حمدى السعيد سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3891 - 2012 / 10 / 25 - 17:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مشكلة الحدود بين الشعوب , ومشكلة الحدود بين الاشخاص , مشكلة قديمة عمرها هو عمر الحرية والملكيات الخاصة ... فعندما تقول لشخص ما : هذا لى . وهذا لك , فانت تعنى : تلك حدودى , وهذه حدودك ... او بمعنى آخر عندما تنتهى حدودى تبدأ حدودك .... لذلك فى الاعراف السياسية والقانونية , القانون هو تنظيم لهذه الحدود , لان القانون هو الحق الذى تسانده القوة ومتى كانت هناك قوى طامح كان هناك اعتداء على حدود الآخرين او على حقوقهم ... لذلك اذا وقع العدوان والاعتداء نوقشت قضية ( الحدود ) بين الناس او بين الدول والشعوب ....
الجدير بالذكر ان الصورة الساذجة للحدود والأمن فى العصور القديمة هى عندما تحاط المدينة او الدولة بسور ضخم عظيم ... وكانت الدول المعادية تقف امام هذا السور تريد تحطيمه عن طريق رشقه بالحجارة او النيران او تضع سلالم على السور لتسلقه وفتح ابواب او حدود المدينة او الدولة ... ووراء هذه الاسوار كان الاغنياء الاقوياء يحيطون قصورهم او قلاعهم بالمياه ويمدون عليها جسورا فاذا حدث عدوان فانهم يرفعون هذه الجسور , وبذلك يصبح القصر او القلعة جزيرة وسط بحر من الماء او الامان ... تلك هى الحدود قديما ..... الى ان اصبحت الحدود ألوانا .. اسود وابيض واصفر الى جانب حدود لغوية , مع قيام الدول المستقلة الحديثة والمتمردة على التبعية وعلى الاحلاف والتكتلات السياسية والاقتصادية تغيرت الحدود وتعدلت وتبدلت ....
لذلك كان لابد من اعادة رسم الحدود او اعادة تثبيتها او الاتفاق والمساومة عليها ...لذلك اللعبة الجديدة فى افريقيا هى الحدود , وعلى الحدود تقف الدول الكبرى تلعب بالنار .... حيث تبيع احدث انواع النيران للشعوب النامية حيث تقف امريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا تبيع النيران بيد , وباليد الاخرى تقوم بدور رجل الاطفاء . فى الماضى كانت الحدود آمنه , لكن بعد ان ابتدع الانسان المدافع والاسلحة والصواريخ والطائرات سقطت الاسوار والقلاع والتحصينات ايضا ... حرب اكتوبر اسقطت الحدود الآمنة , فلم تكن قناة السويس مانعا او عائقا صعبا مستحيلا , ولا السواتر الرملية ولا خط بارليف , ولا خط فردان على الحدود الفنلندية مع الاتحاد السوفيتى , ولا خط ماجينو الفرنسى على الحدود الالمانية , ولا خط ميربت الذى اقامه الالمان فى شمال افريقيا , ولا خط سيجفريد الذى اقامه الالمان على امتداد حدودهم مع فرنسا فى الحرب العالمية الثانية ... فدروس التاريخ تقول : الخطوط الدفاعية لاتنجح فى وقف المهاجمين ابدا ...فقد اجتازتها جميعا الصواريخ والطائرات والدبابات وظهرت حدود عائمة متحركة : هى حاملات الطائرات الامريكية والروسية التى تعتبر اجزاءا من امريكا وروسيا او حدودا للدولتين تسبح بالنيران فوق الماء .... وبذلك لم تعد هناك حدودا فى مأمن من ضربها او العدوان عليها لاى سبب ... لذلك اذا نظرنا الى مشاكلنا مع اسرائيل او حتى مشاكل الدول العربية بعضها مع بعض لوجدنا الحدود عائمة مائعة ...
فاسرائيل هى الدولة الوحيدة التى لم تنشر خريطة رسمية لانها مازال بداخلها مجانين يطالبون باسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات .... الجدير بالذكر ان (سليمان خاطر ) هذا الجندى المصرى البطل الذى كان فى الامن المركزى يحرس على الحدود المصرية مع اسرائيل فى نقطة تسمى (رأس برقة) على هضبة عالية , رأى وفدا اسرائيليا مكونا من 12 فردا يصعد الهضبة متوجها اليه فقال لهم باللغة العربية (قفوا) (ممنوع المرور) وبالانجليزية - مؤهله الدراسى ثانوية عامة , ومنتسب لكلية الحقوق بالزقازيق - (stop) ( no passing) ولكنهم واصلوا الصعود اليه فاطلق طلقات تحذيرية فى الهواء , ولكنهم لم يهتموا وواصلوا الصعود اليه , فاطلق عليهم النيران وقتلهم جميعا ... لانهم جاءوا لاقتحام الهضبة او قتله .. وتمت محاكمة سليمان خاطر عسكريا ... وفى المحكمة قال سليمان خاطر ( انا لا اخشى الموت ولا ارهبه .. انه قضاء الله وقدره , ولكنى اخشى ان يكون بالحكم الذى سوف يصدر ضدى اثار سيئة على زملائى تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم ) ... وصدر الحكم عليه فى 28- 12-1985 بالاشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاما ... وفى 11-1-1986 اعلنت الاذاعة ونشرت الصحف خبر انتحار الجندى - سليمان خاطر فى ظروف غامضة , فى الوقت الذى شكك فيه كل من عرفوا سليمان خاطر فى رواية انتحاره !!! ان مشكلة الحدود واثارة مشاكلها هى لعبة قديمة قدم الطغيان والظلم ... وسوف تتجدد بكل اشكالها القديمة وباحدث الاسلحة واغلى الاسعار فى قارتنا افريقيا والشرق الاوسط حول قناة السويس وحول آبار البترول , فالحدود هى مشكلة كل العصور...
بعد ان دخلت قوات إسرائيلية مزودة بدبابات "ميركافا" إلى المنطقة (د) أو (D) الملاصقة للحدود مع مصر وذلك بدعوى الاستعداد لمواجهة تطورات أمنية خطيرة بعد الإعلان عن وقوع عمليات تفجيرية داخل إسرئيل على يد مجموعة مسلحة قدمت من شبه جزيرة سيناء.... وحسب الملحق الأمني لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تم توقيعها في 26 مارس 1979، تم تحديد أربع مناطق، ثلاث في سيناء والرابعة داخل إسرائيل. في سيناء هناك المناطق (أ) و(ب) و(ج)، والرابعة في إسرائيل وهي المنطقة (د)، ما يهمنا هنا هو أن المنطقة (ج) أو (C) وهي المنطقة القريبة من الحدود مع إسرائيل وتمتد لمسافة تزيد على 200 كيلومتر، ويبلغ عرضها في بعض المناطق حوالي 32 كيلومتر، هذه المنطقة لا توجد بها قوات مسلحة ولا أسلحة ثقيلة ولا حتى خفيفة، فقط عناصر من الشرطة مزودة بأسلحة شخصية، ورغم أن هذه المنطقة تعد من مناطق تهريب البشر والسلاح والمخدرات، كما أنها تطل على منطقة بحرية يسهل التهريب من خلالها، فإن إسرائيل تمسكت بما ورد في نصوص الملحق الأمني لمعاهدة السلام ورفضت أكثر من مرة مطالب مصرية بتعديل هذا البند. وعندما تدهورت الأوضاع الأمنية في المنطقة بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وافقت إسرائيل على استبدال عناصر الشرطة البالغ عددهم 450 فرد بـ750 فرد من حرس الحدود، وهو عدد محدود للغاية لا يمكن أن يضبط حدود بين مصر وقطاع غزة يبلغ طولها 14 كيلومتر...
مما لاشك فيه ان إسرائيل حرصت على عرقلة جهود مصر في ضبط حدودها، ورفضت كل المطالب المصرية بزيادة القوات أو إمدادها بنوعيات من السلاح تساعد هذه القوات على ضبط الحدود، مواجهة المهربين والتصدي لمحاولات التهريب عبر الإنفاق والحدود الممتدة..... هذا بينما يبلغ عمق المنطقة (د) داخل إسرائيل، 2.5 كيلو متر فقط، وهي منطقة مسموح لإسرائيل فيها بنشر نوعيات من السلاح الخفيف، لكنها ليست منطقة منزوعة السلاح كما هو حال المنطقة (ج) في شبه جزيرة سيناء....لقد استغلت إسرائيل إضطراب الأوضاع الداخلية منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير وتصاعد عمليات التهريب عبر الحدود لتُقدِم على خطوتين: الأولى هي بناء جدار على طول الحدود مع شبه جزيرة سيناء، والثانية الدفع بقوات وأسلحة ثقيلة إلى المنطقة (د) الملاصقة للحدود مع شبه جزيرة سيناء.... لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل حاولت إسرائيل توظيف بعض العمليات النوعية التي تتعرض لها من جانب مسلحين يتسللون على الدوام من قطاع غزة، للترويج بأن التسلل جاء من سيناء، وأن مصر تفقد سيطرتها التدريجية على شبه الجزيرة، وأن سيناء باتت معقلا للمتشددين، بل أنها أعلنت أكثر من مرة أن مناطق عديدة من سيناء في قبضة تنظيم القاعدة. واستغلت إسرائيل هجمات تعرضت لها قبل يومين على يد مجموعة رجحت مصادر عديدة أنها تسللت من القطاع، لتدفع بأسلحة ثقيلة وقوات إضافية صوب الحدود مع سيناء استعدادا لعمل عسكري قد يطول قطاع غزة وقد ترى أنه يتطلب دخول سيناء....القضية هنا لن تتوقف عند حدود ما تدعيه من ملاحقة عناصر مسلحة، بل قد يعيد إنتاج أفكار، بل أحلام إسرائيلية بالسيطرة مجددا على شبه جزيرة سيناء، فهناك خطة إسرائيلية قديمة ترى في سيناء حلما كبيرا له أبعاد تاريخية ودينية، وترى فيه أيضا حلا جذريا للمشكلة الفلسطينية، فسيناء في عيون صناع القرار الإسرائيلي منجم إستراتيجي !!! لقد مات بيجين مكتئبا بعد أن وقع على معاهدة السلام التي أقرت الإنسحاب منها، وسبق لوزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه ديان أن قال إن شرم الشيخ وحدها أهم من معاهدة سلام مع مصر ...
ما تسعى إليه حماس وإسرائيل هو تخصيص بعض المناطق غرب الحدود كإمتداد للدولة الفلسطينية بعمق 60% من الأراضى المصرية غرب الحدود الدولية فى سيناء ، فما يجرى الأن على البوابة الشرقية لمصر وبالتحديد قرب الحدود المصرية بين حماس وإسرائيل هو سيناريو مدروس ومعد منذ عام 2008 فالاحداث التى جرت ..... حيث قام مواطنين من قطاع غزة بمظاهرات على الحدود المصرية رافعين لافتات "سلمية .. سلمية" مع رفع علم حماس وتم الدفع بالنساء فى المقدمة مع وجود بعض المحرضين من الشخصيات الرئيسة الحمساوية والذين يمثلون قادة الرأى المؤثرين فى الغالبية العظمى ، تلا ذلك التصعيد المتدرج لأعمال الشغب وهدم السور على الحدود بإستخدام البلدوزر بدلا من الدخول عن طريق المنافذ الرسمية مع تشغيل مكبرات الصوت وأعقب ذلك تصعيد حاد فى أعمال العنف حيث قذف بعض الفلسطينيين الحجارة فى وجه عناصر الأمن المصرى وهو يهدف إلى عكس رغبة "حماس – إسرائيل" فى عدم وضع أى قيود على عبور الفلسطينيين من وإلى غزة عبر معبر قانونى بل يريدونها سداح مداح ودون أى ضوابط أمنية ..... على الجانب الأخر تحاول إسرائيل تعميق الإتجاه الذى يؤكد عدم قدرة مصر على تأمين خط الحدود الدولية بما يتيح لإسرائيل فرض الحلول التى تخدم أهدافها الرامية إلى ترسيخ الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية ، هذا بجانب تحريض سكان قطاع غزة والضفة الغربية للذين يرغبون فى الهجرة داخل مصر أو عبر الحدود المصرية لدول أخرى .. وبذلك تتحقق الخطة الإسرائيلية المعروفة بـ "الترا سيفر" أى التهجير والتى تقتضى بإقتطاع جزء من سيناء كإمتداد لقطاع غزة لتكون دولة فلسطينية ، هذا بجانب تصاعد إفتعال الأزمات مع "بدو سيناء المصريين" .. هذا عن خطة حماس وإسرائيل ..
والأن يحدث لغط فكرى تمهيدى يقول بعدم قدرة الجيش المصرى عن حماية حدوده ..... وهو ما يدعو إلى تدخل القوات الإسرائيلية لحماية حدودها ..... فقد تم الإعتداء على جنودنا وإستشهد 16 جندى بأيدى منظمات جهادية حمساوية .... من داخل قطاع غزة ..... وعندما صرح المشير بأن هناك دفع من قطاع غزة لضرب الحدود المصرية ..... أقاله الرئيس الحالى لمصر "مرسى العياط" المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين .... وبعد أن كان الجيش المصرى متقدما للإطاحة بكل الإرهابيين فى جبال سيناء والأوكار المختبئين بها ..... صدرت أوامر من مكتب الرئاسة بوقف تقدم القوات المسلحة ومحاولة التفاهم مع بدو سيناء ووقف نزيف الدم ..... وعادت الجماعات الجهادية ليقتحموا مبنى شرطة رفح ويقتلوا جنود مصريين ويصيبوا أخرين ....هذا الوضع السيئ مستمر على الحدود المصرية ، وداخل سيناء ..... ثم بعد أن بدأت القوات المصرية فى هدم الأنفاق عادت وتوقفت وتراجعت ، رغم وجود أكثر من 1200 نفق .... أما ما يثير الدهشة فحتى الأن ترفض حماس تسليم الإرهابيين أو الإعلان عن أسماء المتورطين فى قتل الضباط والجنود المصريين ..... كما أن حماس إشترطت لهدم الأنفاق أن يظل معبر رفح مفتوحا دون غلق ....
فأين هى السيادة المصرية يا مرسى ؟!.. وأين الجيش المصرى من كل ما يحدث ؟!.... لذلك احذر أنه فى القريب العاجل ستحتل سيناء بالكامل ، وسيستوطن الشعب الغزاوى فى منطقة سيناء !!!.. ولا عزاء لدماء الشهداء الذين حرروا هذه الأرض ، وسفكت دماءهم فى هذه الرمال منذ نكسة 1967 حتى نصر 1973 التمثيلى .... ويجب ان يعلم الجميع ان هناك خطة لإلهاء الجميع بما يحدث فى التحرير من مليونيات كل يوم جمعة .... إلى إندلاع الفوضى ونصب الخيام .... فى الوقت الذى كان يتم فيه تسريب الأسلحة والصواريخ المضادة للطائرات ومدافع الهاون إلى سيناء ... إنتظارا للحظة التى تتم فيها أخونة الدولة .... ولم ننتظر على ما كتبناه كثيرا .. والأن إعترف الجميع إنه تم السيطرة من قبل جماعات إرهابية وتنظيمات جهادية ..... أعلنت عن نفسها من داخل سيناء أنها تنتمى لتنظيم القاعدة ، وها هو الجيش المصرى الذى ظل يتراخى فى مواجهة الفوضى منذ 25 يناير وحتى الأن .. ليجد نفسه فجأة أمام جماعات طالبان ، وعصابات أفغانستان ..... وهذا السيناريو الذى حذرنا منه نعيد تذكير الشعب به .. ولكن بعد فوات الأوان فهل تنتبه القوى السياسية المصرية لما يجري على حدودنا؟..
#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟