|
ثلاثون مليون محلل سياسي
مفيد بدر عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 3895 - 2012 / 10 / 29 - 08:12
المحور:
المجتمع المدني
ثلاثون مليون محلل سياسي مفيد بدرعبدالله يجد الكثيرون في الكلام متنفسا وترويحا عما تحمله القلوب من هموم ، فبعدما تمتلئ تفيض بما يزيد على اللسان ويصل الهم بالبعض حد ان يحاكي نفسه ( يدردم ) ، ففي الآونة الأخيرة بدأت الأحاديث السياسية تطغى على أحاديث الشارع لأنها صارت الهم الأكبر, فمنذ التغيير عام 2003 والى يومنا هذا ، والجدل السياسي أصبح سمة من سمات رواد المقاهي وتجمعات الإعراس و سرادق العزاء ، بل وحتى في ( مساطر العمال ) وطوابير الباحثين عن العمل من العاطلين ، الكثير منهم يحاول تعميم ما يرى منطلقا من معتقداته ورؤيته ، فما يراه هو الصواب ، فيشغله الآخرين أكثر من نفسه ويتحدث واثقا وكأنه نبي مرسل فيجلجل بصوت هادر وكانه وحده من ولد قبل أن تولد الحياة وعرف كل أسرارها وخفاياها ، ولا يعترف في قرارة نفسه بان الكون أوسع ما يكون وهو ينظر أليه من ثقب الإبرة . جلست مع أصدقاء لي في احد الأيام على الانترنت نتسلى بالمحادثة على ( الماسنجر) وكأي مجلس لا يخلو من التحليل السياسي واستقراء المستقبل ، وما كان يزيد حديثنا حدة ظهور عبارات على نافذة ( الدردشة ) بعضها دينيه وأخرى سياسية فنصدر تعليقاتنا منطلقين من انتماءاتنا وخلفياتنا المتوارثة ، تعليقات تعكر صفو تسليتنا فيتصاعد نقاشنا وتزمتنا وكأننا في معركة ولسنا أبناء بلد واحد وشعب يربطه مصير واحد ، ولكن ثمة مفاجئة ظهرت على نافذة ( الدردشة ) حسمت المسألة وأعادتنا إلى صوابنا وكأنها صفعة قوية أفاقتنا مما نحن فيه من غيبوبة ولم نختلف في ردنا عليها ، كانت ( شتيمة من شخص تافه تمس كل العراقيين ) فصرخنا جميعا ولا إراديا خسئت ورغم اختلافنا في ردود الأفعال ولكن الهدف كان واحد ، فذهب احدنا بالرد على هذا التافه بطباعة ما يستحقه ، والآخر صرخ من مكانه بعبارات مستنكرا الفعلة المشينة فيما هم ثالثنا بضرب الحاسوب فلم يطيق رؤية مثل هذه العبارة على الشاشة ، ورغم تفاوت ردود أفعالنا ولكنها كانت أشارات بوضوح لحبنا العظيم للعراق ولم نفكر في تلك اللحظة بانتمائنا سوى لبلدنا متناسين إي شيء آخر لأنها الحقيقة الوحيدة الساطعة سطوع الشمس والتي لا تحجبها الغرابيل المزيفة ، وما أن هدئنا حتى صرنا نلعن فرقتنا وفلسفاتنا التي جعلتنا مقطعين لفتات ، وجعلت من البلدان الأخرى لا تقيم لنا وزنا يعادل وزننا الحقيقي . فليس كحب العراقيون لعراقهم حبا ، حب أحسه المغتربون فافقدهم طعم الزاد هناك وضل يكبر مع الأيام حنينهم لنخيل العراق ولشط العرب ملتقى العشيقين دجلة والفرات ، فما أشبه أحساس الغريب باليتيم ، أحس هذا وانأ في العراق كلما اتصل بي صديقي احمد من استراليا الذي غادر العراق ولم يغادر قلبه ، ببكائه وحنينه لكل ما في العراق رغم أن مغادرته كان حلما راوده لسنين طويلة ، فابكي لبكائه وهو يستذكر معي شوارع العشار وسوق المغايز فيشتاق ( لسمبوسة ) ابو عباس وهو في مدينة ( ادلايت ) الاسترالية ولعصير البطيخ والرمان في ساحة أم البروم صيفا ولطعم البلبي والشلغم في الشتاء ولم تنسه مذاقها كل ما تذوق في تلك البلاد البعيدة ويستذكر معي كيف كانت كل بيوت قريتهم هي بيته وابنة الجيران كإحدى أخواته ، فيبكيني كلامه عندما يقول كنت اعيش في العراق والان العراق هو من يعيش في داخلي فيثير كلامه تساؤلا بداخلي وهو مادمنا كذلك فلما التباعد بيننا ونحن من تشاركنا أفراح العراق وأحزانه واكتوينا بنيران حروبه وجعنا حصاره أم أن العراق الفسيح ضاق ولا يتسع ألا لفئة دون أخرى فتنتقل عدوى الخلافات من قاعات اجتماعات السياسيين إلى المقاهي والشوارع ، ويردد البعض منا مثل الببغاوات أقاويل السياسيين متناسيا بان السياسة متغيرة وتعتمد المصالح في إطار فن الممكن فلا خصام دائم ولا صداقة دائمة ولهم غرفهم المغلقة التي لا نعرف عنها شيء وما يجرفنا العواطف الجياشة لنتخندق بخنادقهم ونردد عباراتهم في المقاهي رغم أن البطالة والهروب من انقطاع التيار الكهربائي هي التي أتت بالبعض للمقاهي ، فنكون ودونما ندري ناطقين عن الكتل والأحزاب ، هل يحتاج من يتحدث بفئوية أن يشاهد ما شاهدناه على الماسنجر ليعرف بأننا على مركب واحد وان شتيمة التافه تمسنا جميعا كوننا نسكن العراق والذي لنا الشرف الكبير أن نكون من أبنائه ، فهو مهد الحضارات ومن علم العالم الكتابة وتشرفت أرضه بمراقد الانبياء وآل بيت النبوة الأطهار ، ألا يكفينا هذا لئن نكون شعب متحابين وان اختلفنا في الرؤى والتوجهات ، أن لم ندرك هذه الحقيقة ونتكاتف فيما بيننا فسيأتي اليوم الذي تتطاول علينا بلدان بحجم إحدى محافظاتنا الثماني عشر ولن تنفعنا فلسفاتنا الفئوية والتي ستزيد شيئا فشيئا من محللينا السياسيين ليصلوالثلاثين.مليون
#مفيد_بدر_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جاسمية وهيلري كلنتن
المزيد.....
-
أزمة الجوع والتجويع الإسرائيلي الممنهج تتفاقم في غزة وبرنامج
...
-
بين لهيب الحرب وصقيع الشتاء.. الجزيرة نت ترصد مآسي خيام النا
...
-
في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع
...
-
سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون
...
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|