أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - تعرف على ذاتك - الجزء الثاني















المزيد.....



تعرف على ذاتك - الجزء الثاني


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 1128 - 2005 / 3 / 5 - 11:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كلمة رددها الحكماء في كل العصور من بوذا إلى المسيح إلى محمد وسقراط وديوجينيس وغيرهم ...أعرف ذاتك ، تعرف على ذاتك ، تعرف على هويتك الحقة خارج حدود هذا الجزء المرئي من جبل الجليد .
من أنت حقا ؟
لا نطمح من وراء هذا عزيزي القاريء أن نتعرف على الجذر الميتافيزيقي لوجودنا ، فتلك مسألة ليست ملحة جدا ولا هي باليسيرة على الأدراك ، وربما لحكمة من الخالق لا يريد لنا أن نتعرف على سر وجودنا ، ولكن هناك ما هو جدير بأن نتعرف عليه وهو ميسور وبمتناول أيدينا كما وأنه مهم جدا لأي مهمات حياتية أو وجودية أرقى من هذا الوجود المادي الحيواني المتواضع إلى حد كبير .
أن نتعرف على جوهرنا الذاتي الفردي ، هويتنا الشخصية التي تميزنا عن غيرنا دون أن تفصلنا عن هذا الغير بمسافة كبيرة .
أن نتعرف على خصوصية شخصيتنا وسماتها العامة وتفاصيلها الدقيقة الحاسمة المهمة في أي تطور نرجوه .
الحقيقة ليس من سبيل لأي أرتقاء حياتي أو معرفي بغير أدراك الهوية الفردية ووعيها بعناية ، لماذا ؟
لأنك لا يمكن أن تشتغل على أداة ما دون أن تتعرف عليها ، اليس كذلك ؟
لو إنك فكرت أن تشتري سيارة أو بيت أو غسالة أطباق فإنك بالضرورة يجب أن تتعرف على سمات شخصية هذه السيارة أو البيت أو تلك الماكنة وبالتالي من خلال هذا التعرف يمكن أن تستعملها بشكل سليم وتحقق من ورائها ما صبوت إلى تحقيقه من أغراض ، فكيف وتلك الأداة هي نفسك وذاتك وكيانك الجسماني والروحي والسيكولوجي ...!
وإذا كانت المهمة التي نسعى لها بحجم وخطورة مهمة تفجير ينابيع الأبداع الكامنة في داخلنا أو للأرتقاء بمستوى حياتنا إلى ما فوق مستوى حياة الفئران التي يعيش في جحرها الأغلبية منا ، فإن التعرف الوثيق الحميم على الذات هو ضرورة ملحة جدا ، وإلا كيف لذاتك أن تبدع وأنت جاهل بها كل الجهل أو نصفه .
حسنا ...هنا سيسألنا الكثيرون ولا شك ، ومن يتعرف على منْ ، ثم كيف أتعرف على ذاتي وأنا أعيشها وأتصرف من خلالها وعلى تماس وثيق بها ، فكيف تدعي أني لا أعرفها ؟
بالنسبة للشطر الأول من السؤال ، نقول أن من يتعرف على من ، هو في واقع الحال عملية أعادة تعارف بين العقل الواعي والعقل الفائق والعقل الباطن ، عملية حوار صريح مفتوح بين مستويات الوعي الثلاثة معا بحيث يمكن أن يتحدثوا جميعا بلغة واحدة ويتفاهمون ويضيقوا فجوة الأنفصال المرعب والزائف واللامبرر القائم بينهم .
بصوت عال وبالصورة الحسية الحية ، تقوم الأطراف الثلاثة بالتعارف على بعضها والتعرف جميعا على هذا الكائن الذي هو أنت وإلى أين وصلت في مشوارك الحياتي وكم هي المسافة التي قطعتها على الدرب وأنت منفصل وللأسف عن وعيك الفائق أو حتى عن وعيك الباطن ، الذي ليس له من منفذ للتعامل معك إلا عبر الأحلام التي لا تجد منك أصغاء .
المؤسف أن الأغلبية منا عزيزي القاريء يعيش بمستوى واحد من مستويات الوعي ، ولهذا تجد أننا نعاني من الأضطراب أو القلق أو التعثر في مسيرتنا الحياتية .
نحن نعيش غالبا في مستوى الوعي اليومي ، ولا مجال وللأسف لا للعقل الباطن ولا للوعي الفائق أن يتدخلان لتعديل مسارنا .
هذا التعارف أو الحوار الصريح الذي تشرح فيه من خلال مستويات وعيك الثلاثة شخصيتك وسمات هويتك الذاتية وآفاق تقدمها ، مهم غاية الأهمية لعملية إعادة برمجة مستقبلك وبالتالي فإن هذا يعطي العقل الباطن المبرر للأدلاء بدلوه في عملية نموك وتطورك بشكل حاسم جدا .
أعظم عبقريات التاريخ على الأطلاق ، كان ولا زال ليوناردو دافنشي ، ودافينشي ذاته قال يوما وإذ بلغ نصف عمره ، قال :
لقد مشيت نصف عمري في طريق لم يكن أبدا طريقي .
تخيل دافينشي العظيم يعترف بأنه لم يكن يسلك دربه الحقيقي لما يفوق الخمس وأربعون عاما ، وها هو وعيه الفائق ينتبه لهذا ويقوله بمنتهى الجرأة ...!
فكيف بنا أنا وأنت والملايين من الناس ؟
إن الأغلبية منا عزيزي القاريء لا تختلف كثيرا عن العظيم دافينشي في السير في طرق ليست بطرقنا الحقيقية ولكنها تلك التي أختارها لنا وعينا الأجتماعي في غفلة عن الوعي الفائق واللاوعي بذات الآن ...!
إن كل ما نملك نحن البشر من خزين في الخبرات والتجارب والممارسات جاءنا كما أسلفنا في فترات باكرة من أعمارنا وفي مراحل لم يكن وعينا فيها لذواتنا قويا ، وغالبا ما ظل هذا الوعي ضعيفا بحكم الأنماط التربوية التي نتلقاها في الطفولة من الأهل والمعلمين ، وبالتالي فأن أسبقية التلقين والتخزين للمعلومات عن وعي هذه المعلومات أدى بنا إلى أن نستجيب بشكل تلقائي للأنعكاسات الدماغية المختزنة في اللاوعي ، وهنا يغدو وعينا وللأسف مجرد تابع ذليل للعادة والأنعكاس الشرطي وهذا ما يحرمنا فرصة التدفق الأبداعي أو تنشيط القدرات الداخلية الخفية العديدة الأخرى الموجودة فينا ، ولهذا أرى أن من المهم جدا جدا إعادة التعرف على الذات وربط مستويات الوعي المختلفة ببعضها برباط وثيق يحقق التوازن والإنسجام الداخلي بين تلك المستويات ويفتح الباب واسعا للعقل الباطن لأطلاق طاقاته الخلاقة الجميلة التي لم نحتج لها للأسف لأننا مشغولولن بأجترار خزين السنوات الست الأولى مما نعرفه وجربناه وتعودنا عليه وأطمأننا إلى أنه يحافظ لنا على حضورنا الإجتماعي وسط الناس فلا نستفزهم ولا يؤذوننا .
وجميع هذا في الغالب زائف ، فلا سعادة حقيقية بغير رقي حقيقي وحرية حقيقية في تفجير كوامن الطاقات الداخلية العظيمة السامية الموجودة فينا .

من أنت ؟
_____

ما نعرفه جميعا كما أظن ، هو أن أفضل أنتاجية يمكن أن تتحقق من أداة ما أو فكرة من الأفكار يتحقق على قدر تعرفنا على تلك الأداة أو تعمقنا بتلك الفكرة ، هذه حقيقة لا شك فيها ونراها جلية أمامنا في كل المواقف .
أي مهنة تتعلمها اليوم ، ولتكن الطب مثلا أو الهندسة ، ستغدو متفوقا بها بعد عام أو عشرة على قدر كم التجارب والخبرات التي كونتها عبر ذلك الزمن الذي سلف ، وكلما ألممت بالمزيد والمزيد من الخبرات وقرأت أكثر وعشت أكثر وتفاعلت مع هذا الذي قرأته وعشته ، كلما أزدادت مهاراتك ، فقيل عنك مهندسٌ بارع أو محام رائع أو طبيب موهوب ، وليس في الأمر موهبة ولكنها خبرة تكدست بعناية وتداخلت فيها مستويات الوعي الثلاثة بشغف عال ، فصرت هذا الذي صرته .
ماذا يعني هذا عزيزي القاريء لنا ونحن نتحدث عن التعرف على الذات ووعيها ؟
إنه يعني في الحقيقة الكثير جدا ، فأنت تروم أن تحرر من الذات أقصى ما فيها من القدرات الجميلة الرائعة ، وبالتالي فأنت ملزم بأن تتعرف على ذاتك بمنتهى العناية ليتسنى لك أن تبعث الروح في تلك القدرات المنسية الخبيئة ، وكلما تعمقت في فهم ذاتك ووعيك الباطن وحققت التزاوج السلس المرن بين مستويات وعيك ، تسنى لك أن تحقق أكثر وأكثر من النتائج العظيمة .
أنا أنظر لمسألة الأبداع الفني أو العلمي مثلا وببساطة على أنه قدرة موجودة وقائمة لدى كل واحد فينا وليست هبة من الرب أو من قوى أخرى ، إنها عندنا ، فينا في الداخل ، وكل ما نحتاجه أن نطلقها ونحررها ، وتلك مسؤوليتنا أولا وليست مسؤولية أي كان .
لو أخذنا على سبيل المثال حقلين متجاورين لفلاحين طيبين ، الأول فلاحٌ بسيط قليل التعليم أو أميٌ بالكامل ، أما الآخر فقد قيض له أن يكمل قدر من التعليم المتخصص في الزراعة .
تأتي لحقل الأول تجده متواضعا في حجم الخضرة وعديد الأشجار ونوعيتها وأنتاجيتها ، أما الآخر فيبهرك كم الأشجار وطرافة نوعياتها وحجم الخضرة التي تملأ المكان بحيث لا تجد شبرا أجرد ، تسأل الأول عن وارده فيقول لك ، إني أنال كفافي ورزق عيالي ولا أدري بالضبط كم يدخل ، وكم يخرج ولا أريد أن أعرف لأن الأرزاق بيد الله ، والمهم أنني راضي ، أما الآخر فأذ تسأله ( هذا إذا كنت صديقا مؤتمنا بالنسبة له ) فأنه سيخرج لك دفاتره أنيقة منظمة ، ويحدثك بشغف عن أنتاجية الموز أو الكمثرى هذا العام ، وكيف كانت أقل في العام الماضي ، وماذا فعل لتحسين الأنتاج ، وأي جديد أدخل على الزراعة ، و....و....و...الخ .
لا بل ولا تدهش إذا قال لك أنه يتوقع بعد عام أو أثنين أن يتحقق كذا ويحصل كذا ، وأن لديه مشاريع لأنتاج الأسماك والبيوض والسماد الكيماوي والطبيعي في أرضه ذاتها ...!
ما السر وراء ذلك عزيزي القاريء ؟
إنه كم المعلومات التي يعرفها هذا المزارع عن أرضه ، كم ما أستحصله من معلومات عنها ، حجم الحب الذي يحمله لها ، رقة لمساته وهو يختبر ترابها ، معرفته الوثيقة بتاريخها وأحتياجاتها ، وجميع هذا لا يمكن إلا أن يكون جزء من كل أكبر من المعرفة عن ذاته ونفسه وتطلعاته وطموحاته وسمات شخصيته ، إذ لا يمكن لنا أن نتقن التعرف على شيء في الخارج إن لم يسبقه التعرف على الداخل ، وكلما تعمق تعرفنا على داخلنا ، كلما تسنى لنا أن نحسن التعرف على الخارج .
ذات الأمر تفعله أنت وأفعله أنا في سبيل أنتاج أقصى ما يمكن من حقل الذات الرائع الذي هو أغنى من كل حقول العالم ، أتعرف على ذاتي وأسجل مواصفات وسمات شخصيتها تمهيدا لوضع استراتيجية عمل تناسب تلك الذات ، ولاحقا أعمل على هذه الأستراتيجية بمنتهى الأمانة والكفاءة والثقة لأنتج ما أريد أنتاجه من أبداعات ، أو على الأقل لأصل إلى ذلك المستوى الراقي من العيش ، والذي يستحق أن أعيشه وأستمتع به .
في الحقيقة أود أن أستدرك هنا قليلا فأقول أن نظم التعليم عندنا في عالمنا العربي ، نظم لا تراعي أبدا السمات الفردية للشخصية .
إننا ندرس وللأسف كثير من اللغو غير النافع ، ولا ندرس ولو القليل عن علم النفس ، ولا تحرص الهيئات التعليمية عندنا على تعريف النشئ بأنفسهم وذواتهم وأمكاناتهم الداخلية ، وهذا قصور كبير جدا ، رغم أن مجرد عملية تلقي العلوم المختلفة هو مهم بحد ذاته لتهذيب العقل وملأه بالمحرضات العلمية والفنية التي تساعد إلى حد كبير على تفجير بعض المكنونات الداخلية ، لكن إن لم يلتقي هذا بدروس متواضعة عن تركيب الدماغ وآليات التفكير ومستويات الوعي الداخلية ، فإن جميع هذا قد يغدو لاحقا عبئا على النشء وغالبا ما ينسى وللأسف .
المهم ...تحدثنا بعناية عن عملية التعرف على الذات دون أن نلج مباشرة في تلك العملية المهمة للغاية فكيف لنا أن نفعل ..؟
حسنا ...أدناه برنامج تعرف واسع على الذات هو من مبتكرات كاتب هذا الكتاب ، وهذا البرنامج لا يستغرق مبدئيا أكثر من نهار واحد من نهاراتك المتكررة المتشابهه أيها القاريء العزيزي .

برنامج التعرف على الذات :
_________________

تتذكر عزيزي القاريء ولا شك اليوم الذي قررت فيه أن تشتري بيتا أو سيارة أو أن تتزوج مثلا أو حتى وأنت تستعد لمجيء طفلك الأول ( هذ إن كنت متزوجا اصلا ) ، ماذا فعلت في أي من هذه الأنشطة ؟
ببساطة جلست إلى نفسك وشرعت بالتحدث مع ذاتك أو الكتابة المفصلة عن هذا الذي تريد شراءه أو تنتظر الزواج منها أو تتوقع مجيئه عقب زيارة قصيرة للمستشفى ( الطفل ) .
إن لم تفعل هذا لقلت لك أنك لست سعيدا بهذا الذي تبدو وكانك تريده ، أو أنه مفروض عليك من قوة أكبر خارج أطار إرادتك ، وإلا أوليس من الواجب أن أعرف نفسي بنفسي ، بتفاصيل الآتي وسماته وخواصه والآفاق المتوقعة منه ، وما هي رغباتي بشأنه و...و...و..الخ .
عملية الكتابة التفصيلية أو الحوار الذاتي بأشراك مستويات العقل المختلفة ، هو ضرورة ملحة لوعي الآتي ، وعي التغيير ، وتكثيف للسعادة والفائدة والمتعة من وراء هذا الجديد ، ولو لم يحصل شيء من هذا لما حصل تغيير حقيقي في حياتك ، لأن التغيير الحقيقي عزيزي القاريء ، هو هذا التغيير الذي نعيه بأرواحنا ، ونحسه بعمق ونستشنقه ونتلمسه ونمتليء به ، فتحصل متغيرات شعورية جميلة جدا تنعكس عافية على صحتنا النفسية والجسمانية بذات الآن .
الحوار مع الذات والكتابة ، هما عمليتا تذوق ورصد وتحسس للنعمة ، إنها عملية تأمل عميق جدا لهذا الذي نوشك أن نناله ، بغير هذا لا يكون لما نلناه متعة وجدوى ، وما أسرع ما يختفي بريقه ، ليخلف لنا ربما طعم المرارة .
هذه العملية الداخلية التي تحصل في ذهنك وبيتك ، هي عملية مبدئية تسبق ربما معاينة الشيء الذي تود أقتنائه ، أو قد تحصل وأنت تتأمل الشيء ذاته بحضور أهل العروس أو صاحب البيت أو الطبيبة المولدة لرضيعك .
ذات الأمر أتمناه لك في البرنامج أدناه ، أن تتأمل ذاتك بعمق وتعيها وتتعرف عليها بعناية شديدة ، تتلمسها وتتحسها وتحلم لها وبها وتنسبها إليك ، كما تنسب طفلك إليك ، وتحببها بالأسماء الجميلة الجديدة التي تجد أن لنفسك هوى فيها ، ثم تتابع المشوار لاحقا مع ذات أو أداة أحسنت أختيارها وتعاطفت معها وأحببتها وأحبتك .
حسنا ....وأنت تقرأ هذا المقال الآن وأظنك متأثرٌ به إلى حد ما ، قرر مع نفسك أن تقوم بهذا اللقاء مع ذاتك ، قل لنفسك الليلة ، أو بالكثير غدا سأفعل هذا ...لا تؤجل المشوار طويلا فالمسألة لا تحتمل التأجيل والحياة لا تنتظر كثيرا ، والمجد أمامك فأسرع .
ضع المقال جانبا ( هذا إذا كنت قد نسخته ورقيا ً ) الآن وقرر مع نفسك الآتي ، وقله بصوت عالي ، الليلة سأتعرف على ذاتي أو غدا منذ الصباح الباكر سأتفرغ لتلك المهمة .
تذكر عزيزي القاريء أن هذا المشوار يحتاج كما كل المشاوير أو الصفقات المهمة إلى الكتمان والسرية ، لا تفضح ذلك لأحد فقد يحبط مسعاك لسبب أو لآخر ، تماما كما يحصل حين تزمع شراء بيت أو سيارة بسعر بخس وإذ تفضح الأمر لجارك ، وإذ به يسارع للشراء قبلك .
وتذكر أيضا أنك يجب أن تكون لوحدك مع ذاتك لأنك لا تستطيع أن تكون متخففا قليلا من وعيك اليومي العادي اليقظ إلا في النوم أو حين تكون لوحدك ، وطبعا لا أظن أن من النافع أن نقوم بعملية التعرف على ذواتنا ونحن على سرير النوم ، لأن للنوم سلطان ولأن المشوار يتطلب يقظة وأستنارة من نوع راق لا يمكن أن تتحقق قبيل النوم أو أثناءه .
حسنا قررت ولا شك الوقت المناسب وتحسبت لمسألة توفير الوحدة والهدوء بشكل أو بآخر من قبيل أن تذهب في أجازة ليوم واحد على الأقل أن تبعث الأسرة ( الزوج أو الزوجة والأبناء ، إلى مكان آخر ، كبيت الأهل أو في سفرة قصيرة...الخ
) .
وحل اليوم الموعود ورأيت نفسك وحيدا بالكامل ، في بيتك أو في أي مكان آخر .
أولاً :
------
منذ لحظة أستيقاظك ، في السادسة أو السابعة صباحا ، أبدأ بممارسة تقاليد جديدة عليك ، لم يسلف لك أن مارستها ، أهتف لنفسك بكلمة صباح الخير ، تبتسم الآن أليس كذلك وتقول كيف أحدث نفسي وأحييها ، بالعكس هذا هو الشيء الأكثر طبيعية من أي شيء آخر في هذا الكون ، أن تبدأ نفسك بالتحية قبل أن تقولها لأي كان ، فنفسك أيها العزيز هي تلك التي تعيش معك العمر كله وتتحمل آلامك وأخطائك وعثراتك وتفرح لنجاحاتك ، بل وهي ذاتها التي تسبب لك الأفراح كما الآلام ، فإن لم تحببها ما أحبتك ، وإن لم تعيها ، تنكرت لك ، بادرها بالتحية وبكلمات رقيقة متأنية تُنطق على مهل شديد لتؤكد لنفسك أنك بدأت تعي ذاتك ، هذه هي أول بدايات الوعي ، أن تقول لذاتك صباح الخير يا عزيزي ................ ( وتنطق أسمك ) .
بالمناسبة من الميزات الجميلة التي يمتلكها الأطفال ونفتقدها نحن البالغين ، هو أن الأطفا ل لديهم قدرة عجيبة على التحدث مع الذات ساعات وساعات ، ولهذا تجدهم يملكون ما لا نملك من خصوبة الخيال والذكاء ، ولكننا للأسف نردعهم بغباء منا متوهمين أن من الخطأ أن يتحدث الإنسان مع نفسه وأن هذا علامة من علامات الأضطراب العقلي ، في حين أنها في الواقع دليل على الصحة النفسية والعقلية ، شريطة أن تطور لاحقا بالمتابعة والتوجيه ، بحيث تتوجه صوب أغراض أسمى .
بعد أن تحيي ذاتك بتحية الصباح ، قل لنفسك الآتي ( هذا اليوم هو يومي أنا وأنا وحدي ، سأتعرف فيه بعناية على جوهري وحقيقتي وأعيد لملمة تكويني الداخلي وأعرف تفاصيلي بالكامل ، وأعيها بمنتهى الحرارة والأنتباه ) .

ثانيا :
___
سبق لي أن قلت أن من الضروري أن ندون تفاصيل الكشوف التي نكتشفها وكل ما يتعلق بهذا اللقاء الجديد الجميل مع الذات ، حسنا أقترح عليك عزيزي القاريء أن تهيء كراسا جديدا لم يكتب فيه من قبل ، وتمنحه أسما إيجابيا من قبيل " كراس البناء الذاتي " أو " كراس إعادة البرمجة الذاتية " أو " كراس تفجير كوامن الإبداع " الخ .
بعد أن حييت نفسك مع أبتسامة عريضة مرافقة ، دون في الصفحة الأولى وبخط واضح ومتأني ، اليوم والتاريخ ، ولحظة الأستيقاظ ، الآن أذهب للحمام كما أنت معتادٌ ربما كل يوم ، إنما هذا اليوم سيكون ذهابك له بأحتفالية خاصة ومختلفة بالكامل عن ما تفعله كل يوم ، خذ معك إن أمكن ملابس ومناشف بيتية لم تستعمل من قبل ، فهذا اليوم ليس ككل يوم ، بل هو مختلفٌ كل الأختلاف .
الآن وأنت في الحمام وبهذه الحالة الجميلة من الوعي المكثف بالذات ، حاول أن تقصي كل ما يمكن أن يرد على بالك من أفكار ، وأحرص على أن يكون فكرك كله منتبه غاية الأنتباه لذاتك حسب ، أو لم نقل أنه يوم الذات وحدها ولا شيء آخر ؟
كل ما جاءت في بالك فكرة من نوع ما أو صورة للأطفال أو الحبيبة أو الزوجة أو العمل أو الدراسة ، أقصيها برفق دون أن تجهد نفسك كثيرا ، وذلك من خلال الأنتباه إلى أن المهم اليوم هو ذاتك ولا شيء آخر .
ركز الآن أنتباهك على الماء وهو ينثال على جسدك ، باردا أو دافئا ، تأمل رذاذ الماء وهو يتساقط ، أغمض عينيك إن أمكن وتحسس أعضاء جسدك باصابعك ، أهتف لنفسك هذه ذراعي ، هذه يدي ، هذه ساقي ، هذا أنفي ، تحسس كامل أعضاء جسدك بعناية ورفق وحب ، مرر أصابعك على التقاطيع المختلفة ، تصور في ذهنك ملمس يدك على تلك الأعضاء ، أنطق بصوت مسموع أسماء الأعضاء وأنسبها إلى اسمك أو إلى ذاتك بقول متأن هاديء كما أسلفنا بالقول هذه يدي ، هذا أنفي ...الخ .
لا تنسى عزيزي القاريء أن تتصور منظر أعضائك في عينك الداخلية ، أي عين الذهن .
من المهم ايضا أن لا تغفل كما أنت وأنا فاعلين دوما ، لا تغفل أعضائك الداخلية ، المعدة ، الأمعاء ، القلب ، الشرايين ...الخ .
إن كان لديك سالف أطلاع على تلك الأعضاء فأن التصور سهل ، أما إن لم تكن ذو أطلاع ، فيكفي أن تنطق باسماءها وتتحسس أماكن تواجدها حسب تصورك ، وليس من المهم أن يكون هو المكان ذاته بالضبط ، لا تغفل أي عضو من أن يذكر بعناية وأهتمام مترافق مع التحسس الرؤوم .
هذا التمرين عزيزي القاريء مهم جدا جدا ، ليس لجهة تطوير الشخصية أو تفجير قنوات الأبداع حسب ، بل وأيضا من أجل تحسين الصحة وكفاءة الأعضاء ، لأن لكل عضو من أعضاء الجسم قدرة رهيبة على الأستجابة للتحبب والأهتمام والأحترام والوعي ، وهذا الذي تفعله الآن من مباركة أعضاءك برقيق اللمس والعبارة يفعل في الدماغ فعل السحر فيؤثر بدوره على الأعضاء لتستمتع برضاك عنها وبالتالي لتؤدي أدوارها بكفاءة أكبر .
الأعضاء المختلفة عزيزي القاريء هي أعضاء حية لها وعيها الذاتي وأستجاباتها الإيجابية كما والسلبية لما نعكسه عليها من آراء فيها أو أهتمام بها .
ولأنك كائن متكامل لديك جسم وروح وعقل فأن كل جزء من تلك الأجزاء يؤثر على الآخر بقوة ، وكما قيل العقل السليم في الجسم السليم ، ولا يكون الجسم سليما إلا حين يكون محبوبا ينال حقوقه علينا في الغذاء الحسن والرعاية الصحية الجيدة والأهتمام السيكولوجي العالي وفوق هذا وذاك الوعي والأنتباه الشديد الهاديء المسترخي غير القلق أو المضطرب .
بالمناسبة هناك الكثيرون منا ممن يقلقون بقوة على أجسامهم أو أعضاءهم المختلفة ، هذا شيء مرضي عزيزي القاريء ولا ينبغي أن تكون من مثل هؤلاء ، بل يكفيك أن تثق بجسمك وتؤمن به وتحبه بقوة وتحترم عمله ، فبمثل ثقتك هذه يعيش هذا الجسم ويعمر وينتشي .
حتى الزهور والحيوانات والنباتات المختلفة ، وكذلك الأطفال بالطبع ، يعيشون وينمون ويكبرون ويثمرون من خلال الرعاية والأنتباه والأهتمام وليس بالغذاء أو الماء حسب .
حسنا ...قلنا قمت بأستعراض أعضاء جسمك كافة بمنتهى العناية والأنتباه والتركيز ، وأظن أنك لكثر تركيزك على جسمك وتخيلك لعمل أعضاءه الداخلية وحركتها ، أظنك نجحت ولا شك في إقصاء الأفكار الخارجية المختلفة سواء السارة منها أو المحزنة أو المحايدة ، الآن وقد أنتهيت من الأستحمام ولا شك ، ستتحول صوب المرآة لتأخذ زينتك ( وتحلق ذقنك ، بالنسبة للرجال ) ، طيب أمام المرآة قم بمتابعة ذات المشوار من التحسس الهاديء الودود المحب ، لشعرك وملامح وجهك المختلفة .
تحسسها بعناية وقل لنفسك بذات الآن هذا وجهي ، هذا أنفي ، هذا فمي ، تلك عيناي ، أفتح عينيك وأنظر فيهما من خلال المرآة ، أنظر بأقصى قدر من العناية والتركيز والأسترخاء العضلي بذات الآن ، أمكث لأطول فترة ممكنة وأنت تنظر في عينيك ، لا تخف ، إنها عيناك لا عيني شخص آخر ، أطل النظر وردد في داخلك ، هذه عيناي الجميلتان ، هذا أنا ، تلك شخصيتي الجسمانية ، لقد تعرفت على ذاتي ككيان فسيولوجي جميل ، هذا الجسم وتلك الأعضاء هي أغنى وأعظم رأسمال أملكه ، لا أحد غيري يملك ما أملك من عينين ويدين وساقين ، هذه جميعا لي وحدي ، ولا تشبه ما لدى غيري على الأطلاق ، هذا الذي عندي هو لي وحدي ، وهو رأسمالي وحدي وأدواتي وحدي فقط ولا أحد آخر سواي ، إنها ولدت معي ولي وستبقى معي ولي إلى الأبد ، وإذا كان هذا ما أملك من جسم حسب ، فكيف بكل الثروات الأخرى من قوى داخلية وقدرات روحية وأمكانات خبيئة عظيمة .
من المهم عزيزي القاريء أن تتحاشى النقد أو اللوم أو التجريح أو أستذكار الماضي ، من قبيل أنا لست وسيما أو أنا لست جميلة ، أو أنظر كم هو فظيع أنفي او كم هي كبيرة أسناني ، أو أن تتذكر بعض الخيبات العاطفية أو الفشل المهني وتربطه جميعا بملامحك أو أعضائك ، هذا غير صحيح على الأطلاق وهو عنصر تخريبي مدمر ، فقط لو ورد في بالك شيء من هدا أقصيه بأقصى السرعة أو قل لنفسك ، أنا في الواقع مسؤول عن تلك الخيبات لأني لم أكن أعي هذا الجسم جيدا ، ولو إني وعيته وعنيت به وأطريته لكان لي عونا بغض النظر عن تفاصيله التي لا تعجبني الآن ، إنه جميل كيف ما يكون لأنه ملكي وحدي ولا أحد يملكه سواي وكلما آمنت به وأحببته أزداد جمالا ورقة وعذوبة ، قل لنفسك أنا لم أعيه جديا قبل هذه اللحظة ولهذا فهو لم يشرق ولم يزهو كما أريد له أن يكون ، أن لجسمي عقلا ووعيا ويحتاج مني للأنتباه والحب ، وهذا قدره وتلك مسؤوليتي أنا وحدي وإلا هل أستبدل بجسمي جسما آخر ، أو هل أستطيع أن أنتج منه أفضل ما فيه إن لم أحببه وأحترمه .
مهم عزيزي أن تقول هذا لنفسك قبل أن تخرج من الحمام لتقوم بالباقي من أحتفالية التعرف على ذاتك .
حسنا ...الآن خرجت من الحمام بعد أن جففت جسمك برقة وعناية شديدة ةأرتديت ملابسك المنزلية الجديدة أو النظيفة على الأقل ( وإن كنت أحبذ أن يكون كل شيء جديد في يومك هذا ) .
لا تنسى أن تبارك لنفسك بصوت مسموع لهذا الأستحمام الجميل بأن تقول ما أنت معتاد أن تقوله لزوجك أو ما يقوله اهلك لك عقب الخروج من الحمام .
الآن أدخل غرفتك ، أشعل أن شئت شمعة أو أكثر ، وحبذا لو تستعمل شموعا معطرة أن أمكن ، بذات الآن قم بتعطير نفسك وغرفتك بعناية شديدة ، ويحبذ أن تستعمل البخور في مثل هذا اليوم ، وقلل قدر الأمكان من الأضاءة الكهربية .
أخلق لنفسك في غرفتك أجواء خاصة ربما لم تكن معتادا عليها من قبل لأنك كنت تعيش سابقا بأقل قدر من الأهتمام بذاتك وهذا شيء مؤسف للغاية المهم في مثل هذا اليوم ومنذ صبيحته ، أحتفل بنفسك بخصوصية شديدة جدا ، بحيث يتعرف وعيك اليومي على مستويات الوعي الأخرى ، وتتعرف تلك المستويات ذاتها على وعيك اليومي وكيف يفكر وبماذا يشعر ولماذا هو مشغول بالآخرين أكثر من إنشغاله بذاته .
طيب ... الآن ... كراسك على الطاولة ، أنت أنيقا معطرا جميلا ، الأجواء من حولك أحتفالية للغاية ، كيف لا واليوم هو يوم عيد ميلادك الحقيقي .
الآن أشرع بالتجوال في غرفتك إن كنت من هواة التجوال جيئة وذهابا ( أنا شخصيا أحب أن أتجول حين أكون لوحدي وفي حالات الحوار مع الذات ) ، باشر بالتجوال الهاديء البطيء ، وأبدأ بالتعرف على جانب آخر من ذاتك ، ولنقل جانب الهوية الشخصية الخارجية .
أبدأ بنطق أسمك بعناية شديدة وتلذذ كبير وبأقصى قدر من البطء ، وحاول أن تكتب في ذهنك وبالألوان إن شئت ، حروف هذا الأسم ، كرر ذلك عدة مرات ولنقل عشر مرات ، ثم تحول صوب الأسماء الأخرى التي ترتبط باسمك ، أسم أبيك ، أمك ، أخواتك ، أخوانك ...الخ .
هذه مفردات هويتك الإجتماعية عزيزي القاريء فلا تغفل شيءا منها ، أبدأ بالقريب الذي هو معك أصلا في ذات المكان أو ذات البيت ، أذكر كل الأسماء التي تؤكد كينونتك الإجتماعية اللصيقة الحميمة ، ثم تحول صوب الأبعد فالأبعد ، بحيث لا تنسى أحدا تشعر أنك مرتبط به بشكل من الأشكال ، لماذا ؟
لأننا نعرف الأشياء من العلائق التي ترتبط بها ، اليس كذلك ؟
أو ليس هذا ما تفعله حين تروم شراء بيت أو سيارة أو الأقتران برجل أو أمرأة ، أن تتعرف على الجيران لهذا البيت ، وتتعرف على من سكنه قبلك ، وحتى تسأل لماذا أنتقل عنه ، ثم تستكشف آفاق الأستثمار أو العيش فيه ، وأمكانياته الخبيئة المتوقعة أو المنتظرة ، ثم علاقة البيت أو السيارة أو بالآخرين ، كذلك في حالة التعرف على صديق جديد أو أمرأة تروم الزواج منها ، من الموجب أن تتعرف على أهلها وعلاقاتها أسماء وهويات ومهن وأهتمامات ، لأن جميع هذا مهم للغاية في التعرف على تلك التي تريد لها أن تكون شريكة الباقي من العمر .
إذن من المهم أن تتعرف جيدا وبأقصى قدر من التوسع على هذا الذي هو أنت من خلال التعرف على علائقه وأرتباطاته ، بالمناسبة يلعب حجم ونوعية علاقاتنا الإجتماعية وأرتباطاتنا المختلفة دورا كبيرا جدا في حجم الثقة التي نمتلكها بأنفسنا ، ولهذا تجد أن الإنسان الذي يعرف جيدا أرتباطاته ويحترمها ويفتخر ويثق بها ، تجده في الغالب إنسانا متزنا سلوكيا ومؤهلا بقوة لأن يبدع أو أن يطور شخصيته بشكل دراماتيكي وسريع نحو آفاق أرحب ، في حين تجد أن الإنسان الذي لا يثق بأرتباطاته أو ربما لا يعرفها بشكل جيد ولا يحمل عنها صورة حسنة وإيجابية ، تجده في الغالب مهزوز الشخصية إلى حد كبير أو متطرف في خياراته ( ربما نكاية بهده الأرتباطات التي لا يؤمن بها ، أو ربما لا يجيد فهمها ) .
طبعا لا نشك في أن هناك الكثير من المبدعين ممن لم تكن أرتباطاتهم الأسرية من النوع القوي أو الإيجابي أو ربما لم يكونوا يجيدون قراءة تفاصيلها ، ومع ذلك كانوا مبدعين ، هذا جائز طبعا ، لكننا هنا لا نعنى بالأستثناءات ، بل نطمح للتأسيس للقاعدة الأعم والأشمل والأوسع والأكثر أستقرارا ، وإلا أنظر أيضا للكثير من المبدعين الذين ذبح أبداعهم بسهولة نتيجة ذات الروابط التي لم يحسنوا قراءتها أو إعادة رسمها بشكل سليم .
طيب ...قلنا تستعرض أسماء ارتباطاتك جميعا ابتداء بالأقربون ثم أرتقاء إلى الأبعدون ، ثم تأتي لأرتباطاتك الأخرى المهنية والإجتماعية من قبيل الأصدقاء والزملاء في العمل ، ولا بأس بأن تترك لذهنك أن يستعرض ما يشاء من الأسماء ويستذكر ما يشاء من الوجوه .
بالمناسبة يفضل عزيزي القاريء أن تتصور تلك الاسماء وتجسم وجوهها في ذهنك ، هذا مهم جدا ، لأنك من خلال تجسيم الأسماء تعيد تجسيم صورتك الشخصية ضمن الأطار الإجتماعي بكامل عموميته .
أحذرك هنا عزيزي القاريء من مسألة مهمة غالبا ما تحصل لدى الكثيرون ممن لم يعتادوا الأستعراض الحر والتفكير بالصور ، إلا وهي مسألة الأستغراق بربط علائق ذهنيه غير مبررة أبدا ، خصوصا في ميداننا هذا ، من قبيل أن تستذكر أباك مثلا وتجسم صورته ، ثم فجأة تذهب بحرية شديدة وغير منضبطة إلى صور عديدة وكلمات ربما قالها أباك يوما ، ثم تستمر السلسلة بالتدفق ، فتنتقل من صورة إلى أخرى حتى تجد نفسك بعد ساعة أو ساعتين وإذ بك لم تفعل شيئا جديا أو تنسى المهمة الأساسية وتغدو مجرد آلة عرض سينمائي تمر عبرها الصور التراجيدية والمفرحة ، وإذ بك تفرح لحظة وتحزن أخرى بلا ضرورة أو مبرر على الأطلاق . كن منتبها لنفسك وأنت تستعرض ، أبدأ الأستعراض بترديد الأسم ، ثم جسم الهوية أو الشخصية ثم أنتقل إلى صورة أخرى ضمن الأطار الحميم الذي آمن عقلك بأنه يخدم توجهك هذا بالتعرف على ذاتك ومحيطك .
كذلك تفعل مع العمل وزملاء العمل والأجواء عامة بقدر مقتصد وبأنتباهية شديدة ، وحذار أيضا أن تنتقد أو تلوم أو تستغرق في أستعراض المشاكل أو التفاصيل التي لا ضرورة لها في عملية التعارف هذا ، بل مر مرور الكرام على الوجوه بلا نقد أو حزن أو فرح .
يحبذ عزيزي القاريء أن تشرك كل حواسك بعملية الأستذكار والتعرف ، أغمض عينيك إن كان ذلك ممكنا خصوصا في حالة الجلوس ، أو لبعض ثواني بينما أنت تمشي ، وحاول أن تكون أنفاسك هادئة جدا ، حاول حين تتخيل أي صورة أن تحس بها بكل حواسك ، وكأنها موجودة الآن ، وحين تنتقل منها بحزم إلى صورة أخرى أفعل الأمر ذاته ، أن تشرك كل حواسك في التصور ، بحيث يبدو وكأنه حي وقائم في هذه اللحظة .
كلما كانت الصور المنتجة جلية وواضحة وحية ، كان إثرها في داخلك كبير جدا ، في التعرف على حقيقة هويتك الإجتماعية والشخصية .
حسنا ... خذ كفايتك من الوقت في التعرف على ذاتك والإستمتاع بهذا التعرف لغاية ما تشعر في داخلك بالضجر أو التعب ، عندها أستفق وعد إلى عقلك اليومي الواعي وتلمس واقعك من حولك من جديد ، ستشعر بالتأكيد عزيزي القاريء بصفاء نفسي غريب لم تعشه من قبل ، ولاحقا ربما في الأيام القادمة ستشعر بأن تحولات داخلية فريدة لم تكن موجودة لديك قد بدأت بالظهور ، من قبيل مزيد من الحب والإحترام الداخلي لذاتك من قبلك ، مضافا إلى أن سلوكيات جديدة قد بدأت تظهر منك ، كما وإن نظرة الناس لك بدأت تتغير بشكل إيجابي وبدأوا ينظرون لك بإعتبار أكبر .
عموما ...ما أوردناه في مقالنا هذا ( وما أظنني أوردته في مقالات أخرى ايضا ) هو في الواقع الخطوة الأولى والأساسية لتعيير الشخصية وتطويرها .
طبعا عقب هذا البرنامج الأول علينا أن نتوجه صوب برنامج النقد والتقييم الذاتي ، وهذا ايضا تحدثت عنه في مقالات أخرى وسأعود له مجددا لأهميته الكبيرة .



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عراكََََََية وسلوته الدمعة - شعر شعبي عراقي
- المهمة العاجلة لقوى التحرر والتقدم - الوقوف مع البرنامج الشر ...
- أسطورة - قوى - اليسار والديموقراطية في عراق ما بعد الفاشية
- ضعف النضج العاطفي لدى الإنسان الشرقي - مقال سيكولوجي
- عيناها ...غابتا نخيلي - شعر
- احمد الجلبي - الإختراق الجميل والمرشح الأفضل لرئاسة الوزارة ...
- لن يتغيير الشرق ويتحضرمع بقاء النظامين السوري والإيراني
- أظن أن الدائرة بدأت من هنا - إضاءة على مقال السيدة وجيهة الح ...
- مهمة عاجلة أمام شعبنا في الداخل والخارج - تشكيل منظمة مدنية ...
- أكذبّ - شعر
- الفيدرالية الطائفية مجددا - ردٌ على أعتراضات بعض الأخوة
- فيدرالية الطوائف ثانية
- العزيز الجلبي وفيدرالية الطوائف
- تتحداني - شعر
- أغاني للوطن والناس - شعر شعبي عراقي
- إلى صديقي - شعر
- عرس بلادي - شعر
- أنتِ معي - شعر
- إلى من حرروا نيسان من العار - شعر
- يا امرأةٍ - شعر


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - تعرف على ذاتك - الجزء الثاني