حسني إبراهيم عبد العظيم
الحوار المتمدن-العدد: 3889 - 2012 / 10 / 23 - 04:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عبد الرحمن بدوي ودحض أخطاء المستشرقين في نقد القرآن
قراءة في كتابه دفاع عن القرآن ضد منتقديه
(يخرج القرآن دائما منتصرا على منتقديه) . . . تلك هي النتيجة التي يؤكدها الفيلسوف الوجودي الكبير الدكتور عبد الرحمن بدوي في مستهل كتابه "دفاع عن القرآن ضد منتقديه" الذي صدر بالفرنسية Defense du Coran contres ses critiques عام 1989، وترجمه عن الفرنسية كمال جاد الله، وأصدرته الدار العالمية للكتب والنشر، حيث يكتشف القارئ أن ما يزعم بعض المستشرقين أنها أوجه نقص في القرآن الكريم ما هي إلا ملامح من عظمة هذا الكتاب وإعجازه وتميزه.
تنبع أهمية هذا الكتاب من جهتين: قيمة كاتبه وقامته الفكرية الفلسفية، والمنهج المتبع في تناول القضايا المطروحة، فمن جهة الكاتب نجد أن الكتاب لم يصدر من جانب أحد رجال الدين أو الباحثين المنتمين للتيار الإسلامي، ولكنه خرج من فكر واحد من أهم فلاسفة العرب ومفكريهم، وواحد من أهم الفلاسفة الوجوديين في العالم، والفيلسوف دائما لا ينشد إلا الحقيقة المجردة، لا يجامل فردا أو فكرة أو مذهبا، فكما قال أرسطو قديما: (أحبُّ الحقَ، وأحبُّ أفلاطون، ولكن الحقَّ أحبُّ إليّ من أفلاطون) والدكتور عبد الرحمن بدوي مشهود له بالعمق الفكري والتجرد والموضوعية، والجرأة في النقد، وأدى ذلك إلى فقدانه الكثير من أصدقائه، وجلب عليه العديد من العداوات.
ومن جهة المنهج فقد اعتمد الكاتب على منهج علمي وفلسفي رصين يتسم بالموضوعية والحيادية، وكما ذكر المؤلف نفسه في مستهل الكتاب: ومنهجنا في البحث هو المنهج الوثائقي والموضوعي الواضح، ولا شك أن المنهج السليم يؤدي إلى نتائج حاسمة وسليمة ومحايدة.
يتكون الكتاب من مقدمة و ثلاثة عشر فصلا يتناول كل فصل بالشرح والتحليل والتحقيق إحدى القضايا التي تناولها المستشرقون، حيث يعرض لكل قضية كما جاءت في المصادر الأصلية لهؤلاء المستشرقين، ثم يشرع في دحضها وتفنيدها بالأدلة العلمية والتاريخية الموثقة. والحق أن المطلع على هذا الكتاب يصاب بالذهول من ذلك الكم الهائل من الدراسات والبحوث التي تعرضت للإسلام والقرآن الكريم، منذ منتصف القرن السابع المبلادي حتى الآن، وأظن لو أن دينا أو مذهبا آخر تعرض لمثل ما تعرض له الإسلام من هجوم شرس ومنظم ومكثف لكان قد انتهى تماما في سنوات نشأته الأولى، بيد أن الإسلام ممثلا في قرآنه الكريم، يخرج دائما منتصرا على منتقديه، بل ويزداد قوة وتأثيرا.
يقول الدكتور بدوي في مقدمة الكتاب تعرض القرآن الكريم باعتباره الركيزة الأساسية للإسلام لهجمات كثيرة من الذين كتبوا ضد الإسلام، شرقا وغربا وكان ذلك بدءا من النصف الثاني للقرن الأول الهجري السابع الميلادي حتى الآن.
ويعرض الكاتب نماذج من تلك الهجمات بداية من يوحنا الدمشقي (650-750م تقريبا) ثم (أثيميوس زيجابينوس) في كتابه العقيدة الشاملة و(نيكيتاس البيزنطي) في كتابه حول(كتاب العرب المحمديين) وكان نيكيتياس ناقدا كذلك للمذهبين المسيحيين الأورثوذكسي والكاثوليكي في كتابيه دحض الكنيسة الأرمينية، وعلم القياس الأساسي.
وكان أكبر هجوم جدلي على الإسلام والقرآن – من وجهة نظر الكاتب - هو ما قام به إمبراطور بيزنطة (جان كنتاكوزين) في كتابيه ضد تمجيد الملة المحمدية، وضد الصلوات والتراتيل المحمدية، كان هذا الهجوم في الشرق وباللغة اليونانية. وكان هناك هجوم على القرآن أيضا باللغات السريالية والأرمينية والعربية.
وبسقوط القسطنطينية في أيدي المسلمين في عام 1453 توقف الهجوم البيزنطي على الإسلام والقرآن، وتولت أوربا المسيحية الأمر بعد ذلك، فبدأ الكاردينال (نيقولا دي كوزا) (1401-1464) مسيرة الهجوم الجديدة، وكان بتوجيه من البابا بيوس الثاني، كتب دي كوزا كتاب نقد وتفنيد الإسلام، كما كتب (رسالة هجاء) في القرآن تحت عنوان غربلة القرآن.
وقام عدد من الآباء الدومينيكان والجزويت بنشر كتب هاجموا فيها القرآن والإسلام، منهم ألفونس سينا في كتابه التحصين الإيماني 1491، ولويس فييف في كتابه الإيمان المسيحي الحقيقي ضد المحمديين 1543، وجان دي تيريكريماتا في كتابه بحث للرد على الأخطاء الرئيسية لمحمد عام 1606، وميشيل نان في كتابه الكنيسة اليونانية الرومانية في الشكل والمضمون للدين المسيحي ضد القرآن والقرآنيين دفاعا وبرهانا 1680.
ويرى المؤلف أن أشد الأعمال هجوما على الإسلام والقرآن ما كتبه "لوودفيجو مراش" (1612-1700) في كتابه عالم النص القرآني 1698 وصدر في مجلدين كبيرين الأول جاء بعنوان مقدمة في دحض القرآن، وتناول المجلد الثاني النص العربي للقرآن مع ترجمة لاتينية وشرح النواحي الغامضة من النص ثم نقده وتفنيده. وقد كان كتاب مراش هذا الأساس ونقطة الانطلاق للدراسات الجادة عن القرآن في أوربا غير أنه كان عملا حافلا بالأخطاء والمجادلات الساذجة واللامعقولة، وللأسف فقد تكررت نفس هذه الأخطاء والتجاوزات في كل الدراسات المتصلة بالقرآن والتي قام بها المستشرقون الأوربيون خلال القرنين التاليين لظهور كتاب مراش.
ويقرر الكاتب أنه بداية من منتصف القرن التاسع عشر بذل المستشرقون كل ما في وسعهم ليبدوا موضوعيين في كتاباتهم، وفي جعل هذه الكتابات أكثر دلالة وجدية، وأكثر تدقيقا في المنهج اللغوي، لكن دون فائدة؛ لإن الدوافع الداخلية التي تضطرم بالحقد ضد الإسلام ونبيه وكتابه المقدس ظلت كما هي، بل إنها ازدادت تأججا.
وبرغم أن هؤلاء الكتاب قد توفرت لهم أدوات فهم اللغات منذ بداية القرن التاسع عشر حتى الوقت الراهن (صدر هذا الكتاب في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي) إضافة إلى توافر نشر المخطوطات، إلا أنهم أصروا على تقديم نظرياتهم الخاطئة، من خلال تصوراتهم الزائفة للقضايا الوهمية التي طرحوها حول القرآن، وطرحوا بالتالي نتائج زائفة توصلوا إليها.
ويذكر الفيلسوف الكبير أن الهدف من كتابه هو التصدي لفضح تلك الجرأة الجهولة الحمقاء عند هؤلاء المستشرقين حول القرآن، ويورد بداية بعض الملاحظات العامة حول الجهد الاستشراقي في دراسة القرآن الكريم فيذكر:
1. إن معرفة هؤلاء المستشرقين باللغة العربية من الناحية الأدبية أو الفنية يشوبها الضعف، ويمكن القول إن تلك الملاحظة تخصهم جميعا تقريبا.
2. إن معلوماتهم جميعا - المستقاة من مصادر عربية جزئية - ناقصة وضحلة وغير كافية، وهم يلقون بأنفسهم في مغامرة طرح فرضيات خطيرة وخاطئة يعتقدون أنهم أول من توصلوا إليها.دون تكليف أنفسهم عناء التقصي لدى تلك المصادر عن نفس المعضلات التي يثيرونها. إذ تطرق الكتاب المسلمون لتلك الفرضيات وفندوها.
3. إن ما يحرك بعض المستشرقين دافع الحقد والضغينة على الإسلام مما يفقدهم الموضوعية ويعمي بصيرتهم بطريقة أو بأخرى، وينطبق ذلك بوجه خاص على هيرشفيلد و هوروفيتز و سبير.
4. ذهب بعض السطحيين منهم إلى الإعلان بأعلى صوته أن في القرآن انتحالا وتقليدا وسرقة، معتمدين على تشابه لا أساس له. وهذا ما قام به مستشرقون مثل جولدتسيهر ومرجليوث وشفالي (وقد عرض المؤلف في ثنايا كتابه بالتفصيل لبعض ما أثاره هؤلاء) ويتحفظ نوعا ما فيما يتعلق بنولدكه الذي تبرأ بطريقة ما من كتاب تاريخ القرآن عندما رفض إعادة طبعه تاركا المستشرق شفالي يقوم بهذه المهمة، فطبع الكتاب ثانية وأصبح يعرف بكتاب نولدكه – شفالي.
5. لقد كان بعضا من هؤلاء المستشرقين مدفوعا بالتعصب المتحفز والتبشير مثل وليم موير وزويمر.
ويقرر الفيلسوف الكبير أنه لن يتطرق في كتابه لكل القضايا التي أثارها المستشرقون حول القرآن ولكنه يتصدى للقضايا التي يراها أكثر أهمية، وقد حصر بحثه في الفترة من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين. واعتمد الفيلسوف في كتابه – كما أسلفنا- على المنهج الوثائقي والموضوعي الواضح، وعمل على كشف القناع عن العلماء المزعومين الذين قدموا الضلال والخداع لشعوب أوربا ولغيرها من الشعوب الأخرى.
ويؤكد الكاتب على قضية هامة وحاسمة وهي التي ذكرناها في صدر هذا المقال وهي أن القرآن الكريم يخرج دائما منتصرا على منتقديه، وقد خرج الكاتب بهذه النتيجة بعد بحث علمي موضوعي مضن وعميق.
وعلى مدار الكتاب يطرح الفيلسوف الكبير مجموعة من القضايا أو الإشكاليات التي أثارها المستشرقون حول القرآن الكريم على مدار قرن من الزمان، ثم يقوم بنقدها وتفنيدها بطريقة علمية منهجية عميقة، واعتمد منهجه على عرض واف لما يطرحه المستشرقون في كتاباتهم المختلفة ثم يقوم بدحض الأفكار المطروحة بطريقة علمية منهجية موثقة.
والأمر المستغرب أنه على الرغم من أن كل القضايا التي أثارها المستشرقون - وأتباعهم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية - حول الإسلام الحنيف ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وكتابه المجيد قد تم دحضها وتفنيدها بكل الوسائل العلمية والمنهجية من جانب المفكرين المسلمين وبعض المستشرقين الموضوعيين، إلا أننا نلاحظ أن الكثيرين ما زالوا يثيرون هذه الموضوعات ويكررون - بشكل ساذج ومضحك - نفس الأخطاء التي وقع فيها المستشرقون اعتمادا على أن الكثيرين من المسلمين لم يقرأوا ولم يستوعبوا ما كتب في هذا الأمر. بيد أن الأمر اللافت أن هذه الكتابات لم تزد المسلمين إلا تمسكا بكتابهم ويقينا بعقيدتهم.
وسوف نحاول في مقال قادم إن شاء الله التعرض لبعض القضايا التي أثارها الكتاب وكيف رد عليها ودحضها بطريقة علمية موضوعية عميقة.
#حسني_إبراهيم_عبد_العظيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟