|
المقدمة: نبتدي منين الحكاية 1
شريف حافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3897 - 2012 / 10 / 31 - 09:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتعرض مصر اليوم لمنعطف تاريخي لم يسبق لها أن تعرضت له على مدى تاريخها الحديث على أقل تقدير. فالمشهد يوحي بأن دولة "محمد علي المدنية"، على مشارف الإنتهاء، وليس فقط دولة "الضباط الأحرار"، وأن ما سيحل محلها، هو دولة "إخوانية" وليس دينية، حيث الدولة الدينية في النظرة الإسلامية، مختلفة كلياً ومشابهة للدولة الحديثة في أي مكان من العالم، ولكن الفذلكات الإخوانية، ولأجل المصالح والمنافع، والتخديم على الغرب الذي ساهم في إعلاء كلمتهم، تستلزم تلك النمثيلية الماسخة المكونات، والتعتيم على الهدف النهائي. لقد كان هذا المشهد ظاهراً من أول يوم للفوضى في مصر في أواخر يناير 2011، وتحديداً يوم 28 يناير 2011. وعلى هذا الأساس ومن منطلق أن هناك سيئ وهناك أسوأ، إعترفت بمطالب "الهوجة" المصطنعة، ورفضت العبث "الثوري" كُلياً. فالقوة الوحيدة المنظمة التي كانت تقف في مقابل الحزب الوطني وقتها كانت قوة الإخوان، بينما كانت كل الأحزاب الأخرى، تُعبر عن الهُراء والتهتُك (وتنظيم الإخوان، لا يستلزم بالضرورة أن يكون لديهم فكراً قادر على التغيير للأفضل)!! ولا يمكنني كمدني مؤمن إيماناً عميقاً بالدولة المدنية، بل هي قضيتي الرئيسية، أن أؤيد "هوجة إخوانية" وإلا سأكون خائناً لمبادئي التي أؤمن بها إيماناً شديداً، لا يقبل المساومة. فأنا لست ممن يُصدق المشاهد ولكن بما خلفها من عمق يُعبر عن الحقيقة!! وكوني دارس للعلاقات الدولية، ومهتم بالشأن المصري من الأساس، فلقد وقع الحدث في إطار ودائرة دراستي بشكل كبير، حيث كان الحدث وبعدما حدث في تونس ثم مصر ثم اليمن ثم ليبيا ثم سوريا، حدث دولي باقتدار، وليس محلي فقط. وكان الأمر له مرجعية، خاصة بما حدث في في أفغانستان 2001 والعراق 2003، بعدما حدث الهجوم على البرجين في سبتمبر 2001!! لقد كان الأمر ذو علاقة قوية بسياسات الدول الكبرى الممتدة منذ الحرب العالمية الأولى (كامتداد تاريخي للصراع الدولي في مُجمله)، وسياسة "العولمة" الأمريكية التي بدأت بشكل رسمي في العام 1995، بنشأة منظمة التجارة الدولية World Trade Organization. ورُغم أنني لا يمكن أن أصف نفسي بكوني إشتراكي أو يساري أو ناصري، فانني في النهاية مصري ومسلم ومن الجنوب، في إطار أزمة أو مُعضلة الشمال والجنوب، (معترف ومُقدر الآخر ومعتدل المنهج الديني والمدني)، فلقد كان الأمر أبعد ما يكون عن قدرتي على تأييد ما حدث، كخدمة للغرب أو للإستعمار الجديد، على بلادي أو بلاد العرب من حول مصر، وبالتالي، لم يكن من الممكن لي أن أؤيد "الإستعمار الجديد" لمصر أو ما حولها، لصالح الغرب الإستعماري العولمي أو الصهيونية العالمية في خدمة المشروع الإسرائيلي للتوسع في أرض المنطقة (لم يسبق لي إستخدام مُصطلح "الصهيونية"، ولكنه واجب الإستخدام اليوم، بما طرأ لها من دور مُستجد)!! لقد كان الأمر برمته في مصر، مصنوعاً ليس ضد مبارك في حد ذاته ولكن إستغلالاً لوضع مُزري، من أجل خلق وضع أسوأ بكثير. والسياسات والوثائق الغربية، تؤيد كل كلمة وكل حرف أقوله هنا، بما لا يدع مجالاً للشك. ولكننا وكوننا لا نقرأ، لم نكترث بالمعلومات العميقة، وراء كل ما حدث، ورُحنا نؤيد الحدث "الظاهر" وتغاضينا عن أي شئ "خفي" عن أعيننا وعن عقولنا، بل وعشنا في "خيال المصطلحات المصنوعة" (ولنا في ذلك أي "خيال المُصطلحات المصنوعة"، حديث في إطار ما أكتبه من بحث مطول)!! إن مصر والمصريين، لم يسبق لهم في تاريخهم الحديث (ولا أعرف إن كان نفس القول يجوز على التاريخ الوسيط والقديم أم لا، ولكنني أتصور مثل ذلك على أكثر تقدير) أقول: إن مصر والمصريين لم يسبق لهم في تاريخهم الحديث أن قاموا بثورة. ففي العام 1919، كان الأمر يتعلق "بإنتفاضة"، وفي العام 1952، كان الأمر يتعلق "بإنقلاب عسكري"، وفي العام 2011، كان الأمر هو "هوجة مصنعة في الخارج، للخلاص من نظام رجل، أصبح يقول "لا" للغرب"، فيما يتعلق باعادة تكوين وتشكيل خريطة المنطقة، وفقاً لإرادة "المصالح الغربية" في السيطرة على العالم!! ولو أن ما قاموا به في يناير وفبراير 2011، هو الثورة، لكان اليوم الفعل أكبر بكثير، في "زمن الإخوان" حيث السياسات "نتائجها" أسوأ بكثير من سياسات مبارك، التي "من المفترض" أنها ولدت أحداث يناير وفبراير 2011!! إذاً ووفقا لما هو حادث، فان ما حدث ليس بالثورة ولكن "إصطناع الثورة" بل "ردة حضارية وتراجع إلى غياهب التاريخ الخلفي السحيق"، ليس فقط في مصر، ولكن في كل ما حولها، لصالح "طبقة الإسلاميين"، وستعود البلاد إلى الخلف، لكي تُجهز خلال السنة القادمة أو السنوات التي تلي، لتكون نموذجاً مطابقاً لأفغانستان 2001 أو العراق 2003، ومؤهلة لكي تُضرب من قبل الغرب، لما تُمثله من إنتهاك لميادئ الغرب، رغم أن الغرب هذا، هو من ساهم في إعتلاء ألإسلاميين للحكم، كي يؤهلوا الأرضية لضرب دولهم، وليتم إصطيادهم، غير مأسوف عليهم، من قبل الغرب، ومحاكماتهم وإعدامهم في مرآى من العالم كله!! إن ما يحدث اليوم في مصر، من بعض القوى المؤيدة "لهوجة يناير الأنجلو-فرنكو-أمريكية –إخوانية" إنما يعبر عن "تجهيز" مصر لضربة "مُفككة" لها من قبل "اليمين" الغربي، سواء كان من في السلطة في الولايات المتحدة، من الديمقراطيين أو الجمهوريين، وإن كان الجمهوريين الأكثر قرباً لتحقيق تلك الضربة، وبقوة، لصالح المشروع الرأسمالي العالمي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والغرب والإسلاميين في كل مكان، حيث ما يهم الإسلاميين المستغلين للسياسة، هو أن يكونوا تابعين، ويختفي عنهم الخطاب الإسلامي كلياً، ويصبح الخطاب هو خطاب "قمعي" ديكتاتوري، أسوأ بكثير من أي خطاب مدني في الحكم أو حتى عن خطاب إسلامي يتخذ من الكياسة والفطنة، أسلوباً (و"المؤمن كيس فطن")!! فها نحن نسمع عمن "سيدوس" من أيدوا المنافس في الإنتخابات الرئاسيةّ!! وها نحن نسمع عمن يرى من أيدوا المنافس، ما هم إلا "فئران وصراصير"!! وها نحن ترى فتاوي التحريم، حول من يخرج على الحاكم، وكأن مبارك كان "أحد البوابين" لبرج سكني في الشارع الذي يطل بجانبهم، بل وكأن من يقول هذا، يدين فعله ويضرب شرعيته، فياللكوميديا السوداء!! وها نحن نرى كم أكاذيب لا سابق لها، تشوه التاريخ في الماضي، وكأن الحقائق لا تتوفر في الكتب، ولكن مع شعب لا يقرأ، من الطبيعي أن يحدث أكثر من هذا!! وفي إطار كل هذا، لم يتعمق المصريون (في أغلبيتهم القصوى)، فيما فات من تاريخهم الحديث جداً أو السابق عليه، كي يدركوا الصورة الكاملة، للمنعطف الذي يحيون به، ولكنهم نظروا فقط في أمور أرى أنها غاية في السطحية، في أغلبها، ليبرروا ما حدث، وأن ما حدث هو أمر "خير" وأن ما سبق هو أمر "شر"، أي أن التحليل مماثل لأغلب التحليلات التي سبقت في تاريخ التحليل المبسط، في حياتنا، ما بين "الملكية" و"الضباط الأحرار"، أو ما بين "الناصرية" و"السادات"، أو ما بين "عصر مبارك" و"عصر السادات" وكأن جوهر المسألة، هو التفريق بين "خير بسيط" وشر بسيط" وليس تعلم من دروس، برواية حقيقية للتاريخ الذي كان، في إطار عبادة للأشخاص، وفصل التاريخ عن بعضه، وكأن ما كان بين 1805 و1840 منفصل عما كان بين 1840 و1952 وذاك منفصل عما كان بين 1952 و1970 ومنفصل عما كان بين 1970 و1981 ومنفصل عما كان بين 1981 و2011، وذاك منفصل عما كان بين 2011 وما يليها حتى قراءة هذه السطور متى كانت القراءة!!! فالحقيقة، أن كل تلك الحقب متصلة وليست منفصلة، وخطوط الفصل تكمن في أي شئ إلا التاريخ، لأن هناك أفعال تبرر أفعال أخرى، وليس الأمر منفصل كل هذا "الفصل المراهق"!! وما بين هوية مُتهتكة وإقتصاد ينازع وسياسات مُكررة بل وعشوائية وفساد مؤسسي هرمي ونخبة مختفية أو مُمالئة وشباب كان ولا يزال يحيا أزمة مستمرة وتنمية كلما جنت الثمار: سقطت مصر أو قادتها، وتقييمات "كيدية"؛ علينا أن نفتح الملف التاريخي والمجتمعي لمصر، لنفهم المنعطف الذي نمضي فيه اليوم، ونكتب على الملأ، في "زمن الإخوان"، حتى لا يُقال أننا نكتب في زمن الحرية والديمقراطية أو بدافع من أحد أو لأجل مصلحة فلان أو ترتان، كما يُقال، رغم أننا كنا نكتب ضد ما كان في الماضي وفي وجهه، ولم يكن يقصف لنا قلماً، ولا يهمنا فيما نكتب إلا الحقيقة لأجل الحبيبة مصر، ولو ضد من يحكم اليوم، وعلى من يريد: أن يراجع كل كلمة نكتبها، حتى تكون الرواية، موثقة، لأن الكتابة وفقاً "لحلو" و"وحش" كتابة فاصرة، والكتابة وفقا "لإله" و"وحش" كتابة مراهقة، والكتابة وفقا "لحب" و"كره" كتابة عاطفية!! ولا أبتغي إلا وجه العلي القدير، فيما أكتب هنا، ورفعة بلادي مصر، التي أعشق وأستعد في سبيلها تقديم الرخيص والغالي، ومن أجل مولود أو طفل، عليه أن يحيا في بلادي بأفضل مما عشت أنا ومن عاش إلى جواري أو قبلي، من مصريين!! سأكتب وأبدأ الحكاية، من مكان بعيد عنا وربما قريب إلينا، ولكننا لا تتظر إليه، لنرى معاً ما مرت به مصر بحق، على قدر معلوماتي المقروءة، وليس على قدر كل المعلومات الخافية، لأنني في النهاية "إنساناً"، ولست ملاكاً، فلا أستطيع أن أكتب الحق كله، ولذا سأحاول قدر المُستطاع لدي، أن أنتهج المنهج الموضوعي المُتاح، وإن كانت الموضوعية كلمة نسبية، لأن مشاعر عشق مصر، تتداخل بالتأكيد بين السطور!! وأقتبس في نهاية مقالي المُشكل لمقدمة طويلة، لما أريد قوله على المستوى التاريخي لمصر، كلمات الشاعر محمد حمزة لأن حتى كلمات الأغاني، حملت الحكمة وقالت بأن البدايات ليست واحدة: لو حكينا يا حبيبي، نبتدي منين الحكاية؟ ده إحنا قصة حبنا، ليها أكثر من بداية! هشنا فيها يا عشنا، شفنا فيها ياما شفنا!!
وللحديث بقية، وتبقى مصر أولاً دولة مدنية
#شريف_حافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استشهاديين من أجل ميكي ماوس بالفعل
-
ورقة إسرائيلية خطيرة: إستراتيجية لإسرائيل في ثمانينيات القرن
...
-
يعني أيه حرية في الليبرالية؟
-
الإسكندرية: مدينة التعايش المصرى 2011
-
الوحدة الإقليمية بفكر مُغاير
-
رسالة التنوير إلى الأقليات
-
فى تركيا: إسلاميون علمانيون.. ولدينا أيضاً!!
-
الإخوان وتهويد إسرائيل
-
النقد للجميع
-
الإخوان.. -الديكتاتورية هى الحل-
-
الإخوان أعداء الديمقراطية
-
خداع الإخوان!
-
مرشد الجماعة وماؤه الطهور فى الانتخابات
-
كاتب الجماعة: هل أصبح عضواً في الجماعة؟!
-
بين صوفى شول وتراودل يونجه: رسالة وعى للشباب
-
صانعو التطرف
-
الخوف من العقل
-
الجهل المقدس
-
زمن المُتعنونين!
-
نصر حامد أبوزيد.. قلب ما يخافشى
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|