روبير البشعلاني
الحوار المتمدن-العدد: 3895 - 2012 / 10 / 29 - 13:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
معارضون يساريون سابقون ليبراليون حاليون* هالهم ان يخون اليسار الفرنسي قضية الحرية في سوريا , الحرية ذاتها التي يدافع عنها اليسار عادة في كل زمان ومكان. فقاموا يتساءلون عن الاسباب والتساؤل مشروع وشهي. اليسار الفرنسي غير مقتنع بالثورة في سوريا ومن المفيد ربما لنا ولهم معرفة اسباب ذلك. فهل لتموضع الثورة السورية في الصراع الاقليمي والدولي علاقة في ذلك ؟
يتسائل الليبراليون السوريون واللبنانيون معهم كيف لليسار الفرنسي ان يكون مع الحرية في بلاده وضدها في سوريا ؟ وهم والحق يقال يتساءلون بصدق لان هذا اليسار ليس من النوع الذي » يمكن اتهامه بالعنصرية ضد العرب او المسلمين ».
كبف يمكن يسار فرنسي معروف بمواقفه ضد اضطهاد الشعوب عامة ان يؤيد « نظام الاسد » الاستبدادي ؟ كيف صور لهم ان نظاما « عماده الرئيس العصبية الطائفية » يمكن ان يكون علمانيا ؟
« اليساري شلح » ( تعبير استعرته من قرانا اللبنانية التي تطلق على الكاهن الذي يترك الكهنوت لقب « خوري شلح » للتعريف به لا اكثر ) ولكي يقنع نفسه كان عليه ان يجد تعليلا منطقيا , وهي موضة قديمة حملها من ماضيه الماركسي العاثر, يشرح فيه اسباب تمنع اليسار الفرنسي عن تأييد قضيته « العادلة » يساريا بالعادة .
لماذا اذا لا يقبل اليسار الفرنسي اطروحة « اليساري شلح » السوري؟
اولا لان اليسار الفرنسي, كما يراه الليبرالي السوري الجديد, واقع تحت تأثير التفسير « البوليسي » للاحداث في العالم . انه « مؤامراتوي » اي انه يفسر التاريخ لا بصراع القوى الاجتماعية الداخلية بل بالخارج « المتآمر » الذي يظنه, واهما بالطبع, عدوا يخطط لكل شيء وله اغراض حبيثة في كل موقع : « الربيع العربي هو اذا حيلة الغرب لكي يسيطر عبر الاسلاميين على ثروات المنطقة ». من جهة ثانية, ولان اليسار في فرنسا صاحب تقليد علماني معروف ايضا فإنه « يخشى » الاسلاموي الديني الذي « يتوهمه » في كل مكان. اليساري « اسلاموفوبي » .
اليسار الفرنسي لا « يحك رأسه » كفاية حسب تلك الرؤوس الليبرالية الجديدة ولا ينطلق « من السياسة بل من الايديولوجيا « الثقافوية » » القائمة على عدم تساوي الحضارات والشعوب فما « يصلح لنا لا يصلح لغيرنا ».
اصرار « اليساري شلح » على محورية الحرية وهيمنة العامل الداخلي السوري على ما عداه جعله « يحتار » في تفسير الموقف الفرنسي. فبعد اقراره المبدئي ببعد اليسار الفرنسي عن العنصرية عادت الحيرة لتدفعه الى اتهمامه بما هو افظع . فاليسار الفرنسي كما طلع مع الليبرالي العربي « ثقافوي », اي كولونيالي التفكير لا يعترف بالمساواة بين الشعوب والحضارات, يرفض الحرية للسوريين ويقبلها فقط لشعوب الغرب.العرب عنده « تحت البشر », عنيفون, ولا يصلحون للديمقراطية.
« حرية » اليساري السابق جعلته يرى في اليساري الغربي كولونياليا وفي الكولونيالي الغربي الحاكم ذاته يساريا او لنقل انسانيا.فطالما أن الحاكم الناهب الغربي يؤيد « الحرية » في سوريا فهو اذا غير « ثقافوي », بحترم حق الشعوب بأسرها بالحرية, اما اليساري الذي يمتنع عن تأييدها عندنا فهو ببساطة عنصري.تبسيط طفولي انقلب الفكر معه رأسا على عقب.
« اليساري شلح » السوري في فرنسا, وبما انه صار على الموضة, لم يشغله طبعا ان يبتعد اليسار « غير العنصري » عنه وعن اطروحاته وان لا يجد حبيبا وحنونا وداعما في اليسار خلا برنارهنري ليفي واصدقائه في الحزب الاشتراكي الفرنسي. وبما انه صار من اعداء « المؤامراتية » فإنه لم يتساءل عن سبب دعم اليمين الفرنسي بكل اطيافه لثورته الديمقراطية المجيدة . لم ينتبه الى ان ماكينة الدولة « العميقة » لفرنسا تعيث فسادا في سوريا عبر جميع انواع التدخلات غير « الدبلوماسية » التي مع ذلك لا يمكن ان تكون جزءا من « مؤامرة » ما لا سمح الله. فاته هنا ان يفسر لنفسه ظاهرة دعم الدول الاستعمارية وكافة اطراف اليمين لثورة من المفترض ان تكون في غير مصلحة الاستعمار. وهو لو فعل لكان عليه ان يطرح سؤاله بالمقلوب. فالمطلوب معرفته ليس لماذا لا يدعمنا اليسار الاوروبي بل لماذا يدعمنا اليمين الاوروبي الى هذا الحد؟
وبما ان « اليسار شلح » شلح جلده ويساره وتدثر بعباءة الليبرالية العصرية فانه لم يعد يرى ان ثورته لا يدعمها اليوم الا تركيا وقطر والسعودية ودول غربي « رأسماليا » المريضة بسرطان الرأسمال المالي, اي الدول « الثقافوية » ذاتها. فهل يمكنه هنا استنتاج شيء ما له دلالة سياسية من هذا الدعم الغربي المشبوه دون الوقوع في الايديولوجية ؟ ام ان كل هذا الدعم مجرد « عورة في النظر » ؟
لم يتساءل « الثوري » السوري في فرنسا كيف يريد من اليساري الفرنسي ان يدعمه في وقت يعلن هو وثواره ليل نهار انهم لا يرون في اسرائيل عدوا بل جارا يمكن التفاهم معه, وان الاميركي ليس امبرياليا بل »شريكا », صعب لكن شريك, لا ناهب ولا حاكم بأمر الله. كيف يدعمك وثورتك تتقدم بدون اهداف داخلية معلنة بوضوح بل جل ما تعلنه هو اشبه بحرب غلبة طائفة على اخرى او على اخريات. كيف تريده ان يدعمك وانت ليس فقط لا تقول شيئا يطمئن اهل بلادك اولا قبل اهالي بلاد اليسار الفرنسي, بل لا تفعل شيئا على الارض سوى تغطية ممارسات تدميرية وطائفية بلغة عصرية مهذبة تتحدث فيها عن الديمقراطية وعن حقون الانسان و »سوريا الغد » المدنية (ماذا تعني ؟) التي لا تزن انت فيها ,كتيار, اي شيء يذكر او يعتد به . كيف تريد لليسار الفرنسي ان يصدق ما تقول وهو يرى على الارض افعالا لا تشبه اقوالك « بنوب », افعالا تذكر بحروب لبنان الاهلية وبالتطهيرالطائفي والتفتيت والمجازر والاعدامات الميدانية, غير المدنية اطلاقا, ورمي الموالين « ديمقراطيا » عن سطوح الابنية والاختباء بالمدن التاريخية وتدميرها بواسطة السيارات المفخخة .
الديموغاجية هنا لا تنفع ليبرالي الثورة في شيء : فالادعاء بأن النظام مخادع في مقاومته وممانعته كان من الممكن ان يفيد لو ان برنامج الثورة يتضمن تحرير الارض وفك التبعية في بنوده. الديموغاجية هي في ان تعيِر خصمك في شيء تؤيده ضمنا وتدعو اليه سرا وعلنا .
من طرائف الطوائفيين انهم يرون القشة الطائفية في عيون الاخ لا الجذع في عيونهم. يتطلعون في المرآة فيرون البشاعة في خصمهم . ف »النظام الذي تعدونه علمانيا قائم على العصبية الطائفية » وحده دون سائر العالمين حوله ؟ يا لغرابة المجتمعات. المجتمع السوري, برأي « اليساري شلح », مؤلف, وحده بين الامم, من طائفة وحيدة واحدة وموجودة على رأس السلطة تتحكم ب »شعب » مؤلف هو من طبقات او فئات او « مجموع الشعب ». الطائفية هنا بالذات تتميز باقتصارها على من هم في السلطة وحسب, عكس ما هو الامر في العراق او لبنان او تركيا. جيران سوريا كلهم يعجون بالطوائف المتنوعة والعشائر والعائلات الموسعة ما عدا سوريا وحدها حيث تتبختر »الطبقات الاجتماعية » التي يتعامى اليسار الفرنسي عن رؤيتها « تقاوم النظام »..الطائفي. الصراع الاجتماعي في سوريا ينحصر اذا,سبحان الله, بين طبقات مظلومة ونظام طائفي, لا طبقات ضد طبقات اخرى. نظرية شرقية جديدة في علم الاجتماع يريدون ان يبيعونها لليسار الفرنسي تأكيدا ل »تبصيرتهم ».
الليبرالي المتعظ والواقعي يبكي دعما من يسار لم يفعل شيئا للحفاظ عليه. ان العصري المتزن الذي تخلص من اوهام الايديولوجيا وقادته واقعيته ,بإسم الديمقراطية والتخلص من الاستبداد, الى قبول التحالف مع » رجل العالم المريض », الغرب الرأسمالي, لماذا يا ترى ما يزال يبحث عن دعم اليساريين ؟ بقايا الايدولوجيا والثقافوية ربما ؟ والا كيف نفسر استغرابه المذهول لانفضاض اليساريين الفرنسيين –والعرب ايضا على فكرة- عنه.
اليسار عادة, الفرنسي منه وغير الفرنسي, ليس فكرة مبسطة ضد الاستبداد وحسب وليس فكرة رفض لاستغلال الانسان لاخيه الانسان وحسب بل انه الاعتراض على فكرة الاستبداد العالمي ككل وعلى استغلال بعض الامم لكل دول الارض ولطبيعتها ولبيئتها وانسانها وهي فكرة ترفض الاستعمار القديم في اي منطقة من العالم ولا سيما في فلسطين , هي فكرة ترفض ديمقراطية الجماعات القرابية الرحمية او الدينية وتناضل من اجل ديمقراطية المواطن الفرد الحر , هي فكرة النضال ضد النهب والتبعية واستتباع الشعوب ومنعهم من بناء دولهم المستقلة الحرة والموحدة والعلمانية, فأين أنت من كل ذلك ؟ ولماذا تتعب نفسك بعد في استجداء دعم اليساريين الفرنسيين لك ولثورتك ؟ الا يكفيك دعم اميركا وتركيا وقبائل الخليج الحاكمة بأمر الله المشهورين بدعمهم عادة لحرية الشعوب ؟ ام انك وتأثرا بشخصيتك المنفصمة تريد دعم الجميع اليسار واليمين معا ؟ اليسار القديم المترقد في لاوعيك والحاضراليميني المعلن في اهدافك وشعاراتك الحالية. لكن موقفك الفكري لا تحسد عليه صديقي « اليساري شلح » . انه انفصام الشخصية يعلن ما لا يضمر ويضمر ما لا يعلن وفي آن معا .
ليست الحرية في سوريا هي التي يرفضها اليسار الفرنسي, بسبب « ثقافويته » الايديولوجية, بل تموضع من يقود « الثورة » السورية فعليا في جبهة اعداء الحرية وفي جبهة اعداء اليسار العربي والعالمي. وهذا لعمري اذا لم يكن في قلب السياسة فما عساها تكون السياسة ؟
بعد كل هذا هل كنت تتوقع فعلا ان يتفهمك اليسار الفرنسي ؟
* فاروق مردم بك في « الاوريون الادبي » شهر تشرين الاول-اكتوبر 2012
*زياد ماجد/ اسباب محدودية التضامن الشعبي الاوروبي مع الثورة السورية. موقع « ناو ليبانون » 6 تشرين الاول 2012
#روبير_البشعلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟