|
محمود سلام زناتى : من سمع بهذا الاسم ؟
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3895 - 2012 / 10 / 29 - 14:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يبدو أنّ الأحرار والمُخلصين للغة العلم والبعيدين عن صخب الفضائيات ، مُقدّرعليهم فى ألواح الميديا والثقافة السائدة أنْ يظلوا خلف جدران الصمت ، بتصور أبله لا يعرف أنّ الكلمة الجادة تعيش آلاف السنين رغم أنف آلية (اقتلوا المُبدع الحر بتجاهل كتاباته) وهذا ما حدث مع كتب المرحوم بيومى قنديل وكتب د. مرفت عبدالناصر(وأكيد هناك غيرهما) وأعتقد أنّ د. محمود سلام زناتى هو الأقل شهرة فى مناخنا الثقافى الردىء ، رغم أنه تخصّص فى موضوع بالغ الأهمية وهو(القانون المصرى القديم) ومقارنته بالبطلمى والرومانى والإسلامى فى كتاب بهذا العنوان صدرعام 1985. ود. زناتى هو أستاذ تاريخ وفلسفة القانون وشغل منصب عميد كلية الحقوق بجامعة أسيوط . فنـّد د. زناتى تهمة العبودية عن الحضارة المصرية ، فأكد من خلال البرديات أنّ الأسرى تمتـّعوا ((بوضع قانونى واجتماعى أفضل من وضعهم فى كثيرمن المدنيات القديمة. وكان الرقيق شأنه شأن الأحرار يتمتـّع بحالة مدنية رسمية بالنسبة للأمورالجارية. ويتخذ اسمًا مصريًا ويتمتـّع ببنوة شرعية حيث اسم أبيه واسم أمه يُدونان فى السجل المدنى كما تـُدوّن جنسيته)) وفنـّد تهمة الطغيان عن الملوك المصريين (الفراعنة وفق التعبيرالعبرى) فاعتمد على شهادة ديودورالصقلى الذى ذكرأنّ عادة المصريين فى حالة وفاة أحد ملوكهم يتم وضع النعش (فى آخر أيام الحداد) أمام مدخل القبر. وتـُشكل محكمة لتنظر فيما قدّم الملك المُتوفى من أعمال . وأباحوا لمن شاء أنْ يتهمه. وألوف الناس الذين اجتمعوا لتشييعه ينصتون ويشتركون فى التأبين إذا كان الملك المتوفى قضى حياة مجيدة (عادلة) أما إذا كانت حياته على العكس وضيعة (غيرعادلة) تصايحتْ الجماهير(ضده) وفى هذه الحالة يكون عقابه الحرمان من الدفن الرسمى ، ولهذا كان من يأتى بعده يحرص على تحقيق العدل تجنبًا لهذا العار. وكتب د. زناتى ((ليس عجيبًا بعد ذلك أنْ يقول ديودور فى وصف ملوك مصر من واقع المعلومات التى ترامتْ إليه أنهم لم يكونوا يعيشون على نمط الحكام المُستبدين فى البلاد الأخرى فيعملون ما يشاؤون تبعًا لأهوائهم غير خاضعين لرقابة ما ، فقد رسمتْ القوانين حدود تصرفاتهم- لا فى حياتهم العامة فحسب- بل فى حياتهم الخاصة وأسلوب معيشتهم اليومية. وأنّ الملك لم يكن فى قدرته أنْ يقضى فى المُخاصمات وفق ميوله الشخصية وإنما وفق ما تنص عليه القوانين فى كل حالة)) ونقل د. زناتى عن الكتابة على جدران مقابر وزراء الأسرة السادسة عبارات مثل ((كنتُ أقضى بين الطرفيْن على نحو يُرضيهما)) و((لقد قضيتُ بين الطرفيْن على نحو يُهدّئهما)) وجاء فى نقوش مقبرة أحد وزراء الدولة الوسطى أنه كان يُصدّق على مستندات الحدود ويفصل بين مالك الأرض وجاره (76) مؤسسة القضاء فى الحضارة المصرية : إهتم د. زناتى بنقل شهادة ديودورعن التنظيم القضائى فى مصرالقديمة. فذكرأنّ القاعدة هى تنصيب أفضل القضاة من عدة مدن ، فكان يتم اختيارعشرة من هليوبوليس وعشرة من طيبة وعشرة من منف . يجتمع هؤلاء الثلاثون وينتخبون من بينهم أفضلهم رئيسًا للقضاة. وأنّ التنظيم القضائى فى مصرالقديمة عرف نظام الاستئناف أمام محكمة أعلى (كما حدث فى العصرالحديث بعد آلاف السنين من تجربة جدودنا) والأهم أنّ (القضاء فى مصرالقديمة كان مدنيًا ولم يكن دينيًا) ترتب على هذا التنظيم القضائى ترسيخ قيمة العدالة بين كافة المواطنين وبالتالى تأسّستْ قاعدة المساواة المطلقة لافرق بين الحاكم والمحكوم ولا بين المرأة والرجل. وكان د. زناتى موفقــًا وهو يستشهد بالعالم ماسبيرو الذى كتب ((المرأة المصرية من الطبقة الدنيا والمتوسطة أكثر احترامًا وأكثر استقلالا من أية امرأة أخرى فى العالم)) وبالعالم ماكس ميلر((لم يكفل أى شعب قديم أو حديث للمرأة مركزًا قانونيًا مماثلا فى سموه ما كفله لها سكان وادى النيل)) وبالعالم بارتوريه ((كل الشعوب القديمة- فى الغرب كما فى الشرق- يبدو أنها اجتمعتْ حول فكرة واحدة : أنْ تجعل من المرأة كائنـًا أدنى من الناحية القانونية. أما مصر فإنها تعرض لنا منظرًا جد مختلف فنجد فيها المرأة مساوية للرجل من الناحية القانونية. لها نفس الحقوق وتـُعامل بنفس الكيفية)) فكان تعليق د. زناتى لقد تمتـّعتْ المرأة فى الحضارة المصرية بمكانة فى المجتمع والأسرة لم تبلغها المرأة لدى شعب من الشعوب القديمة ، بل فى كثير من المجتمعات الحديثة ((فلم يعرف المصريون فكرة انفصال الجنسيْن وحجاب المرأة بل كانت المرأة تغدو وتروح فى حرية وتتحدث مع من تشاء وتخرج بين الناس سافرة الوجه. وكانت تـُسهم بنصيب كبير فى الحياة الاجتماعية)) وذكر أيضًا ((فى مصرالقديمة هناك من الدلائل ما يُشير إلى أنّ الزوج والزوجة كانا يُعاملان بالنسبة للحق فى الطلاق على قدم المساواة. فكانت للزوجة حرية الانفصال عن زوجها كما كانت للزوج وذلك عكس الكثير من الشرائع القديمة التى لم تكن تـُساوى بين المرأة والرجل ، حيث كان الطلاق حقــًا مطلقــًا للرجل. وفى حالة الطلاق يرد الطرف الراغب فى الانفصال الحقوق المالية للطرف الآخر لا فرق بين المرأة والرجل. والقانون المصرى فى سماحه بزواج الأرامل لاسيما من النساء ، يُخالف ما جرتْ به بعض المدنيات القديمة التى كانت تحظر على الأرملة عقد زواج جديد. وأنّ القانون كان يعترف للبنت بحق ميراث مثل الولد)) وفى حالة الفرار من الجيش أو عصيان الأوامر فإنّ القانون المصرى خالف كل القوانين فى الدول الأخرى ، فابتدع المُشرّع المصرى عقوبة انفرد بها شعبنا وهى (فقدان الاعتبار) وعندما يأتى الجندى بأعمال بطولية يعود إليه (اعتباره) من جديد . وكان تعليق ديودور أنّ ((المشرع المصرى جعل عقوبة (فقدان الاعتبار) أشد من عقوبة الموت ، إذْ أنّ (فقد الاعتبار) أعظم الشرور. كما أنّ المُشرّع رأى أنّ الذين يُحكم عليهم بالموت لا يفيدون الحياة العامة بشىء ، بينما الذين يفقدون اعتبارهم يكونون مصدر خير لحرصهم على استرداد اعتبارهم)) ومن المواد القانونية ذات الأهمية التى رصدها ديودور، ونقلها د. زناتى أنّ الأب الذى يقتل ابنه (أو العكس) لم تكن توقع عليه عقوبة الموت ، وإنما عقوبته أنْ يحتضن القاتل (الأب مثلا) جثة ابنه لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال تحت إشراف حرّاس رسميين (وللقارىء أنْ يتخيّل الحالة النفسية للقاتل وهو يحتضن الجثة طوال هذه الأيام. وما هى التداعيات الشعورية وهو يتذكر ظروف الجريمة. وهل لو عاد به الزمن للوراء كان سيقتل أم أنّ هناك وسيلة أخرى لحل النزاع) وذكر ديودور أنّ جدودنا إبتدعوا عقوبة للزوجة التى تخون زوجها وهى قطع أنفها وكان تفسيره لهذه العقوبة أنّ المصريين كانوا يعتقدون أنّ قطع الأنف يعنى حرمان المرأة من مقومات الجمال. أما عقوبة السارق فكانتْ أنْ يلتزم بدفع ضِعف أو ثلاثة أمثال قيمة الشىء المسروق إلى صاحب الحق وتعويضه عن الضررالذى أصابه نتيجة السرقة. وفى حالة صدور حكم بالموت على امرأة حامل فإنّ القانون نصّ على تأجيل تنفيذ العقوبة حتى تلد . وأكد ديودور أنّ هذا النص التشريعى انتقل إلى اليونان (ومنه إلى معظم دول العالم القديم والحديث) وكان د. زناتى على درجة رفيعة من الموضوعية والالتزام بلغة العلم ، فذكر فى الجزء الخاص بالقانون بعد دخول المسيحية والاسلام مصر، أنّ الوضع القانونى للمرأة المصرية انحط وتراجع مقارنة بوضعها القانونى فى مصرالقديمة فكتب ((بعد دخول الإسلام مصرأخذتْ المرأة المصرية (المسلمة) تفقد حريتها واستقلالها. أما المرأة القبطية (يقصد المسيحية) فقد ظلتْ محتفظة بحريتها واستقلالها زمنــًا غيرقصير)) وعن الإجراءات التى اتخذها الخليفة الفاطمى الحاكم بأمرالله بقصد الحد من حرية النساء ، فقد منعهن من الخروج ليلا . وأمر بمنع المرأة من كشف وجهها فى الطريق العام أو خلف جنازة. ومنعها من زيارة القبور، لدرجة أنه فى الأعياد (مثل عيد الفطر وعيد الأضحى) لم تظهرسيدة واحدة فى القبوربسبب هذا المنع. وكانت الكارثة عندما صدرالأمربمنع النساء من المشى فى الطريق العام وتم إغلاق الحمّامات الشعبية الخاصة بهن . والتنبيه على صانعى الأحذية بعدم صناعة أحذية للنساء (من ص 50- 470) الدكتورمحمود سلام زناتى واحد من المُفكرين الذين يعملون فى صمت ولا ينشغلون بالدعاية لأنفسهم مثل من هم أقل منه كثيرًا فى امتلاك المعرفة. ورغم ذلك ستبقى كتاباته خالدة تتعلم منها الأجيال القادمة ، بينما صمت القبورالحقيقى سيكون مصيرمن سعوا للدعاية ولم يكتبوا جملة تستحق القراءة . ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا فقد حورس عينه : المعرفة قبل العاطفة
-
مصر فى عيون العالم (موسوعة للأطفال)
-
موسوعة الفن المصرى وفن الكتابة للأطفال
-
موسوعة تاريخ الأفكار للشباب
-
أمنيات الزمن الضائع للأديبة هدى توفيق
-
الموالد المصرية وأبعاد الشخصية القومية
-
مظاهر الليبرالية المصرية قبل يوليو1952
-
ربوة منصر القفاش - قراءة فى مجموعته نسيج الأسماء
-
الشخصية المصرية وتعاملها مع القهر فى مجموعة (الحنان الصيفى)
-
الأسطورة والواقع فى أطفال بلا دموع
-
وصف اللغة بالفصحى غير علمى لأنّ الفصاحة للإنسان
-
علم الآثار وغياب الحس القومى
-
رؤية الواقع ورؤى الخيال فى (أغنية الدمية)
-
أسماء المصريين بين المُعلن والمسكوت عنه
-
قصة للمرحوم بيومى قنديل من مجموعته أمونه تخاوى الجان
-
ميريت آمون - قصة قصيرة
-
فى نص الليل - قصة قصيرة
-
العودة إلى العتمة - قصة قصيرة
-
سندريلا مصرية وليست أوروبية
-
نقد الفن بالكلمة خيرٌ وأبقى
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|