إدريس الغزواني
الحوار المتمدن-العدد: 3886 - 2012 / 10 / 20 - 03:33
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هل هناك سوسيولوجيا مغربية و بالتالي عربية؟
إن استدعاء سوسيولوجيا المغرب و السوسيولوجيا العربية بصفة عامة له ما يبرره علميا و موضوعيا. ففهم و تفهم الديناميات و الأساسيات التي تحدد ملامح المستقبل المغربي و العربي عامة يظل محدودا بدون تتبع هذا المسار. إن هذه الديناميات عاشها المغرب و العالم العربي و لا يزال يعيشها,و التي أسقطت أنظمة سياسية و تبشر بسقوط أخرى, و التي صدمت باحثينا و مفكرينا مما يترجم عدم قدرتهم على فهمها و استعصى عليهم تحليلها.هنا أتساءل مرة أخرى ,هل هناك أنتلجنسيا مغربية بالمعنى الصحيح للكلمة؟ و لكي لا أخرج عن الموضوع يجب أن أأصل لما يسمى سوسيولوجيا المغرب رغم أنني لا أتفق مع الرأي القائل بأن هناك سوسيولوجيا مغربية و بالتالي عربية, من خلال ثلاث مراحل أساسية :البدايات الإثنوغرافيا الأولى
شهد القرن التاسع عشر نوع من التوسع الامبريالي, كان ضحاياه دول ضعيفة سياسيا و اقتصاديا, و كان المغرب من بين هؤلاء الضحايا, و الذي اشتد الصراع حوله بين دول أوربية عديدة في الوقت الذي كانت فيه الجزائر ضحية الدولة الفرنسية التي احتلتها بالقوة سنة 1830. ليس هذا هو المشكل؟ إن فرنسا أكثر من ذلك بحيث كانت ذاهبة لتأسيس إمبراطورية في شمال إفريقيا, لكن اسبانيا وقفت عقبة أمامها و قالت بأن لها وحدها الحق في احتلال المغرب نظرا للقرب الجغرافي و بلوغ هدف السيطرة على مضيق جبل طارق. في المقابل لم تذهب الأمور على منوالها, و إنما تم اقتسام المغرب بين فرنسا و اسبانيا لأسباب سياسية و اقتصادية محضة. إن المغرب يشكل عالما غرائبيا و عجائبيا بالنسبة لفرنسا ما عدا السواحل. لكن لتجاوز هذا الأمر و لتجنب الدخول إلى المغرب بالقوة و السلاح و استفادتها من التجربة الجزائرية الدموية, قامت بإرسال رحالة و مستكشفين والاستعانة بالبعثات التبشيرية المسيحية التي سبقتهم إلى الميدان بغية الولوج إلى عقليات و عادات المغاربة ليطلعوا فرنسا بما يوجد داخل المغرب المجهول بالنسبة إليهم,وأحسن مثال على ذلك, رجل الدين المسيحي الذي لبس ثوب اليهودي للتخفي و الذي يدعى شارل دوفوكو .كل هذه التقارير المرسلة إلى المترو بول من طرف هؤلاء الرحالة و المستكشفين كان يطغى عليها ذلك الطابع الوصفي لا الطابع التحليلي التفسيري.لماذا؟لأنهم لم يكونوا علماء السوسيولوجيا و لا الانتروبولوجيا و لا الإثنوغرافيا ,إنما كانت قدرتهم في إدراكهم للغة البلد و معتقده الديني. كل هذه الدراسات و الأبحاث و التقارير كانت من انجاز مجموعة من الرحالة الذين تم توجيههم من طرف مدرسة الجزائر التي تدعو إلى استعمار المغرب بأي طريقة كانت, بالإضافة إلى الحزب الكولونيالي المتواجد في الميتروبول و الذي يؤكد على الإخضاع السلمي للمغرب .من هنا ظل المغرب منذ 1880 إلى حدود بداية القرن العشرين موضوع صراع بين فرنسيي الميتروبول و فرنسيي الجزائر حول السياسة التي يجب إتباعها داخل المغرب,قبل إن تنتصر مدرسة الجزائر في بسط سيادتها على عملية الجرد الميداني الشامل بالمغرب بحكم توفرها على مختصين في هذا المجال. : مرحلة التخصص أو التأسيس (ميلاد البعثة العلمية)
إن هذه المرحلة أي مرحلة تأسيس "البعثة العلمية" شكل منعطفا حاسما في تاريخ (السوسيولوجيا المغربية) لأنها ستؤثث لمرحلة جديدة تكون فيها البحوث ممأسسة,ممنهجة و مأطرة من طرف هذه البعثة, و التي يمكن أن ترقى في بعض الأحيان إلى بحوث قد تسمى سوسيولوجية. إن الفضل في هذه المرحلة يرجع بالأساس إلى شخص كان ضابطا في الشؤون الأهلية بالجزائر سنة 1876 يدعى "ألفريد لوشاتوليي".لقد كان تأسيس "البعثة العلمية" من طرف هذا الأخير سنة 1904,وهي مؤسسة علمية هدفها البحث في المخطوطات والوثائق التي تسمح بدراسة المغرب و ذلك بغية بناء و إعادة بناء تنظيمات الحياة, السبب في تعجيل سقوط مدرسة الجزائر. والتي تشكل (البعثة العلمية) نواة بحث تقوم بتوجيه البحوث حول المغرب.لم يتمكن لوشاتوليي من إدارة أمور البعثة بمفرده ,و اعتمد على باحث بالمعهد الاركيولوجي بمصر يدعى "جورج سالمون" ,حيث كلفه بتهيئ مجلد من "الأرشيفات المغربية", حيث صدر المجلد الأول من هذه الأرشيفات سنة 1904 وفي سنة 1906 سيصدر العدد الأول من مجلة "العالم الإسلامي" .في سنة 1907 اسند لوشوتوليي مهمة البعثة إلى "ميشو بلير" الذي أعطى تصورا شاملا لعمل و مهام البعثة في البحث عن الوثائق التي تسمح بمعرفة المغرب, و كذلك العمل على إعادة تنظيم هذه المهمة .في هذا الإطار وخلال هذه المرحلة ستصدر مجموعة من المجلدات و المجلات تعرض ما كانت تقوم به البعثة العلمية من دراسات,و ذلك قبل أن تغلق البعثة أبوابها بسبب انقطاع الدعم المادي لها,بحيث ستتحول من مؤسسة إلى مسلك السوسيولوجيا.
:مرحلة ما بعد الاستعمار
إن غزارة الإنتاج الغربي حول المغرب لم يأخذ صبغة سوسيولوجية إلا من خلال 97 عمل على المستوى الكيفي ,و هذا ما وصل إليه الباحث عبد الكبير لخطيبي من خلال حصيلته السوسيولوجية في المغرب, و ذلك من خلال إبعاده لكل من (ادمون دوتي,ميشو بلير,غيلنر,دافيد هارت) عن هذا الزخم الفكري المركز على المغرب. إن السوسيولوجيا في المغرب أخذت منحى أخر بعد الاستقلال حيث سيظهر مجموعة من الباحثين في هذا المجال كعبد الكبير ألخطيبي و بول باسكون و جاك بيرك و أندري أدام إلى جانب ثلة من الباحثين الآخرين, و الذين انتصروا للعلم ضد الاستعمار و للمغرب ضد فرنسا, كما حملوا على عاتقهم غربلة الإرث السوسيولوجي حول المغرب بغية اخذ الصالح منه و ترك الطالح.و هذا ما فعله عبد الكبير ألخطيبي من خلال حصيلته السوسيولوجية و كذلك البيبلوغرافية النقدية لأندري أدام و الذي عرف السوسيولوجيا المغربية على أنها كل ما كتب حول المغرب من كتابات فرنسية و اسبانية و انجليزية و ألمانية, كما قدم نقدا لاذعا لحصيلة ألخطيبي.حيث اعتبرها مجرد استعارة ليس إلا, لا يمكن تطبيقها في المجال السوسيولوجي الذي لا يتسم بالوحدة.إن النظر إلى السوسيولوجيا اليوم و الانكسار التي تعيشه, يحتم علينا الرجوع إلى الستينيات من القرن الماضي لأن التاريخ وحده هو القادر على أن يخلصنا من التاريخ نفسه. إن هذه المرحلة عرفت بتأسيس معهد السوسيولوجيا و ذلك سنة 1960 بدعم من اليونسكو ,إلا أن هذا المعهد لم يبلغ سن رشده حتى صدرت الأوامر بغلقه سنة 1971 في مناظرة إفران, وذلك عقب تصاعد المد اليساري بالمغرب و تلاه محاولتا انقلاب 1972 و 1973 ,مما أسس لمسارات تقعيد السوسيولوجيا بالمغرب .إن أول تقعيد عرفته السوسيولوجيا بالمغرب كان مؤسساتيا تمثل في إغلاق معهد السوسيولوجيا, و أخر لساني متمثل في تعريب الدراسات الفلسفية بالثانوي, و تقعيد أخر أخذ بعده في محاولة حظر الدراسات الفلسفية في الجامعات المغربية . و أكبر تقعيد و تكسير بعد إغلاق المعهد هو موت بول باسكون و الذي يجب أن نضع علامة استفهام أمام موته لأنها ليست طبيعية. هذا الماضي المهزوم الذي عاشته السوسيولوجيا في المغرب ,هو ما ترك الواقع اليوم غارق في مشاكله و أزماته و تقلباته بدون سوسيولوجيين قادرين على فهمه و تحليل مشكلاته, اللهم إلا بعض المرتزقين منهم من لم يستطع كتابة و لو كلمة واحة في مجلة علمية و يسمي نفسه عالم اجتماع."إن السوسيولوجيا المغربية يجب أن تفهم لغير المغاربة ما يستطيعون المغاربة فهمه" من من باحثينا يستطيع دراسة مشاكل المغاربة و يستطيع أن يوصل صوتهم إلى العالم بموضوعية؟ هل بإمكان من يدعون أنهم سوسيولوجيين مغاربة البحث والدراسة خارج المؤسسة؟ و إذا كانت لدينا سوسيولوجيا في المغرب ,لماذا نجد مؤسسات تابعة للدولة تقوم بالبحث السوسيولوجي كالمعهد الوطني للإحصاء و المندوبية السامية للتخطيط؟ من هنا يمكننا القول أننا نتوفر على سوسيولوجيا مؤسساتية تابعة للدولة ,وأخرى تبقى اجتهادات فردية ليس إلا ,وقس على ذلك العلم العربي بأكمله. ما نتمناه صراحة أن تشكل هذه الديناميات التي يعيشها العالم العربي فكر باحثينا, كما شكلت الثورة الفرنسية فكر دوركايم .
#إدريس_الغزواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟