|
الأرضية السياسية - للجبهة الشعبية - واللّهث وراء سراب - الثّورة -
الأسعد سائحي
الحوار المتمدن-العدد: 3891 - 2012 / 10 / 25 - 08:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
لقد أصدرت " الجبهة الشعبية " بتاريخ 07 أكتوبر 2012 وثيقة تحت عنوان الجبهة الشّعبية – الأرضية السّياسية ، ممضية من مختلف مكوّناتها الّتي التقت حولها طارحة جملة من التّصوّارات والحلول للوضع الرّاهن الّذي تعيشه تونس . ولفهم ما تطرحه الأرضية ، يجب وضع الإطار العام لتكوين " الجبهة الشّعبية " الّذي يتميّز فيه الوضع العام بالبلاد بحالة من الاحتقان الشّعبي في مختلف أنحائها والنّاتج عن الوضع الاقتصادي المتردّي وإفرازاته الاجتماعية والسّياسية الوخيمة على طبقاته الفقيرة والمهمّشة ، هذا الوضع الّذي تميّز بمواصلة نفس الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسّياسية لنظام العمالة الّذي وقع ترميمه بواسطة الانتخابات المهزلة بتاريخ 23 أكتوبر 2011 والّتي أفرزت قوى سياسية موغلة في العمالة والرّجعية دأبت منذ تولّيها السّلطة على تأبيد السّائد ضاربة عرض الحائط تطلّعات الجماهير الشّعبية في التّحرّر الوطني والانعتاق الاجتماعي في ظلّ أزمة اقتصادية كبيرة تعيشها الامبريالية العالمية أثّرت بشكل ملفت للإنتباه على الأوضاع في المستعمرات وأشباه المستعمرات ومن بينها تونس . وكان نصيب هذه الشّعوب مواصلة دفعها للفاتورة الباهظة لهذه الأزمة وانعكاساتها السّلبية عليها ممّا زادها مزيدا من الفقر، والتّهميش ، والتّبعية ، عن طريق الاستغلال الفاحش لثرواتها ومقدّراتها ، وهو ما أثّر على واقعها اليومي المتميّز بالاضطهاد والاستغلال الطّبقيين . ويدفع عمّال تونس وفلاّحيها الفقراء وكادحيها وموظّفيها ومُفقّريها ومُهمّشيها يوميّا فاتورة هذه الأزمة والخيارات اللاّوطنية واللاّديمقراطية واللاّشعبية للنّظام الرّجعي والعميل ممّا زاد في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ، فكثرت البطالة وتفشّت مظاهر الفقر والتّهميش والجريمة والفساد في كامل جهات البلاد ، وهو ما يُفسّر كثرة الاحتجاجات والاضرابات والاعتصامات على اختلافها ، والمطالبة بالحرّية والتّنمية والتّشغيل والعدالة الاجتماعية والمساواة ... مُعبّرة عن رفضها القطعي لخيارات نظام العمالة في ثوبه الجديد . هذا النّظام الرّجعي العميل الّذي يعيش بدروه أزمة خانقة على مستوى الهيكلة والتّسيير والتّموقع زيادة على ما يشهده من تناقضات بين مكوّناته ، والّذي يتميّز بصفة المؤقّت قانونيا حسب ما يضبطه القانون المؤقّت للسّلط العمومية الّذي أقرّه المجلس التّدليسي بعد الانتخابات المهزلة ، والّذي يتخبّط في ظلّ هذه الأزمة ويُحاول جاهدا طمسها بأيّ وسيلة وبأي طريقة مُمكنة خوفا على مصالحه وعلى مُستقبله ، ويحاول جاهدا العمل على وضع مُغاير فيما يتعلّق بالعلاقة بين طبقاته الحاكمة ببعضها لترتيب الوضع السّياسي بينها من موقعه حسب ما يفرضه وضعه الدّاخلي وعلاقاته الخارجية من إمكانيات تكفل له تجاوز أزمة الحكم المُهدّدة من الطّبقات الشّعبية المُنتفضة ضد خياراته خاصّة وأنّه يعيش حالة من الإرباك وانعدام التّوازن بين مختلف الطّبقات المُشكّلة له ، ويتترجم ذلك من خلال حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسّياسي وحالة الانفلات الأمني الّتي تشهدها البلاد وعدم قدرتها على السّيطرة على مختلف دواليب الدّولة بشكل عام . هذه الطّبقات بمختلف مصالحها الّتي تحاول اخفاء صراعاتها وتناقضاتها وتعمل بكلّ ما في وسعها وما أوتيت من إمكانيات أن تُبلور رؤيتها السّياسية - خاصّة وأنّها جاءت للسّلطة بعد " ثورة " كما تقول – لتهيمن على القرار السّياسي في الحاضر وتُمهّد للظّفر به مُستقبلا من خلال تعبيراتها السّياسية الخاصّة بها ، ويتجلّى ذلك في المحاولات العديدة والمتنوّعة لطمأنة الرّأي العام الدّاخلي والخارجي من خلال بعض الاجراءات أو القرارات السّياسية والاقتصادية والاجتماعية الّتي تتنزّل في إطار الاستهلاك لا غير ، ولأجل ذلك يسعى الائتلاف الطّبقي في خطى حثيثة للتّمركز في أجهزة السّلطة السّياسية والتّشريعية والتّنفيذية وغيرهما للسّيطرة على مواقع القرار السّياسي والانفراد به وتطويع مختلف أجهزة الدّولة لخدمته . واعتبارا أنّ الأرضية السّياسية للجبهة الشّعبية الّتي تتشكّل من أطراف سياسية مختلفة المشارب الايديولوجية والفكرية والسّياسية التقت حولها والتّي " تُشكّل الحد الأدنى السّياسي والوطني " " من أجل تحقيق أهداف الثّورة والعمل على إنجاحها " ، فإنّه حري بنا أن نضع نقاط هذه الأرضية موضع نظر وتمحيص لما يشوبها من تناقضات واخلالات ، وتوصيف هُلامي للواقع في القطر بأبعاده المُتعدّدة . 1) لئن حاول أصحاب الأرضية توصيف الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسّياسي الّذي تعيشه تونس من خلال المقدّمة الطّويلة الّتي استأثرت بالنّصيب الأكبر في الأرضية ، فقد وقع التّطرّق فيها لما عاناه الشّعب التّونسي من نظام الاستبداد بداية من انقضاض حزب الدّستور " بنسخه المختلفة " على السّلطة بداية من 1956 إلى 14 جانفي 2011 يوم هروب رأس نظام العمالة ، وما عاناه الشّعب التّونسي من اضطهاد واستغلال وقمع تحت سلطة هذا النّظام الدكتاتوري طيلة هذه الفترة ، وما قدّمه من نضالات وتضحيات جسام في سبيل تحرّره وانعتاقه على المتوى القطري والقومي ، " وقد أدّى تراكم هذه النّضالات إلى ثورة عارمة انطلقت شرارتها الأولى في 17 ديسمبر 2010 بسيدي بوزيد ... " ... وقد رفع فيها الشّعب الثّائر شعارات مُنادية " باسقاط نظام الاستبداد والاستغلال الفاحش والعمالة ... " وطالب فيها " بالحرّية والمساواة والكرامة والتّشغيل والعدالة الاجتماعية ... " الّتي تُمثّل حُلمه " ... في مُختلف مراحل تاريخه النّضالي " . وما يُمكن ملاحظته من خلال مُقدّمة الأرضية السّياسية للجبهة على اختلاف مكوّناتها وتناقضاتها نست أو تناست عمدا الإشارة إلى فترة الاستعمار المُباشر ممّا يُحيلنا للتّذكير باتفاقية 20 مارس 1956 ومقولة " الاستقلال " سيّئة الذّكر والّتي بموجبها دخلت تونس فترة الاستعمار الغير مُباشر ، وعلى ضوئها كانت الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسّياسية للإتلاف الطّبقي الحاكم منذ 1956 إلى الآن والّتي بموجبها ارتهنت تونس للخارج وكانت سببا رئيسيا ومُباشرا في ما عاناه الشّعب التّونسي من قهر وظلم واستبداد بمختلف أشكاله وألوانه . وقد اكتفت الأرضية في مُقدّمتها بالانطلاق في تذكيرنا ببداية حكم بورقيبة الاستبدادي بقيادة حزب الدّستور دون الإشارة من قريب أو من بعيد لفترة الاستعمار المُباشر على أيدي الفرنسيين ومُخلّفاته الخطيرة على الشّعب التّونسي ، واكتفت بوصف النّظام التّونسي بالاستبدادي والبوليسي واللاّوطني واللاّشعبي وبرهنه لاقتصاد البلاد وثرواتها " ... لفائدة الدّوائر الاستعمارية والرّأسماليين المحلّيين السّائرين في ركابها. " . وعملية طمس الفترة الاستعمارية المُباشرة على أهمّيتها وما ترتّب عنها من اتّفاقية 20 مارس 1956 الّتي تُنعت بتاريخ " استقلال تونس " تُحيلنا إلى طبيعة التّركيبة السّياسية لمعظم مكوّنات الجبهة الّتي تؤمن باستقلال تونس الوطني عن الاستعمار الفرنسي سواء سنة 1956 أو بعد " ثورة 14 جانفي " لدى بعض الأطراف ، وقد تترجم هذا الموقف فعليا أثناء مُداخلة بعض الأطراف السّياسية المكوّنة للجبهة يوم الأحد 07 أكتوبر 2012 من خلال الإشارة والتّأكيد على تحصين استقلال تونس وحمايته ( حركة الديمقراطيين الاشتراكيين على سبيل المثال ). ومن هذا المُنطلق يُمكن فهم الإطار العام للأرضية الّتي تُحاول من خلال عملية لمّ الشّمل لكلّ الأطياف عدم انسجام مكوّناتها على مستوى المفاهيم والقراءات للواقع في تونس – خاصّة وأنّهم قضوا فترة طويلة في النّقاشات حولها – وتحت شعار " الحدّ الأدنى السّياسي والوطني " تضيع البوصلة وتتوه السّفينة ويختلط الحابل بالنّابل كما يُقال وهذا طبيعي جدا ولا نستغربه نظرا لطبيعة المكوّنات الّتي تتسم أغلبها بنظرتها الاصلاحية والانتهازية وقد كان البعض منها متواجدا (ومُمثّلا للشّعب ديمقراطيا) في برلمان بن علي ، إضافة إلى سعي البعض منها على الظّفر بتأشيرة العمل القانوني وفق قانون الأحزاب لبن علي ( حزب تونس الخضراء على سبيل المثال ) . 2) ما يُمكن استنتاجه أنّ مُكوّنات الجبهة التقت علىاعتبار أنّ تراكم النّضالات الشّعبية من 1956 إلى 14 جانفي أدّى إلى " ثورة عارمة " كانت أهمّ شعاراتها " إسقاط نظام الاستبداد والاستغلال الفاحش والعمالة ... " . وهذا ما يدعونا للتّساؤل من جديد هل أنّ الّذي حدث في تونس ثورة أم انتفاضة ؟ فكيف لنا من خلال سياق الأرضية أن نفهم ونستوعب أنّ الّذي حدث هو بالفعل " ثورة " لكنّها لم تكتمل ؟ ولعلّنا بالرّجوع قليلا إلى الوراء وتحديدا إلى تاريخ مكوّنات " الجبهة الشّعبية " القريب جدا ، نجد أغلبها قد التقت سابقا في " جبهة 14 جانفي " الّتي لم تُعمّر طويلا حدّثتنا في أرضيتها ( بما في ذلك الحزب الوطني الاشتراكي الثوري الّذي كان كان يُمضي تحت اسم الوطنيون الديمقراطيون * الوطد * ) عن " الثّورة " ، وذلك بتكوين مجلس لحمايته – أي أغلبية مكوّنات الجبهة – في ما اصطلح على تسميته بـ " المجلس الوطني لحماية الثّورة " الّتي كانت حركة النهضة الرّجعية والعميلة أحد مكوّناته ، هذا المجلس الّذي كوّنه " الثّوريون " لحماية " الثورة " والّذي طالبوا من خلاله من بنك احتياط نظام العمالة الرّئيس المؤقت آنذاك فؤاد المبزع بسلطة تقريرية على المجالات الحيوية للنّظام ( خوفا من حالة الفراغ كما روّجوا لذلك ) بإسناد مادي ومعنوي من البيروقراطية النقابية ، وقد كان ذلك باسم " الثّورة " وتحت عنوان واحد لا غير هو " الثّورة " ؟! وعلى ما أظنّ أنّ مكوّنات " الجبهة الشّعبية " لم تتّعظ بعد من هذا الخطاب الدّيماغوجي في حقّ الشّعب التّونسي الّذي وقع تمويهه ومُراوغته والاحتيال والتّآمر عليه باسم " الثّورة " حتّى وقع في فخّ الانتخابات المهزلة بتاريخ 23 أكتوبر 2011 الّتي قبرت انتفاضته وحوّلت حُلمه في التّحرّر الوطني والانتعتاق الاجتماعي إلى صندوق اقتراع موبوء صُنع في الخارج باتقان شديد ليُخرج من طيّاته أكثر الأطراف السّياسية عمالة ورجعية تتشدّق هي أيضا بـ " الثّورة " وتحكمنا باسمها ، وتغتال أحلامه وتطلّعاته باسم " الثّورة " ، وستُفعّل لاحقا في قادم الأيّام لتزيد في كبح جماحه قانونا تحت قُبّة المجلس التّدليسي – مجلس الشّرعية الانتخابية الزّائفة – يختصّ * بـالرّابطة الوطنية لحماية الثّورة * حتّى تتمكّن من نشر عسسها " الثّوري " في كلّ شبر من تُراب الوطن لتنصب المشانق لاحقا في كلّ مكان باسم " الثّورة " ، فعن أي " ثورة " تتحدّث الأرضية السّياسية " للجبهة الشّعبية " يا تُرى ؟! إنّها تتحدّث وتُنظّر لـ " ثورة " لم تقع إلاّ في أذهان مكوّناتها ، والواقع الملموس يُفنّد بقوّة مقولة " الثّورة " و " الثّوريين " ،خاصّة وأنّ أهمّ شعارات " الثّورة " كما تذكر الأرضية " إسقاط النّظام " ، فهل سقط النّظام الرّجعي والعميل في تونس أم لا ؟ بقراءة موضوعية بسيطة نفهم بأنّ نظام الرّجعية والعمالة لم يسقط بل وقع ترميمه عن طريق الانتخابات المهزلة ، وسُوّق في أذهان الشّعب الكريم الّذي لا يحتكم إلى وعي سياسي كبير على أنّ الّذي حدث " ثورة " أطاحت بالنّظام وعصابته الّتي وقع حصرها في عائلة الطرابلسية أصهار بن علي ومن دار في دائرتهم الضّيّقة ، وسُخّرت للغرض آلة إعلامية رهيبة في الدّاخل والخارج لتركيز وهم " الثورة " والحطّ من عزائم الشّعب المُنتفض وإقناعه بسقوط النّظام كلّف ذلك ما كلّف ، وقد لعبت الأطراف العميلة والاصلاحية والانتهازية دورا رياديّا في ذلك طمعا في نصيب من كعكة السّلطة ولو على حساب تطلّعات الجماهير المُنتفضة . لكنّ وتيرة وتطوّر الأحداث والوقائع ونضالات الجماهير الشّعبية الّتي لم تهدأ منذ 17 ديسمبر 2010 إلى الآن كشف المستور ورجع شعار " الشّعب يريد إسقاط النّظام " في صدارة الأحداث ممّا أدخل إرباكا كبيرا في صفوف الإئتلاف الطبقي الحاكم الرجعي والعميل في ثوبه الجديد وكلّ من سار في ركابه من الأطراف الاصلاحية والانتهازية ، ولعلّ قواعد " الجبهة الشّعبية " الّتي ردّدته طويلا وبحماسة داخل قصر المؤتمرات يوم 07/1/2012 وخارجه فيما بعد (مسيرة قفصة 14/10/2012 وقبلها في بوزيان والمكناسي وغيرهما) يعكس مدى عدم الانسجام مع القيادة الّتي قال بعضها تعليقا على هذا الشّعار بأنّ هناك انفلاتا في الشّعارات ، كما حاول قيادي حزب العمّال جيلاني الهمامي تعويمه في أحد البرامج التّلفزية (التّونسية) عندما سئل عنه ليقول بأنّه شعار رُفع سابقا وحديثا وصوّره كحالة انفعالية تعكس مزاج الجماهير وهي في حالة غضب شديد !! ولا نستغرب في ذلك باعتبار وأنّه لا يوجد في أجندته السّسياسية ، بينما الحقيقة تقول عكس ذلك تماما وتبيّن التّطوّر الحاصل في مستوى وعي الجماهير بقيمة شعار إسقاط النّظام وأحقيته لطبيعة المرحلة ، وبدون إسقاط النّظام لا يُمكن الحديث عن تغيير حقيقي في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسّياسية والثّقافية . فالثّورة هي أمل المُضطهدين والمحرومين والمقهورين والمُستغلّين ، أمل العمّال والفلاّحين الفقراء والموظّفين الصّغار والمُفقّرين والبطّالين والمُهمّشين الّذين لم يجنوا شيئا من وهم " الثّورة " الّذي عانقوه لمدّة . وحتّى نفهم لماذا تتشبّث الأطراف السّياسية المكوّنة " للجبهة الشّعبية " بالحديث عن " الثّورة " في أرضيتها السّياسية ، نجدها قد انتهجت نهجا براغماتيا خاطئا – وهي عن وعي - في فهمها لطبيعة ما حدث في تونس ولو تطلّب ذلك التّنظير " للثّورة " طمعا بالظّفر بموقع في السّلطة ، وقد عبّرت عن ذلك من خلال انخراطها في انتخابات المجلس التّدليسي بتاريخ 23/10/2011 ومُنيت بفشل ذريع لم تقرأ له حسابا ، ولعلّ هذه التّجريبية المقيتة رغم ما نتج عنها من تداعيات عليها وعلى مستقبل الشّعب التّونسي ، لا تزال هذه الأطراف تتحدّث عن " الثّورة " واستحقاقاتها وضرورة استكمال مسارها بأيّ شكل وبكلّ لون ، حتّى لو جلس اليميني واللّيبرالي و اليساري على نفس الطّاولة وكلّ ذلك باسم " الحدّ الأدنى السّياسي والوطني " (أسوة " بالحدّ الأدنى الدّيمقراطي " في حركة 18 أكتوبر ) ، ولسائل أن يسأل على سبيل المثال لا الحصر : ما هي القواسم المُشتركة الّتي تجمع بين * الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري * الّذي يطرح على نفسه الثّورة الوطنية الديمقراطية ذات الأفق الاشتراكي و*حركة الدّيمقراطيين الاشتراكيين – شق أحمد الخصخوصي * (عضو في برلمان بن علي) و*الحزب الشعبي للحرّية والتّقدم * و* حزب تونس الخضراء * وغيرهم الّذين يؤمنون باستقلال تونس وسيادتها الوطنية وبالتداول السّلمي على السّلطة عن طريق الانتخابات وُفق قانون الأحزاب ؟! هل هذا هو " الحدّ الأدنى السّياسي والوطني " ؟! 3) تحدّثت الأرضية عن " الإطاحة ببن علي وبحكومتي الغنوشي 1 و 2 اللّتين ورثتا الحكم بعده " ، كما أنّ هذا الشّعب " حقّق العديد من المكاسب بفضل النّضالات الشّعبية على إثر اعتصامي القصبة 1 و 2 وأبرزها فرض هامش من الحرّيات العامّة ... وإلغاء القوانين اللاّديمقراطية " ، وهي أجزاء صغيرة الاّ أنّ " الجزء الأكبر من أهداف الثّورة وخاصّة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والوطني لم يتحقّق في ظلّ الحكومات المتعاقبة بما في ذلك الحكومة الحالية الّتي أنتجتها انتخابات 23 أكتوبر 2011 ... " . وحتّى لا نُثني من عزائم شعبنا في النّضال الدّؤوب والمتواصل من أجل خلاصه ، وحتّى لا نستنقص من شأن ما قدّمه من نضالات غاية في الرّوعة خلال انتفاضته الأخيرة على نظام العمالة وما قدّمه من شهداء وجرحى في الغرض ، الاّ أنّ ما يُثير الاهتمام هو التّسويق الهُلامي المتواصل في الأرضية لمنطق " الثّورة " وثمارها الآنية كالإطاحة ببن علي وحكومتي الغنوشي 1 و 2 والمكاسب الّتي حقّقها من خلال اعتصامي القصبة 1 و 2 ... كلّ هذا لا يمنعنا من التّساؤل عن عُمق المؤامرة الّتي تعرّض لها الشّعب التّونسي خلال انتفاضته الشّعبية الباسلة من طرف الإمبريالية وعملاؤها المحلّيين الّذين عملوا جاهدين على تنفيذ مشروع الشّرق الأوسط الكبير والّذي اقتضت التّضحية برأس نظام العمالة في تونس (وكذلك مصر واليمن وليبيا) تحت الضّغط الشّعبي الّذي لا يختلف فيه اثنان . فالشّعب التّونسي كغيره من شعوب المنطقة في حاجة ماسّة لمعرفة الحقيقة وعلى رأسها الاخراج المسرحي الباهر الّذي سُوّق له بأياد تُتقن فن المراوغة والتّمويه والمراوغة وانتاج الأفلام الخيالية إلى أن نصل إلى وقفة أعضاء الكنغرس الأمريكي (سفّاح الشّعوب) الشّهيرة " إكبارا وإجلالا للثّورة التّونسية " الّتي صفّق لها طويلا ومدحها العم أوباما مدحا غريبا ، بل وأكثر من ذلك – وهذا هو الأخطر – وقع احتضانها وتبنّيها ، وأذيعت في الإذاعات والتلفزات المحلية العالمية ، وحبّرت الصّحف المحلية والأجنبية ما طاب واشتهى للحدث " التّاريخي " الّذي أصبح فيما بعد مفخرة لدى ساساتنا وحكّامنا الجُدد يستشهدون بها كلّما ضاقت بهم الدّنيا وهُدّد سلطانهم ويستلهمون منها المواقف والعبر ، يا للعجب ! منذ متى كانت الإمبريالية تُصفّق لثورات الشّعوب ؟! ومكوّنات " الجبهة الشّعبية " لا تزال بعد تتحدّث عن " الثّورة " المعلولة الّتي ينقصها تحقيق أهدافها وتريد استكمال مسارها ؟! أمّا فيما يتعلّق باعتصامي القصبة 1 و 2 على الرّغم من أهميتهما في مُراكمة النّضال من أجل فضح المؤامرة الّتي بدأت تفوح وتجذير المسار الثّوري للإنتفاضة الشّعبية الباسلة وتطويرها لتتحوّل إلى ثورة حقيقية ، فقد وقع الالتفاف على الاعتصامين من طرف نظام العمالة الّذي لم يسقط - وبقي متماسكا ومسنودا بأجهزة الدّولة من جيش وأمن – وخاصّة بمشاركة ملفتة للإنتباه من الأحزاب الرجعية والعميلة والاصلاحية والانتهازية والجمعيات والمنظمات وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل ( البيروقراطية النّقابية ) وعمادة المحامين ، والّتي ساهمت خاصّة في فكّ اعتصام القصبة 2 سلميا على خلاف اعتصام القصبة 1 الّذي فُكّ بالقوّة عن طريق أجهزة القمع الخاصّة بوزارة الدّاخلية والميليشيات بعد انسحاب الجيش في خطة مُحكمة . وقد كان اعتصام القصبة حجر الزّاوية في الالتفاف على الانتفاضة بقيادة فيلتمان الّذي نجح في ترويض الفرقاء السّياسيين ووقعت الاستجابة لمطالب الاعتصام ، ومن منّا لا يتذكّر الخطاب الشّهير يوم 03 مارس 2011 للرّئيس " الثّوري جدا " فؤاد المبزّع آخر رئيس لمجلس نواب بن علي الّذي " لبّى " مطالب الاعتصام وعلى رأسها تعليق العمل بدستور 1959 والموافقة على انتخابات المجلس التأسيسي ... وصرّح بأنّه سيحكمنا باسم " الشّرعية الثّورية والشّعبية " عوضا عن " الشّرعية القانونية " حتّى تاريخ الانتخابات وعيّن على رأس حكومته الدّاهية الباجي قايد السبسي الّذي أمّن للإمبريالية وعملاؤها المحلّيين فترة انتقالية بامتياز إلى أن أوصل السّلطة السّياسية إلى برّ الأمان ليسلّمها إلى العُملاء الجدد باسم " الثّورة " ، وباسم " الديمقراطية " ، والأخطر من ذلك باسم " الشّرعية الانتخابية " " والشرعية الشّعبية " بعد " ثورة " الشّعب ، وغيرها من المفاهيم القديمة الجديدة ، لتدخل تونس وشعبها في مرحلة انقلب فيها السّحر على السّاحر ليتواصل مسلسل العمالة للنّظام الرجعي والعميل ، ومسلسل الاضطهاد والاستغلال والمعاناة للشّعب التّونسي . والملفت للإنتباه أنّه بعد طيلة هذه الفترة لا تزال مكوّنات " الجبهة الشّعبية " تتحدّث عن هامش للحرّيات العامّة والفردية وإلغاء القوانين اللاّديمقراطية - خاصّة بعد ما كشّرت السّلطة عن أنيابها في شتّى المجالات وحرّكت آلتها القمعية وأزلامها لتلجم كلّ نفس ثوري حقيقي يُقلق مضاجعها – وكأنّنا من خلال الأرضية السّياسية " للجبهة الشّعبية " قد انتقلنا فعليّا إلى المرحلة الدّيمقراطية بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 المهزلة الّتي لا تُنكرها ولا تُعلّق عليها - وهذا معلوم – باعتبار مشاركة مكوّناتها فيها دون استثناء سواء في قائمات حزبية أو في قائمات مستقلّة ، ونافست فيها حركة النهضة الرجعية والعميلة وحلفاؤها الحاليين في السّلطة " ديمقراطيا " ( تحت شعار فليتنافس المتنافسون ) ، كما تتحدّث أغلبية مكوّنات الجبهة عن " الشّرعية الانتخابية " في خطابها السّياسي أثناء تقييمها للوضع العام ، ولا تستطيع التّملّص منها رغم مُكابرة بعض الأطراف الّتي شاركت في شكل قائمات مستقلة والّتي أخذتها العزّة بالإثم ، وهو ما يُفيد عدم التّطرّق لهذه " الشّرعية " في أرضية الجبهة لا من قريب ولا من بعيد عدا المرور مرور الكرام بتذكيرنا بانتخابات 23 أكتوبر 2011 للمجلس التّدليسي الّذي " تُهيمن عليه حكومة الترويكا بقيادة " حركة النهضة " ، " وهذا هو مربط الفرس كما يُقال ، لتُحدّثنا الأرضية فيما بعد أنّه " بعد مرور ثمانية أشهر من وصول هذا التّحالف إلى الحكم فقد بدا واضحا أنّه يسير بخطى حثيثة نحو الالتفاف على ثورة شعبنا والتّمهيد لإعادة إنتاج نظام التّبعية والاستبداد والفساد بغلاف ديني ... " ؟! فعلى ما نعلم أنّ مكوّنات الجبهة بارعة ومتميّزة ولها من الخبرة السّياسية والدّراية السّابقة بطبيعة الحركات السّياسية الدّينية ومن بينها حركة النهضة الرّجعية والعميلة ، وتعلم علم اليقين بمشروعها السّياسي والمجتمعي ، فلماذا هذا الصّبر الطّويل في حقّ شعبنا والّذي طال ثمانية أشهر بعد ممارستها للسّلطة ، لتخرج علينا مكوّنات الجبهة بهذا الاستنتاج العظيــــــــــــــم ؟! وكأنّها كانت تنتظر – وهذا ما يُستخلص من السّياق - بأنّها سنتجز " المهام الثّورية " لـ " ثورة " شعبنا ؟! أليس هذا استغباء لعموم شعبنا بسياسييه ومثقفيه وطلابه وعماله وفلاحيه الفقراء وطبقاته الكادحة ؟! أم أنّ في الأمر علّة أخرى لا يعلمها الاّ من راهن على وطنية حركة النهضة ومدنيتها وديمقراطيتها في حركة 18 أكتوبر ( حزب العمال وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين شق الخصخوصي ) ممّا جعلها تُمنّي النّفس بأن إمضاء النهضة على بعض الكراريس المُفعمة بـ " الديمقراطية وحقوق الانسان الكونية " وما لفّ لفّها كفيلة بأن تُغيّر منهجها الفكري ومشروعها السّياسي والمجتمعي ربّما ستترجمه من خلال ممارستها للسّلطة ، لكن هيهات يا لخيبة المسعى ؟! فالجميع يعلم بأنّ الحركات السّياسية الدينية في الوطن العربي ومن بينها حركة النهضة الرجعية والعميلة هي الاحتياطي الرّئيسي والتّقليدي للإمبريالية ، وها قد فُعّل ذلك على أرض الواقع في كلّ من تونس ومصر واليمن وليبيا والمغرب كما فُعّل سابقا في السّودان والصّومال والجزائر والعراق وفلسطين والقادم سوريا ، فهي حركات عميلة للنّخاع للإمبريالية ولا يُمكن أن تؤتمن على قضايا الشّعوب التّواقة للتّحرّر والانعتاق الاجتماعي ، ولعلّ مكوّنات الجبهة قد استفاقت مؤخّرا بعض الشّيء وأصبحت تعلم ذلك بعد مرور 8 أشهر من حكم حركة النهضة الرّجعية والعميلة للسّلطة لتعلمنا بأنّها بصدد إعادة " إنتاج نظام التّبعية والاستبداد والفساد بغلاف ديني ... " ؟! فإنّها " تستحقّ " الشّكر على كلّ حال على هذا الإدراك الّذي " فاجأها " ولو كان متأخّرا بعض الوقت . 4) أمّا فيما يتعلّق بتأكيد الأرضية على " وحدة الشّعب التّونسي " المُهدّدة " بالصّراعات العقائدية المُفتعلة الّتي تُحرّكها قوى خارجية بأياد محلّية مُتستّرة بالدّين ... " ، فعن أي " وحدة " تتكلّم الجبهة ؟ وماذا تقصد من خلالها والتّأكيد على أنّها مُهدّدة ؟ المتتبّع للشّأن السّياسي العام في القطر يُلاحظ أنّ معظم الأطراف السّياسية سواء كانت في السّلطة أو خارجها ، تعتمد في خطابها السّياسي الموجّه لعموم الشّعب والمتّسم بالديماغوجيا الملفوفة بالمخاطر ، الحديث عن " وحدة الشّعب التّونسي " وتُلحّ على ضرورة المحافظة على انسجامه واستقراره الّتي لن تكون الاّ من خلال وحدته ، هذه الوحدة الّتي تُعد الضّامن الوحيد والأوحد في بناء المشروع المجتمعي خاصّة بعد " الثّورة " . والغريب أنّ هذه الأطراف بما فيها مكوّنات الجبهة تلتقي على هذه القاعدة - أي " وحدة الشّعب التّونسي " - ولا تُحدّد ما يجمعها حولها وما يُفرقها ؟! وما هي عناصر هذه " الوحدة " ودلالاتها ؟! ولئن كانت هذه الأطراف في معظمها تتحدّث عن وحدة الشعب التونسي على مستوى الدين واللغة العربية والرقعة الجغرافية والعادات والتّقاليد و " الاستقلال الوطني " كعنصر مُميّز لها وغيرها من العناصر ، وهي قواسم مشتركة بين الجميع ، الاّ أنّها تتغاضى عن الجانب المُظلم والحالك لهذه " الوحدة " بما فيها مكوّنات الجبهة في أرضيتهم السّياسية ، ألاّ وهو واقع القهر الاقتصادي والاجتماعي والتّفاوت الطّبقي المجحف بين طبقاته الاجتماعية وافرازاتها الاقتصادية والاجتماعية والسّياسية والثّقافية ، ولعلّ تعويمها في أرضية الجبهة ينبع من اختلاف المشارب الايديولوجية والفكرية والسّياسية لمكوّناتها الغير مُتجانسة ممّا يحول دون تسمية الأشياء بمُسمياتها إرضاء لمبدأ الالتقاء والتّواصل على " الحد الأدنى السّياسي والوطني " ، ولعلّ هذا ما يُعدّ من مواطن الضعف في هذه الجبهة . فهل يمكن أن نتحدّث عن " وحدة الشّعب التونسي " دون تحديد من هو الشّعب المعني بها ؟ هل أنّ هذه " الوحدة " الّتي تقول الأرضية أنّها مُهدّدة بالصّراعات تضع في سلّتها أصدقاء الشّعب وأعدائه على ضوئها ؟ بمعنى هل أنّ هناك " وحدة "بين العمّال وأرباب العمل ؟ هل هناك " وحدة " بين الفلاحين الفقراء والمزارعين وكبار الملاّكين العقاريين والاقطاعيين ؟ هل هناك " وحدة " بين مالكي وسائل الانتاج ومُستخدميهم ؟ هل أنّ " وحدة " هؤلاء مُهدّدة فعلا ؟ ما يُمكن استخلاصه أنّ هذا الخطاب خطير جدا يرتكز على التّظليل والتّعويم لقضية مفصلية تُحيلنا حتما لمقولة " الوفاق الطّبقي " " والسّلم الاجتماعية " وتداعياتهما البالغة الخطورة على واقع القهر الطّبقي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثّقافية الّذي تعاني منه أغلب الطّبقات الاجتماعية المُستغلّة والمُفقّرة والمُهمّشة وفي طليعتها العمّال والفلاّحون الفقراء والمزارعون والموظفين الصّغار والبطّالين والمُهمّشين ، هؤلاء هم أبناء هذا الشّعب الكريم ، هؤلاء هم الشّعب الحقيقي الّي تهمّنا وحدته وانسجامه وتكتّله ، هذا هو الشّعب الّذي توحده ظروفه الاقتصادية والاجتماعية المبنية على القهر والظلم والاستغلال والتّهميش ، تلك هي الطّبقات الاجتماعية الّتي ترزخ تحت طائلة الظلم والاضطهاد الطّبقيين وتدفع يوميا فاتورة ذلك ، وبالتّالي فإنّ تعويم مفهوم " الوحدة " وإخراجه من دائرة الصّراع الطّبقي لا يُمكن أن يُحلينا إلاّ للوفاق الطّبقي والاستقرار والأمن والسّلم الاجتماعية ، وهو ما يزيد في تأبيد السّائد الّذي يصبّ في مصلحة الائتلاف الطبقي الحاكم الرّجعي والعميل ومن سار في ركابه ، ويمكّن أعداء الشّعب ومن وراءه الإمبريالية من تنفّس الصّعداء ليواصلوا قُدما في ضرب نضالات الجماهير الشّعبية الكادحة من أجل تحرّرها وانعتاقها الاجتماعي ، ولعلّ هذا ما يُحيلنا حتما إلى مبادرة البيروقراطية النّقابية للاتحاد العام التونسي للشّغل في لمّ شتات الأطراف السّسياسية إلى طاولة الحوار بمختلف أطيافها وتلويناتها بما فيها مكوّنات " الجبهة الشّعبية " الّتي باركت هذه المبادرة للجلوس مع أعداء الشّعب للخروج من المأزق السّياسي الرّاهن الّذي يعيشه النّظام الرّجعي والعميل بقيادة الترويكا لإنقاذه من جديد مثلما ساهمت سابقا في ذلك عن طريق الانتخابات المهزلة ، ولعلّ المتتبّع للنّدوة الصّحفية التّي أقامها * الحزب الوطني الاشتراكي الثوري * بتاريخ 13/10/2012 بنزل الهناء الدّولي بالعاصمة ، يشتمّ رائحة التّململ داخله من خلال تصريحات ناطقه الرّسمي وبعض مناضليه الّتي توحي باختلافات داخلية تشقّه حول مبادرة الاتحاد وكذلك فيما يتعلّق بأرضية الجبهة الّتي عوّمت المسألة الوطنية ممّا جعل عبد الله بن سعد وهو أحد قياديي هذا الحزب يحاول تصحيح الرّؤية من خلال تصريحاته الّتي تطرّقت لاتفاقية 20 مارس 1956 ليطعن في مقولة الاستقلال الّتي عبّر عنها بعض أطراف الجبهة الّذين نادوا بتحصينه وحمايته وهي رسائل طمأنة للداخل لمناضلي هذا الحزب للتّأكيد على تمسّكه بالثّوابت ، وكذلك خارجية لبعض مكوّنات الجبهة الّتي سارعت في قبول دعوة المرزوقي باسم الجبهة الّتي رحّبت بدورها بمبادرة الاتحاد وعبّرت عن مشاركتها فيها إلى جانب نداء تونس والأحزاب المنحدرة من التجمّع ، هذا الموقف الّذي ترددّ جمال لزهر الأمين العام والنّاطق الرسمي للحزب في توضيحه أثناء النّدوة ، وهذا ما سينعكس سلبا على مكوّنات الجبهة مستقبلا والّتي يمكن أن تتصدّع في بداياتها من خلال اختلاف المنطلقات والرّؤية والأهداف . فعن أي " وحدة " وعن أي " حرّيات " تُحدّثنا الجبهة ؟ فحتّى في تطرّقها للحكومة الحالية ، فإنّها تتّجنّب نعتها بالرّجعية والعمالة على الرّغم من اتّهام الأرضية لها بأنّها وراء تهديد " وحدة الشّعب التّونسي " .
وباعتبار وأنّ " وحدة الشّعب التّونسي " ذات أهمية قصوى لدى أطراف الجبهة الّتي هرعت مكوّناتها للاحتفال بـ " عيد المرأة " بتاريخ 13 أوت 2012 كتاريخ مُميّز لصدور مجلّلة الأحوال الشّخصية وهو احتفال يعتزّ نظام الرّجعية والعمالة في تونس به ويقيم له أيضا الحفلات والولائم ، هذا التّاريخ الّي لا يعكس حقيقة الاضطهاد والقهر الطّبقي الّتي تعاني منه المرأة التّونسية سابقا وحاليا ، وتحت ذريعة أنّها – أي المرأة التّونسية - أصبحت مهدّدة في المكاسب " التّاريخية " الّتي حقّقتها في ظلّ دولة " الاستقلال " ، نزلت مكوّنات الجبهة بكلّ ثقلها للاحتفال والّتظاهر ولرفع الشّعارات البرّاقة الّتي من شأنها أن تُحي " الذّكرى الخالدة " ذكرى دولة " الاستقلال " الّتي زايد بها العميل بورقيبة ومن بعده بن علي ، وهو ما سيجعلها حتما تُنير السّبيل للاحتفال بعيد " الاستقلال " لاحقا كترجمة حقيقية لإيمان معظم مكوّنات الجبهة بذلك . 5) أمّا فيما يتعلّق بمسألة " الالتفاف على الاصلاحات الديمقراطية الّتي طالبت بها الثّورة على مستوى الاعلام والقضاء والإدارة والمؤسّسات الأمنية ... " دون التّطرّق إلى المجلس التّدليسي الّذي شاركت في إنشائه ، والّذي يُمثّل حجر الزّاوية في كلّ ذلك باعتبار وأنّه أصبح المصدر الأساسي والوحيد للسّلطات الحالية ، أم أنّ هذا المجلس يعبّر عن " ديمقراطية فعلية " مارسها الشّعب بعد " الثّورة " ويمثّل فعليّا " الشّرعية الانتخابية " الّتي تعكس " الإرادة الشّعبية " والّتي لا تعلو فوقها شرعية أخرى ؟! وبذلك لا يُمكن التّمرّد عليه أو نفيه وعدم التّعامل معه من خلال عملية الالتفاف الّتي يقوم بها " نواب الشّعب " " ديمقراطيا " ؟ ولعلّ هذا ما يُحيلنا إلى أقصى ما يُمكن أن تصل إليه " الجبهة الشّعبية " - إن كُتب لها النّجاح– من تحسين شروط التّفاوض مع الائتلاف الطبقي الحاكم الرجعي والعميل وثنيه عن المماطلة " ... في وضع أجندة للفترة الانتقالية وما تقتضيه من ضبط تواريخ رسمية لإنهاء تحرير الدّستور وبعث هيئة مستقلّة للإنتخابات وسنّ قانون انتخابي وتنظيم الانتخابات " حسب ما ورد في الأرضية . فهل ستتحقّق " وحدة الشّعب التّونسي " المُهدّدة في صورة ما إذا وقع مُعالجة هذه الإشكاليات العالقة بالفترة الانتقالية ؟ 6) تُعلمُنا الأرضية بأنّ الإئتلاف الطّبقي الحاكم الرّجعي والعميل بقيادة حركة النّهضة والّتي تسعى من خلاله " إلى وضع يدها على كلّ مؤسّسات الدّولة لتستعملها ... كما استعملها " التّجمّع " لبسط نفوذها وتوظيفها مباشرة ي هذه الفترة الانتقالية لضمان نتائج الانتخابات القادمة وإرساء دكتاتورية جديدة تُصفّي مكاسب الثّورة كما تُصفّي المكاسب التّاريخية والحضارية للشّعب التّونسي في مختلف المجالات الاجتماعية والثّقافية والتّربوية وخاصّة المكاسب الّتي تحقّقت للمرأة ... " ، فما الغرابة في ذلك والحال وأنّ مكوّنات الجبهة شرّعت بطريقة مباشرة وغير مباشرة لهذه الحركة الرّجعية والعميلة بالانقضاض على السّلطة عن طريق صناديق الاقتراع ، إضافة إلى تحالفها معها في ما يُعرف بـ " المجلس الوطني لحماية الثّورة " وكذلك في هيئة بن عاشور ونافستها " ديمقراطيا " في انتخابات مهزلة معلومة النّتائج مُسبقا في ظلّ موازين قوى وبنية اقتصادية واجتماعية متخلّفة ومهترئة لا يُمكن أن تُفرز غير حركة النهضة للسّلطة ، بينما كان المطروح حسب طبيعة المرحلة مواصلة تجذير المسار الثّوري للإنتفاضة وتحويلها إلى ثورة حقيقية تنتصر للكادحين وللمحرومين من أبناء هذا الشّعب الكريم ، ولعلّ البكاء والعويل على " استكمال المسار الثّوري " بعد الانتخابات المهزلة لا يُغني ولا يُسمن من جوع بعد أن دُقّ اسفين " الشّرعية الانتخابية " في قلب الانتفاضة الشّعبية الباسلة ليقع الالتفاف عليها وتحويلها إلى المجلس التّدليسي الّذي همّشها وقبرها وشتّت صفوف الجماهير المُنتفضة الّتي ألهاها بالبحث عن نفسها في مشاريع القائمات الانتخابية الّتي لم يتحقّق منها شيئا على أرض الواقع . ولعلّ هذه الجماهير الّتي تطوّر فعلها النّضالي بعد أن شربت مليّا من كأس الانتخابات المهزلة ، تقف الآن وبوضوح على حقيقتها المرّة ، وتتمسّك من جديد بشعار الانتفاضة المركزي " الشّعب يريد إسقاط النّظام " ، لترجع إلينا " الجبهة الشّعبية " بتفسير وتحليل للواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحالي الّتي ساهمت فيه مكوّناتها عن وعي في إفرازه وتشكيله بقبولها ومراهنتها على العملية الانتخابية لتحقيق " أهداف الثّورة " ليخرج علينا بعد مدّة وجيزة أهمّ مكوّناتها - قبل إسقاطه لكلمة الشّيوعي من يافطته – بحملة " آش تبدل " لتعلمنا بأن دار لقمان لا تزال على حالها ؟! وممّا يزيدنا استغرابا أنّ أرضية الجبهة في تطرّقها للواقع الاقتصادي للبلاد ، نستشفّ من خلاله أنّها كانت تُراهن على تخلّي الحكومة الرّجعية والعميلة " عن سياسة نظام بن علي الّتي أدّت إلى تفقير الشّعب " بقولها : " ... فإنّ الحكومة لم تتخلّ عن سياسة بن علي ... " ، وإن كان يحدوها الأمل في ذلك فهي مُخطئة وتقوم بعملية استبلاه للشّعب المُنتفض ضد جلاّديه ، وكلّ هذا مأتاه " الشّرعية الانتخابية " الّتي قسمت ظهر البعير والّتي لا يُمكنها الطّعن فيها . فحركة النهضة الرجعية والعميلة رفقة حلفاؤها تحاجج الجميع " بالشّرعية الانتخابية " الّتي مكّنهم الشّعب منها بإرادته - كما تقول وتروّج لذلك كلّ أبواق الدّعاية السّياسية - من خلال اختيارهم تمثيله وائتمانهم على مستقبله ومستقبل البلاد عن طريق صناديق الاقتراع في انتخابات " ديمقراطية ، شفّافة ونزيهة " - يشهد لها القاصي والدّاني - بما فيها مكوّنات " الجبهة الشّعبية " الّتي لا تستطيع التّملّص أو القدح أو التّشكيك في ذلك لاعتبار مشاركتهم فيها وقبول اللّعبة والدّليل على ذلك تمثيلية بعض أطرافها السّياسية داخل المجلس التّدليسي (حزب العمال ، حزب النضال التقدمي ، حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ، حركة الوطنيين الديمقراطيين ) والّذين يعتبرون كغيرهم من نواب " الشّعب " و" الإرادة الشّعبية " ، وبالتّالي فإنّ محاولة الالتفاف على " الشّرعية الانتخابية " خط أحمر لا يُمكن تجاوزه بالنسبة لحركة النهضة وحلفاؤها في السّلطة ، ويُعدّ في خانة اللّعب بالنّار ليرتقي إلى منطق المؤامرة على البلاد وعلى مستقبلها ، وهذا ما يُضعف موقف " الجبهة الشّعبية " في هذا المضمار ويُقسّم ظهرها حتّى ولو حاول بعض أفرادها التّنطّع بحماسة " ثورية " خلال اجتماعها يوم 07/1/2012 والحديث عن " الشّرعية الثّورية " باعتبارها أرقى وأكبر من " الشّرعية الانتخابية " ، بعد أن كان يُنظّر في إحدى حملاته الانتخابية بجهة صفاقس بأنّ تونس ستشهد ديمقراطية لم تشهدها منذ علّيسة ... ولسائل أن يسأل مكوّنات " الجبهة الشّعبية " كيف لها أن تُسوّق لنا هذا التّحليل للوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد والحال أنّها تعترف ضمنيا من خلال توصيفها للواقع أنّ نظام العمالة لا يزال جاثما على صدور الفقراء والمضطهدين ، وتُنذرنا بمؤشّرات " لاستعمار فلاحي جديد على حساب الفلاّحين الفقراء والصّغار والعمّال الفلاحيين ... " نتيجة للتّفويت في الأراضي والشّركات " والمؤسّسات المُصادرة بعد الثّورة " " لشركات غربية وخليجية " ، هذا علاوة إلى "... العجز عن التّسيير والفوضى الإدارية واستفحال البيروقراطية ممّا يُهدّد البلاد بكارثة حقيقية " ؟! ألا يوجد توصيف أخطر من هذا ؟! والحال أن أحد مكونات الجبهة السّياسية – إن لم يكن معظمها - يتحدّث عن تحصين استقلال البلاد وحمايته ؟! فعن أي حد أدنى سياسي ووطني يجمع مكوّنات الجبهة ؟! وعن أي رؤية مستقبلية تريد تحقيقها ؟! فمن ناحية تتّهم الحكومة - دون وصفها لا بالرجعية ولا بالعمالة - بالمماطلة " في وضع أجندة للفترة الانتقالية ... " ومن أخرى تتّهمها بأنّها " لم تتخلّ عن سياسة نظام بن علي ... " ومن أخرى بتهديد " وحدة الشّعب التّونسي " ، والبلاد لا تزال مرتهنة " لنير المؤسّسات المالية الدّولية والاتّفاقات والمُعاهدات اللاّمتكافئة " ، وعمليات التّفويت في الثّروات " لفائدة الرّأسمال الأجنبي ... " متواصلة " ممّا يؤشّر لاستعمار فلاحي جديد " ( وكأنّنا بالقديم قد زال ) ، وأخير البلاد مُهدّدة بـ " كارثة حقيقية " ؟! فإلى أين تتّجه مكوّنات الجبهة إذن بعد كلّ هذا ؟! خاصّة وأنّ " الآثار المُدمّرة لهذه السّياسة على حياة الطّبقات والفئات الكادحة والشّعبية ما انفكّت تتفاقم ... " " ... مع الحكومة الحالية لأنّها لم تُغيّر السّياسة " الاقتصادية ولم تتّخذ الاجراءات المُستعجلة الكفيلة بالتّخفيف من حدّة هذه المشاكل على حياة المواطنين ... " ، فهل كان مُنتظرا من حكومة نظام العمالة الحالية تغيير السّياسة الاقتصادية والاجتماعية ؟ ذلك هو الرّهان الخاطيء على حكومة موغلة في الرّجعية والعمالة كان يُنتظر منها " التّخفيف من حدّة هذه المشاكل " ؟! بينما كان من المفروض من باب منطق الأشياء أن يقع مُعالجتها ويُقضى عليها بما أنّها " حكومة الثّورة " و" الإرادة الشّعبية " ؟! هذا هو مربط الفرس كما يُقال ، وهذه النّتائج الطّبيعية " لثورة لم تقع أصلا ، وكذلك لقراءة خاطئة وهُلامية للواقع في تونس ولانتفاضة شعبنا البطل لتصل بنا مكوّنات الجبهة لتحكيم مبدأ الانتظارية وسياسة الفعل وردّ الفعل ، هذه هي التّجريبية المقيتة والنّتيجة الحتمية لكلّ من ساهم وشارك في ترميم نظام العمالة وإنقاذه من تطوّر الانتفاضة الشعبية الباسلة الّتي استهدفته في العمق وطالبت بإسقاطه ، ليقع الالتفاف عليها بكافّة الطّرق المُمكنة وبكافّة الأشكال والألوان السّياسية الّتي ليست لها مصلحة في استمرار الانتفاضة الشّعبية وكبح جماحها حتّى لا تتحوّل إلى ثورة شعبية عارمة تنتصر للطّبقات المضطهدة الّتي ترزخ تحت الاستغلال والفقر والتّهميش منذ الاستعمار المباشر إلى الآن . فمكوّنات الجبهة تُريد حفظ ماء الوجه بالظهور في ثوب جديد للخروج من أزمة خياراتها السّابقة محاولة وضع الإصبع على الدّاء واللّف والدّوران حول حقيقة الوضع المُتأزّم على جميع الواجهات الّذي يُهدّد " بكارثة حقيقية " ربّما ستكون هي المُنقذ لها ، ورُبّما تكوّنت لأجل ذلك الهدف ألاّ وهو القضاء على " الكارثة المُحدّقة ". فالنّضال في صفوف الجماهير وتبنّي قضاياها لا يُمكن عزله عن سلسلته ومساره التّاريخي ، إذ كان من المفروض على مكوّنات الجبهة تقديم نقدها الذّاتي أمام الشّعب وتنقد خياراتها وتوجّهاتها السّياسية السّابقة قبل توصيفها للواقع الاقتصادي والاجتماعي والسّياسي الرّاهن للبلاد . فالجميع يعلم كيف كانت الأوضاع في أوج الانتفاضة الشعبية الباسلة وما آلت إليه بعد الانتخابات المهزلة الّتي أجهضتها وهمّشتها ووقع تعويمها وإغراقها والالتفاف عليها بـ " الشّرعية الانتخابية " الّتي زادت الطّين بلّة وزادت النّظام رجعية وعمالة ، ولم يجن منها الشّعب المُضطهد والمُستغلّ والمُفقّر والمُهمّش إلاّ زيادة في اضطهاده وتفقيره ومواصلة نهب ثرواته ومُقدّراته من طرف الإمبريالية وعملاؤها المحلّيين . 7) تعترف الجبهة في أرضيتها السّياسية بأنّ البلاد " تعيش أزمة حقيقية ولا مخرج منها إلاّ بمواصلة الشّعب التّونسي لمسيرته النّضالية بأبعادها الوطنية والدّيمقراطية والاجتماعية والثّقافية والبيئية ... " ، وهذا جميل جدا وندعّمه بالمساندة اللاّمشروطة ، إلاّ أنّ ذلك وللأسف لن يكون إلاّ بـ " تحقيق أهداف الثّورة وإرساء سُلطة الشّعب " حسب تقدير الأرضية ؟ فها هي الأرضية تواصل الحديث عن " أهداف الثّورة " الّتي لم تتمكّن سُلطة الترويكا الانتقالية تحقيقها ، بل وماطلت في تحقيقها تحت عنوان الالتفاف عليها ، وهذا يُعدّ تناقضا بين ما وقع توصيفه سابقا للوضع الاقتصادي والاجتماعي الّذي "... يُهدّد البلاد بكارثة حقيقية " ، والّذي يتطلّب فعليا مواصلة تجذير المسار الثّوري للإنتفاضة ورفع وتيرة نضالات الجماهير بشكل تصاعدي وتحويلها إلى ثورة شعبية حقيقية تقودها الطّبقات المُضطهدة وعلى رأسهم العمّال والفلاحون الفقراء للإنقضاض على السّلطة ، عوض اللّهث وراء سراب " ثورة " لم تتحقّق إلاّ في أذهان من له مصلحة في ذلك ، ومن يُروّج لها ويتباكى عن " أهدافها " الّتي لم تتحقّق بعد الانتخابات المهزلة ، خاصّة وفي ظلّ كارثة مُحدّقة بالبلاد مرتبطة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتردّي والعجز عن تسيير دواليب الدّولة هي مؤشّرات إيجابية لكلّ من يقف في خانة الشّعب المضطهد ليستثمرها في صالحه ، والحال أنّ الأرضية نحت منحى آخر بتصوير هذا الوضع الكارثي بأنّه يتطلّب الاستعجال في تحقيق " أهداف الثّورة " حتّى نتحاشاه ، وربّما " وضع أجندة انتخابية للفترة الانتقالية والتّعجيل بإنهاء الدّستور وتنظيم الانتخابات هي من المهام " الثّورية " المُلحّة لتجاوز الكارثة ؟؟؟ فمن جهة تفيدنا الأرضية بأنّ واقع البلاد لا يزال على حاله القديم ونظام العمالة لم يسقط ، ومن أخرى تدعو إلى تحقيق أهداف " الثّورة " ؟! فأيّهما الأجدر حسب طبيعة المرحلة ، إسقاط نظام الرّجعية والعمالة أم " تحقيق أهداف الثّورة " باستبداله عن طريق الانتخابات ؟! هذا التّناقض الصّارخ يُحيلنا إلى الماضي البعيد والقريب للنّظر في طبيعة تركيبة مكوّنات الجبهة وما كانت تطرحه من رؤى سياسية قبل وبعد انتفاضة 17 ديسمبر 2010 ، وهو ما لا يتّسع له المجال لذكره وتفصيله ، بل يُمكن التّأكيد على أنّ خطابها السّياسي بعد الانتفاضة يتحدّث عن " الثّورة " واستحقاقاتها باستثناء * الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري * الّذي يُكابر في الحديث عن " الثّورة " وينعتها بالانتفاضة ، والّذي نسى أو تناسى بأنّه كغيره من حلفائه في الجبهة شكّل لها مجلسا " ثوريا " (المجلس الوطني لحماية الثّورة) بمشاركة متميّزة لحركة النّهضة الرّجعية والعميلة الّذين ألبسوها " جبّة الثّورة " وبإشراف البيروقراطية النّقابية للاتحاد العام التّونسي للشّغل وعمادة المحامين وبقية الأطراف السّياسية الاصلاحية والانتهازية والمنظمات والجمعيات ، مع العلم وأنّ هذا الطّرف تحمّل العديد من مناضليه ومناصريه كغيره من مكوّنات الجبهة مسؤوليات " المجالس المحلية والجهوية وحتّى الوطنية لحماية الثّورة " وكذلك في النيابات الخصوصية وحتى المجالس القروية في حكومة السبسي ، ولم يُقاطع الانتخابات المهزلة بل شارك فيها في شكل قائمات مستقلّة ودعّم قائمات أخرى يحدوه الأمل في السّلطة ( وهذا من حقّه ) كغيره من مكوّنات الجبهة ، ثمّ غادروا تلك المجالس " الثّورية " لحماية " الثّورة " المغدورة ، ليتركوها في أياد " أمينة " حوّلتها إلى رابطات وغيرها من التّسميات ، والّتي ستصول فيها وتجول كما تشاء باسم " الثّورة " ، أهكذا تؤسّس " المجالس الثّورية " وتُترك للأعداء ؟! وما يُمكن استنتاجه أنّ الانخراط في خطاب " الثّورة " وتحقيق أهدافها الّتي فشلت فيها الترويكا الحاكمة هو حجر الزّاوية في أرضية " الجبهة الشّعبية " الّتّي أخذت على عاتقها بديلا " على أرضية سياسية تُشكّل الحدّ الأدنى السّياسي والوطني لكلّ القوى والأطراف الوطنية والشّعبية المُتمسّكة بالنّضال من أجل تحقيق أهداف الثّورة والعمل على إنجاحها ... " . ولئن اختلفنا في تحديد القوى والأطراف الوطنية والشّعبية من عدمها حسب فهم كلّ منّا لطبيعتها وطبيعة المرحلة ، فإنّ التّركيبة السّياسية لأطراف الجبهة على اختلاف مشاربها غير مُتجانسة وغير متماسكة وغير متوافقة حتّى على الحد الأدنى السّياسي المُمضين عليه رغم مُحاولات التّجميع والتعبئة والخطب الحماسية ، ويتمظهر ذلك في خطابات قُوّادها يوم 07/10/2012 الّتي اتّسمت بالتّناقض واختلاف الرّؤى ، فمن مُنظّر لحماية " استقلال تونس " إلى مُنظّر " للانتفاضة " ثمّ إلى مُنظّر "للثّّورة " . فكلّها تُكابر وتُحاول لملمة نفسها وجراحها قبل 23 أكتوبر 2012 في ظلّ صراع رجعي مرير على السّلطة بين الأطراف الرّجعية والعميلة فيما بينها الّتي تتصارع وتتسابق فيما بينها لتقديم خدماتها للإمبريالية ،. وفي هذا الاطار تُقدّم " الجبهة الشّعبية " نفسها بديلا سياسيا للفترة القادمة - مُستغلّة هذا الصّراع الملغوم وهذه الأزمة - يرتكز على جملة من المحاور " ولن يكون ذلك ممكنا إلاّ بالقطع مع تشتّت القوى الثّورية والوطنية الدّيمقرطية والتّقدمية ... " لتجاوز " الاستقطاب الثّنائي المغشوش " بين حركة النهضة ونداء تونس والّتي تدفع من خلال هذا الصّراع " باتّجاه طمس التّناقض الحقيقي بين القوى المتمسّكة بتحقيق أهداف الثّورة والقوى الّتي تعمل على الالتفاف عليها " ، هكذا ينحصر الصّراع بكلّ بساطة بين " الجبهة الشعبية " وقطبي الرّجعية والعمالة النهضة ونداء تونس ومن دار في دائرتهما على خلفية " تحقيق أهداف الثّورة " لا غير ، وكأنّنا بأرضية الجبهة قد حصرت الصّراع بينهما وأهملت الصّراع الطّبقي الحقيقي الدّائر رحاه بين الامبريالية وعملاؤها المحلّيين وطبقات الشّعب الكادح . كما أنّ خطاب الأرضية هيمن على السّاحة السّياسية بتقديم مكوّنات الجبهة بديلا عن صراع أجنحة السّلطة المتناقضة المصالح والمواقع ، والحال أنّ السّاحة السّياسية تزخر برؤى سياسية أكثر نضالية وأكثر تجذّرا ونضجا ، تقطع مع هذه التّوجّهات الاصلاحية والانتهازية ، ولا تزال متمسّكة بتجذير المسار الثّوري للإنتفاضة الشعبية على قاعدة شعار " إسقاط النظّام الرّجعي والعميل " كمهمّة مُلحّة وأساسية والّتي بدونها لا يُمكن المرور إلى الأمام ، وهي ملتصقة الصاقا وثيقا بنضالات الجماهير اليومية ضدّ جلاّديها وتتبنّاها وتدافع عنها من زاوية طبقية واضحة لا لُبس فيها قاعدتها الرّئيسية في ذلك المسألة الوطنية ، وهي مسألة مفصلية في نضالها لا يُمكن المساومة بها ، وعلى قاعدتها تُحدّد الرّؤى وتُنسج التّحالفات السّياسية .
8) قدّمت الجبهة أرضيتها السّياسية الّتي " تشكّل الحد الأدنى السّياسي والوطني " " من أجل تحقيق أهداف الثّورة والعمل على إنجاحها " ، هذا النّجاح الّذي يقوم على جملة من " الخيارات والمباديء والقيم " – والّتي من المفروض أن تُشكّل قواسم مشتركة بين مكوّناتها - تتصدّرها * المسألة الوطنية والدّيمقراطية * عالجتها في تسع نقاط متتالية تهدف إلى " بناء نظام جمهوري مدني ديمقراطي في خدمة الشّعب " أوّل أولوياته " يُكرّس الاستقلال الفعلي للبلاد " . وهذا ما يُحيلنا للتّساؤل عن طبيعة المرحلة وأولوياتها ، وبأكثر وضوح ومن منطلق أنّ " الثّورة " وقعت وشاركت أغلب مكوّنات الجبهة في الانتخابات المهزلة ، فهل أنّ مرحلة التّحرّر الوطني قد أنجزت بفعل " الثّورة " وتحرّرت البلاد من الاستعمار الغير مباشر ؟ لعلّ ما لا يختلف فيه اثنان انّ الانتخابات مظهر من مظاهر المسألة الدّيمقراطية ، ومُشاركة مكوّنات الجبهة في انتخابات 23 أكتوبر 2011 تتنزّل في هذه الخانة لا غير ، والّتي راهنوا من خلالها على الظّفر بالسّلطة من أجل إقامة جمهورية ديمقراطية يتحقّق للشّعب من خلالها تحرّره على جميع المستويات ، فلماذا تعود بنا الأرضية للمسألة الوطنية من جديد والحال أنّ أطراف الجبهة قد تجاوزتها وراهنت على الانتخابات الفارطة ، أم في الأمر علّة أخرى ؟! وحيث أنّ الانتفاضة الشّعبية الباسلة على الرّغم من أهميتها ، فقد اتّسمت في مُجملها بالعفوية ، ولم تكن القوى الوطنية والديمقراطية جاهزة لتأطيرها وتطويرها وتوجيهها الوجهة الصّحيحة ، فالانتفاضة لم تتطوّر إلى مستوى القطع مع النّظام الرّجعي والعميل في تونس الّذي لا يستطيع أن يكون كذلك دون التّواجد الإمبريالي بأشكاله المتعدّدة والمتنوّعة ، وبالتّالي فإنّ عملية الحسم النّهائي في العملاء المحلّيين لم تقع ، بل على العكس من ذلك وقع إنقاذهم وترميم نظامهم عبر الانتخابات ، والدّليل على ذلك مواصلة العملاء الجدد نفس نهج العمالة القديم . ولعلّ تعويم شعارات الانتفاضة عن طريق شرائح البرجوازية الصّغيرة - وهي خاصية مميّزة لمكوّنات الجبهة - بشكيلاتها السّياسية والمهنية والنقابية والجمعياتية الّتي ركّزت على مسألة الحرّيات العامّة والفردية وحرّية الاعلام والصّحافة واستقلال جهازي القضاء والأمن ومطلب المجلس التّأسيسي ... وهي في مُجملها من المطالب الدّيمقراطية ، وممّا زاد الطّين بلّة هو ذوبان وطمس المسألة الوطنية من خلال الحسم مع عصابات التّجمّع من منطلق الفساد والمحسوبية والرّشوة والاستبداد ... وكان من المفروض الحسم معها من منطلق الرّجعية والعمالة . هذا المنطق المُعوّم مكّن حركة النهضة الرّجعية والعميلة وحلفاؤها من مادّة دعائية دسمة وكبيرة جدّا استعملتها للتستّر وراءها في ظلّ غياب الوعي بمنظومة العمالة وأبعادها، وبالتّالي سمحت لها الأطراف الاصلاحية والانتهازية تحت غطاء " الثّورة " وانخراطها المباشر بعدها في المسألة الدّيمقراطية (الانتخابات) بتغطية برنامجها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثّقافي المُعادي لتطلّعات الجماهير المُنتفضة والمُرتبط مباشرة بالدّوائر الإمبريالية لتأبيد السّائد مع بعض " الرّتوشات الدّيمقراطية " لتزيين وتجميل المشهد السّياسي العام ، لتصدّق تلك الجماهير بأنّه وقع تغييرا " نوعيا " في القطر ، والحال أنّ حركة النهضة الرّجعية والعميلة صرّحت أسيادها قبل الانتخابات وبعدها بأنّها ستلتزم بكافّة الاتفاقيات السّابقة واحترام كافّة التّعهدات الّتي أبرمها نظام العمالة سابقا وعقود الشّراكة مع الاتّحاد الأوروبي الّذي يعمل جاهدا الآن على " الإرتقاء " بتونس إلى مرتبة " الشّريك المتميّز " . والمتصفّح لأرضية الجبهة يستنتج أنّها لم تذكر الحكومة ببنت شفة ولم تنعتها لا بالرّجعية ولا بالعمالة ، وهذا طبيعي جدّا بما أنّها " حكومة الثّورة " و" حكومة الشّرعية الانتخابية " و" حكومة الإرادة الشّعبية " الّتي لا يُمكن التّشكيك في " شرعيتها " باعتبار وأنّه وقعت منافستها لنفس الغرض ألاّ وهو اعتلاء السّلطة وحكم الشّعب و" تحريره " عن طريق " الانتخابات " . والمتتبّع للأحداث ، يعلم جيّدا أنّ معظم مكونات الجبهة تحصّلت على التّأشيرة القانونية للعمل السّياسي بعد 14 جانفي 2011 لتنتقل إلى وضع العمل القانوني العلني بما فيها من انتقل للعلنية و شبه العلنية دون تأشيرة قانونية مُستغلاّ الوضع الثّوري الّذي أتاحته وراكمته الانتفاضة ، وراهنت على نصيبها من كعكة الانتخابات المهزلة ، بل وشاركت بإمتياز في إدارة أزمة نظام العمالة من خلال الهيئات الملغومة كالمجلس الوطني لحماية الثّورة وهيئة بن عاشور الّتي أبدعت قانون الانتخابات وسهّلت عليها التّواجد في مؤسّسات الدّولة باعتبارها القاعدة المتقدّمة للنّظام الرّجعي والعميل المتأزّم من ولايات ومعتمديات ونيابات خصوصية ومجالس قروية وغيرها ، كما شاركت في إدارة الشأن العام لتخلق ديناميكية جديدة لأجهزة الدّولة باعتبارها حارس الطّبقات السّائدة والمؤتمنة على استمراره والّتي كانت جسرا للعبور والتّواجد في المجلس التّدليسي رغم تفاهة تمثيليتها ، وهذا ما يعكس طبيعتها الاصلاحية والانتهازية الّتي سهّلت على النّهضة المرور إلى الأمام ، وكانت المراكمة والمخرج " الشّرعية الانتخابية " الّتي لم تكن لصالحها ، وهكذا طُمس الجوهر الطبقي للصّراع بعد أن فقد نظام العمالة القدرة على إدارته بعض الشيء ، والّذي استعادها بعد الانتخابات وأصبح يهيمن على قاعدته السّياسية من جديد بواسطة لاعبين جدد تحت يافطة " الثّورة " . وها هي مكوّنات الجبهة تعود إلينا من جديد لتناور على المسألة الوطنية " والنّضال ضدّ العملاء " بعد فشلها في المرحلة الانتخابية ، وهي في الحقيقة غير مؤهلة أساسا لطرحها باعتبار انخراطها المسؤول في إدارة أزمة نظام العمالة بإمتياز مع الأطراف العميلة (راجع مثلا تركيبة النيابات الخصوصية ) ، إضافة إلى التزامها بأطروحاتها السّياسية الّتي لا يُمكن أن تتجاوز فيها قانون الأحزاب والتّداول السّلمي على السّلطة وبالتّالي قد سقطت في مقولة الوفاق الطّبقي مع أعداء الشّعب ، باختيارها لخطّ المهادنة ، وقد أقصوا المسألة الوطنية من أجندتهم السّياسية من خلال مشاركتهم لحركة النهضة الرّجعية والعميلة وللبيروقراطية النّقابية في ما يُسمّى بـ " المجلس الوطني لحماية الثّورة " في عملية الالتفاف على الانتفاضة والمساهمة في تبييضهما ، ومشاركتهم في هيئة بن عاشور وللباجي قايد السبسي في إدارته للمرحلة الانتقالية ، وبالتّالي فقد شرّعوا للعملاء بإضفاء صفة الوطنية عليهم ، ليحاولوا إيهامنا من خلال أرضية الجبهة بأنّهم قد خانوا نهج " الثّورة " والتفّوا على مطالبها بعد الانتخابات . وتتظاهر أغلب مكوّنات الجبهة الآن بتبنّي شعارات " الثّورة " ويدعون إلى " استكمال المسار الثّوري " بينما لم تكن قضية النّضال ضدّ الإمبريالية وعملاؤها المحلّيين في بياناتها الانتخابية وخياراتها السّياسية ، وما الإشارة إليها لا تُعدّ إلاّ من باب المزايدة السّياسية لا غير . وبالنّظر إلى مكوّنات الجبهة ، الّتي تُنظّر يسارا وتُمارس يمينا من خلال ما استنتجناه سابقا ، فإنّ طرحها للمسألة الوطنية بعد " الثّورة " لا يعدو أن يكون ذرا للرّماد في العيون ، فهذه " الثّورة " الّتي يتسابقون على ركوبها كغيرهم ، لم تحسم في التّناقض الرّئيسي إمبريالية / شعب ، وبالتّالي لم تحسم في العملاء الّذين يعبّرون عن مصالح الإمبريالية في القطر . فطبيعة المجتمع التّونسي الشبه مستعمر والشبه إقطاعي ، والّذي يحكمه نظام رجعي وعميل ، يعمل لصالح دوائر الرّأسمال المالي العالمي وصناديق النّهب الدّولية ، وهو يُعبّر في عمله عن مصالح الائتلاف الطّبقي الرّجعي والعميل المرتكز على بقايا الإقطاع وكبار الملاّكين العقاريين والبرجوازية الكمبرادورية والأجهزة البيروقراطية بأشكالها المتعدّدة والمتنوّعة ( الإدارية والعسكرية والأمنية والنّقابية ... ) ، هذا الائتلاف الطّبقي الّذي يُمثّل مصالح الإمبريالية والمُدافع الشّرس عنها لارتباط مصالحه الحيوية بها ، لم يسقط ولم يقع القضاء عليه واستئصاله بالعنف الثّوري على خلاف ما يُروّج له . ويتمظهر هذا الائتلاف الطبقي الرّجعي والعميل في تعبيرات الأحزاب والحركات السّياسية الرّجعية والعميلة المتغلّفة بالدين ، وكذلك في الأحزاب البرجوازية سواء كانت في السّلطة أو خارجها ، والّتي تلتقي معها وتُساندها في مهامها الرّئيسية تحت نفس غطاء الرّجعية والعمالة ، ويكتمل المشهد بالتّعبيرات السّياسية البرجوازية الصّغيرة والّتي تتميّز بالانتهازية والتّذبذب بين خدمة مصالحها ومصالح النّظام الرّجعي والعميل وأسياده الإمبرياليين وبين نضالها المتميّز بالاصلاحية الّتي لا ترى ضررا في الإبقاء على الإئتلاف الطّبقي الحاكم وبالتّالي على التّناقض الرّئيسي بين الإمبريالية والشّعب . ونجد في الخانة المقابلة العمّال والفلاّحون الفقراء وجموع المضطهدين من موظّفين صغار ومُفقّرين ومهمّشين وقواه الثّورية في مقدّمتهم في صراعها ومواجهتها لأعداء الشّعب الطّبقيين ، ومن كلّ هؤلاء يتشكّل الأساس الطّبقي والسّياسي للقوى الوطنية والدّيمقراطية المعادية للإمبريالية والصّهيونية ولحلفائهم المحلّيين بما فيها الحركات الاصلاحية والانتهازية . وفي خضم الانتفاضة الشّعبية الباسلة الّذي انخرطت فيه الطّبقات المُضطهدة بمختلف مواقعها الطّبقية ومصالحها ، وما نتج عنها من تداعيات ونتائج لا تصبّ في مصلحتها ، ولم تقض على نظام الرّجعية والعمالة - خاصّة وأنّ مُعظم أطراف الجبهة انخرطت في النّضال من أجل الحريات العامّة والفردية ... وانتخابات المجلس التّأسيسي - فإنّ الانتفاضة لم ترتق إلى مستوى الحسم في التّناقض الرّئيسي وبالتّالي لم تحسم في العملاء الّذين يعبّرون عن مصالح الإمبريالية في القطر . ونظرا لطبيعة الأطراف الاصلاحية والانتهازية المكوّنة للجبهة ، فإنّها حاولت سابقا الرّكوب على الإنتفاضة ولم تُحسن استغلال الوضع الثّوري إلاّ فيما ستغنمه من مصالح آنية ساهمت بفعلها مساهمة فعّالة في إدارة أزمة النّظام ، وبالتّالي ساهمت في ترميمه وانقاذه ديدنها في ذلك اللّهث وراء سراب " الثّورة " وما أفرزته من انتخابات مهزلة من أجل بعض المقاعد الشّكلية الّتي لا يمكن أن تُغيّر من جوهر المعادلة السّياسية ، ومراهنتهم على الانتخابات المهزلة كطريق للتّغيير واعتبارها خطوة مفصلية في طريق " الثّورة " ، سهّل الطّريق إلى التّعايش " الدّيمقراطي " مع الرّجعية والعملاء في أوجه عديدة ومتنوّعة . ولعلّ مشاركة " الجبهة الشّعبية " في مؤتمر الحوار الوطني الّذي نظّمته البيروقراطية النقابية للإتحاد العام التّونسي للشّغل بتاريخ 16 أكتوبر 2012 (بعد عودة قيادتها بجائزة من الولايات المتحدة الأمريكية ) خير دليل على ذلك ، خاصّة وأنّ أهمّ نقطة نجحت فيها البيروقراطية النّقابية في هذا المؤتمر هي إقرار " الشّرعية " لحكومة الرّجعية والعمالة بصفة رسمية بين فرقاء المشهد السّياسي بحضور * الرّئاسات الثلاث * رغم الغياب الشّكلي لحركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية ، وهذا ما يُعدّ طمسا جديدا لماهية المسألة الوطنية ، واعتبار أنّ قاعدة الصّراع " ديمقراطية " بحتة مرتكزة على " شرعية " ما أفرزته انتخابات ما بعد " الثّورة " ، وبالتّالي فإنّ هامش النّضال المتعلّق بالمسألة الوطنية بالنّسبة للجبهة أصبح محكوما بخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها ، وتسبح بمقتضاها في فضاء نظام الرّجعية والعمالة . وبالتّالي وقعت من خلال هذا المؤتمر عملية تنفيس ثانية للأزمة الّتي تعيشها حكومة العمالة ومن وراءها النّظام الّذي تستند إليه برمّته ، وهو ما يزيد في تدعيم أجهزة سلطته وما يترتّب عنها فسخ ما راكمته الجماهير الشّعبية المنتفضة ضده في الفترة الأخيرة والّتي هدّدت أركانه المُستندة إلى " الشّرعية الانتخابية " ، وما سيترتب عنها لاحقا من " شرعيات " قانونية ودستورية الّتي لا يجب تخطيها أو تجاوزها ، وهي في الأساس سيادة الائتلاف الطبقي الحاكم الرّجعي والعميل وفق ما تقتضيه مصالحه وامتيازاته على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وهو ما سيزيد في تأبيد هيمنة الإمبريالية وإحكام قبضة دوائر رأس المال المالي العالمي وصناديق النّهب الدّولية على القطر . ولعلّ خروج مكوّنات " الجبهة الشّعبية " في مسيرة مضادة للعنف السّياسي بعد حادثة القتل في ولاية تطاوين والتقاءها في ذلك مع حركة نداء تونس والحزب الجمهوري والمسار الاجتماعي مع فارق بسيط في التّوقيت ، إلاّ تعبيرة صادقة وواضحة المعالم على رفض العنف الثّوري كطريقة للتّغيير ، وسدّ المنافذ أمامه بتطويع الجماهير المنتفضة وتخويفها من شبح دوّامة العنف وآثاره الغير محمودة ، للقبول بمبدأ التّداول السّلمي على السّلطة في إطار " الشّرعية " ، وبالتّالي العمل على توجيه وجهتها عن محاور الصّراع الحقيقية وتبليد وعيها الطّبقي وسدّ الطّريق أمامها من أجل الإطاحة بنظام الرّجعية والعمالة على قاعدته الطّبقية ، وبالتّالي طمس التّناقض الرّئيسي بين الإمبريالية والشّعب وتحويله إلى الصّراع على خلفية ما تسمح به " الشّرعية " من آفاقأقصاها العملية الانتخابية ، وهو ما يحُول دون المسّ بالمؤسّسات السّياسية " الشّرعية للثّورة " وأجهزة الدّولة الّتي يتحكّم فيها الإئتلاف الطّبقي الحاكم الرّجعي والعميل وفضح طبيعته المعادية للجماهير المنتفضة ضدّه وتقديمه في صورة الحمل الوديع ، خاصّة وأنّ هذه المؤسّسات في طور إعادة التّرميم والبناء على قاعدة " الشّرعية الانتخابية " لا يُمكن خدشها أو التّشكيك فيها وهي الّتي تمثّل حجر الزّاوية لنظام العمالة في ثوبه الجديد والّتي بدونها لا يستطيع التّنفس . فمكوّنات الجبهة تعمل في هذا الإطار لضمان " الانتقال الدّيمقراطي " على قاعدة " وحدة الشّعب التّونسي " في إطار ما يسمح به النّظام الرّجعي والعميل من فضاءات للتّحرّك دون المساس بطبيعته وجوهره الطّبقي ، فأين مكوّنات الجبهة من المسألة الوطنية إذن ؟ خاصّة وأنّها لعبت دور رجال المطافئ - " ... ليلعبوا دور مستشفى الإمبريالية " كما يقول لينين ( الأعمال الكاملة مجلد 17 ص 158-159 ) – في فكّ عزلة نظام العمالة وإنقاذه من إمكانية التّصادم العنيف مع الجماهير المنتفضة ضدّه ، ممّا جعل أطراف التّناقض تختار مواقعها الحقيقية ، إمّا مع أصدقاء الشّعب وإمّا مع أعدائه الّذين يحاولون الظّهور بمظهر " الدّيمقراطيين الجدد " القائم على " الشّرعية الثّورية " ، وهو ما يزيد في تمويه الجماهير المنتفضة ضدهم ويُفشلها على إدراك الحلقة الرّئيسية للصّراع ، وهي دون شكّ المسألة الوطنية ، وتعويمها وإذابتها في المطالب الآنية كالتّشغيل والتّنمية والتّوازن بين الجهات والعدالة الانتقالية وقضايا الجرحى والشّهداء والحريات العامة والفردية وحرية الاعلام واستقلال القضاء ... وغيرها من المطالب . هذه المطالب على الرّغم من أهميّتها ، فإنّها تعتبر حلقات من حلقات النّضال الّتي يجب خوضها بذكاء ، وضرورة ربطها ببعضها البعض دون السّقوط في أوهام " الثّورة " و" الدّيمقراطية " و" الشّرعية الانتخابية " ، وترك المسألة الوطنية على حافّة الصّراع لتصبح مسألة ثانوية يمكن إرجاؤها وتأجيلها . وهذا هو موطئ الضّعف لدى الجبهة في هذا المضمار ، متناسية أن " ...الحرب الوحيدة المشروعة والعادلة ، حرب المُضطهدين ضد مضطهديهم " كما يقول لينين ( الأعمال الكاملة مجلد 9 ص 350 ) . وباعتبار طبيعة مكوّنات الجبهة المتّسمة باالاصلاحية والانتهازية المقيتة ، ونظرا لأنّ مفهوم الاصلاح مُناقض تماما لمفهوم الثّورة ، فإنّ تلك المكوّنات رغم تشبثها بمقولة " الثّورة " ، تتناسى الخلاف بينهما ، ممّا يؤدّي إلى مواصلة نهج المهادنة الطّبقي للنّظام الرّجعي والعميل بأشكال عديدة ومتنوّعة ، ديدنها في ذلك تحسين شروط التّفاوض معه للوصول للانتخابات القادمة ، وبالتّالي فإنّها تسير في طريق محفوف بالمخاطر تشمخ فيها قلعة العدو بكلّ قوتها الذّاتية والدّعم الخارجي الّذي تلقاه من الإمبريالية . وبالتّالي فإنّ الجبهة ستقع حتما في مستنقع نظام العمالة لأنّها اختارت سبيل المهادنة الطّبقي ، ولم تُدرك بعد الشّروط المادية والتّاريخية للثّورة وبقيت متعلّقة بسرابها فقط ، وتعتقد مكوّناتها بأنّها تسير في الوجهة الصّحيحة بمطالبتهم بالاصلاحات ، لكنهّم للأسف يسيؤون القيادة نحو الهدف المنشود في ظل ّ نظام رجعي وعميل . فالنّضال من أجل الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لصالح الجماهير أمر مطلوب ولا يختلف فيه اثنان ، لكنّ الخطر يكمن في تحبيذه على حساب المسألة الوطنية ، وبالتّالي فإنّ " سراب الثّورة " لا يزال يحكم مكوّنات الجبهة في ظلّ نظام لم يسقط ، تُريد في ظلّ وجوده " استكمال مهام الثّورة " ، وهو أمر لا يُمكن تحقيقه من خلال برنامج الأرضية السياسية للجبهة باعتبار وأنّ المسألة الوطنية لا تزال في صدارة اهتمامات كلّ الوطنيين في تونس ، ولا يزال مطلب الاستقلال الوطني والاقتصادي والسّياسي وفكّ الارتباط بالإمبريالية مطلبا قائما ، وحلّ التّناقض الرّئيسي بين الإمبريالية والشّعب يحتلّ الأولوية القصوى حتّى تحقيق الثّورة الوطنية الدّيمقراطية ذات الأفق الاشتراكي كمهمّة استراتيجية والمجسّدة في شعار * الشّعب يريد إسقاط النّظام * الّذي نادت به الجماهير المنتفضة من قبل وحاليا . وحسم التّناقض الرّئيسي لن يكون الاّ عبر النّضال المتواصل المرتكز على مهمّات واضحة المعالم يُعتمد فيها جميع الوسائل الضّرورية والممكنة طبقا للظروف الذّاتية والموضوعية المرتبطة باستراتيجية وتكتيك الثّورة الوطنية الدّيمقراطية ذات الأفق الاشتراكي . وعلى هذا الأساس فإنّ أطراف " الجبهة الشّعبية " لا يُمكن لها أن ترتقي إلى الهدف المنشود ، نظرا لطبيعة تركيبتها ومكوّناتها السّياسية أوّلا ، وخلل تكتيكاتها واستراتجيتها الّتي تدور في فلك الإئتلاف الطبقي الحاكم الرّجعي والعميل ، ولعلّ مهمّة " استكمال المسار الثّوري وإرساء سلطة الشّعب " بعيدة المنال ولا يُمكن أن تتحقّق في ظلّ رؤية معلولة وقاصرة مرتبطة بـ " الشّرعية الانتخابية " ومؤسّساتها الّتي يسهر المجلس التّدليسي على إنشائها ، دون أن تُكرّس العداء لنظام الرّجعية والعمالة ومن وراءه الإمبريالية ، ولن يصل بها الأمر لتحقيق ما تصبو إليه في ظلّ وجوده وهيمنته وتكريسه لعلاقات الانتاج السّائدة . وأخيرا ، فإنّ تشكيل أساس طبقي لجبهة وطنية ديمقراطية شعبية معادية للإمبريالية وللصّهيونية وللأنظمة وللأحزاب والحركات السّياسية الرّجعية والعميلة والاصلاحية والانتهازية ، هو البديل الكفيل لكلّ الوطنيين بالنّضال في صُلبها لتجذير المسار الثّوري للإنتفاضة من أجل التّحرّر الوطني والانعتاق الاجتماعي . " إنّ التّشديد على راهنية المسألة الوطنية وأولويتها لاستكمال المسار الثّوري وربط ذلك بالصّراع ضدّ الإمبريالية ووكلائها المحلّيين لحد إسقاط النّظام الرّجعي العميل هو المُحدّد في قيام كلّ جبهة وطنية ثورية " (من نصّ * جبهتان لا جبهات * للجبهة الوطنية الدّيمقراطية الشّعبية بتاريخ 07 أفريل 2012)
#الأسعد_سائحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|