس اللوامة, هي الجديرة بالانسان المؤمن, هكذا قال الله تعالى في أول سورة القيامة: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنفْسِ اللوامَةِ), ان القسم الالهي لا يكون الا لأمر عظيم, ويكون المقسوم به كذلك, فالنفس اللوامة التي أقسم الله بها فتلك الشواهد والأدلة تؤكد على أنه ينبغي للمسلم أن يراجع نفسه دائمًا في كافة مواقفه وتعاملاته مع الناس, وأن يقيم أفعاله, ويتلافى ما بها من أخطاء وسلبيات سبق أن ارتكبها. قد جعلت بيننا وبين المحظور ستارًا, فلا نقترف المنكرات ولا نقترب المحظورات. ومن هنا فنحن في أمس الحاجة الى الشعور الحقيقي بالذنب, وهو شعور ايجابي, يجعلنا نعمل على تقويم سلوكنا وأفعالنا دون الوصول الى "جلد الذات" ودون أن يتسبب لنا في عقدة نفسية, خاصة أن معظمنا مقصر في حق نفسه, وحقوق أهله, ومجتمعه, ورفاقه, وفي حقوق الأمة جميعًا. وبالتالي علينا أن ندرك أن الله يغفر الذنوب جميعًا عدا الشرك, وعلينا أن نمد جسور الثقة بيننا, وأن نسعى نحو الأعمال الصالحة, والتضامن, وازالة الرواسب, والمشاحنات التي تحول دون التكافل المعنوي, والديني, وفي تلك الحالة لن يتحول احساسنا بالذنب الى عقدة, تعوق حياتنا وتواصلنا مع الآخرين, بل انه سيدفعنا الى المبادرة تجاه أنفسنا ومحيطنا, ونحو صالح أوطاننا وأمتنا.
#عبد_الصمد_السويلم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟