مجدى زكريا
الحوار المتمدن-العدد: 3886 - 2012 / 10 / 20 - 23:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لنفترض انكم عهدتم الى فنان برسم صورة لكم. فعندما ينتهى من ذلك, تفرحون لأنها تشبهكم تماما. وتعتقدون ان اولادكم, حفدائكم, وحفدائهم سينظرون اليها بافتخار كبير.
ولكن بعد اجيال, يشعر احد المتحدرين منكم ان حد الشعر الذى يبدو متراجعا فى الصورة غير جذاب, فيضيف الشعر اليها. واخر لا يعجبه شكل الانف فيغيره. ويتبع ذلك تحسينات اخرى تدخلها اجيال لاحقة. وفى النهاية لا تعود الصورة تشبهكم, فكيف كنتم ستشعرون لو علمتم ان هذا ماسيحدث ؟ بالغضب دون شك.
من المحزن القول ان قصة الصورة هى من حيث الاساس قصة الكنيسة المسيحية الاسمية, فالتاريخ يظهر انه بعيد موت رسل المسيح, بدا وجه المسيحية الرسمى يتغير, تماما كما انبأ الكناب المقدس. متى 13 لاعدد 24 - 30 , 37 - 43. اعمال 20 عدد 30.*
طبعا, من الملائم تطبيق مبادئ الكتاب المقدس على مختلف الثقافات والعصور, فهذا شئ وتغيير تعاليم الكتاب المقدس لتلائم التفكير الرائج هو شئ مختلف كليا. ولكن هذا ماحدث بالضبط. على سبيل المثال, تأملوا فى التغييرات التى اجريت فى عدد من المجالات المهمة.
علم يسوع ان حكمه او ملكوته, سماوى وسيسحق فى الوقت المعين جميع الحكومات البشرية وسيحكم الارض بكاملها, ولن يحكم من خلال الانظمة السياسية البشرية. فقد قال يسوع " مملكتى ليست جزءا من هذا العالم ". ولذلك فى حين ان تلاميذ يسوع اطاعوا القانون, فقد بقوا بعيدين عن السياسة.
ولكن بحلول زمن الامبراطور الرومانى قسطنطين, فى القرن الرابع, كان كثيرون من المدعين المسيحية قد عيل صبرهم وهم ينتظرون عودة المسيح وتأسيس ملكوت الله. وتدريجيا, تغير موقفهم من السياسة. يقول كتاب اوروبا - تاريخ " قبل قسطنطين, لم يكن المسيحيون يتخذون السلطة السياسية وسيلة لتعزيز قضيتهم. ولكن بعد قسطنطين, صارت المسيحية ترتبط ارتباطا وثيقا بالمراتب السياسية العليا ". واصبحت المسيحية المعدلة الدين العام الرسمى للامبراطورية الرومانية ؟
وتذكر دائرة معارف عصور الانسان العظمى انه بسبب اتحاد الكنيسة والدولة هذا, وبحلول سنة 385 ب.م, بدأت الكنيسة تنفذ احكام الاعدام فى الهراطقة, ومنح رجال دينها سلطة تضاهى سلطة الاباطرة, هذا ولم يكن قد مر سوى 80 سنة على موجة اضطهاد كبرى على المسيحيين. وبذلك ابتدأ عصر استبدلت فيه سبل الاقناع بالسيف كوسيلة للهداية, وحل رجال الدين الحاملون الالقاب والمتعطشون الى السلطة محل مبشرى القرن الاول المتواضعين. كتب المؤرخ ه.ج ولز عن الاختلافات العميقة بين مسيحية القرن الرابع وتعليم يسوع الناصرى. حتى ان هذه الاختلافات العميقة اثرت فى التعاليم الاساسية عن الله والمسيح.
علم المسيح وتلاميذه انه يوجد اله واحد , الاب. يتميز باسمه الشخصى, ويسوع خلقه الله, وهو بكر كل خلق. كما تقول الترجمة اليسوعية. وبما ان يسوع كان مخلوقا, فقد استطاع ان يقول بصراحة " الاب اعظم منى ".
ولكن بحلول القرن الثالث, بدا بعض رجال الدين ذوى ىالنفوذ الذين تأثروا بالتعليم الثالوثى للفيلسوف اليونانى الوثنى افلاطون يغيرون المفهوم المتعلق بالله ليلائم الصيغة الثالوثية. وفى القرون التالية, رفعت هذه العقيدة يسوع, خلافا لما يعلمه الكتاب المقدس, الى مركز مساو لله, وجعلت من روح الله القدس او قوته الفعالة اقنوما ثالثا.
وعن تبنى الكنيسة فكرة الثالوث الوثنية, تقول دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة " ان الصيغة اله واحد فى ثلاثة اقانيم لم تتأسس بشكل متين, وبالتأكيد لم تستوعب تماما فى الحياة المسيحية واعلان ايمانها, قبل نهاية القرن الرابع. ولكن هذه الصيغة بالضبط هى اول ما يمكن تسميته عقيدة الثالوث. وبين الاباء الرسوليين لم يكن هنالك حتى ما يقارب من بعيد عقلية او وجهة نظر كهذه ".
وبشكل مماثل, تقول دائرة المعارف الاميركية " الاعتقاد بالتثليث فى القرن الرابع لم يعكس بدقة التعليم المسيحى الباكر عن طبيعة الله. وعلى العكس, كان انحرافا عن هذا التعليم ". ويدعو دليل اوكسفورد الى الكتاب المقدس الثالوث احدى الصيغ الدينية اللاحقة المتعددة. ومع ذلك, ليس الثالوث الفكرة الوثنية الوحيدة التى تينتها الكنيسة.
يعتقد اليوم عموما ان البشر لديهم روحا خالدة تبقى حية بعد موت الجسد. ولكن هل علمتم ان هذا التعليم الكنسى ايضا اضيف لاحقا ؟ فقد اكد يسوع الحقيقة المؤسسة على الكتاب المقدس ان الموت " لا يعلمون شيئا ". انهم نيام. اذا جاز التعبير والحياة تعاد بالقيامة - النهوض ثانية من نوم الموت. وبما ان الخلود مناقض للموت , فالنفس, اذا كانت خالدة, لن تحتاج الى قيامة.
وقد برهن يسوع على ذلك باقامة اشخاص من الموت. خذوا على سبيل المثال لعازر الذى كان ميتا اربعة ايام. فعندما اقامه يسوع, خرج من القبر انسانا حيا يتنفس ولم تعد الى جسده اية نفس خالدة تركت ىالنعيم السماوى. فلو كان هذا ما حدث لما كانت اقامة يسوع له بالعمل اللطيف.
اذا ماهو اصل نظرية النفس الخالدة ؟ يقول قاموس وستمنستر للاهوت المسيحى ان الفكرة " تنشأ عن الفلسفة اليونانية اكثر منها عن كشف مؤسس على الاسفار المقدسة ". وتوضح الموسوعة اليهودية " الاعتقاد ان النفس تستمر فى وجودها بعد انحلال الجسد هو قضية تخمين فلسفى او لاهوتى عوض مجرد ايمان. ووفقا لذلك لا يجرى تعليمه بوضوح فى اى مكان من الاسفار المقدسة ".
غالبا ما تؤدى الكذبة الى كذبة اخرى, ويصح ذلك فى التعليم عن خلود النفس. فقد فتح الطريق امام الفكرة الوثنية للعذاب الابدى فى جحيم نارى.* لكن الكتاب المقدس يذكر بوضوح ان " اجرة الخطية هى موت ". وليس عذاب ابدى. ببسيط العبارة ان الذين فى القبور هم اموات, نيام, كما قال يسوع.
هل تعتقدون حقا ان التعليم عن دينونة ابدية فى الجحيم يجذب الناس الى الله ؟ نادرا ما يجذبهم. فالاشخاص العادلون والمحبون ينفرون من هذه الفكرة. ومن ناحية اخرى, يعلم الكتاب المفدس ان " الله محبة " وانه يمقت القساوة حتى على الحيوانات.
واليوم يستمر التشويه لصورة الله والمسيحية, فقد وصف مؤخرا بروفسور فى الدين الصراع بين فى كنيسته البروستانتية انه صراع حول مرجعية الاسفار المقدسة وقانون الايمان مفابل مرجعيثة الايديولوجيات الخارجية وتلك المتعلقة بالفلسفة الانسانية, حول امانة الكنيسة لسيادة المسيح مقابل تكييف المسيحية وتغييرها بحسب روح العصر. فالقضية قيد البحث هى من يقرر المسلك الذى يجب ان تتخذه الكنيسة . . . الاسفار المقدسة ام الايديولوجية السائدة اليوم ظ ".
من المؤسف ان الايديولوجية السائدة اليوم هى الفائزة. مثلا, من المعروف ان كنائس كثيرة قد غيرت موقفها فى قضايا شتى لتبدو تقدمية ومنفتحة. كما ان الكنائس اصبحت متحررة جدا وخصوصا فى المسائل الادبية, كما ذكر فى المقالة الافتتاحية. لكن الكتاب المقدس يذكر بوضوح ان العهارة, الزنى, ومضاجعة النظير هى خطايا جسيمة فى نظر الله وان الذين يمارسون خطايا كهذه لا يرثون ملكوت الله.
عندما تحدث يسوع الى القادة الدينيين اليهود فى ايامه, قال ان عبادتهم ذهبت عبثا لأنهم علموا تعاليم هى وصايا الناس. فرجال الدين هؤلاء فعلوا بشريعة الله المعطاة بواسطة موسى الشئ نفسه الذى فعله رجال الدين للعالم المسيحى, ومازالوا يفعلونه, بتعليم المسيح, تلطيخ الحق الالهى بطلاء التقليد. لكن يسوع ازال كل الاكاذيب لفائدة المستقيمى القلوب. لقد تكلم بالحق سواء كان مقبولا من العموم او لا. وكانت كلمات الله مرجعه على الدوام.
لقد انبأ الكتاب المقدس " حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون الى الخرافات ". تيمثاوس الثانية 4 عدد 3 و 4. وهذه الخرافات التى تناولنا البعض منها هى هدامة روحيا, فى حين ان حق كلمة الله يبنى ويؤدى الى الحياة.
* كما كشف يسوع فى مثال الحنطة والزوان وفى الايضاح الذى قدمه عن الطريق الواسع والضيق, كان قليلون سيستمرون فى ممارسة المسيحية الحقة عبر العصور. غير ان هذه الاقلية كانت ستحجبها الاكثرية المشبهة بزوان, التى ترفع نفسها وتروج تعاليمها على انها الوجه الحقيقى للمسيحية.
* جحيم هى ترجمة للكلمة العبرانية شيول والكلمة اليونانية هادس التين تعنيان كلاهما " المدفن ". وفى حين ان ترجمات عربية للكتاب المقدس تنقل شيول الى هاوية وجحيم. فان الكلمة نفسها تنقل ايضا الى قبر وباطن الارض. الامر الذى يظهر ان هذه التعابير تعنى من حيث الاساس الشئ نفسه.
#مجدى_زكريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟