مجدى زكريا
الحوار المتمدن-العدد: 3895 - 2012 / 10 / 29 - 21:24
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
توفر الات غسل الاوانى الوقت فى المطبخ وكذلك تفعل الات غسل الملابس فى المغسل. وملايين الناس ليس عليهم بعد الان حتى ان يتكلفوا عناء ترك بيوتهم للتسوق واجراء معاملتهم المصرفية. اذ يكفى ان يديروا الكمبيوتر الخاص بهم ويستعملوا الانترنت.
نعم, يفيض العالم, جزئيا على الاقل, بكل انواع الاجهزة التى توفر الوقت والجهد. لذلك قد يخيل اليكم ان الناس سيقضون المزيد من الوقت مع عائلاتهم وفى الاسترخاء. لكن فى اغلب الاحيان يقول كثيرون انهم يعانون التعب والاجهاد اكثر من اى وقت مضى. والاسباب كثيرة ومعقدة.
الضغوط الاقتصادية هى من اهم العوامل, لقد حلل المركز الاوسترالى للابحاث والتدريب فى العلاقات الصناعية عدد الساعات التى يقضيها الناس فى العمل فى ذلك البلد ووجد ان نسبة كثيرة تعمل اكثر من 49 ساعة فى الاسبوع وان هذه الزيادات فى ساعات العمل تؤثر على الارجح سلبا فى الحياة العائلية والاجتماعية. وكثيرون من العمال يختارون العيش فى ضواحى المدن الهادئة والخضراء. وقد يعنى ذلك قضاء ساعات كل اسبوع - وحتى كل يوم - فى التنقل فى القطارات والباصات المكتظة او حتى على الطرقات المزدحمة. نتيجة لذلك, يزداد طول العمل وتزداد توتراته.
صارت مشاكل النوم شائعة كثيرا فى السنوات الاخيرة حتى ان عيادات النوم ظهرت فى اجزاء كثيرة من العالم. وقد وجد الباحثون ان دين النوم يتراكم على الناس عندما لا يأخذون القسط الكافى من النوم قانونيا. ومن الطبيعى ان يرغب جسمهم فى دفع هذا الدين ويحثهم على ذلك بجعلهم يشعرون بالتعب.لكن بسبب نمط حياة اليوم الذى يحرم فيه الناس من النوم, كثيرون يطغى عليهم التعب المزمن.
فى احد البلدان الغربية, انخفض وقت النوم 20 فى المئة على مر القرن الماضى, من معدل تسع ساعات فى الليلة الى سبع ساعات. وقد جمع الباحثون ادلة تشير ان دين النوم يسبب مشاكل فى التعلم ويضعف الذاكرة, يعطل المهارات المتعلقة بالحركة, ويضعف الجهاز المناعى. وقد اكتشف معظمنا ان العقل المتعب يقترف الاخطاء ايضا. ومن المؤسف ان هذه الاخطار قد تكون خطيرة ومكلفة على حد سواء.
يقال ان التعب الناجم عن ساعات العمل الطويلة وتخفيض عدد الموظفين ساهم فى فى اسوأ الكوارث فى القرن الماضى, ومنها الكارثة النووية فى تشرنوبيل, اوكرانيا, انفجار المكوك الفضائى تشالنجر, وتسرب النفط من الناقلة اكسون فالديز بعد ان اصطدمت فى حيد بحرى فى مضيق برنس وليم , الاسكا.
عن انفجار تشرنوبيل, كشف التحقيق, ان العمل كان يجرى تحت اشراف فريق مرهق من المهندسين الكهربائيين الذين كانوا فى المفاعل على الاقل مدة ثلاثة عشرة ساعة, وربما اكثر.تذكر دراسة حديثة ان احد التأثيرات الطويلة الامد للتسرب الاشعاعى هو ارتفاع نسبة الاصابة بسرطانات الغدة الدرقية عشرة اضعاف عند الاولاد الاوكرانيين منذ سنة 1986.
وبعد تحقيق شامل فى انفجار المكوك الفضائى تشالنجر, ذكر تقرير وضعته اللجنة الرئيسية ان فريقا من العمال المتعاقدين تخطى حدود ال20 ساعة المخصصة لساعات العمل الاضافية 480 مرة وتخطى هذا الحد ايضا فريق اخر من العمال 2,512 مرة, واضاف التقرير ان الارهاق على الصعيد الادارى الناجم عن عن العمل ساعات اضافية اياما عديدة والنوم غير الكافى, كان ايضا عاملا مهما فى ان ينال المكوك موافقة على الاقلاع انما فى غير محلها. وذكر التقرير انه عندما يفرط العامل فى العمل ساعات اضافية, تنخفض فعاليته وترتفع امكانية ارتكاب الخطأ البشرى.
وفقا لرسميين فى نقابة البحارة, عنى خفض طاقم العمل, بحجة خفض التكالبف, ان بعمل البحارة على متن اكسون فالديز ساعات اضافية وينجزوا واجبات اضافية, ويوضح تقرير عن الكارثة ان المعاون الثالث للربان الذى كان مسؤولا عن المركب ساعة ارتطامه بالقاع بعد منتصف الليل, كان مستيقظا منذ الصباح الباكر فى ذلك اليوم. وقد سبب حوالى 42,000,000 لتر من النفط - اكبر كمية نفط تسربت فى تاريخ الولايات المتحدة - سببت اضرارا بليغة فى الشواطئ والحياة البرية. وكلف تنظيف المنطقة اكثر من بليونى دولار اميركى.
وفقا لأحد التقديرات, يكلف التعب والارهاق العالم على الاقل 377 بليون دولار اميركى كل سنة. لكن مامن مال يكفى لتغطية تكاليف حياة الانسان وصحته. اللتان تتأثران فى اغلب الاحيان ايضا. خذوا مثلا حوادث السير, بحسب احدى عيادات اضطرابات النوم فى سيدنى, اوستراليا, يعود سبب 20 الى 30 فى المئة من حوادث السير فى ذلك البلد الى نوم السائقين اثناء القيادة. ويقدر ان النعاس يسبب 100,000 حادث سير على الاقل سنويا فى الولايات المتحدة الاميركية.
وقد لا تتوقف نتائج الارهاق هنا. فان ضحية حادث السير التى تنقل على وجه السرعة الى مستشفى لاجراء عملية جراحية ـ تأمل ان يكون الطبيب يقظا. لكن بسبب برنامج العمل الملئ وساعات العمل الطويلة, قد لا يكون الطبيب متيقظا وحذرا. اظهر تقرير من المعهد الاوسترالى للصحة والخدمات الاجتماعية ان نحو 10 فى المئة من الاطباء يعملون اكثر من 65 ساعة فى الاسبوع. 17 فى المئة من كل الاختصاصيين تخطوا هذا العدد من الساعات. و 5 فى المئة من الاطباء الاكثر سنا عملوا اكثر من 80 ساعة فى الاسبوع.
يقول مارتن مورايد " تجرى حماية الالات بواسطة كتيبات التعليمات, ملصقات الانذار, ومقررات التدريب. لكن الناس يولدون فى هذا العالم دون اية حماية مماثلة . . . والحقيقة التى تصدم هى ان ما نعرفه عن مواصفات تصميم الانسان اقل بكثير عما نعرفه عن الالات التى يستخدمها ".
لا يملك جسدنا اضواء حمراء تنذرنا بالتوقف او الابطاء عند الحاجة. لكنه يعطينا علامات انذار. وتشمل هذه العلامات الاجهاد المزمن, تقلب المزاج, الكابة, والاستعداد لالتقاط اى فيروس يحوم حولنا. اذا كانت لديكم هذه الاعراض - طبعا دون ان تكون ناجمة عن اية مشاكل جسدية او صحية اخرى - فربما حان الوقت لاعادة فحص نمط حياتكم من جديد.
ان نمط الحياة المتسم بالاجهاد والحرمان من النوم يؤثر ايضا فى العلاقات البشرية. فقد يدمر الزواج عندما يعمل الزوجان بدوام عمل كامل, ويعملان بالمناوبة ويتجاهلا اعراض الارهاق المزمن فى حياتهما.
يقول كتاب مجتمع ال24 ساعة : " تظهر الدراسات ان معدل الطلاق فى العائلات التى تعمل بالمناوبة هو هو اعلى ب 60 فى المئة منه من الذين يعملون نهارا فى اعمال منتظمة ". رغم ذلك سواء عمل رفقاء الزواج بالمناوبة ام لا, يحاول كثيرون ملء حياتهم بفيض من الامور الثانوية فيقضون بذلك على زواجهم. وقد يساهم الارهاق والاجهاد فى وقوع البعض الاخر فى دوامة اساءة استعمال الكحول والمخدرات وعادات الاكل غير الصحية - عوامل لا تزيد الارهاق سوءا فحسب بل قد تؤدى الى مشاكل كثيرة اخرى. حتى الاساءة الى الاولاد.
لمساعدة الوالدين على مواجهة جدول الاعمال الملان بنجاح, يزداد عدد مراكز العناية بالاولاد. ويقدم بعض منها خدماته 24 ساعة. لكن بالنسبة الى اولاد كثيرين يصير التلفزيون حاضنتهم. طبعا, اذا كان الاولاد سيكبرون ليصيروا راشدين مسؤولين متزنين عاطفيا, فهم يحتاجون الى قضاء وقت كبير ومفيد مع والديهم. لذلك على الوالدين الذين لا يمنحون اولادهم الوقت الكافى, بسبب الارهاق الناجم عن محاولتهم المحافظة على مستوى معيشة رفيع, ان يتحلوا بالحكمة ويدركوا ما سيكلفهم ذلك هم واولادهم فى مجتمع اليوم التكنولوجى المتقدم بسرعة. غالبا ما يكون المسنون ايضا ضحايا. فسرعة التغيير والتدفق المستمر للادوات الجديدة فى السوق قد يجعلان الكثيرين منهم يشعرون بالارتباك وعدم الامان, الخوف, وبانهم قديمو العهد ايضا. فماذا سيخبئ لهم المستقبل ؟
هل نرزح جميعا - كبارا وصغارا - كليا تحت رحمة عالما يبدو مصمما على المضى فى سرعته ؟ ام ان هنالك امورا يمكننا القيام بها تساعدنا على التكيف وتحسين نوعية حياتنا ؟ لحسن التوفيق ان الطرائق متوفرة كما سنرى.
" يتبع "
#مجدى_زكريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟