كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1130 - 2005 / 3 / 7 - 10:37
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الحلقة الثاني
ما هي ضرورات ووجهة وعمق وشمولية التغيير أو التحديث المنشود لمواكبة التطورات الجارية في العراق والعالم؟
تكمن ضرورات عملية التغيير والتجديد والتحديث للقوى والأحزاب الديمقراطية, ومنها بشكل خاص قوى حركة التيار اليساري الديمقراطي في العراق, في ثلاث مجموعات من العوامل الجوهرية, وهي:
المجموعة الأولى: وترتبط بالواقع المتغير في العراق منذ النصف الثاني من العقد الثامن حتى الوقت الحاضر, ولكن بشكل أخص منذ العقدين الأخيرين من القرن العشرين, على مستوى الإنسان والمجتمع من حيث الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والنفسي والسلوكي العام. وهي تغيرات قلبت معايير وقيم الإنسان العراقي رأساً على عقب كما يفترض أن يلاحظ الوضع النفسي والاجتماعي للإنسان في أعقاب الحر وودود قوات الاحتلال في العراق. ويمكن متابعة ذلك في النقاط التالية:
1. تحولات سلبية في البنية الطبقية للمجتمع وتعمق وتنوع التشوهات التي كانت تتميز به هذه البنية الاجتماعية في غير صالح الطبقة العاملة والفلاحين والبرجوازية الصغيرة بشرائحها المختلفة والبرجوازية المتوسطة أو الوطنية, ولصالح توسع كبير جداً في القاعدة الاجتماعية للفئات الهامشية وأشباه البروليتاريا في المجتمع وانتشار واسع جداً للبطالة ومصاعب الحصول على ما يسد الرمق.
2. تحولات مماثلة وأكثر عمقاً وسلبية في الوعي الاجتماعي والسياسي الديمقراطي للإنسان العراقي بفعل شراسة النظام وقسوة أساليبه في التعامل مع الإنسان وصمت العالم كله على ذلك.
3. هيمنة الفكر الغيبي الاتكالي على عقول وأفئدة وعواطف نسبة عالية من السكان, وخاصة في صفوف الفئات الكادحة والفقيرة التي كانت وقوداً وضحيةً لحروب النظام وسياساته الاستبدادية والعنصرية والطائفية والتي لم تجد في القوى السياسية المناضلة ضد الدكتاتورية عوناً لها للخلاص من محنتها ومن النظام الدموي, فالتجأت إلى المساجد أو الجوامع لتجد فيها متنفساً لها وموقعاً لبث همومها وشكواها, وتجد في بلوى الحسين واستشهاده البطولي عوناً لها على تحمل المصائب الجديدة التي تعاني منها. وهنا لعبت قوى رجعية وظلامية ومتخلفة دورها في الاستفادة من تراجع الوعي الديمقراطي لفرض وعيها وأساليبها وممارساتها على الإنسان والتي تجلت في الفترة الأخيرة بما شاهدناه في كربلاء من عمليات "التطبير وضرب الزناجيل على الظهور واللطم المتعري على الصدور", بدلاً من الاحتفال الوقور والإنساني باستشهاد الحسين وأخيه العباس وصحبه وسبي عائلته الكريمة.
4. الغياب الطويل للقوى الديمقراطية عن الساحة السياسية المباشرة عن مناطق الوسط والجنوب, رغم أنها لم تغادر كلها المواقع, ولكن من تبقى منها كان يعمل في السر وعبر صعوبات هائلة, وبالتالي غابت الكثير من التقاليد والمعرفة السابقة بالقوى السياسية العراقية, وخاصة في صفوف الشباب من النساء والرجال, إضافة إلى الخيبة التي أصيبت بها جمهرة واسعة جداً من السكان بسبب التحالفات غير العقلانية التي تورط بها الحزب الشيوعي العراقي مع حزب البعث الحاكم في نهاية الربع الأول من العقد الثامن حتى الربع الأخير منه تقريباً. وكانت لهذا التحالف السيئ نتائجه السلبية على وعي الناس ومزاجها ومواقفها.
عند دراسة الواقع الاجتماعي يفترض أن نتخلى عن المجاملة مع المجتمع أو بتعبير أدق مع أنفسنا بالذات, إذ نحن جزء منه وأمراضه هي أمراضنا ومشاكله هي مشاكلنا, وبالتالي لن تنفع النداءات الفارغة التي تتحدث عن أصالة وعظمة ورقة الشعب والإنسان في العراق. فالإنسان العراقي مصاب بشكل عام, وليس الحديث عن هذا الفرد أو ذاك, بانفصام الشخصية والانسحاق الداخلي والمرارة المذلة وضعف الثقة بالنفس والاتكالية الشديدة والترقب وانتظار الفرج من خارج الذات والمجتمع. لقد دمرت نظرية وممارسة البعث الاستبدادية الشمولية والعنصرية الإنسان والمجتمع في العراق, وهذه الحالة ليست من صنع الإنسان العراقي ذاته ولا تنسجم مع رغباته وتطلعاته, بل فرضت عليه عبر السنين, وهي من صنع النظام الدموي الذي هيمن على المجتمع والاقتصاد الوطني وأجهزة الدولة, والظروف التي نشأت بسبب ذلك وأحاطت بالإنسان والمجتمع. ومثل هذا الإنسان الذي يتميز بالعوز والحاجة وروح انتهاز الفرص للنجاة بالنفس أو للحصول على امتيازات ومكاسب في أوضاع استثنائية شاذة تحيط به لا يمكن أن ينتظر ممن يعمل معه إلا أن يخدمه, أن يقدم له شيئاً غير سلام الترحيب والكلام, بل يريد منه الفعل المباشر والسريع لتغيير أوضاعه البائسة واليومية, وأن يتحدث معه بلغة أخرى وخطاب جديد لم يسمعه من قبل وقادر على قبوله استناداً إلى الواقع الذي يعيش فيه, وليس الحديث عن مستقبل بعيد لا يرى فيه من خلال حياته الراهنة أي فائدة ومنفعة مباشرة.
صعقت وسحقت الأحداث والسياسات والخيمة الفكرية البعثية الإنسان العراقي وحولته إلى متلق أكثر مما هو مفكر ومبادر ومنتقد, حولته إلى مستهلك أكثر مما هو منتج, وجعلته أسير الرحمة الإلهية والمعجزات والاستخارة والركض وراء المنجمين والسحرة والمشعوذين, بدلاً من التفكير الهادئ والتشمير عن السواعد صوب المشكلات لمعالجتها. كما نمت لديه القسوة والفحولة الذكورية القلقة التي حاول صدام حسين غرسها في نفوس الرجال وبشكل مشوه وقبيح لا ينسجم مع الإنسان السوي بل مع الإنسان النرجسي والسادي والمصاب بجنون العظمة. وعادت العشائرية بكل تقاليدها وميراثها لتفرض نفسها على المجتمع بثقلها الشديد. وكذا الطائفية المقيتة وتميزها المفرق للصفوف. وعم الفساد الدولة والمجتمع من القمة حتى القاعدة, والسمكة لا تفسد إلا من رأسها أولاً, إذ لا يمكن أن ينمو الفساد الوظيفي دون قبول وفساد النظام السياسي ورأسه بذلك, ثم يفرض على المجتمعً من خلالهما. ولهذا لا يمكن مجاملة هذا المجتمع ولا أجهزة الدولة التي ورثناها من البعث المخلوع وما قبله, بل لا بد من طرح الواقع الفاسد على المجتمع ومصارحته بخصائصه السلبية التي نمت عبر العقود المنصرمة بصورة منهجية ومنظمة وهادفة, ولا بد من العمل مع المجتمع لتجاوز هذه السمات السلبية. ومثل هذا الموقف بحاجة إلى قوى وأحزاب سياسية وقيادات قادرة على تخليص نفسها من ذات أو بعض الأمراض التي يعاني منها المجتمع أولاً وقبل كل شيءً, لكي تستطيع معالجة أمراض المجتمع. وهذا لا يعني بأي حال أن العملية يفترض أن تتاجل إلى حين تخليص الأحزاب والقوى منها, بل يفترض أن تمشي العملية جنباً إلى جنب وبصورة منسقة.
المجموعة الثانية: وترتبط بالتغيرات الجارية على الصعيد العالمي والعوامل الجديدة الفاعلة فيه ووجهة حركته في ضوء القوانين الاقتصادية والاجتماعية الموضوعية الفاعلة بوعي الإنسان لها أو بدونه, والتي يمكن بلورتها في النقاط التالية:
1. لا نأتي بجديد حين نقول بأن انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية والأزمة العميقة التي كانت موجودة في قلب الحركة الشيوعية العالمية وفي وسط الأحزاب المكونة لها, وعدم إيجاد حلول عملية لها وفي وقت مبكر, خلق إحباطات كثيرة في صفوف القوى الشيوعية والاشتراكية والديمقراطية, وبشكل خاص في الدول النامية. وساهم في تعميق ذلك, رفض الأحزاب الشيوعية والعديد من الكتل اليسارية, وعي طبيعة المرحلة وطبيعة وعمق الأزمة الفكرية التي تعاني منها بسبب الاختلالات الموجودة في النظرية اللينينية وفي فهم والتعامل الواعي مع الماركسية وتفسيرها القاصر والخاطئ أحياناً كثيرة من قبل الأحزاب الشيوعية والتخلي عملياً عن المنهج العلمي والتشبث بالنظرية التي هي نتاج الواقع ودراسته المنهجية العلمية وقلب مفهوم المادية التاريخية على أحكام مسبقة وقرارات يراد إخضاع النظرية مسبقاً لها. وما حصل من إصلاح لم يكن سوى عملية ترقيعية لا ترقى إلى مستوى التغيير المنشود والمطلوب. وكان الحرس أو الكادر القديم يرفض أي تجديد أو تغيير متشبثاً بمواقعه الحصينة ومستعداً للمقاتلة بالمقولات التي عفا عنها الزمن. إنها محنة الكثير من الأحزاب الشيوعية في البلدان النامية وبعض الدول الأخرى, ومنها ألمانيا مثلاً, وبعض الحركات اليسارية المتطرفة التي اكتشفت النظرية الماركسية حديثاً وراحت تزايد على الأحزاب الشيوعية لتسقط في هوة الهروب إلى أمام بأقصى سرعة ممكنة مما جعلها تنعزل عن الشعب وتنكفئ على وجهها ونفسها وتصطدم بحقائق الحياة الصلدة, ولكنها عاجز حتى الآن عن الاعتراف بالواقع القائم. والحزب الشيوعي العراقي يعيش بين مدينتي نعم ولا حسب تعبير الشاعر الروسي أفتشنكو, بين التجديد والمراوحة والاستقرار على الواقع القديم, وهي إشكالية كبيرة لهذا الحزب المناضل الذي تجاوز عمره عمري بسنة واحدة, بتراثه التاريخي وتقاليده وممارساته الصائبة والخاطئة, بنجاحاته وإخفاقاته, بإيجابياته وسلبياته, إنه يعيش الصراع الداخلي, رغم الوحدة الشكلية القائمة, وهو أمر مفهوم ومقبول أيضاً, ولكن يفترض حسم الأمر لصالح الجديد والتجديد والتحديث الذي سنتحدث عنه لاحقاً.
2. مع انهيار النظم الاشتراكية أصبح العالم يعيش في ظل عالم رأسمالي واحد, رغم انقسامه إلى عالمين عالم رأسمالي متقدم ويحتل المركز, وعالم نامي ومتخلف ويحتل المحيط, تقف على رأسه الولايات المتحدة وتقود السبعة الصناعية الكبار. واقترن سقوط الاشتراكية بتسريع موضوعي لعملية العولمة في المجتمع البشري رغم التباين في دوره وتأثيره والمنافع المتحققة للشعوب والدول المختلفة. وهذا التطور يعني في واقع الحال أن المهمات السابقة التي كانت تواجه شعوب البلدان النامية, بغض النظر عن مدى صوابها أو خطأها, قد تغيرت في ترتيب أسبقياتها, وتحول التناقض الذي كان بين الدول الاشتراكية والرأسمالية إلى تناقض بين الدول الرأسمالية والدول النامية, ولكن اتخذ أسساً وسبلاً وأساليب جديدة للمعالجة والحل بدلاً من السبل والأساليب والأدوات السابقة, وهو الذي يفترض أن تفهمه قوى حركة التحرر الوطني في المرحلة الراهنة, ومنها العراق. إن الولايات المتحدة تريد الهيمنة على العالم وتريد فرض سياساتها ومصالحها العولمية عبر عملية العولمة الموضوعية الجارية في العالم, وبالتالي تفرض على الكثير من القوى أساليب نضال لا تنسجم مع الأساليب الضرورية لمواجهة الواقع الجديد, وبالتالي تدفعها إلى الضياع والخسارة والإرهاب, وهو ما يفترض الانتباه إليه وتجنبه. ولكن على الحركة الديمقراطية, ومنها الحركة اليسارية بشكل خاص, أن تدرك بأن الطريق الوحيد والضامن لنجاحها في تحقيق مصالح المجتمع العراقي لا يمر إلا عبر فهم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات ووعي مضمون العدالة الاجتماعية في المرحلة الراهنة, وأهمية الأخذ بنظام الاقتصاد الحر الاجتماعي, إذ أنه الأداة الفعلية للخلاص مرحلياً من العلاقات شبه الإقطاعية والتخلف في مجمل العملية الاقتصادية والتي تتجلى في المستوى المتخلف للقوى المنتجة العراقية وتخلف البحث العلمي والتقني والتشوه في بنية الاقتصاد الوطني. أن وعي مصالح المجتمع العراقي وضرورات تطوره اللاحق تستوجب التعاون مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الصناعية الكبرى وتستوجب الاستفادة الواعية والقصوى من عملية العولمة الجارية في العالم لا الانعزال عنها وتستوجب تعزيز دور القطاع الخاص إلى جانب الاستفادة القصوى من قطاع الدولة في مرحلة التطور الراهنة والمنظورة, كما تستوجب الانتباه للعواقب السلبية من عملية العولمة الجارية وسياسات الدول الكبرى أيضاً. . إن الصراع لا يعني المناطحة, بل يفترض وعي الواقع وسبل التعامل في ما بين القوى المتصارعة.
المجموعة الثالثة: وترتبط بالواقع العربي والإقليمي المحيط بالعراق والمرتبط مباشرة بالواقع الدولي والتغيرات التي طرأت على موازين القوى فيهما. ويمكن تشخيص ذلك في نقاط جوهرية, وهي:
1. رغم التغيرات التي طرأت على العالم, فأن العالم العربي والكثير من الدول الإقليمية عاجزة عن رؤية ذلك, وبالتالي فأن النظم السائدة فيها ما تزال تزحف على بطنها في فهم الواقع الجديد ولا تريد الاقتناع بأن النظم القائمة لم تعد صالحة للعالم الجديد, وأن عليها أن تفهم هذه الحقيقة في سبل التعامل مع شعوبها وقواها السياسية المعارضة, وهو الذي لم يتحقق حتى الآن. إلا أن هذه النظم ستسقط واحداًً تلو الآخر, وهي عملية لن تطول كثيراً ما دامت مصرة على انتهاج سبيل الضحك على ذقون الشعب في مسألة الإصلاح الديمقراطي الجذري. إن حكام هذه النظم يخفون رؤوسهم بالرمال وهم يرون الحقائق الناصعة التي يواجهونها, ولكن عاجزون موضوعياً عن عملية التغيير, ولهذا لا بد من تغييرهم بالطرق التي تراها شعوبهم بعيداً عن الانقلابات العسكرية, أو أنه سيحصل من الخارج, كما جرى في العراق وكما سيحصل في سوريا أو في لبنان إن استمرت المماطلة الراهنة في اتخاذ القرارات الصائبة وبعيداً عن زج المزيد من المناضلين في سبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان بالسجون ... الخ. والمصيبة أن الجامعة العربية عاجزة هي الأخرى كلية عن التعامل مع الجديد في الوضع ومشدودة بقيود العلاقات الاستبدادية والشوفينية العربية والابتعاد عن الوعي بمضامين حرية الشعوب والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وغياب العدالة الاجتماعية عن الشعوب القاطنة في هذه المنطقة, بعيداً عن فهم حاجات ومصالح الشعوب ومعزولة عنها تماماً.
2. إن التحولات الجارية على الصعيد العالمي لا تجد صدى لها لدى غالبية القوى والأحزاب السياسية اليسارية منها واليمينية, وخاصة القومية وقوى الإسلام السياسي, دع عنك القوى المتطرفة منها, والكثير من القوى اليسارية والأحزاب الشيوعية, ومنها الأكثر تطرفاً. إنها تحاول مناطحة حقائق الوضع وتصطدم بها وتتحطم عليها أحلامها الوردية وأوهامها ويحصل الإحباط. وبالرغم من هذه القوى التي تعمل باتجاهات ليست بالضرورة متجانسة بل وأحياناً متناقضة, تعيق عملية التحولات الديمقراطية المنشودة في المنطقة وفي الدول العربية والعراق, بحجة أننا لا نريد الركض وراء الحلول الإصلاحية التي تطرحها الولايات المتحدة الأمريكية, وكأن شعوبنا لم تطالب بالإصلاح والتنوير الديني منذ عشرات السنين. إنها محنة التخلف والتوقع وبؤس التحليل والتفكير.
3. ابتعاد النظم وأغلب القوى السياسية في المنطقة عن وعي حق جميع الشعوب صغيرها وكبيرها في تقرير مصيرها بنفسها وممارسة حقوقها كاملة غير منقوصة, وبالتالي فهي تطالب بحقوق شعبها العربي أو التركي أو الفارسي, ولكنها تهمل كلية حق الشعوب القاطنة في ذات الدول بحقوقها القومية المشروعة. وهو ما نعيشه إزاء القضية الكردية في كل من تركيا وإيران وسوريا, وإلى حد معين في العراق أيضاً, علماً بأن العراق يسير اليوم صوب ممارسة هذا الحق مع وجود صعوبات غير قليلة وغير موضوعية بل ذاتية تثيرها بعض القوى والأحزاب وخاصة بعض القوى القومية والإسلامية. علماً بأن العالم الذي نعيش فيه والمرحلة التي نمر بها ستفرض تدريجاً على كل الدول ممارسة هذا الحق شاءت ذلك أم أبت.
4. إن الحرب التي خاضتها الدول المتحالفة بقيادة الولايات المتحدة في العراق تشير إلى ممارسة أساليب جديدة في السياسة الدولية وهي خطرة بطبيعة الحال إذا ما أصبحت نهجاً ثابتاً في السياسة الأمريكية. إلا أنه يفرض من الجانب الآخر أن فتح عيوننا وعقولنا إلى المرحلة الجديدة بكل تعقيداتها وموازين القوى فيها وسبل معالجة الأمور السياسية. كما أن تداعيات الحرب, رغم خلاص الشعب العراقي من أكبر وأعتى دكتاتورية ودكتاتور عرفتهما المنطقة والعراق, تؤكد بأن الحرب ليست الطريق السليم لمعالجة المشكلات التي تعاني منها الشعوب والدول. ومع ذلك فعلينا أخذ الاتجاه الدولي الجديد للولايات المتحدة بنظر الاعتبار. إن الاحتلال خلق أجواء جديدة في العراق لا تستوجب رفض الاحتلال فحسب, بل ممارسة النضال لإنهائه بالطرق السلمية والديمقراطية ونقد ممارساته والعمل على ضمان تأييد ودعم الشعوب, وليس بالطريقة التي تحاول بعض العناصر والقوى إقناعنا بها, وأعني بها ممارسة الإرهاب الجاري بحجة مقاومة الاحتلال. إن الاحتلال حصل بسبب الحرب وبسبب سياسات النظام, وعلينا التحري عن السبل السليمة وبدعم دول وشعوب العالم للخلاص منه بعد خلاصنا من الإرهاب الدولي الذي نتعرض له من جانب قوى البعث والقوى الظلامية والعدوانية.
إن كل ذلك وغيره يؤكد وجود تغيرات ومتغيرات وكبيرة جداً حصلت في العراق وفي المنطقة والعالم وهي ما تزال مستمرة تستوجب وعيها من جهة وتحليل سبل التعامل معها ومن ثم إجراء التغييرات الضرورية في سياسات ومواقف الأحزاب والقوى السياسية العاملة في العراق, أي من حيث النهج والخطاب السياسي والأساليب والأدوات التي تعمل وفقها, وهو موضوع الحلقة الثالثة.
برلين في 6/2/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟