إبراهيم جركس
الحوار المتمدن-العدد: 3886 - 2012 / 10 / 20 - 01:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
50 وهماً للإيمان بالله
غاي هاريسون
الوهم الخامس: لاشيء يمدّني بالمعنى لوجودي ويشعرني بأهميته سوى إلهي
هل انتابك شعور بالصغر وعدم الأهمية من قبل؟ عملياً ليس هناك أي خطأ إذا انتابتنا مثل هذه المشاعر من حين لآخر. قد تكون هذه المشاعر عبارة عن استجابة طبيعية للعيش ضمن عالم كبير يدور ضمن كون أكبر. فكون الإنسان مجرّد فرد واحد بين عدّة مليارات من البشر يجعل شعور المرء بالأهمية والتميّز أمراً صعباً بعض الشيء. فقد بلغ عدد سكان العالم في الوقت الحالي حوالي سبعة مليارات. وخلال الخمسة آلاف عام الماضية أو ما يقاربها، كان عدد البشر لا يتجاوز بضعة مئات الملايين. فهذا عدد ضخم. ولا عجب أن يشعر بعضنا بالضياع بين هذه الحشود.
الأمر يزداد سوءاً. خذ في حسبانك حقيقة أنك أنت لست "أنت"، على الأقل ليس بنفس القدر الذي تظنّ نفسك فيه. حتى جسم الإنسان، جسمك أنها، عبارة عن نظام بيئي معقّد مكوّن من تريليونات الخلايا الحية ((أنت)) وأيضاً أكثر من مئة تريليون جرثوم ((ليس أنت)). بنفس الغرابة، إذا أمكنك أن قياس الفضاء الذي يشغله جسدك، فستجد أنّ ما تعتقد أنه أنت بالكامل هو في الحقيقة أشكال أخرى من الحياة كالمفصليّات، البكتريا، الفيروسات، والفطريات. فأنت أقلية داخل جلدك الخاص. لكنك لست فقط قليل العدد، بل إنكّ ضئيل_ ضئيل جداً.
ما مدى ضآلتنا؟ أغلب البشر اليوم يزنون أقل من مائتي باوند أمّا ارتفاعهم فأقل من ستّة أقدام. قارن ذلك بكتلة كوكبنا، والتي تقدّر بشكل رهيب 6,000,000,000,000,000,000,000,000 كيلو غرام. مجلّة درب التبّانة، جارتنا الأقرب، يبلغ عرضها حوالي مائةٌ وعشرون ألف سنة ضوئية. [السنة الضوئية هي المسافة التي يحتاجها الضوء ليقطعها خلال سنة، أو حوالي 5879000000000 ميل]. إنّ مجرّتنا تحتوي أكثر من مئة مليار نجم. والأرجح أنّ كوننا يحتوي أكثر من مئة مليار مجرّة. هل يستطع أحدكم تخمين عدد الكواكب الموجودة.
هناك الكثير من الأمور المذهلة التي تجري هناك بدوننا حيث أنّها تبدو وكأنّنا غير مرئيين، أو غير موجودون حتى. هناك سحب خلاّبة مكوّنة من الغبار والغاز يطلق عليها تسمية "سديم" وهي أكبر بكثير من نظامنا الشمسي كله. النجوم تولد. وتموت. في بعض الأحيان يتمّ امتصاص مجرّات بأكملها داخل مجرّة أكبر. وهي كله فقط يجري ضمن نطاق "الكون المرئي". يعتقد بعض علماء الكونيات أنّه قد يكون هناك المزيد من الأكوان بالإضافة إلى كوننا هذا. أمر مذهل ويشعرنا بصغرنا وتفاهتنا، أليس كذلك؟
الحجم والأعداد ليست وحدها المصادر الممكنة للشعور بعدم الأمان الإنساني. حسب مقياس الزمن فنحن شيء لا يذكر. فالكون عتيق قديم جداً (15 مليار سنة، تقريبا) لدرجة أنّنا نُعتَبَر كالذبابات المضيئة، لا نحيا سوى لبرهة زمنية قصيرة جدّاً لا تتجاوز فترة ما بعد الظهيرة في الشمس. متوسط طول عمر الإنسان اليوم يصل حتى ثمانون عاماً. وهذه بالكاد برهة زمنية قصيرة بالنسبة لعمر الكوكب الذي يبلغ حوالي أربعة مليارات ونصف المليار عام. لم يمضي أكثر من سبعة آلاف عام منذ أن قمنا بنقلتنا الكبرى من العصر الحجري إلى الحضارة. وقد جاءت خلال هذه الفترة حيوات لا تعد ولا تحصى ثم اختفت. تخيّل كافة الأحداث والحوادث الدراماتيكية التي مرّت خلال هذه السنوات السبعة آلاف والتي فاتتنا. تصوّر جميع الأشخاص البشر الهامين والمثيرين للاهتمام والذين ماتوا حتى قبل أن نأتي إلى هذا العالم.
ألن يكون أمراً جيداً إذا قام شيء ما أو أحد ما _الله ربما_ بجعلنا نشعر أنّنا على قدر من الأهمية والفرادة والتميّز؟ قد يجعلنا الله نعيش إلى الأبد. يبدو الأمر جميلاً. على سبيل المثال، الرغبة في الشعور بالأهمية تعتبر دافعاً كافياً بالمسبة لهم لالتماس الراحة بين ذراعي الرب، حتى وإن لم يبيّن لهم أنّ ذلك الرب موجود فعلاً. لكن لا يجب خلط الأمل والرغبة مع المعرفة اليقينية حول أمر ما. أغلب المؤمنين من مختلف المجتمعات يقولون أنّ الإيمان بالله أو بالآلهة يجعلهم يشعرون بالأهمية والمكانة في هذا الكون الهائل والواسع. لكنّ هذا التصريح من قبل المؤمنين ليس بالضرورة دليلاً على وجود الآلهة. فقد يكون الإيمان وحده، وليس الله، هو الذي يمنح الإنسان هذا الشعور بالاطمئنان والأمان.
العديد من الأنظمة العقائدية تدقّق كثيراً على هذه المسألة في الأهمية الفردية. الزعماء الدينيون يدركون جيداً حقيقة أنّ الناس يشعرون غالباً بأنّهم مغمورون وضائعون داخل قطيع الإنسانية لذلك نراهم سريعون جداً في تقديم الحل. أغلب الوعّاظ المسيحيون، على سبيل المثال، يتحدّثون عن "كتاب الحياة" حيث كتب فيه الله أسماء المؤمنين. لقد أخبرني المسيحيون أنّ إلههم عرف اسمي، حتى قبل أن أولد. واضح أنّ هذه القصة تجعلني أشعر بأنني مميّز. لكن مع أنّ ورود اسمك في كتاب الحياة الإلهي يبدو أمراً جميلاً، على المرء أولاً أن يقدّم طريقة يمكننا من خلالها التأكد من وجود هكذا كتاب. أين هو؟ فإذا كان هناك في الأعلى في مكان يسمّى "السماء" ولا يمكننا رؤيته، إذن كيف أمكن لنا نحن الذين في الأسفل معرفة كل شيء عنه؟ إذا كان مصدر المعلومات الوحيد عن هذا الكتاب السحري موجود في كتابات قديمة من كاتب مجهول، عندها كيف يمكن لنا أن نؤمن به بكل هذه الثقة؟ نعم، كتاب الحياة، على غرار الآلهة ذاتها، قد يساعد المؤمنين ليشعروا بأنّهم مهمّون ومميّزون لكن هذا لا يعني البتّة أّنها موجودة بالفعل.
أفهن جيداً عندما يقول لي المؤمنون بأنّهم يشعرون شعوراً جيداً بشأن إله معين يعرفهم ويعتني بهم. وبوسعي تخيّل كيف يمكن لمثل هكذا اعتقاد أن يجعل حياة البعض محتملة ولو بمقدار ضئيل. لكن هناك طريقة أخرى. فجميعنا لسنا بحاجة للإيمان بالله، يهوه، يسوع، غانيشا، فيشنو، أو أيّة آلهة أخرى للشعور بالأهمية، وعيش حياة ذات معنى من دون آلهة. مئات الملايين من غير المؤمنين حول العالم يتدبّرون أمورهم وحياتهم كل يوم. فلا يحتاج المرء لأن يبحث عن أي شيء آخر غير العائلة، الأصدقاء، والتمتّع بكونه منتجاً أو مبدعاً ليشعر بالرضا والهدف من الحياة. هذه الأشياء الحقيقية يمكن أن تكون رائعة جداً ومثيرة، في الحقيقة، أنا أستغرب كثيراً كيف يمكن لأي أحد أن يمضي وقتاً طويلاً بعيداً عنها ويعبد إلهاً غير مرئي ولا يوجد أي دليل يثبت أنّه موجود. قد يأخذ المؤمنون في اعتبارهم احتمال أنّ كل دقيقة تمضي في التفكير بإله موجود في الأعلى والحديث عنه ومعه قد تكون مضيعة للوقت الثمين هنا على الأرض.
إنّ الإيمان بإله غير مثبت قد يوفّر نوعاً من الراحة لكن ذلك حتماً ليس الطريقة الوحيدة للشعور بوجود صلة معينة تربطنا من شيء أكبر من أنفسنا. بالإضافة إلى أنّه ليس من الصعب جداً مواجهة الواقع المخيف والمرعب لمكانتنا في هذا الكون. من الممكن مواجهة ذلك الواضع الأليم من خلال اعتناق قوةّ هذه الحقيقة ولغزها بدلاً من الابتعاد عنها والانطواء. على سبيل المثال، حين كنت أكتب الجملة الافتتاحية لهذا الفصل واصفاً الكون بأنّ عمره يبلغ عدّة مليارات من السنوات وحجمه وسعته، فأنا لم أشعر بأني كائن مغمور، وضيع، خائف، مغلوب على أمره. بل شعرت بالإثارة والحماسة والإلهام. أنا أحب حقيقة عيشي في كون واسع وعميق بشكل لا يمكن تخيّله، وأي شيء آخر غير ذلك سيبدو خانقاً. لا ينبغي على الإنسان أن يشعر بالبرودة، الخواء، والكآبة بسبب وقائع الزمن والطبيعة. لا تنحني أو تنكمش أمام صورة هذا الكون الهائل. قف واعثر على مكان لك فيه كن عكس أولئك الذين ينظرون إلى سماء الليل ويشعرون بالصغر والضعّة. انظر نحو الأعلى وكن عظيماً وعملاقاً لأنّك جزء من هذا كله. علاوة على ذلك، أنت مميّز وفريد لأنك _كشكل مفكّر، ذكي، ومبدع من أشكال الحياة_ واحد من الأشكال الأوفر حظاً من الذرات المجتمعة في كل هذا الكون.
****************************
مراجع الفصل الخامس
Sagan, Carl. Cosmos. New York: Random House, 2002.
Tyson, Neil deGrasse, and Donald Goldsmith. Origins: Fourteen Billion Years of Cosmic Evolution. New York: W. W. Norton & Company, 2004
#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟