|
تعديل موقفي العقائدي.. التحليق فوق الدين
اسامة درة
الحوار المتمدن-العدد: 3895 - 2012 / 10 / 29 - 08:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قررت أن أعطّل العمل بالإسلام في حياتي كدين، لأن "التنافر المعرفي" بين بعض تفاصيله و بين ما أظنه الرشاد و العدالة و المنطق وصل عندي حداً لا أستوعبه، و أن أخفّض رتبته إلى "مستند ثقافي" يملأ فراغات صورة العالم في عقلي و قلبي و يضبط أخلاقي، إلى أن أجد أساساً غيره أو أعيد اعتماده كدينٍ لي. لقد هز الربيع العربي ثقتنا بما كنا عليه قبل الثورات، و غدا واضحاً أن الافتراضات الأساسية التي قامت عليها حياتنا لم تكن سليمةً كلها، و المؤسسات التي أسلمناها قيادنا لم تكن ذات كفاءة أو أمانة، و الشخصيات التي ركنّا إليها و اعتقدنا بعلوّ كعبها و جدارتها لم تكن كما خِلنا، لذا بات عبء هذا الجيل أن يرفع كل ما حلّ فيه الشك إلى طاولة الفحص ليشرّحه و يستخرج باطنه حتى يبين الله الحق فيه. و لقد فجعتني -في هذا الظرف الفوّار- ثلاث حوادث سياسية اقترن بها جدالٌ فقهي:
الأولى: الاحتجاجات العنيفة على الفيلم المسيء للنبي محمد، التي أبرزت عقوبة سب النبي في الشرع: القتل، و لم يبدُ لي هذا قريباً من "السماحة" و "الرحمة" و "الحرية" التي نضيفها للإسلام في كلامنا، بل بدا ما عليه الغرب من شريعةٍ موضوعةٍ تتيح "حرية التعبير" أرشدَ و أرحبَ و أعدل. ثم سمعت من خطيب الجمعة بالمسجد المجاور لبيتي قصة رجل أعمى كانت له أمَةٌ ترعاه و تحبه رغم انكفاف بصره حتى أنجب منها ولدين، لكنه بقر بطنها بمِعولٍ لأنها قالت في النبي يوماً ما لم يقبله، و كانت حُبلى بابن ثالثٍ له عندما فعل، فلما اعترف بقتله إياها قال النبي للناس من فوق منبره: "اشهدوا أن دمها هَدَر"، و الرواية عن ابن عباس في سنن أبي داود و هي بمعايير أهل الحديث صحيحةٌ، على ما فيها من غرابة و وحشية و عدم اتساق مع ما نظنه هو الإسلام، و إني لا أظن "نبي الرحمة" يكون منه ما يحكونه هذا. الثانية: في المقابلة التليفزيونية التي انكشف فيها أمر لقائه السري بأحمد شفيق، سأل المذيع وائل الإبراشي الشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية عن "تزويج الطفلة" فقال أنه لا يمكنه أن يحرّم ما "أحلّه الله و رسوله"، و أن تزويج القاصرات جائز "إن كنّ مطيقات"، و استشهد بمقطع من الآية الرابعة بسورة الطلاق يشير إلى صنفٍ ممن عليهنّ العِدّة: "و اللائي لم يحضن"، أي من لم يبلغن إذا زُوّجن ثم طُلّقن فعليهن ثلاثة شهور عِدّة قبل الزواج التالي. و قد راعني أنّ في القرآن نصٌ على مِثل هذا، و ماداموا يصرون على أنّ القرآن ليس نصاً تاريخياً حادثاً يُستلَهم منه و يُقاس عليه و لا يُنَزّل على الحوادث بحَرْفه و يقولون أنه قديمٌ أزليٌ مسطورٌ في اللوح المحفوظ من قبل أن نوجد، فلي أن أسأل هل اختار الله أن يُشرّع هتك الطفولة في رسالته الأخيرة إلى أهل الأرض التي كتبها و حفظها عنده من قبل أن يخلقهم؟! الثالثة: إحراق نشطاء حركة "إيرا" المناهضة للرِقّ في موريتانيا أمهات كتب الفقه المالكي، التي تعتبرها الموالاة و المعارضة هناك "ثمرة القرآن و السنة" و المساسَ بها مساساً بـ "قيم المجتمع و هويته"، و هي الكتب التي تميز بين الحر و العبد في حق الحياة، فتعفي السيد من أي عقوبة إذا قتل عبده عمداً أو خطأ، و إذا قتل عبدَ غيرِه لا تُلزمه إلا بدفع "قيمة" العبد لسيده الذي خسره، هذا ما فهمه واضعو هذه الكتب من الآية 178 بسورة البقرة: "كتب عليكم القصاص الحر بالحر و العبد بالعبد"، و قد بان من النقاش المرافق لهذه الحادثة أنّ النص المؤسس للدين -ما لم يُؤول تأويلاً إنسانياً- لا يُمكن الاستناد إليه في معركة لتحرير العبيد لأنه يبدو كأنه "ينظّم" العبودية، بل إنّ المتقيدين بحرف النص يَعِدون أنفسهم إن عاد "الجهاد" أن يعود "السبي" و "التسرّي" بنساء العدو و "النخاسة"، و للشيخ أبي إسحاق الحويني كلام شهير في هذا، و هو ما تجاوزه إنسان زمننا إلى ما هو أشرف و أرحم. لكنّ الأمر يتعدّى الوقعات الثلاثة تلك إلى قضايا أكبر، إنه لا شيء يدعو جيلي إلى الثقة باختيارات مجتمعه و الرضا بمُسلّماته، لقد آل أهل بلادنا إلى فشلٍ مذلّ و فقرٍ فاضح، ثم هم يُمنّون أنفسهم إذا عادوا لماضيهم أن يَعزّوا، بينما يجاورهم على الأرض بشرٌ يباشرون عالمهم و ينتفعون بمستودعات الحكمة و الفوائد التي جعلها الله فيه فعزّوا عزاً حقيقياً لا وهم فيه. أضف لهذا هؤلاء الذين عينوا أنفسهم "حراس العقيدة" و "حملة لواء الدين" و يظنون أنهم في مهمة مقدسة و أنهم أولى بالبلد و أقرب للرب و أفضل من الناس، ثم هم يكذبون و يُخلفون الوعد و يعقدون الصفقات التي نشك في براءتها و ينشرون الإشاعات التي توافق هواهم و يقدّسون قادتهم و يخوضون في أعراض من يخالفونهم الرأي و يرجئون العدالة الاجتماعية إذا تعارضت مع استتباب الأمر لهم، أهذا هو الدين؟! حسناً، ديني غير دينكم. إن الناس إذا دهَمَت حقائقُ جديدة معتقدَهم القديم تألموا حتى كادت نفوسهم تتلف، فإما أسقطوا الاعتقاد السابق، و إما أنكروا المعلومات الجديدة، أو أوّلوها ليمكن حشرها في أدمغتهم جوارَ القديم الذي لا يشبهها، أو بحثوا عمن يقنعهم بسلامة المعتقد الأول، أو (و هذه الاستجابة الأعجب) اشتركوا في إقناع آخرين أنه ليس ثمة تناقض. لكنني اخترت الأكثر استقامةً و تمهلاً من السلوك إزاء هذه الأزمة: أن أجمّد العقيدة القديمة دون إسقاطها، و أدخلَ في طوْر تأمّل في القديم و المستجد، فلا جزم بالأول و لا بالثاني، و لا قناعات نهائية، و أترك فكري للتطور الحرّ، و كل الأديان و الفلسفات عندي محل نظر، و الله المستعان إن كثيرين من الشباب اختاروا قبلي ما أختاره اليوم، بعضهم قرنه بأنواعٍ من السلوك المنفلت طمعاً في أكبر قدر من الإزعاج لمجتمعهم البائس الذي يحاصرهم، و أكثرهم كتموا الخبر خوفاً من "مندوبي الإله" و "وكلائه الحصريين" الذين يملأون البلد، و بعضهم لا يعرف أنه إلى هذا الحال صار دون قرار. الرسالة التي يبعثها جيلي لمن غلبوا على أمر هذا البلد: "نقّوا الدين من الفظاعات الفقهية، و نزّهوه عن التسخير السياسي، و إلا فإننا نرفضكم و ما تؤمنون به جملةً"
#اسامة_درة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|