|
المسيحيون المتصهينون والتطرف البروتستانتي
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 3889 - 2012 / 10 / 23 - 22:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كانت لحركات(*) الإصلاح البروتستانتية الأثر الكبير في كشف عورات الكنيسة(*) الكاثوليكية، وفي فضح سلوك القائمين عليها. كما أنها أفسحت المجال أمام العلماء والمفكرين وعامة المؤمنين بالكنيسة في حق فهم الكتاب المقدس، وبالتالي كسرت احتكار رجال الدين لهذا الأمر، مع ما نشأ عن ذلك من آثار سلبية عديدة على النصرانية بوجه عام وعلى الكتاب المقدس بوجه خاص، حيث تعرض للنقد الشديد والتشكيك في صحة نصوصه.
مع أن البروتستانت قرروا حرية البحث والنظر في الأمور الاعتقادية، إلا أنهم حرمَّوها فيما بعد كالكاثوليك، بل وأصبحت حرية(*) الفكر عندهم مقتصرة فقط على نقد رجال الكنيسة الكاثوليكية. فقد عذبوا رجالاً من أجل عقائدهم مثل سرفيتوس الأسباني، ومنعوا كتباً من النشر لأنها تحوي في نظرهم ما لا يتفق وتعاليم الكتاب المقدس.
يقول هربرت فيشر في أصول التاريخ الأوروبي الحديث عن لوثر: "لم يكن يؤمن بالبحث الحر ولا بالتسامح". وينقل غوستاف لوبون في كتابه روح الثورات والثورة(*) الفرنسية تصريحاً للوثر بأنه لا يجوز للنصارى أن يتبعوا غير ما جاء في الكتاب المقدس.
وعن موقف حركة(*) الإصلاح الديني من العلم، يقول أ. وولف في كتابه عرض تاريخي للفلسفة(*) والعلم: "أما من حيث حركة(*) الإصلاح الديني فإن المصلحين كانوا لا يقلُّون تعصباً عن رجال الكنيسة(*) الكاثوليكية إن لم يزيدوا عليها". ولذلك فإنهم هاجموا النظريات العلمية واضطهدوا من يقول بها، ويقول كلفن بعد أن أعلن كفر (*) من يقول بدوران الأرض: "مَن مِن الناس يجرؤ على أن يضع سلطة كوبر نيكوس فوق سلطة الروح القدس(*)؟".
لم يكن اضطهاد العلماء في تلك الفترة بأقل من اضطهاد الفلاسفة. فكما حاربت البروتسانتية النظريات العلمية المخالفة لنصوص الكتاب المقدس، كذلك حاربت العقل(*) واضطهدت الفلاسفة أمثال آرازموس الذي حاول التوفيق بين العقل والكتاب المقدس. يذكر ديورانت في قصة الحضارة تصريحات للوثر تبين تطرفه في إنكار العقل حيث يقول: "أنت لا تستطيع أن تقبل كلاً من الإنجيل(*) والعقل، فأحدهما يجب أن يفسح الطريق للآخر" ويقول: "إن العقل أكبر عدو للدين(*)".
نتيجة للحروب بين الكنيستين البروتستانتية والكاثوليكية، واضطهاد العلماء وقتلهم، وقتل الروح العلمية والفكرية، وتطرُّف زعماء حركة الإصلاح البروتستانتي في ذم العقل، أدى ذل كله إلى ظهور الأفكار المناوئة للدين، وتعالت الصيحات الإلحادية(*) التي تطالب بحرية(*) الفكر وسيادة العقل، واعتباره المصدر الوحيد للمعرفة، وأيضاً المناداة بفصل الدين(*) عن الدولة.
استطاع اليهود تهويد بعض الكنائس البروتستانتية، وتسريب الأفكار الصهيونية، وإنشاء أحزاب(*) وكنائس تتبناها وتدعو إليها من خلال ما يعرف بالصهيونية المسيحية(*). وللحقِّ فإن هناك من داخل الكنيسة الإنجيلية في أمريكا مَنْ وقف لهم بالمرصاد مثل: المجلس الوطني للكنائس المسيحي(*)، الذي يضم 34 طائفة يبلغ عدد أتباعها نحو الأربعين مليون شخص. وتتعاطف الكنائس(*) الإنجيلية: المشيخية(*)، المنهجية(*)، المعمدانية(*)، الأسقفية، بنسب متفاوتة مع هذا الاتجاه.
كان لليهود المهاجرين من أسبانيا إلى أوربا وبخاصة فرنسا وهولندا أثرهم البالغ في تسرب الأفكار اليهودية إلى النصرانية من خلال حركة الإصلاح، وبخاصة الاعتقاد بأن اليهود شعب الله المختار، وأنهم الأمة المفضلة، كذلك أحقيتهم في ميراث الأرض المباركة.
في عام 1523م أصدر مارتن لوثر كتاب عيسى وُلِد يهوديًّا متأثراً فيه بالأفكار الصهيونية.
وفي عام 1544م أصدر لوثر كتاباً آخر فيما يتعلق باليهود وأكاذيبهم.
كانت هزيمة القوات الكاثوليكية وقيام جمهورية هولندا على أساس المبادئ البروتستانتية الكالفينية عام 1609م بمثابة انطلاقة للحركة(*) الصهيونية المسيحية(*) في أوربا، مما ساعد على ظهور جمعيات(*) وكنائس(*) وأحزاب(*) سياسية عملت جميعاً على تمكين اليهود من إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. ومن أبرز هذه الحركات: الحركة البيوريتانية التطهيرية التي تأسست على المبادئ الكالفينية بزعامة السياسي البريطاني أوليفر كروميل 1649-1659م الذي دعا حكومته إلى حمل شرف إعادة إسرائيل إلى أرض أجدادهم حسب زعمه.
في عام 1807م أُنشئت في إنجلترا جمعية لندن لتعزيز اليهودية بين النصارى وقد أطلق أنطوني إشلي كوبر اللورد ريرل شانتسبري 1801-1885م، أحد كبار زعمائها شعار: "وطن بلا شعب لشعب بلا وطن" الأمر الذي أدى إلى أن يكون أول نائب لقنصل بريطانيا في القدس وليم برنج أحد أتباعها، ويعتبر اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا 1784-1765م من أكبر المتعاطفين مع أفكار تلك المدرسة الصهيونية المسيحية وأيضاً فإن تشارلز. هـ. تشرشل الجد الأعلى لونستون تشرشل – رئيس الحكومة البريطانية الأسبق – أحدُ كبار أنصارها.
انتقلت الصهيونية المسيحية إلى أمريكا من خلال الهجرات المبكرة لأنصارها نتيجة للاضطهاد الكاثوليكي، وقد استطاعت تأسيس عدة كنائس هناك من أشهرها الكنيسة المورمونية.
يعتبر سايسروس سكلوفليد 1843م الأب اللاهوتي للصهيونية المسيحية في أمريكا.
لعبت تلك الكنائس(*) دوراً هامًّا في تمكين اليهود من احتلال فلسطين واستمرار دعم الحكومات الأمريكية لهم – إلا ما ندر – من خلال العديد من اللجان والمنظمات والأحزاب(*) التي أنشئت من أجل ذلك ومن أبرزها: الفيدرالية الأمريكية المؤيدة لفلسطين التي أسسها القس(*) تشارلز راسل عام 1930م، واللجنة الفلسطينية الأمريكية التي أسسها في عام 1932م السناتور روبرت واضر، وضمَّت 68 عضواً من مجلس الشيوخ، و200 عضواً من مجلس النواب وعدد من رجال الدين الإنجيليين، ورفعت هذه المنظمات شعارات: الأرض الموعودة، والشعب المختار.
وفي العصر الحديث تعتبر الطائفة التدبيرية التي يبلغ عدد أتباعها 40 مليون نسمة تقريباً والمعروفة باسم الأنجلو ساكسون، البروتستانت البيض من أكثر الطوائف مغالاة في تأييد الصهيونية، وفي التأثير على السياسة الأمريكية في العصر الحاضر.
ومن أشهر رجالها اللاهوتيين: بيل جراهام، وجيري فولويل، جيمي سويجارت. ومن أبرز رجالها السياسيين الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان.
اهتمت الكنيسة البروتستانتية بنشر الإنجيل(*) في أوروبا وأمريكا منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ثم تطور عملها في شكل منظمات وإرساليات، ووضعت اللوائح والقوانين المنظمة لها وكذلك الميزانيات اللازمة. ومن ثم انتقل العمل التبشيري البروتستانتي إلى القارتين الأفريقية والآسيوية، وبخاصة التي كانت تستعمرها الدول الغربية ذات العقيدة البروتستانتية. ومن أوائل الذين قادوا حركة(*) التبشير: جوف وسلي، ووليام ولبرفورس، ووليام كيري، أبو المبشرين في العصر الحديث.
الأفكار والمعتقدات:
تؤمن الكنائس البروتستانتية بنفس أصول المعتقدات التي تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية، ولكنها تخالفها في بعض الأمور، ومنها ما يلي:
الخضوع لنصوص الكتاب المقدس وحده، حيث إن الكتاب المقدس بعهديه هو دستور الإيمان وعليه تقاس قرارات المجامع السابقة وأوامر الكنيسة(*)؛ فيقبل ما يوافقه فقط، يقول لوثر: "يجب أن يكون الكتاب المقدس مرجعنا الأخير للعقيدة أو أداء الشعائر".
عدد أسفار(*) العهد القديم(*) ستة وستون سفراً وهي الأسفار القانونية، أما باقي الأسفار وعددها أربعة عشر، فتسميها الأبوكريفيا أي غير الصحيحة فلا تعترف بها.
كما لا تؤمن الكنائس(*) البروتستانتية بعصمة البابا(*) أو رجال الدين، وتهاجم بيع صكوك الغفران حيث ترى أن الخلاص والفوز في الآخرة لا يكون إلا برحمة الله وكرمه وفي الدنيا في الالتزام بالفرائض والكرازة – التبشير بالإنجيل(*).
إن القديسيين لقب يمكن أن يوصف به كل إنسان نصراني(*) حيث إن القداسة في فهمهم ليست في ذات الشخص ولكنها مقام يصل إليه.
ترفض البروتستانتية مرتبة الكهنوت حيث إن جميع المؤمنين بها كهنة(*)، وليس هناك وسيط ولا شفيع بين الله والإنسان سوى شخص المسيح(*) لأنه جاء في معتقدهم رئيساً للكهنة، كما لا تؤمن بالبخور والهيكل.
تؤمن بسرين فقط من أسرار – فروض – الكنيسة وهما سرّا – المعمودية(*)، والعشاء الرباني(*)، على خلاف بينهم في كيفية حضور المسيح سر العشاء.
لا تؤمن بالصوم كفريضة بل هو سنة حسنة، ولا يطلق إلا على الإمساك عن الطعام مطلقاً فقط.
كما لا تؤمن بالأعياد التي تقيمها الكنائس الأخرى.
الصلاة ليس لها مقدار محدد، كما أنه ليس من الحتم الالتزام بحرفية الصلاة الربانية؛ ولذلك يجيزون الصلاة بلغة غير مفهومة كاللاتينية التي تستعملها الكنائس الكاثوليكية.
لا تؤمن الكنيسة البروتستانتية بنظام الرهبنة(*).
الكهنوت درجتان فقط هما: القسوسية(*)، الشمامسة(*)، الراعي هو الأسقف(*)، والرئاسة تكون بمجمع السنودس لا لفرد.
منع البروتستانت اتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس والسجود لها، معتقدين أن ذلك منهي عنه في التوراة(*).
تؤمن بعض الكنائس الإنجيلية – الصهيونية – أن شرط المجيء الثاني للمسيح هو إقامة دولة إسرائيل في فلسطين.
الجذور الفكرية والعقائدية:
• نصوص الكتاب المقدس، وبخاصة نصوص العهد القديم(*).
• الديت الوثنية(*).
• الفف(*)الأفلاطونية الحديثة.
• الأفكار والمبادئ الصهيونية والتلمودية.
• يعتقد بعض الباحثين أن الإصلاحات التي نادت بها حركة الإصلاح ونتج عنها البروتستانتية قد تأثرت بالإسلام.
الانتشار ومواقع النفوذ :
تنتشر الكنائس(*) البروتستانتية في:ألمانيا، هولندا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا، الدنمارك، وتوجد أقليات بروتستانتية في باقي الدول الأخرى.
يتضح مما سبق:
لا تختلف الكنائس البروتستانتية عن باقي الكنائس النصرانية سواء في الإيمان بإله(*) واحد مثلث الأقانيم(*) الأب (*)، الابن(*)، الروح القدس(*) تثليث (*) في وحدة، أو وحدة في تثليث، حسب افترائهم.
أو في الإيمان في عقيدة الصلب والفداء وتقديس الصليب.
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعاليم يسوع احد أسباب التكالب الامبريالي على الشرق الأوسط !!
...
-
الصراعات الدينية والحروب الدموية في أوربا -5
-
الصراعات الدينية والحروب الدموية في أوربا -4
-
الصراعات الدينية والحروب الدموية في أوربا -3
-
الصراعات الدينية والحروب الدموية في أوربا -2
-
الصراعات الدينية والحروب الدموية في أوربا -1
-
الصراع السياسي الأشوري القبطي على قيادة الكنائس الارثذوكسية
...
-
الصراع السياسي الأشوري القبطي على قيادة الكنائس الارثذوكسية
...
-
القمني واله بني إسرائيل رد على مقالته!! الإسلام والحضارة
-
مسيحيو العراق !!الكنيسة الأشورية- 3
-
وثيقة أهل الذمة مؤامرة عثمانية مسيحية -الكنيسة الأشورية -2
-
زاغروس آمدي بين السعلوه والحنفيش ..رد على مقالته الآيات الشي
...
-
مسيحيو العراق!! الكنيسة الأشورية -1
-
الدولة العثمانية الفاسدة بين الكاثوليك الارثذوكس
-
مسيحيو العراق !!
-
دخيل جدك مولانا أمدي ..رد على مقالته الآيات الشيطانية
-
الأقباط بين التطرف الديني والدعوة القومية -3
-
رد على مقالة سامي لبيب.. لماذا إله واحد ؟!- نحن نخلق آلهتنا
-
الأقباط بين التطرف الديني والدعوة القومية -2
-
الأقباط بين التطرف الديني والدعوة القومية -1
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|