حسن عجمي
الحوار المتمدن-العدد: 3890 - 2012 / 10 / 24 - 09:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تتنوع النظريات ضمن فلسفة اللغة. نرصد هنا ثلاث نظريات فلسفية تختلف في تحليل اللغة لنشهد الصراع فيما بينها و انتصار السوبر حداثة التي تتحرر من تقاليد الفلسفة التي تصر على تحديد اللغة و سجنها.
أولا ً , ثمة نظرية فلسفية تعتبر أن اللغة مجردة. طرح الفيلسوف كيتز هذه النظرية و دافع عنها. بالنسبة إلى كيتز , اللغة مجردة بمعنى أنها تختلف كلياً عن الواقع الفيزيائي و عن الحالات العقلية و التصرفات البشرية. بل اللغة تحيا بلا مكان و بلا زمان و وجودها ضروري الوجود. فاللغة ليست ما نقول أو نكتب و ليست حالات سيكولوجية قائمة في العقل البشري. على النقيض من ذلك , يؤكد كيتز على أن اللغة مجردة و مختلفة عما نقول أو نفعل بها و عما يوجد في العالم الفيزيائي من حولنا تماماً كما أن الأعداد الرياضية مجردة. بكلام آخر , اللغة مجردة كما العدد الرياضي واحد مجرد ؛ فالعدد واحد غير موجود في عالمنا الفيزيائي كما توجد هذه الورقة أو ذاك القلم. من المنطلق نفسه , اللغة مجردة و مستقلة في وجودها عن عالمنا الفيزيائي , و لذا للغة تجسدات متنوعة تماماً كما للعدد واحد تجليات مختلفة ؛ فمن الممكن كتابة العدد واحد بطرُق متنوعة لأن كتاباتنا له ليست سوى تصوراتنا عن الواحد الحقيقي المجرد. هكذا أيضاً اللغة مجردة و لذا من الممكن التعبير عن العبارة نفسها بأساليب مختلفة Jerrold Katz : The Metaphysics of Meaning.1992.A Bradford Book)).
لكن المشكلة الأساسية التي تواجه هذه النظرية هي التالية : إذا كانت اللغة مجردة و بذلك مختلفة و منفصلة تماماً عن عالمنا الفيزيائي و عنا , إذن كيف ترتبط اللغة بعالمنا الواقعي و كيف ترتبط بنا ؟ إذا سلّمنا بأن اللغة مجردة حينها لا قدرة سببية لها لكونها مجردة و بذلك يستحيل أن ترتبط بنا و بعالمنا الفيزيائي الواقعي. و هذا نقيض طبيعة اللغة لكونها معبِّرة عن الواقع و لكونها مُستخدَمة من قِبل البشر. من هنا , تفشل النظرية التي تقول إن اللغة مجردة.
ثانيا ً , قدّم الفيلسوف و عالِم اللغة نعوم تشومسكي نظرية مفادها أن اللغة و المعاني عقلية و مُحدَّدة من قبل العالم الداخلي للإنسان. بالنسبة إلى تشومسكي , اللغة حالات عقلية سيكولوجية ؛ فالعبارات اللغوية تمثلات عقلية معتمدة في وجودها على الدماغ البشري كسائر الحالات العقلية البشرية. لكن الحالات العقلية كالمعتقدات أساسها بيولوجي ؛ فهي تتكوَّن على ضوء بيولوجيا الفرد و تعتمد في وجودها على الخلايا العصبية ( أي النيورونات ) القائمة في الدماغ و التي بدورها تنشأ بفضل الجينات البشرية أي المعلومات المتوارثة من جيل إلى آخر. و بما أن اللغة حالات عقلية , و الحالات العقلية بيولوجية في الأصل , إذن بالنسبة إلى تشومسكي اللغة بيولوجية و موجودة في جينات الكائن الحي ( Noam Chomsky : Language And Problems of Knowledge.1988.MIT Press ). لكن هذه النظرية تواجه مشكلة أساسية و هي التالية : إذا كانت اللغة و معانيها حالات عقلية و مُحدَّدة من قبل العالم الداخلي للإنسان , إذن لن تتمكن اللغة من التعبير عن العالم الواقعي خارج الإنسان. و هذه النتيجة تعارض الحقيقة ؛ فاللغة كما نختبرها أداة تعبير ناجحة عن العالم الواقعي. و بذلك تفشل نظرية تشومسكي التي تعتبر أن اللغة حالات عقلية.
ثالثا ً, دافع العديد من الفلاسفة عن نظرية أن اللغة فيزيائية و مُحدَّدة من قبل العالم الفيزيائي خارج الإنسان. فمثلا ً , يقدِّم الفيلسوف ديفيد لويس مذهباً فلسفياً مفاده أن اللغة إقتران الجُمل بالمعاني و أن العبارة الحاملة للمعنى هي مجموعة أكوان ممكنة. مثل ذلك أن عبارة " الثلج أبيض " هي مجموعة الأكوان الممكنة حيث الثلج أبيض ( David Lewis : On the Plurality of Worlds.2001.Wiley-Blackwell ). هكذا العبارة مُحدَّدة من قبل الوجود المتكوِّن من أكوان ممكنة موجودة بالفعل. و يؤكد الفيلسوف جيري فودر على هذا الاتجاه الفيزيائي في اللغة لكن بطريقة أخرى. يقول فودر إن المفاهيم مُحدَّدة من قبل العالم الواقعي خارج الإنسان. فمثلا ً , مفهوم " القطة " يعني القطة لأن القطة في العالم الواقعي تسبِّب مفهوم " القطة ". هكذا العالم الفيزيائي يُحدِّد اللغة ( Jerry Fodor : A Theory of Content and Other Essays.1990.MIT Press ). أما مشكلة النظرية الفيزيائية في اللغة فهي التالية : ثمة مفاهيم غير مرتبطة بالعالم الفيزيائي لأنها مجردة. و بذلك تفشل النظرية الفيزيائية في التعبير عن تلك المفاهيم لأن النظرية الفيزيائية في اللغة تشترط أن نرتبط سببياً بالعالم الفيزيائي كي تنشأ المفاهيم لدينا. مثل ذلك أن العدد خمسة مجرد و بذلك لا يوجد ككائن فيزيائي في العالم الفيزيائي فلا يرتبط بنا سببياً و بذلك لا يسبب مفهومه فينا ؛ فهو يفتقر إلى قدرة سببية لكونه مجرداً. من هنا , إذا صدقت النظرية الفيزيائية في اللغة حينها يستحيل معرفة العدد خمسة. لكن هذا نقيض الواقع ؛ فنحن نعرف العدد خمسة و نستخدمه دائماً. على هذا الأساس تفشل النظرية الفيزيائية في اللغة أيضاً.
اللغة إما مجردة و إما عقلية و إما فيزيائية. لكننا وجدنا أن كل هذه النظريات في اللغة تفشل. و بذلك من غير المُحدَّد ما هي اللغة تماماً كما تؤكد السوبر حداثة. بالنسبة إلى السوبر حداثة , اللامُحدَّد يحكم العالم لكن رغم لا محددية العالم من الممكن معرفته. من هذا المنطلق , تقول السوبر حداثة إن من غير المُحدَّد ما هي اللغة. و بما أن من غير المُحدَّد ما هي اللغة , إذن من الطبيعي أن تفشل كل نظرية في تحليل اللغة فكل تحليل تحديد. هكذا تنجح السوبر حداثة في تفسير لماذا تفشل التحليلات السابقة للغة , و بذلك تكتسب السوبر حداثة قدرة تفسيرية ما يدعم مصداقيتها. و لا محددية اللغة تحررنا. فلو كانت اللغة مُحدَّدة ما هي و كيف تتكوّن و مما تتكوّن لتم سجننا في لغة مُحدَّدة ما يجعلنا نخسر حرية التفكير. من هنا حقيقة أن اللغة غير مُحدَّدة تضمن حريتنا في صياغتها و في التفكير من خلالها و بذلك لا محددية اللغة تضمن إنسانية الإنسان ؛ فإنسانية الإنسان كامنة في حريته. هكذا تكتسب السوبر حداثة فضيلة تحريرنا من سجون لغة مُحدَّدة و فضيلة ضمان إنسانيتنا. و بما أن اللغة غير مُحدَّدة ما هي , إذن من المتوقع أن تتجسد اللغة في تجسدات مختلفة و عديدة إن لم تكن لامتناهية في العدد. و هذا يدفع إلى استمرارية البحث المعرفي إلى ما لا نهاية بهدف الكشف عن التجسدات و التجليات اللغوية اللامتناهية. من هنا تضمن السوبر حداثة استمرارية البحث المعرفي و اللغوي و بذلك تكتسب السوبر حداثة فضيلة إضافية كبرى.
من جهة أخرى , يقدِّم نعوم تشومسكي نظرية مثيرة في اللغة مفادها التالي : اللغة فطرية و عالمية بحيث تولد مع ولادة الإنسان كما يشترك كل البشر في امتلاك لغة عالمية واحدة كامنة في جيناتنا البيولوجية أي في ما نرث من معلومات في أجسادنا الحية. بالنسبة إلى نظرية تشومسكي هذه , كل اللغات المختلفة التي نعرفها كالفرنسية و الإنكليزية و الإسبانية و العربية إلخ ليست سوى تجليات متنوعة للغة العالمية التي يشترك كل البشر في امتلاكها. و كما يقول تشومسكي , إذا زارنا كائن فضائي سيجد أن كل البشر يتكلمون بلغة واحدة و أن اللغات التي نعتبرها مختلفة ليست سوى لهجات متنوعة للغة المشتركة بيننا جميعاً. و الدليل الأساسي الذي يقدمه تشومسكي على صدق نظريته هو التالي : يتمكن الطفل من بناء عبارات لغوية سليمة في قواعدها اللغوية و ذات معان ٍ من دون أن يكون قد اختبرها سابقاً أي من دون أن يكون قد سمعها أو تعلمها. و السؤال هو : كيف يتمكن الطفل من فعل ذلك؟ يجيب تشومسكي قائلاً إن التفسير الوحيد لهذه الحقيقة هو أن اللغة بقواعدها فطرية في الإنسان تولد فيه بمجرد أن يولد. هكذا يشترك كل البشر بامتلاك قواعد لغوية واحدة , لكن من جراء اختبار أنماط لغوية مختلفة في محيطنا نصبح متكلمين بلغات مختلفة. فمَن يسمع العربية و هو طفل يغدو متكلماً باللغة العربية , أما مَن يختبر أو يستمع إلى اللغة الإنكليزية فيمسي متكلماً باللغة الإنكليزية بدلاً من العربية. فما نختبر من أنماط و ألفاظ لغوية مختلفة في محيطنا يسبب اختلاف اللغات البشرية رغم أنه مجرد اختلاف في الظاهر. بالنسبة إلى تشومسكي , القواعد فطرية و عالمية , لكن كل قاعدة أو مبدأ لغوي ليس سوى عامل متغير على ضوء ما نختبر ( Noam Chomsky : Language And Problems of Knowledge.1988. MIT Press. & Noam Chomsky : Language & Thought.1993.Moyer Bell). على هذا الأساس , إذا صدقت نظرية تشومسكي فهي دليل آخر على مصداقية السوبر حداثة في اللغة. فبما أن مبادىء اللغة عوامل متغيرة على ضوء ما نختبر في الواقع , إذن اللغة غير مُحدَّدة ما هي كما تقول السوبر حداثة بالضبط . و لا بد أن تكون اللغة غير مُحدَّدة لتكون عالمية ؛ فلو كانت اللغة مُحدَّدة لتحددت على ضوء الظروف المحيطة بها و بذلك لإختلفت بين البشر باختلاف كبير من جراء اختلاف الظروف الطبيعية و الاجتماعية ما يجعل من المستحيل أن تكون اللغة عالمية بحيث يشترك كل البشر بامتلاك لغة واحدة. على هذا الأساس , اللغة غير مُحدَّدة و إلا لم تكن عالمية.
بالإضافة إلى ذلك , يشرح المفكر و عالِم اللغة ديفيد كريستل الوظائف العديدة و المختلفة للغة اعتماداً على التاريخ الفكري الطويل المعني بفلسفة اللغة و أبحاث العلوم الألسنية. وظائف اللغة كثيرة و عرضة للتغير و التطور و التدهور. يوضح لنا كريستل الوظائف المتنوعة للغة منها أن اللغة وسيلة للتواصل و التفاهم بين البشر؛ فمن خلال اللغة فقط نتمكن من أن نتبادل المعلومات فننجح في التواصل و التفاهم فيما بيننا. لذا اللغة أساس بناء المجتمع و الحضارة لأن بها فقط نتفق أو نختلف علماً بأنها الأداة الناجحة في إيصال المعلومات و تلقيها. و هذه الوظيفة الأساسية للغة تتضمن وظائف أساسية أخرى لها ألا و هي أن اللغة تشكّل وسائل للتعبير عن الأفكار و المشاعر و الوقائع و الحقائق. فبما أن اللغة أداة للتواصل و التفاهم بين الناس , و بما أن التواصل أو التفاهم بين البشر لا يتم سوى من خلال تعبيرهم عن أفكارهم و مشاعرهم و عما يوجد في الواقع أو ما قد يوجد , إذن اللغة كوسيلة للتواصل و التفاهم تتضمن بالضرورة وظائف اللغة المتمثلة في التعبير عن الأفكار و المشاعر و الوقائع و الممكنات. من الوظائف الأخرى التي تملكها اللغة و ظيفة تغيير العالم و تشكيله. مثل ذلك هو عندما يعمّد رجل الدين المسيحي طفلاً من خلال طقس ديني جوهره قراءة آيات من الإنجيل أو النصوص المقدسة الأخرى حينئذ يغدو ذاك الطفل مسيحياً بفضل ما تم من قراءة لغوية. الشيء نفسه يحدث مع المسلم ؛ فعندما يتلو الفرد الشهادتين مؤمناً بهما يصبح مسلماً. هكذا القراءة أو التلاوة اللغوية تخلق الحقائق و تشكل العالم. من الأمثلة على ذلك أيضاً أننا لا نعد أحداً بفعل شيء ما إلا إذا قلنا له نعدك بذلك , كما لا نعتذر فعلاً من أحد إلا إذا قلنا له نعتذر منك. هذا يرينا أن اللغة هي التي تقوم ببعض الأفعال و بذلك تغيّر العالم و تغيّرنا ( David Crystal : A Little Book of Language.2010. Yale University Press ).
يشير المفكر كريستل إلى أدوار أخرى تتخذها اللغة منها أنها تعبير عن الهوية. مثلاً, إذا استخدمنا اللغة العربية للتواصل حينها نعبّر ضمنياً عن أننا عرب أو ننتمي إلى الحضارة العربية. أما إذا استعملنا اللغة الانكليزية في تواصلنا الاجتماعي فحينئذ نعبّر عن أننا انكليز أو ننتمي إلى الثقافة الانكليزية. وهكذا بالنسبة إلى باقي اللغات. ويضيف كريستل أن دوراً أساسياً أيضاً للغة يكمن في أن اللغة تساعدنا في التفكير. مثل ذلك أننا إذا رددنا تعليمات صناعة أو تركيب آلة ما بصوت عالٍ , سوف يساعدنا ذلك في فهم و استيعاب تلك المعلومات ما يتيح لنا النجاح في بناء تلك الآلة التي ننوي تركيبها. لكن ليست كل وظائف اللغة جدية ؛ فمن وظائفها أيضاً أنها تهدف إلى إسعادنا و إسعاد الآخرين. وظيفة اللغة هنا هي وظيفة ترفيهية. فمثلاً نستخدم اللغة من أجل إطلاق النكات و الأحاجي كما نلعب باللغة منتجين نصوصاً لا معنى لها و هدفها الترفيه ليس إلا. و كما تشكّل اللغة العالم تجعلنا نفكر و نشعر؛ فمثلاً قراءة هذه الرواية أو تلك القصيدة تدفعنا نحو التفكير و الشعور على هذا النحو أو ذاك ( المرجع السابق ). الآن, لقد وجدنا أن للغة وظائف و أدواراً عديدة و مختلفة. لكن لماذا تتخذ اللغة كل هذه الوظائف و الأدوار بدلاً من أن تكتفي بوظيفة واحدة أو دور واحد ؟ يبدو أن الجواب يكمن في السوبر حداثة التي تعتبر أنه من غير المُحدَّد ما هي اللغة. بالنسبة إلى السوبر حداثة , من غير المُحدَّد ما هي اللغة و بذلك من الطبيعي أن تملك اللغة وظائف و أدواراً عديدة و مختلفة. هكذا تفسِّر السوبر حداثة لماذا تتعدد وظائف اللغة و تختلف و بذلك تكتسب السوبر حداثة قدرة تفسيرية كبرى. فلو أنه من المُحدَّد ما هي اللغة لاتخذت حينها اللغة وظيفة واحدة بدلا ً من وظائف عدة مختلفة. لكننا وجدنا أن للغة وظائف متنوعة. من هنا , اللغة غير مُحدَّدة ما هي تماماً كما تقول السوبر حداثة.
لم تكتف ِ اللغة في اكتساب تلك الوظائف و الأدوار العديدة و المختلفة , بل شهدنا في أوائل القرن العشرين انقلاباً لغوياً خطير المعاني مفاده أن اللغة تخلق الفكر و الواقع. فمثلا ً, إذا اعتمدنا لغة الفيزياء بدلاً من لغة أخرى كلغة الرياضيات سوف نفكر بطريقة مختلفة و سنرى الكون من منظور مختلف بل سيتخذ العالم شكلاً مختلفاً عما سيتخذه لو أننا اعتمدنا لغة الرياضيات مثلاً. فمن خلال لغة الفيزياء سيغدو الكون متكوّناً من جسيمات كالإلكترون و طاقات كالجاذبية. لكن إذا اعتمدنا لغة الرياضيات سيصبح الكون متشكلاً من هندسات متعددة و معادلات رياضية مختلفة هي الأساس في نشوء المواد و طاقاتها؛ فمع اختلاف هندسات الطبيعة تتنوع القوانين الطبيعية. أما إذا كانت لغتنا بدائية لا تحتوي سوى على القليل من المفاهيم , إذن من الطبيعي أن لا ننجح من خلالها في فهم الفيزياء أو الرياضيات المعاصرة . هكذا اللغة هي العامل الأساس في صياغة تفكيرنا و واقعنا. و المضمون الفلسفي لهذه الثورة اللغوية يتمحور حول فكرة أن معظم المشاكل الفكرية تنشأ من جراء تخبطنا في اللغة كما يقول الفيلسوف فتجنشتين , و بذلك حلها يكمن في استعمال المفاهيم بشكل سليم لغوياً أو في إصلاح لغتنا بالذات. من هنا اللغة هي المصدر الجوهري لإيصالنا إلى المعرفة و حل المشاكل الفكرية (Editor : Richard M. Rorty :The Linguistic Turn.1992.University of Chicago Press ).
لكن مَن الذي يُحدِّد الاستخدام الصحيح للغة ؟ إذا وجد معيار على ضوئه تتحدد اللغة السليمة والاستخدام الصحيح للمفاهيم حينها يتم سجننا في لغة مُحدَّدة ما يمنعنا عن البحث المستمر عن لغات جديدة متضمنة لمعارف جديدة. على هذا الأساس , موقف السوبر حداثة القائل بلا محددية اللغة يضمن لنا الحرية و استمرارية البحث المعرفي. و بذلك تكتسب السوبر حداثة فضائل معرفية كبيرة ما يدعم مقبوليتها. تؤكد السوبر حداثة على أنه من غير المُحدَّد ما هي اللغة , و لذا من غير المُحدَّد ما هي اللغة السليمة و ما هو الاستخدام الصحيح للمفاهيم. لكن حين نعتبر أنه من غير المُحدَّد ما هي اللغة السليمة و ما الاستخدام الصحيح للمفاهيم نتحرر من سجون لغة مُحدَّدة. و حين نعتبر أن اللغة السليمة غير مُحدَّدة كما أن الاستخدام الصحيح للمفاهيم غير مُحدَّد يدفعنا ذلك إلى البحث الدائم عما قد تكون لغة سليمة و عما قد يكون الاستخدام الصحيح للمفاهيم ما يضمن استمرارية البحث المعرفي. هكذا تحررنا السوبر حداثة من سجون لغة مُحدَّدة و تضمن استمرارية الأبحاث المعرفية. و بذلك تكتسب السوبر حداثة فضائلها فمقبوليتها. مَن لا يتحرر من لغته لا يتحرر من فكره و سلوكه. و مَن لا يتحرر من فكره و سلوكه يبقى سجين ذاته المُسبَقة.
#حسن_عجمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟