أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - من هو الطائفي تحديدا















المزيد.....

من هو الطائفي تحديدا


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3888 - 2012 / 10 / 22 - 17:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



أفلحت الطائفية في الدخول إلى قاموس العراقيين السياسي والإجتماعي كواحدة من الكلمات التي بات يسهل التراشق بها الأمر الذي أدى في كثير الأحيان إلى تبسيطها بشكل كبير وإلى ضياع معناها الحقيقي..
لقد كسب الطائفيون بهذا كثيرا,ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحقق فيها كسبا يعتمد على العاطفة والإنتماءات أو الإنحيازات غير الواعية, ففي المرحلة الملكية كسب الشيوعيون نسبة مقدرة من جماهيرهم نتيجة لسوء إدارة المعركة ضدهم. لقد عومت أجهزة الأمن آنذاك الوطنية بالشيوعية حتى إذا ما سقط النظام الملكي فإن بعضا من الشيوعيين لم تكن لهم علاقة مع الشيوعية إلا لأنهم أتهموا بها. وأخال أن الأمر مع البعثيين قبل أن يحكموا لم يكن خلى من ذلك. وفي كثير من المواقف يبدأ الإنحياز للآخر, ليس بالضرورة بتأثير من محبته, وإنما بتأثير من الكراهية لعدوه, وعدم ميل هذا العدو إلى إلتزام الأحكام المتوازنة والحرص على أن يأتي الإقتراب من الآخرين إقترابا حذرا ومدروسا.
إن الناس على دين ملوكها, وأجزم أن كثيرا كانوا أصبحوا موالين بالسياق لا بالإختيار. وكلمة الغوغاء قد تكون مكروهة ومدانة لأن إستعمالها السياسي لغرض التراشق بها قد سلب منها مضمونها الحقيقي الذي يلمح إلى تلقائية الإنتماء اللاواعي وسياقيته وتوارثه أكثر مما يلمح إلى دونية فكرية أو أخلاقية. وفي هذه المرحلة لا بد وأن يكون هناك تقدير لحقيقة أن الطائفية لم تعد بمنأى عن أن تكون ظاهرة متأثرة بطبيعة المرحلة, وليست هي بالضرورة ظاهرة متجذرة في نفوس العراقيين. ولست أغالي إذا قلت أن الأغلبية المطلقة من أبناء شعبنا لم تكن تعرف الطائفية من قبل بتزمتها الحالي, ولهذا فإن الإيمان بها على المستوى العام صار أقرب لأن يكون إيمانا غوغائيا وسياقيا وعموميا أكثر منه تعبيرا عن إنتماء مذهبي حقيقي وإلتزام واعي.
فإذا ما علمنا أن الطائفيين يسعون بكل جهودهم من أجل أن تصبح الطائفية حقيقة أساسية عامة ومتقدمة على جميع الحقائق الأخرى, وذلك من أجل ترسيخ نظرية الحكم الطائفية وجعلها قانونا إجتماعيا ودينيا متنفذا, فإن العمل على إبطال هذا المسعى إنما يتم مقدما من خلال عدم التسليم به, وعدم القبول بفكرة أن الطائفية سلوك أساسي وفكرة متجذرة في طبيعة العراقيين.
إن الطائفيين يريدون منا أن نصدق أن الطائفية هي حل وليست مرضا إجتماعيا وسياسيا ودينيا علينا محاربته, وبهذا فهم يبذلون كافة المساعي من أجل أن يحولوا ذلك المرض إلى حقيقة مادية وقانون حياتي يجب أن نعتاد عليه, وسوف يتحقق لهؤلاء ذلك فيما لو كان إقترابنا من الظاهرة الطائفية هو إقتراب غير واعي, أو من خلال تسليمنا لهم بصحة ما يقولوه.
إن الإقتراب الواعي بطبيعة الحال يتم بداية من خلال تحديد من هو الطائفي بشكل صحيح وسليم, ورفض الوقوع في الفخ بتصديق ما يقوله الطائفيون عن أن الطائفية هي قانون حياتي وخيار شعبي ومسلمة تاريخية يجب أن نقبل بها.
وسيمر الإقتراب السليم دون أدنى شك من خلال الإيمان بأن الطائفية في وقتنا الراهن هي مثلما أية ظاهرة سياسية أخرى, تفلح حينما يكون أهلها في السلطة, أن تمتد وتنتشر غوغائيا, ومَثلها في ذلك مَثل بقية الظواهر السياسية التي مرت على بلدنا - أعني بما يتعلق بإنتشارها الغوغائي وليس بأفكارها السياسية. فالذين ينتمون إلى الأجيال التي عاشت إرهاصات الشارع العراقي وتقلباته سوف يكون سهلا على ذاكرتهم إسترجاع كيف ان الشارع العراقي, بعد سقوط النظام الملكي راح يهتف في التظاهرات اليومية المليونية هتافه المعروف ( خمس ملايين تصيح .. حزب الشيوعي بالحكم) يوم أن كان عدد العراقيين لم يكن تجاوز تلك الملايين الخمسة, ثم إذا بهذا الشارع نفسه يتحول راقصا للترحيب بصدام حسين وليبجله ويصنمه في موجة عبادة إستبدلت الخالق بالمخلوق. ثم إذا بهذا الشارع نفسه يتحول سريعا لكي يؤدي طقوس الولاء للأحزاب الدينية. وستتعجب لو تقدر لك إحصاء عدد الذين كانوا لحد الأمس يلبسون الزيتوني وينامون به ثم إستبدلوه بزبيبة إيمانية بيتجانية التصنيع, ومن هؤلاء مثقفون وأساتذة جامعات.
فإن نحن لم نفلح بوضع تعريف دقيق لمفردة الطائفية ونقترب بشكل مدروس من الشارع العراقي فسوف نقع في الفخ الذي نصبه الطائفيون لنا لغرض ان نصدق أن الطائفية هي قانون حياتي وليست مرضا إجتماعيا وأخلاقيا ودينيا مدمرا. وسوف يتحقق الغرض ذاته, اي الوقوع في الفخ, حينما نهرع إلى تأسيس نظرية سياسية إعتمادا على غوغائية شارعنا, وهي بالمناسبة غوغائية ليست خاصة بالعراقيين لوحدهم وإنما هي ذات صلة بكل شارع جاهل ومسّير ومتلقي ولا ينتظم بنظام مؤسساتي كفيل ببناء وعي حر ومسؤول.
إن الناس على دين ملوكها.. والمقصود بـ "الناس" هنا وبكل تأكيد "الشعب" الذي لا يوجد كحالة تاريخيا أو مطلقة المعنى وإنما كحالة متبدلة بتبدل ظروفها. فـ "الشعب" الذي هتف للشيوعيين هو الذي هتف بعد ذلك للبعثيين وهو الذي يهتف حاليا لغيرهم, وفي مقدمة هذا الغير الأخير تأتي الأحزاب والأفكار الطائفية ذاتها.. أما "الملوك" فالمقصود بهم دون أدنى شك أؤلئك الذين يهيمنون على السلطة ويكون بأيديهم السيف والدينار.
ولعل تأسيس النظريات والأفكار السياسية لا يتم من خلال الإعتماد على موجودات الشارع, وإنما إعتمادا على مقدار الصحيح أولا, وعلى حقيقة أن النظريات والأفكار الخلاقة هي التي تتم من خلال النفاذ إلى عمق الظاهرة وعدم الإنجرار لما هو على السطح.
وإن من أهم ما يبدأ به ذلك هو الدقة في تعريف من هو الطائفي, وعدم الوقوع في فخ التعريفات التعويمية والتبسيطية التي ستؤدي بالنتيجة إلى خدمة الطائفيين والتخلي لهم نهائيا عن " الشعب".
بهذا الإتجاه هناك حاجة ماسة إلى التأكيد على الفرق الكبير بين المذهبية والطائفية, فإذ يكون تعريف الطائفي مرتهنا بكون الطائفية نفسها هي إختيار سياسي فلا بد ان تفهم المذهبية على اساس كونها خيارا فقهيا دينيا وذات صلة بقضية المذاهب نفسها التي يجيزها الدين من واقع كونها طرق إجتهاد وتفكير وتفسير قد تختلف في الفروع ولكن ليس على الأصول. وأن هذه المذهبية المشروعة ستتحول إلى طائفية غير مشروعة حينما يكون هناك إلتزام بـ "ناس" المذهب لا بأفكاره.
وبإمكاننا أن نرى أن هناك الكثير من رجال الدين, شيعة كانوا أم سنة هم غير طائفيين لكنهم مذهبيون, بمقدار ما تعني المذهبية هنا إيمانا بمذهب, دون تحويل ذلك الإيمان إلى فعل سياسي يتم من خلاله الإنحياز لفئة المذهب على حساب فئة المذهب الآخر. وفي حين أن بإمكان رجل الدين أن لا يكون طائفيا فإن هناك "ملحدون" طائفيون تعبر طائفيتهم عن إلتزامات عنصرية وليست دينية أو أن تكون سيلة للإنتفاع السياسي.
ثم أن الطائفية الموروثة هي غير الطائفية المدروسة, ولأن التاريخ العراقي متخم بالصراعات والمعارك التي بات البعض لا يقترب منها إلا طائفيا لأغراض سياسية, أو بفعل جهل لا تنفع معه شهادة علمية, فإن قدرة " الناس" على التعبير عن خطابها المذهبي قد تتم من خلال مفردات طائفية, وكذلك فإن علينا أن نميز بين الطائفية الإجتماعية التي تعبر عن نفسها بسلوك شخصي والطائفية السياسية التي نجدها في الأحزاب الدينية وفي النظم السياسية الطائفية. وهناك من يعتقد أن الأنظمة العلمانية كان يجب أن تخلو تماما من أية ممارسة طائفية, وصار الركض لإلقاء القبض على أي سلوك شاهد بهذا الإتجاه فرصة ثمينة للتأكيد على أن أن تلك الأنظمة كانت أنظمة طائفية, وهذا المنحي غير سليم بالمرة وغير خال من نوايا سيئة, فالنظام العلماني لا يفترض أن كل رجالاته السياسيون هم غير مذهبيين إجتماعيا أو حتى بسلوك شخصي موروث أو مقصود. إنه يوجب دون أدنى شك ضرورة أن يعمل بقوانين تمنع التمييز على أساس ديني أو مذهبي. أما القول بإمكانية أن يخلو ذلك النظام بالكامل من أية ممارسات شخصية طائفية فهو حلم لا يتحقق حتى في افضل المجتمعات وأقدمها علمانية, وحينما يوجد نظام من هذا النوع فإن الرد على إنحرافاته الطائفية لا تتم من خلال حلول طائفية وذلك على طريقة من يداوي الرمضاء بالنار.
وتبقى الطائفية ظاهرة معرفة بفعلها السياسي, وليس بالإمكان إبعاد أخطارها في بلد كالعراق إلا حينما يتم الإلتزام بنظام علماني .
حذاري إذن أن نؤسس نظرية سياسية على شارع تعودت ناسه أن تدين بدين ملوكها, وحذاري أيضا أن لا يكون لنا إقترابا سليما من المعضلة الطائفية يعيننا على أن لا نمنح بلدنا هدية للطائفية والطائفيين. ويبقى علينا أن نفهم أن الطائفية هي إنتماء متعنت لناس المذهب وليس فقط لأفكاره وإنها فعل سياسي وليست إيمانا فقهيا بمذهب معين.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجلس القضاء يفعلها مرة أخرى
- الطائفية.. شتيمة العصر الأولى
- ثقافتنا .. بين التلقي والاستجابة
- العلمانية والإلحاد
- العراق وإزدواجية جنسية الحكام.. وطن أم فندق
- الفلم المسيء .. بين الفعل الرخيص ورد الفعل الأرخص, وما بينهم ...
- أمريكا.. حرية تعبير أم حرية تفجير
- الحب على الطريقة الغوغائية
- القدس.. عاصمة إسرائيل
- بين حمد والعلقمي وبن سبأ .. ثلاثية القراءة الممسوخة
- هلهولة ... دخول العلم العراقي في كتاب غينيس للأرقام القياسية
- الحمار الطائفي
- هل كانت الدول الإسلامية .. إسلامية
- الدولة العلمانية لا دين لها.. ولكن هل هي ضد الدين
- العلمانية.. أن تحب الحياة دون أن تنسى الآخرة
- الإسلام السويسري *
- دولة الإسلامويين ومعاداة العلمانية
- الطائفية.. من صدام إلى بشار
- أن نتقاطع مع الدم السوري.. تلك هي المشكلة
- ثلاثة طرق طائفية للهجوم على الطائفية


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - من هو الطائفي تحديدا