|
لوكنت رسام كاريكاتير..إرهاب رأس المال المعولم..الـعــلاقــات الــســورية – الــســـعــوديـة ..الحقد المؤسس للسياسة.. السقوط في دمشق
مركز الآن للثقافة والإعلام
الحوار المتمدن-العدد: 1128 - 2005 / 3 / 5 - 10:59
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
بين فيتنام والعراق إرهاب رأس المال المعولم!
مشروع أن نقارن أحداث حقبة تاريخية بأخرى شريطة ان نهدف استخلاص النتائج وليس المفاضلة، لأن لكل حقبة شروطها الاجتماعية والموضوعية والاقتصادية والسياسية، وبالاجمال التاريخية. ويكون هدف المقارنة الاساسي هو تطوير ونقد أحداث الحقبة المعاصرة بينما تكون حصة القديمة هي التقييم.
لعل الاختلاف الاول بين المقاومة العراقية والفيتنامية هو اختلاف الحقبة التي يمر بها النظام الرأسمالي العالمي. ولا يقلل من الاهمية الموضوعية التاريخية لهذا التحليل التاريخي إغفال الكثيرين لمسألة دور النظام الرأسمالي العالمي وخطورته، فطالما هرب غير التاريخيين من حقائق التاريخ لتعود وتفرض نفسها بحضور كما لو كانت أحداث الطبيعة.
جرت المقاومة الفيتنامية في حقبة الرأسمالية الامبريالية التي على وحشيتها كانت مقيدة بوجود الاتحاد السوفييتي الذي لعب في العلاقات الصراعية الدولية دور وضع العصي في دواليب عجلة العدوان الرأسمالي مما وقى العديد من بلدان المحيط غائلة إعادة الاستعمار وساعد العديد منها على اقتلاع الاستعمار ايضا. أما المقاومة العراقية فنتجت عن الهجمة الوحشية للراسمالية في حقبة العولمة، الهجمة المنفلته من اي عقال.الهجمة التي تجسدت في قرار الطبقة الرأسمالية الحاكمة في امريكا بأن تذهب لاحتلال العراق ولو وحدها. لقد تركزت حقبة العولمة على أنقاض الاتحاد السوفييتي من جهة، وعلى اقتسام العالم بين ضواري الامبريالية كالاقتسام بين الاسد (امريكا) ومجموعة من أبناء آوى (دول العجائز الامبريالية الاوروبية) من جهة ثانية. واوضحت حقبة الامبريالية ان الراسمالية في الولايات المتحدة كانت على مدار القرن الماضي قد حشدت قوة هائلة من التوسع الرأسمالي العسكري والمدني وبهدف العدوان على ثروات العالم أجمع. كما حشدت الى جانب ذلك كماً هائلاً من الفكر الراسمالي والديني اليميني ليشكل الحاضنة الايديولوجية لهذه الوحشية.
وهذا يعني بالنسبة للمقاومة العراقية أنها ولدت في مناخ يتيم بكل معنى الكلمة، اي غياب قطب دولي منافس (على الاقل مع ان المفترض ان يكون مضاداً) للقطب الرأسمالي المعولم. لكن هذا لا ينفي حقيقة هامة لها حضورها الميداني على الارض وإن تجاهلتها وسائل الاعلام قصداً وهي وجود مقاومة في بقاع عدة من العالم وخاصة في اميركا اللاتينية. لكن الفارق بين العراق وفيتنام في هذا الصدد هو غياب القطب الذي إما يعرقل العدوان الرأسمالي او يواجهه.
كما يختلف وضع العراق عن فيتنام إقليميا. ففي حين كانت كوريا الشمالية والصين مثابة حاضنة إقليمية للثورة الفيتنامية، فإن الوطن العربي يحيط العراق بحزام من الانظمة المعادية التي تقدم للعدوان الانجلوـ ساكسوني وأتباعه مخابراتها ومعابرها ومائها وسمائها ومالها وجيشها وارضها وعرضها وقضها وقضيضها. هي انظمة شاركت في أكثر من عدوان على العراق بما فيها احتلاله، وهي تدرب جيش العملاء العراقي كذلك. وهذا يجعل المقاومة العراقية أكثر صعوبة بما لا يقاس من المقاومة في فيتنام لأن الفضاء العربي الرسمي معادٍ بما لا يقاس، ولكن هذه المجافاة تعطي للمقاومة العراقية نقاطاً كثيرة تتفرد بها على المقاومة الفيتنامية.
والحقيقة ان للعداء الرسمي العربي الموجه ضد المقاومة العراقية تفسير في منتهى الحساسية. ففي حين يقف الشعب العربي كاملا مع المقاومة العراقية تخشى الانطمة العربية على نفسها من حراك مشابه للشارع العربي ضد هذه الانظمة. ومن هنا، يكون من قبيل تسطيح الامور وليس تفكيكها القول ان مشاركة هذه الانظمة في العدوان على العراق هو تنفيذ دور عميل لصالح السيد رغم انه كذلك حقا. ولكنها ايضا تدافع عن وجودها ومصالحها.
ولكي توفر الرأسمالية المعولمة فرص بقاء هذه الانظمة فإنها تقدم لها قشة "تصدير الديمقراطية" لتكون الجامع بين هذه الدول القطرية العميلة كبديل للوحدة القومية العربية التي ظلت هدفاً للتدمير على مدار مراحل الرأسمالية الثلاثة اي الرأسمالية في حقبة الاستعمار والامبريالية والعولمة. بعبارة أخرى محظور ان تقوم وحدة عربية. أما اليوم فمحظور حتى ورود العروبة في اي منبر إعلامي او خطاب عربي.
وتتشابه المقاومة في البلدين بشأن العدو المباشر. فالعدو للبلدين هو نفسه، اي الولايات المتحدة الاميركية. فبما هي وريثة الاستعمار الرأسمالي الاوروبي (الانجليزي في العراق والفرنسي في فيتنام) فهي نفسها التي تفجرت المقاومة في وجهها في البلدين. وهذا أمر يطرح على شعوب العالم تناول خطورة هذا النظام الاجرامي بكل الحذر والدقة اللازمين باعتبارها هجمة بربرية على الانسانية بأجمعها. ومن المهم الاشارة الى ان المقاومتين هما من بلدين في محيط النظام العالمي ضد بلد من المركز أو هي مركز المركز مما يؤكد حقيقة دولية وهي ان المركز ممعن في العدوان على المحيط في كافة الظروف والحقب. وهذا يتطلب تكاتفا شعبيا على صعيد العالم لأنقاذ الانسانية.
هناك فارق بين البلدين وهو ان نصف فيتنام كان قد تحرر من الاستعمار الفرنسي، وصمد في وجه العدوان الاميركي، شأنه شأن نصف كوريا، اي كوريا الشمالية. أما العراق، وهي جزء من الوطن العربي فقد جرى احتلاله بعد ركوع كافة الانظمة العربية للاحتلال الاميركي، وإن تهيأ للبعض انها دول مستقلة. وهذا الواقع هو قمة المجافاة للعمل الثوري.
وتختلف الارض بين البلدين كذلك. ففي حين تتمتع فيتنام بميزة الارض المكسوة بالغابات مما يشكل موطنا مثالياً لمقاتلي حرب "الغوار"، فإن القطاع من الارض العراقية التي تشغله المقاومة هو ارض سهلية لا تتوفر فيها فرص الاختباء ومن ثم اقتطاع ارض محررة. في حين ان الجزء من العراق الذي تشغله الجبال العالية والمسالك الوعرة والثلوج يخضع لحكم ذاتي محلي وصل به موقفه المضاد للقومية العربية الى التحول الى أداة للعدو المحتل وللكيان الصهيوني حلما من قياداته بتشكيل إسرائيل كردية في شمال العراق.
ولا ينحصر الموقف الداخلي المضاد للثورة في المناطق المسكونة بالقومية الكردية، فإن جنوب العراق مأخوذ بالطائفية حيث حملت القيادات (الراسمالية والدينية والثقافية) لهذه الطائفة على ظهرها دبابات الاحتلال الاميركي- البريطاني ولا تزال.
وعليه، فإن قطاعات شعبية واسعة في العراق هي ضد الثورة بل هي ثورة مضادة، كلٌ لأسبابه ومصالحه. والحقيقة ان هذا الانقسام قلما وُجد في تاريخ مقاومة الاستعمار، بل هي ظاهرة لم تحصل قبيل حقبة العولمة. وهذا متعلق باندحار الثورة العالمية وبالتالي عولمة المقاومة مكان او بدل أمميتها.
وإذا كان لا بد من حل التناقض البرجوازي بين الشعبين العربي والكردي في العراق لأن الطبقات الشعبية من الشعبين لم تمارس القمع والاستغلال ضد بعضهما البعض بل تعرضت له ربما حتى على قدم المساواة، فإن التاثير الطائفي على الطبقات الشعبية في القطاع الشيعي من عرب العراق، وهو خلل لا يخلو منه سنة العراق، هو أمر لا مجال للتساهل معه.
وهذا تحديداً ما يؤكد على أهمية المقاومة في العراق حيث تضم بين ظهرانيها قوى علمانية واسلامية ويسارية مما يجعلها تتخطى العلاقات او البنى القومية والدينية ، وإن لم تتمكن بعد من الانتصار على هذه البنى والعلاقات.
وهذا ينقلنا الى المواقع الفكرية للحركات المقاومة. ففي حين كانت الجبهة الوطنية في فيتنام مقودة من قبل الحزب الشيوعي الذي شكل عمودها الفقري، فإن المقاومة في العراق هي مزيج قومي إسلامي وبدرجة ما يساري. فالحزب الشيوعي في العراق انتهى الى حركة يسارية المظهر شيعية الجوهر وإمبريالية الارتباط. على اننا في التحليل الاخير بانتظار تشكيل جبهة سياسية وطنية عراقية تضم كافة هذه القوى .
وتتشابه المقاومتان في التصنيف الثقافي لمفكري وكالة المخابرات الاميركية أمثال صامويل هنتنجتون وإلى حد ما برنارد لويس. ففي تبشير بيافطة جديدة للعدوان الرأسمالي على البشرية زعم هنتنجتون بأن على الغرب الراسمالي ان يشن حربه الثقافية او الحضارية ضد المسلمين (ومنهم العراق) والجنس الاصفر (ومنهم فيتنام). وإذا كانت خلفية او مبررات الحرب دينية، فليس هناك ما يجمع الاسلام بالبوذية، بل ان ما يجمع الاسلام بالمسيحية هو جامع واسع النطاق! وهذا يؤكد التشابه الاساسي بين البلدين وهو انهما هدفا للاستعمار الرأسمالي الذي يتخفى بأكثر من مظهر وخطاب.
وتختلف المقاومتان من حيث الانقسام الطبقي على الصعيد العالمي. ومرد هذا في الحقيقة الى اختلاف واضح بين حقبتي العولمة والامبريالية. ففي حين كان الموقف الشعبي في بلدان المركز الراسمالي خلال حقبتي الراسمالية الاستعمارية والرأسمالية الامبريالية موقف داعم للطبقات البرجوازية الحاكمة والعدوانية، وانحصر رفض الاستعمار في احزاب شيوعية ثورية حقيقة هنا وهناك، فإن تطوراً ملموساً يحصل اليوم في بلدان المركز نفسه وعلى صعيد عالمي. وهو تطور جوهره بداية انقسام العالم الى شعبي ورسمي الامر الذي يبشر بمجتمع مدني أممي وليس مجرد مجتمع مدني هنا وهناك متمحور على اساس قومي.
لقد عانت مسألة المجتمع المدني من تشويهات من جهة ومن تشوهات خلقية خطيرة من جهة ثانية. تلخصت التشويهات في محاولات الكثير من الكتاب اللبراليين نسب مضمون إصلاحي لنظرية غرامشي عن المجتمع المدني وكأنها نظرية تحاول إصلاح النظام الرأسمالي للقبول به. أما التشوهات فتجسدت في عجز هذه المجتمعات عن الربط بين تحقيق مدنية ما داخل مجتمعاتها والدور الاستعماري العدواني الوحشي لانظمتها في بلدان المحيط. ولعل آخر طبعات ذلك قيام هذه الانظمة بحماية انظمة قمعية ظلامية متوحشة في المحيط لأن هذه الانظمة تحافظ على تسييل ثروات المحيط الى المركز وهذا هو الحبل السري للعلاقة.
مرة اخرى، فإن العدوان على العراق قد دفع قطاعات شعبية واسعة في المركز الراسمالي وفي العالم للوقوف ضد الحرب. وهو وقوف في جوهره ضد الرأسمالية، وتحديدا ضد الولايات المتحدة. وعليه فقد ارتفعت وتيرة الموقف الشعبي العالمي من التعاطف مع نضال فيتنام الى الوصول الى الشارع لحماية العراق وهذا تطور هائل بكل المقاييس. ومع ذلك يؤخذ على هذا الحراك عدم استمراريته. ولكن يسجل لصالحه انه رغم عجزه عن منع العدوان وتحقيق انسحاب الغزاة من العراق وأفغانستان، إلا انه كشف هشاشة الديمقراطية هناك وما يسمى المجتمع المدني.
يبدو ان الانقسام الحقيقي على صعيد عالمي يأخذ مجراه، أي تمحور او استقطاب شعبي مقابل استقطاب رسمي. الرسمي مقابل الشعبي، او البشرية مقابل راس المال. هذا هو الوجه الحقيقي للثورة العالمية.
يبقى تخويف الارهاب الرأسمالي هو التشابه النهائي بين المقاومتين. فقد أدت التضحيات الفيتنامية الى تخويف العدو الاميركي وارتعاده في ارض المعركة، وهذا ما يحصل في العراق، سواء بوقوع جنود اميركيين في امراض نفسية او برفض الذهاب الى العراق اصلا او المطالبة بالخروج السريع. بين الخوف من الموت في فيتنام والخوف على الابناء من الموت ازداد ضغط المجتمع "المدني" الاميركي على راس المال بالانسحاب من هناك، وهذا ما يحصل في العراق.
ومع ذلك لن يتراجع راس المال. بل إن جورج بوش الثاني يطوف أوروبا اليوم لتجنيد الاتحاد الاوروبي لإعادة استعمار الوطن العربي. إنهم يأمرون سوريا بمغادرة لبنان، ويطالبون العالم باعتبار احتلال العراق أمرا عاديا وقديما وواقعا كما هو في فلسطين. فهل هناك وقاحة بيضاء أكثر من هذا! إن جورج بوش وهو يقوم ب "استربتيز" القيم أمام عجائز الامبريالية الاوروبية لإغرائهم بنهب الوطن العربي إنما يقول لهم: "إن وطن العرب إقطاعية لنا، إن حكام هذا الوطن ثمرة متعفنة لوطنها وناضجة لصالحنا، إنهم يستبدلون الكراسي بالذهب والمتعة والرفاه، فهلموا معنا للنهب والاغتصاب".
يتهافت حكام المركز بمن فيهم بغاثه مثل بلجيكا مثلا على امتصاص دماء وطننا. ولكنهم يستنفرون الامة بكاملها، لا باس فليحصل ولن يحول هذا الارهاب الراسمالي المتعدد القوميات دون مقاومة أوسع من نطاق العراق.
د. عادل سمارةرام الله المحتلة
نشرة "كنعان" الالكترونية
--------------------------------------------------------------------------------------------------
الخروج من لبنان يعقبه السقوط في دمشق
برهنت حكومة دمشق وللمرة التالية أنها تسير على هدى خطى الأسد الأب الذي سجل فشلا متكررا في الحقل العسكري والتحرير والوحدة والاشتراكية التي لم يتراجع عنها نظام أسد الابن، وبالتالي تتواصل السلسلة. وزاد في الطين بلة وصب على النار زيتا وسجل فشلا في أية حوار أو عملية سلام ولم يتمكن من استغلال الفرص. لكنه فشل في السياسة الخارجية من خلال نجاحه الباهر بتحويل أهل الحياد لخصوم، والأصدقاء لأعداء ألداء. وظل يتعلق بخيوط العنكبوت داخليا بذريعة "لا صوت يعلو على صوت المعركة" ونفذت كل أرصدته وشعاراته حين استنفذت مفعولها وصلاحيتها. وما فقدان المصداقية محليا وشعبيا ودوليا إلا نتيجة لقطع العهود والتلاعب بتزويرها ومن ثم الحنث بها، وكثير من المثقفين السوريين أخذوا جرعة خطاب القسم بمثابة حقنة تخدير، وما زال يراهن على مثل هذه الوعود الضبابية حتى اليوم من المتخشبين ممن يتربعون على كراسي "معارضجية" لا يفارقونها إلا على آلة حدباء محملين.
أفرغ باسم الشعب كل ما هو شعبي وجماهيري من محتواه وخلق منظمات رديفة للمخابرات مثل الشبيبة والطلائع الحزبية المسلحة والمظليين وجمعية المرتضى وغيرها، أعلن وفاة بعضها واستمرت مهمتها إخافة المواطن وتقطير حقوق المواطن بالقطارة وقدمت الحقوق الطبيعية لأي مواطن على أنها مكرمة وربطتها بإنجازات الأب القائد والحركة التصحيحية. يحاربون المواطن بلقمته وبلغ السيل الزبى.و
حتى أن النظام منذ مدة ليست بالقصيرة بدا يحضر النجارين لقولبة التابوت على شكل عرش جديد ويؤسس أحزابا تابعة تتصدر منصات التعارض في الخارج والداخل. تم تجاهل وجود الشعب تماما واعتبره كائنا غير مفكرا وعامله كقطيع يساق وفقا لأمزجة المتصرفين بشؤون البلاد، يزج بنا في حروب لا ناقة لنا ولا بعير فيها، يسوق خيرة الشباب إلى الجبهات المختلفة ويستشهد من يستشهد ليصير مسمارا في كرسي الحكم وليس في نعشه.
لم يفشل النظام السوري في السياسة الخارجية وحسب، بل فشل فشلا ذريعا في السلام مع الشعب، منذ استيلاءه على السلطة ابتسمت نيوب الليث كالحة وعلى الأخص في الثمانينات فأرعب الجميع وهدأ الحراك وساد السكون. وآتتا هذه السياسة أكلها في سجن تدمر ومن ثم سن تشريعات بدائية مجحفة قضى المئات من السوريين بسببها نحبهم ومنهم من ينتظر.
كما فشل النظام السوري في قراءة المستجدات على الساحة السياسية الدولية، ولم يحسن قراءة ولا حرف من التغيرات التي طالت العالم ولم يفهم الحراك الداخلي، ولم يتورع بعض المبررين وياتون له بأعذار أقبح من الذنب نفسه بحجة أن هناك مراكز الشد والجذب التي تدير الدولة من ذوي المصالح المتقاطعة مما يصعب قيادتها وهي سبب فشل رأس الهرم السلطوي بإحراز أي تقدم... معتبرين أن مجيء الرئيس محكوم بتوازنات، وكان ثمن الصعود لكرسي الرئاسة تصغير الدستور ليتناسب وسنه وعليه أن يراعي مصالح الحرس العتيق وأبناء المتنفذين من كارتيلات الاحتكار في سوريا؟
هذه مقدمة وتوصيفات لا يجهلها أحد وعزلة سورية التامة تحصيل حاصل للسياسة الخرقاء والعبثية والصبيانية المستمرة تجعل أي مراقب أن يستنبط نتائج مرعبة بالنسبة للسوريين واستنتاج سوداوي يصف المستقبل قبل حدوثه باعتبار أن السياسة هذه متواصلة والنتائج معروفة قطعا وما سيؤول إليه الحال ولو بعد حين. وطالما النظام لا يتعامل مع الظرف وفقا للمتغيرات بل وفقا لخطة يتفق عليها بين أركان إمبراطوريات الفساد السوري وراعيها والمتحدث باسمها ومقوننها فالوطن السوري يتطور خلفا ولا غرابة أن يتنفس السوريون الهواء ويشكرون مكارم النظام الذي أتاح لهم هذه المنّة، وقد تم خصي المثقف السوري وأحسن النظام تدجينه وترويضه وحاصر الأصوات القليلة الرافضة للركود وبطش بها وشردها في لمهاجر.
إن استشراف المستقبل غير المضيء تدركه أركان النظام ولكن كل فئة تنتظر أن يضحي قطب آخر بجزء من مصالحه ولا أحد يظهر مرونة فتصبر ولا تحتسب، وهذا ما يفسر التعنت في مجموع السياسات الجزئية في وجهها الخارجي الظاهري عبر ما يسمى بالمؤسسة الرسمية أو الدولة التي ليست إلا غطاء شكليا لواقع منقسم على نفسه ومصالح متضاربة لأقطاب متنازعة على مصالح وامتيازات تتحكم بكل مقدرات البلد.
النظام السوري الذي بين لكل العالم أنه يعتاش كأي طفيلي فقط في جو اللاسلم واللاحرب، ويرفض كل أشكال التسوية مع الإسرائيليين، اليوم النظام يحتضر وهو في النزع الأخير يطلب من إسرائيل الحوار بلا شروط، بل ويتملق ويعد بتنازلات ضخمة من أجل مد عمره على الحكم، بينما إسرائيل ترفض محاورته باعتبار أنه لم يعد يوحي بالثقة لحد واستمرار وجود هذا النظام أصلا مرهون بالوقت وبعض المتغيرات الدولية التي ستأتي عليه، وإسرائيل أثبتت أنها لا تصوغ سياساتها لأسابيع أو أشهر. وصار بينا أن البعث ككل الأنظمة الشمولية غير قادرة على توقيع سلام مع شعبها فما بالك مع إسرائيل.
الآن لا أحد يستغرب أن يشن النظام وعلى طريقة رفيقه صدام حربا مع دولة مجاورة من أجل مد عمره وأسهل أشكال الحروب أو إشعال الحرب الطائفية هو البقاء في لبنان، لأن الخروج من لبنان يعني السقوط في دمشق.
النتيجة التي تبدو من البدهيات، إن لم يغير النظام ما به فسوف يُغَيّر. وعليه أن يسارع وتمشيا مع متغيرات الواقع المتسارعة ألا يسير كما السلحفاة نحو التغيير. عليه أن يعجل بالمتغيرات ويشارك بصنعها ويبادر إليها لأنها ستفرض عليه وتجرفه العاصفة، وأن يعتق الناس ويبيح الحريات تحضيرا لتسليم السلطة وتمسكه بها سيعجل بزواله، بل سيقلب البلد عاليها على أسفلها وتدور الدوائر على الوطن بسبب رعونة وخراقة سياستة.
وما تجاهل أقطاب المراكز المتناطحة للخطاب السوري الداخلي إلا دليلا على استمرار الفوقية والتعالي على الشعب والوطن والركض وراء المصالح الشخصية ومصالحة من يحفظ هذه الامتيازات أنى كان. وعليه النظام سيؤكل كما أكل الثور الأبيض.
* علي الحاج حسين –إعلامي سوري مقيم في بلغاريا
------------------------------------------------------------------------------------------- الـعــلاقــات الــســورية – الــســـعــوديـة
انـتـــبـهــوا جــيــداً إلــى هــــذه "الـعــبـارة..."
منذ مدة طويلة توقفت لقاءات القمم الثلاثية التي كانت تجمع زعماء كل من سوريا ومصر والمملكة العربية السعودية، أو ما يعرف بالمثلث العربي، في إشارة الى مركزية هذه الدول وأهميتها في محيطها العربي. ويبدو أن المتغيرات الناشئة دوليا وإقليميا منذ الحادي عشر من ايلول 2001 والإحتلال الأميركي لدولة عربية بحجم العراق وثقله، قد فرضت على دول المثلث هذه، تداعيات ثقيلة جعلتها تنكفئ نحو داخلها كل على حدة. لقد بدت هذه الدول، هشة وعاجزة عن فعل شيء أمام الرياح الأميركية التي لم تجلب إلى المنطقة الجنود فقط، بل الأفكار ومشاريع الإصلاح. وكانت دول المثلث، وحدها قبل الجميع، المقصودة والمتهمة والمطالبة بفعل شيء.
هكذا يمكن التأريخ لنهاية حقبة وبداية حقبة جديدة في علاقات هذه الدول في ما بينها ومع محيطها، وقبل ذلك لم تخلُ العقود الماضية من تأثير وهيمنة مارستها هذه الدول على جيرانها الأصغر والأضعف: السعودية على دول الخليج العربي الصغيرة، مصر على السودان، سوريا على لبنان.
ولندرك أهمية العلاقة التي تربط البلدين، لا بد من عودة للحظة حاسمة تمثلت في غياب الرئيس حافظ الأسد، حينها تبين حجم الأهمية التي توليها السعودية لاستقرار النظام في دمشق، وتعكس قبل ذلك حجم حضورها العربي .
فبعد أشهر قليلة من وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة، تم الإعلان في فندق شيراتون في دمشق عن تأسيس "الشركة العربية للاستثمار القابضة" السعودية وفق قانون الاستثمار السوري رقم 10 وتعديلاته، حيث بلغ رأسمال الشركة المبدئي 100 مليون دولار، مع توقعات بأن يتضاعف خلال فترة قريبة ليصل إلى 400 مليون دولار. وووقتها أعلن أن نشاط هذه الشركة سيشمل تمويل مشاريع عقارية وسياحية وزراعية واتصالات، يشارك فيها الشيخ صالح كامل (مجموعة دلة البركة) وسعد الدين الحريري (مجموعة سعودي أوجيه) وصالح بن لادن (مجموعة بن لادن السعودية) ووفيق رضا سعيد (الشركة السعودية الأولى للاستثمار).
بالطبع، يخطىء من يعتقد أن ذلك حصل بسبب تحسن البيئة الاستثمارية في سوريا لمجرد وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة، لقد كانت الرسالة السعودية واضحة للجميع. لقد كانت رسالة دعم قوية، سياسية واقتصادية، دولية وعربية في آن، من ولي العهد الأمير عبد الله لرئيس شاب جديد، في ظل أجواء قلقة وتحليلات شككت في إمكان استمرار الاستقرار بعد غياب حافظ الأسد.
وتكررت في ما بعد مثل هذه الرسائل السياسية والاقتصادية، فزار الامير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس الوزراء وزير الدفاع والطيران دمشق بهدف تقديم التهنئة للرئيس الجديد مع بداية عهده، وقبلها كان الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد اول الواصلين الى دمشق اثر اعلان وفاة الرئيس حافظ الاسد في العاشر من حزيران 2000 ، وحينها بقي ثلاثة ايام حتى انتهاء مراسيم التشييع. ولم يمض شهر واحد حتى عاد لزيارة دمشق ثانية ، وكان اول مسؤول عربي يصل بهدف "تقديم التهنئة باسم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز والحكومة والشعب السعوديين للدكتور الأسد بمناسبة انتخابه رئيساً لسوريا وأدائه اليمين الدستورية”.
وفي ما بعد، تمت ترجمة إقتصادية كبيرة لهذه الرسائل السعودية، فكان الإعلان في دمشق عن مشروعين سعوديين ضخمين الأول في منطقة الشاطئ الأزرق في محافظة اللاذقية، والثاني في موقع أفاميا السياحي في محافظة حماه وسط البلاد، حيث اعتبر هذا المشروع من اهم مشاريع الاستثمار السياحي في سوريا والوطن العربي، كذلك شاركت المملكة من خلال الصندوق السعودي للتنمية بتمويل محطة توليد كهرباء شرق حلب البخارية التي تعتبر من أكبر المحطات الكهربائية في الشرق الأوسط.
في هذا السياق لوحظ أن عدد الاستثمارات السعودية – السورية المشتركة تجاوز الـ50 مشروعا وكان من أهمها فندق "فورسيزونز" في قلب دمشق الذي وقع عقده الامير الوليد بن طلال والذي قام في ما بعد بتقديم مساعدات مالية لأسر ضحايا كارثة انهيار سد زيزون في محافظة حماه ولأسر ضحايا كارثة انهيار المباني في حي الكلاسة بحلب. كل ذلك اثار جملة من الأسئلة عن أهمية الدعم السعودي للنظام الجديد والحرص على استقراره.
العلاقة السورية السعودية لم تكن كذلك دائما، فقبل حافظ الأسد، لم يكن النظامان على ود. لقد كان البعث اليساري بتطلعاته وتنظيراته التي مثلها صلاح جديد، عن "الكفاح المسلح" و "حرب التحرير الشعبية" و"الأنظمة الخليجية الرجعية العميلة" التي "تحتكر النفط العربي"، يثير حفيظة السعوديين وخشيتهم، إلى أن أتى حافظ الأسد وبدد هذه الشكوك إثر جولة على عموم الدول الخليجية قام بها بعد إقصاء وتنحية أولئك البعثيين المتحمسين ووضعهم في السجون، عبر "الحركة التصحيحية" التي وصل بموجبها إلى قمة السلطة في سوريا.
بعد ذلك كان طبيعيا أن تنهال المساعدات المالية والنفطية السعودية على النظام الجديد في دمشق الذي خاض حرب تشرين، ولتستمر سنوات إضافية بعد الحرب، وهو الأمر الذي سمح بتأسيس عدد من مشاريع البنية التحتية من معامل وشركات. وقبل ذلك ساهمت هذه الأموال المتدفقة في حصول طفرة مالية ساعدت في تسليح الجيش السوري وساهمت أيضا في حصول متغيرات نوعية في حياة القادة البعثيين الذين كانوا يتحدثون عن "العمال والفلاحين" والإشتراكية.
ليس ذلك فقط ما جمع السعودية مع سوريا، ثمة قرابة صارت تجمع الأسرتين الحاكمتين، فالأمير عبد الله بن عبد العزيز يرتبط مع رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد بمصاهرة، وكان الرجلان يقضيان أوقاتا ممتعة في دمشق حين كان الأمير يزور سوريا، حسب ما ذكر وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس في مذكراته.
ورغم أحداث الثمانينات العنفية ، حين حصلت مجابهات دموية بين "الاخوان المسلمين" والسلطات السورية، وفي ما بعد لجوء الهاربين من ذلك التنظيم الأصولي إلى السعودية، وإيوائها لبعضهم الى اليوم، لم تسجل العلاقة الثنائية دخولها في منعطفات خطيرة. لقد حصل أن كان هناك الكثير من الخلافات السياسية التي باعدت بين النظامين ، لكن كان هناك الكثير من الأسباب التي تدفع للعودة والتلاقي، ولعل أبرز مثال على ذلك، النظام العراقي السابق الذي غالبا ما سبّب في حصول فراق بينهما في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية، لكنه النظام الذي عاد ليجمعهما في أعقاب غزو الكويت، وفي ما بعد ليلتقيا دائما، أي منذ ميلاد ما عرف بـ "إعلان دمشق" أول التسعينات وحتى لحظة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في شباط 2005. وهي اللحظة التي من المتوقع أن تؤثر على مسار العلاقة الثنائية طالما ان الحريري مثّل جسرا جامعا ونقطة إلتقاء بين البلدين، وقبل كل ذلك، ساعدت هذه العلاقة التي مثلها الحريري، في وجود وعاء "سعودي" شرعن عربيا ولحقبة طويلة الحضور السوري في لبنان.
وعليه لن يخلو تغييب رجل بوزن الحريري وأهميته، من تداعيات على علاقة اتسمت بالاستقرار لسنوات طويلة. كل ذلك يحصل، في وقت تعمل فيه السعودية على إحتضان ورثة الحريري مع إشارات واضحة لاستمرارها في احتضانهم سياسيا ودعمهم مستقبلا. مما يعني دخولها المباشر في الملف اللبناني دون وساطة من أحد، أي في وقت يسجل هذا الملف انحسارا سورياً عنه.
في الآونة الأخيرة، وأكثر تحديدا، في أعقاب حادثة الإغتيال ، برزت إشارات عديدة لافتة، تشي بأن مسار العلاقة السورية السعودية بات يتجه شيئا فشيئا نحو التباعد وربما "الأزمة". الإشارة الأولى تعلقت بالملاحظات السورية على أداء محطة "العربية" التي تبث من دبي والممولة سعوديا. لقد كان لافتا هنا في سوريا، الأهمية والمساحة الزمنية اللتين أعطيتا لحادثة إغتيال رفيق الحريري ولما سمي لاحقا "انتفاضة الإستقلال" في لبنان. ولكثرة الضيوف من المعارضة اللبنانية الذين اتصلت بهم المحطة خلال برامج التغطية تلك. وفي ما بعد "تحريف " حوار للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان كان قد أجراه مراسل المحطة معه من نيويورك يتعلق بانسحاب القوات السورية من لبنان.
لنقرأ ماذا كتبت صحيفة "تشرين" الحكومية السورية ، يوم 26/2/2005 ولننتبه للانتقادات الموجهة لمن يقف وراء تمويل المحطة : "بينما كانت محطة العربية الفضائية تعيد بث أقوال منسوبة للأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان حول الانسحاب السوري من لبنان، كان المتحدث باسم عنان، فريد ايكهارد يكذّب هذه الاقوال، ويوضح الحقيقة(...) وعلى الرغم من هذا النفي او التكذيب ظلت العربية تكرر بث أقوال لم يقلها الأمين العام للامم المتحدة (...) هذه الواقعة، وغيرها الكثير، تطرح عشرات التساؤلات حول مهمة هذه المحطة الفضائية والجهات التي تديرها وتمولها، علماً ان الاشهر القليلة الماضية كشفت الكثير من ذلك...".
الإشارة الثانية، وهي مهمة، تزامنت مع زيارة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع للسعودية حيث "أكد لها أن دمشق ستعمل على جدولة انسحاب قواتها من لبنان وفقا لإتفاق الطائف".
وقبلها وفي حديث لصحيفة "واشنطن بوست" حمّل وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، الحكومة السورية نوعا من المسؤولية عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، قائلا "إن رئيسا للوزراء قتل والقوات السورية منتشرة في لبنان، وهناك مسؤولية ليس فقط على الحكومة اللبنانية بل ايضا على الحكومة السورية المطالبة بأن تشرح كيف حصلت الحادثة".بدوره علق مسؤول سعودي كبيرقبل زيارة الشرع بيومين قائلا : "نأمل في ان يعرض علينا وزير الخارجية السوري خلال محادثاته ما لدى سلطات بلاده من معلومات عن عملية اغتيال الحريري لأننا مثل اللبنانيين وغيرهم نريد معرفة الحقيقة".
لننتبه إلى هذه العبارة..."مثل اللبنانيين، نريد معرفة الحقيقة" ؟
3/3/2005النهار
شعبان عبود
------------------------------------------------------------------------------ الحقد المؤسس للسياسة
يمرّ الشارعان اللبناني والسوري، اليوم، بفترة غليان يُخشى أن تؤسس، إذا لم يُشتغل عليها بدقّة من منطلق الحرص على العلاقات بين الشعبين السوري واللبناني، لعلاقات بينهما أسوأ من أن يريدها أي منهما. ففي الوقت الذي نزلت فيه المعارضة اللبنانية إلى الشارع وراحت تحتشد على خطاب سياسي يضع سوريا كلّها وبالتالي جميع السوريين، المعارض منهم والموالي، صاحب القرار ومسلوب الإرادة... يضعهم جميعا في بوتقة واحدة هي بوتقة العدو.
في هذا الوقت يجد الشعب السوري نفسه في موقع الخيبة، فإذا به يطرح أسئلته المرّة على نفسه، أولا، وعلى السلطة السورية ثانيا، ولن أقول سلطته، وعلى الشعب اللبناني ثالثا، أسئلة من طبيعة التالي: ما الذي جنيناه نحن السوريين، نحن الشعب السوري من وجود الجيش السوري في لبنان؟ وهل حقّا أن أبناءنا الذين قُتلوا هناك كانوا عناصر في جيش احتلال؟ وهل تسمية الجيش السوري بجيش احتلال تعود إلى مسألة شرعية دخوله الأراضي اللبنانية أم إلى مسألة شرعية ممارساته اللاحقة هناك؟ أي، هل هو جيش احتلال منذ البداية، أم أنّه تحوّل إلى ذلك عند لحظة معينة؟ أم أنّ شيئاً من هذا القبيل أو ذاك ليس له علاقة بأن يكون الجيش السوري جيش احتلال أم لا يكون، فالأمر وما فيه يعود إلى طبيعة الصراعات اللبنانية التي تجعل منه جيش إنقاذ تارة وجيش احتلال تارة أخرى، وإلى المتغيرات الدولية التي تجعل من وجوده ورقة إقليمية (سورية، لبنانية، إسرائيلية) حينا، ودولية حينا آخر؟.. وبصرف النظر عن الإجابة بالسلب أو الإيجاب عن أي من الأسئلة المطروحة، فإن أيا من السوريين، وأعني الشعب السوري، لا جنرالات السلطة ، لم يُسأل رأيه، في يوم من الأيام، في أن يُرسَل أبناؤه إلى الموت وأن يشكل لحمهم ودمهم عجينة أحقاد أم لا يرسلون... فهل يجوز والحال كذلك، أن يدفع شعبٌ لا يُسألُ رأيه في أي من قضاياه المصيرية، ودخول الجيش السوري إلى لبنان ووجوده الطويل هناك، كما خروجه اليوم، قضية مصيرية بالنسبة للشعب السوري، مصيري لا من منطلق مقاومة إسرائيل، وإنما من منطلق العلاقات بين الشعبين اللبناني والسوري ، أن يدفع ثمن ما يجب أن يُحصّل (هو) ثمنه من السلطة التي تحكمه؟ أقول: يحصّل (هو) ثمنه، وليس أحد ما بالنيابة عنه، لأن الجميع، في الخارج والداخل، مشغولون عن الشعب السوري ومصيره ومستقبله وحقوقه بالمساومة على مصالحهم. فالأحداث التي تدور اليوم تبيّن أن الشعب السوري سيكون الخاسر الأكبر فيها، وليس السلطة السورية، كما يتوهم البعض.
من غير المجدي، في ذاكرة العلاقة السورية اللبنانية الشعبية، البحث عن البادئ والتالي، عن الفعل وردة الفعل. فنحن هنا أمام سلسلة ستنتهي، بإذن إلهٍ ما، إلى الشيطان، سلسلة كل حلقة فيها تولِّد حلقة أخرى من طبيعتها. ففي الوقت الذي يستطيع فيه الكثير من اللبنانيين استحضار أمثلة عن مظالم تعرّضوا لها من قِبل سوريين، أو بفضل منهم (بل الأصح من أجهزة السلطة السورية)، تجد لدى الكثير من السوريين العاديين أمثلة عمّا تعرضوا له، من طبيعة ذلك وغيره، من قِبل لبنانيين في لبنان وخارجه. وأمّا الخوض في الزمن المؤسس للأحقاد فليس أقلَّ إيغالاً في الوحل، ذلك أنّه يعود إلى ما قبل دخول الجيش السوري إلى لبنان بكثير.
قد تجد من ينفّره استخدام مصطلح (الحقد) هنا. لكنني للأسف لا أجد بديلا منه في هذا السياق. فبمجرد خروج السياسة من المكاتب إلى الشارع، وبمجرد أن يصبح الجمهور أداتها الرئيسة، يصبح حضور العواطف والانفعالات حضورا ضاغطا ومهيمنا، وتحتل الذاكرة موقع الصدارة، وتملي غريزة البقاء خياراتها التي تضع جانبا كلّ شيء آخر. فتنبني الأفعال على ما كان يخيف ويهدد ويثير القلق في الذاكرة، وتدعم الذاكرة هذه الخيارات بوقائع من محفوظاتها مولِّدة قلق اليوم ومخاوفه. فإذا بالعداء فعل مقاومة، بل فعل حياة، وإذا بالعدو القريب ضرورة حياة... ومع ذلك، فلا بد من الاعتراض هنا، لا بد من قول: ولكن!
فثمة عدم تحديد، في حشد المعارضة اللبنانية للناس اليوم، كما ثمة عدم تحديد في استحضار الذاكرة الشعبية السورية لأفعال لبنانية تستنفر العداء، ما يترك للعداء أن يفيض خارج وعاء السياسة، فإذا به يؤسس لسياسة تتسع له، سياسة تتسع للديموقراطية وللحقد معاً، كما ثمة في عدم التحديد هذا ما يمكّن العدو الحقيقي من الإفلات، فإذا بأي أحد آخر أو أي شيء آخر يُستحضر ليكون عدوا بدلا منه. فهل ثمة عدو لبناني سوري مشترك، من شأن الوقوف في مواجهته أن يوحد الشارعين بدلاً من أن يفرقهما؟
للأسف الشديد، ليس أمرا بديهيا، على الإطلاق، أن تكون حسابات مصالح الشعب المستقبلية محركاً لرافعي رايات الديموقراطية على اختلاف ألوانها، كما ليس بديهيا وجود أي عمق وطني أو مصلحة وطنية في الشعارات الوطنية والقومية التي يرفعها نظام لا يرى العالم إلا عبر مصالحه ومصالح أزلامه المقرّبين، وعبر تقوية الأجهزة المعنية بحماية هذه المصالح. وعلى ذلك، فإن تحقيق المطلب الحق بخروج القوات السورية من لبنان ورفع الوصاية السورية عنه بكل أشكالها يمكن أن يؤدي إلى حرية الشعب اللبناني، وأن يشكّل قاعدة لحرية الشعب السوري من هيمنة أجهزة النظام العسكرية والأمنية، ويمكن أن يؤدي إلى عكس ذلك، أي إلى استعباد الشعبين معاً، على أساس من التفريق بينهما وبناء جدار من الكراهية والحقد يفصلهما، تحت رايات وطنية وقومية وديموقراطية، كما على أسس أخرى طائفية وعائلية وميليشياوية ومفيوزية وغير ذلك. إذن، ومرّة أخرى، لا فكاك للبنان من سوريا. ولكن، من سوريا بصفتها تابعة هذه المرّة، وليس بصفتها مُبادِرة.
وعليه، فإذا كان الشعب اللبناني يرى نفسه ضحية، في علاقته بسوريا الرسمية، فمن المؤسف جدا أن يرى نفسه كذلك في علاقته بشعب سوريا. فالأشياء التي تجعل الكثير من اللبنانيين ينزلون إلى الشارع اليوم مطالبين بحريتهم، أشياء يعرف السوريون، جيّداً، ملمسها ورائحتها ولونها وطعمها.. أشياء اختبروها، بالمعنى المباشر، على حيواتهم طوال عقود من الزمن وما زالوا يفعلون. ومنه، يكون الشعب اللبناني ضحية من الدرجة الثانية في علاقته بالضحية من الدرجة الأولى الشعب السوري. وأمّا ترتيب الدرجة هنا فلا يقلل من أهمية المعاناة، في حال من الأحوال، وإنما يُقيم بين الضحايا علاقة دم يجري في عروق المستقبل، وواجبات قُربى أقوى من العمومة، بل ومن الأخوّة بالذات. فهل يعني ذلك أنّ على اللبنانيين أن يشكّلوا رافعة لديمقراطية سوريّة منشودة؟ نعم، ومهما بدا الأمر مفارقا، ومثيرا للغصّة، فإنه مطلوب من اللبنانيين اليوم أن يلعبوا هذا الدور! فما دامت لعبة عسكرة النظام اللبناني ومؤسساته لم تكتمل، ونرجو لها بفضل من المعارضة اللبنانية ألا تكتمل ، وما دام القضاء على اللعبة الديمقراطية في أدنى حدودها لم يُكتب له أن يُنجز، وما دامت ذاكرة الحريّة لم تحترق بعد، وما دام الناس قادرين على الخروج إلى الشارع انتصارا لقيمة الحرية واللعبة الديموقراطية التي تضمن ممارسة هذه الحرية.. فلا بد للبنان من أن ينتصر لسوريا! ولكن، هذه المرّة، أن ينتصر الشعب للشعب، وليس السلطة للسلطة. هذا القول لا يعفي المثقفين السوريين المعارضين ولا المعارضين الآخرين، من أفراد وبقايا أحزاب، من مهامهم، ولا يرفع الأوزار عنهم ويثقل بها كاهل اللبنانيين، وإنّما يعني أن هناك مطلباً شعبياً سورياً في ما يخرج اللبنانيون اليوم من أجله إلى الشارع، مطلباً يجب أن يُرى بوضوح، ويُعمل على خدمته، خشية أن يؤدي انتصار الشارع اللبناني إلى نقيضه، أي إلى المزيد من التعسّف بحق الشعب السوري.
وهكذا، فإذا كان ثمّة خشية مما يحدث اليوم ، فهي في أن يبني الشارع اللبناني معارضته، فقط، على كراهية (السوري) ومطالبه على التضاد مع (سوريا) بصورة رئيسة، ويجعل من حريته حريّة تقوم، فقط، على التحرر من (السوريين)، ما يجعل ديموقراطية الغد محكومة بتنظيم هذا النوع من الحرية وإدارته.. الأمر الذي قد يعني أن يأتي الناخبون غداً، بنتيجة لعبة ديموقراطية معترف بها دولياً، بمن يُشبع متطلبات كراهيتهم ل(السوري)، فإن لم يفلح في ذلك استبدلوا به غيره، غافلين عن أن سياسة من هذا النوع توقع الظلم على الشعب السوري وتجعل منه ضحية ثنائية لظالم ومظلوم.
أخيرا، إذا كان سياسيو التسخين لا يرون فائدة تكتيكية لهم في مخاطبة عقل الشارع المطلوب تأجيج عواطفه الآن، متوهمين القدرة على تغيير قواعد اللعبة وأسسها وقت يشاؤون، فمن واجب المثقفين السوريين واللبنانيين فعل ذلك! وإذا كانت المعارضة اللبنانية لا ترى من مهامها البحث عن أهداف مشتركة مع المعارضة السورية، أهداف تؤدي تلقائيا، إلى الفصل بين النظام والشعب السوري، فمن واجب المعارضة السورية فعل ذلك. أمّا، لماذا لم تفعل المعارضة السورية ذلك؟ لماذا لم تحضر مُمثّلة ببعض أقطابها، أيّاً من لقاءات المعارضة اللبنانية، فسؤال تتباين الإجابات عنه بين غياب المبادرة لدى المعارضة السورية وغلبة الفعل الثقافي عليها وميل المثقفين إلى التنافر والعمل الفردي. السفير منذر بدر حلوم
كاتب سوري
--------------------------------------------------------------------------------------------
لوكنت رسام كاريكاتير اللاشامية.. وهموم أخرى
لوكنت رسام كاريكاتير في هذه المرحلة لوقعت في مأزق وجودي، لأن كاريكاتير السياسيين أصبح “منهم وفيهم”، وكاريكاتير الحالة “منها وفيها” لا يمكن رسمه إلا ك”بورتريه”. وربما كنت سوف أجد الحل بالانتقال الى “الكوميكس” في صور يظهر فيها الكلام داخل فقاعة فوق رأس أشخاص آحاديي البعد على نمط “الكوميكس”. الصورة الأولى: الناطق “الاسرائيلي” بعد العملية “الاسرائيلية” الأخيرة: “نتهم ياسر عرفات بالمسؤولية عن عملية تل أبيب، ولدينا معلومات مخابراتية تؤكد أنه يريد إفشال عمل الحكومة الفلسطينية الجديدة.” ويندد ويتوعد. الصورة الثانية جملة في فقاعة فوق رؤوس لا ندري هل هي لصحافيين ام سياسيين عرب يستمعون اليه فنحن نرى أقفية رؤوسهم وتبدو بينها كوفيات عديدة تذكره اسقاطا للحجة التي يستخدمها وتفنيدا للذريعة أن: “ياسر عرفات قد مات”، فيجيب الناطق “الاسرائيلي” في الصورة التالية بالعربية: “متأسف، متأسف، اعتذر! أقصد المرخوم عرفات”. حاسبا ان ما أغضب العرب أنه لم يقل المرحوم قبل ذكر اسم الرجل فيساير العقلية العربية بكلمة “المرخوم”. “المرخوم عرفات هو المسؤول، ونحن نحمله المسؤولية كاملة وسوف نتخذ الاجراءات اللازمة ولا نستثني التخلص منه”.
ومن نافل القول إن تحميل المسؤولية عن أي أذى للخصم السياسي الراهن هي عملية لا مبدأ فيها ولا قيمة، ولا علاقة لها بالحقيقة، وتتطلب تحللا لحظيا من الأخلاق. كانت المسؤولية تلقى على عرفات حياً. وكانت “اسرائيل” تشترط وقف العمليات لكي تفاوض “الطرف الفلسطيني”. اما اليوم فهي “لن تسمح للارهابيين والعمليات التخريبية أن تخرب مساعي السلام”، وهي “تنتظر بفارغ الصبر عودة القيادة الفلسطينية من لندن لاستئناف المفاوضات”. من أين حل كل هذا التأني وكل هذا التروي على البولدوزر الذي كان يهدم غرفة في “المقاطعة” وبيوتا كثيرة في المقاطعات ويهدد بقتل عرفات ويقتل كثيرين غيره بعد كل عملية؟ الجواب هو المصلحة، ف “إسرائيل” ترى مصلحة في التفاوض بشكله الحالي وبمنطقه الحالي فلسطينيا وعربيا، من تطبيع الى تطويع. و”إسرائيل” تحدد مواقفها كما تحدد دعايتها السياسية بموجب مصلحتها.
وتقضي المصلحة حاليا باتهام سوريا، انها تقف من وراء عملية تل أبيب الاخيرة. المهم ان تبقى سوريا في حالة دفاع عن النفس في الظرف الدولي الراهن. ان تضاف ضربة فرشاة أخرى لرسم سوريا هوجاء تمدد لرئيس رغم أن أي مراسل صحافي يعرف ان ذلك ضد مصلحتها، والخطأ بموجب هذا الرأي لا يكمن في “شكليات دستورية” بل في مخالفة المصلحة، سوريا غير البراغماتية التي تغتال دون أن تكون لها مصلحة بذلك، والكاذبة التي تضمر غير ما تعلن من دعم للجهود الفلسطينية الحالية بالسلام، والداعمة لل “إرهاب في العراق”.
وتجد “اسرائيل” وأمريكا من يردد ادعاءاتها بين العرب لأنه لا توجد مصلحة عربية مشتركة بل مصالح عربية متناقضة. ويتجسد الكذب على الآخر وعلى الذات الكامن في رفض الاعتراف بمناقضة المصالح العربية المدعاة في الخطاب القومي والوطني بشكل انحلال أخلاقي واجتماعي يجعل الكتابة في السياسة اليومية الراهنة أشبه بدحرجة صخرة سيزيف مضيعة للطاقة والأعصاب. فالأزمة أخلاقية وليست معرفية. وقد ينافسك في الخطاب الوطني من هو ضالع في بيع كل موقف للأمريكان و”الإسرائيليين” مقابل مكانة أو زعامة محلية أو قطرية او حتى مقابل شهرة ونجومية في خارطة الشرق الأوسط الجديد. وقد يعرف الحقيقة ويكذب، ويدعي الديمقراطية من هو معاد لها وخصم تاريخي من خصومها.
يُطَمئِن هذا السياسي أو ذاك سوريا الى أنه سوف يشرح موقفها للأمريكان أو ل “الإسرائيليين” فيقوم بالتحريض عليها عند الأمريكان في محاولة لإثارة إعجابهم. وتجري مباراة عربية في من يلعب دور الوسيط ومن يؤثر في سوريا في أي شيء: ان تتنازل عن موقفها الداعم للمقاومة أن تقبل بالتفاوض مع “إسرائيل” من دون شروط او أن تقبل عدم قبول “اسرائيل” التفاوض معها، أي شيء يمكن تقديمه كدور مفيد للأمريكان. وحتى الأمريكان يقولون كلاما بلهجة ودية أو مهذبة على الأقل في جلساتهم المغلقة مع المسؤولين السوريين، ثم يتبعه تحريض عند الخروج الى الإعلام وتصوير للجلسة كأنها كانت جلسة تأنيب وتهديد وإنذار لسوريا.
ويعتقد السوريون بطريقة كلاسيكية، حسب الأصول، أن الطبيعي هو أن ما يقال في الجلسات المغلقة هو المهم، وأن التصريح للعموم هو للاستهلاك الاعلامي. ويغيب عن بالهم أن دور الاستهلاك الإعلامي قد تغير في عالمنا، وأن ما يقال في الحيز العام عندما يراد تحييد طرف أو طمأنته يصبح هو الأهم. وهو الذي يدل على النوايا الحقيقية ويسهم في تشكيل الرأي العام وتجهيزه لتنفيذ النوايا الحقيقية. ولو كانت هنالك ذرة من الايجابية الامريكية تجاه سوريا لما تحرجت الوفود الأمريكية من قول كلمة ايجابية واحدة عن سوريا علنا.
لم يعد المخفي اعظم بل المصرح به هو الأعظم. ولا يوجد شيء مخفي. حتى المراحل مكشوفة ومعلنة “اسرائيليا” وأمريكيا: التهدئة في البداية على الساحة الفلسطينية لا تكفي ويجب ان يتبعها انقضاض على “البنية التحتية للارهاب”، الحل الممكن الوحيد هو دولة على جزء من الارض كمرحلة انتقالية طويلة المدى، رسالة بوش الى شارون حول مبادئ الحل الدائم علنية ومنشورة، في البدء يحيد حزب الله، وما تطالب به سوريا الآن يصبح غير كاف بعد ان تنفذه، واتهامها بالوقوف وراء المقاومة جلي، والاستفراد بالمقاومة في ما بعد واضح، وتحسين اللهجة مرحليا تجاه سوريا بالتأكيد على الطائف شفاف. كل شيء واضح. وواضح وجلي ايضا ان هنالك تخبطاً في الطرف الذي يتم الهجوم عليه يمنعه من رؤية ما هو ساطع كالشمس، فهو يبحث عن خفايا غير مهمة وطمأنة غير ذات بال في مواقف الأشخاص والدول.
من سوف يصدق السوريين انهم لم يعلموا باستقالة عمر كرامي قبل ان تحصل؟ هذه خفايا غير مهمة. وحتى من يصدق لا يريد ان يصدق. ويتساءل البعض مؤخرا ما دامت شبهة التدخل في كل تفصيل قائمة في جميع الأحوال فلتتدخل سوريا في الاشياء الكبيرة على الاقل لكي يكون هنالك “مايسترو” موجه لردود فعل سلطة لبنانية غرقت في حالة من فوضى ردود الفعل والشعور بالإهانة، وانعدام التنسيق في غياب دور رئيس الجمهورية. ونحن لا نوافق على هذا الرأي. ولكننا نؤكد خطورة انعدام التنسيق في المواقف في ردود فعل سلطة تنفيذية تقوم على وحدانية الموقف خلافا للسلطة التشريعية حتى في اقدم الديمقراطيات. ترفض سوريا التدخل في بعض الامور في لبنان. ولكن ما ان يقع ما يستحق النقد حتى تعتبر سوريا وراءه، ولا يحصل شيء جيد الا ويعتبر انه تم رغما عن سوريا. هذه حالة معلنة لدى من قرر ان سوريا خصمه اما بسبب أخطائها في لبنان او لغرض تشكل الهوية او لغرض اعادة صياغة موازين القوى بين النخب داخل الحكم بموجب تغيير موازين القوى اقليميا. هذا وضع قائم ولا يفيد إنكاره. وفي مثل هذه الحالة سيكون على سوريا اما التوقف عن تقديم التنازلات والاصرار على مواقفها الحالية بحزم وصرامة متمسكة بدور الدولة الحالي بعد تنظيمه وضبطه وبوجود قسم كبير من المجتمع اللبناني يعارض المعارضة، او اعادة التفكير بالصورة برمتها وتغيير العلاقة من اساسها مع لبنان من خلال حوار مع الدولة والمجتمع في لبنان. ويقيني أن إصلاح العلاقة مع لبنان سوف يدعم في النهاية النهج الإصلاحي في سوريا.
من أجل ذلك يشترط أن يتفق وطنيا في لبنان على ما يراد من العلاقة مع سوريا. وهذا هو الاساس، وهذه تسبق تلك. ويجب ان تتخذ خطوات سريعة وعملية في هذا المجال ويجب ان تدفع سوريا بها الى الامام، أن تشجع الاتفاق الوطني في لبنان بحيث لا يبقى تحديد العلاقة مع سوريا مطلبا من طرف ضد آخر. الشرط هو ان يتفق المجتمع اللبناني حول ما يقصده بعلاقة الاخوة مع سوريا بعد تنفيذ الطائف، وان تكون الضمانات لبنانية داخلية قبل التفاوض مع سوريا حول الجدول الزمني لتنفيذ الطائف ومستقبل العلاقة بين الدولتين. والا فسوف يبقى المجتمع اللبناني منقسما بين تيار، هو في الواقع تيارات متفقة على القاسم المشترك الأدنى، تيار يدعو الى الانسحاب السوري الفوري دون قيد او شرط ودون ضمانات لأي شيء تؤكد غيابها الصور التي رفعت وأشهرت معها نوايا البعض، وتيار يدعو الى التمسك بالطائف بتفسير مناقض للأول، وتيار ثالث يدعو أيضا للتمسك بالطائف ولكنه يحيد نفسه ويتم تحييده حاليا عن الصراع. وبين الثلاثة مجال واسع للمناورة الدولية داخل السياسة اللبنانية.
وطبعا تشارك حتى امريكا في المناورة التي بلغت أوجها في خروج الولايات المتحدة عن طورها في وجود معاون مساعد نائب معاون وزيرة الخارجية وتحركه، وحتى مشاركته الغريبة في محاولة تحييد حزب الله. لقد وجدت أمريكا القادرة على كل شيء، استغفر الله العظيم يا رب، المرونة اللازمة لملاءمة اجندتها مع أجندة المعارضة اللبنانية فهي لا تدعو حاليا الى تجريد حزب الله من سلاحه، ولا تعتبر ذلك أولوية حاليا. فهدفها الحالي هو سوريا. حتى كلمات مثل “حاليا” و”الهدف الحالي” معلنة واضحة.
ويتفاجأ السوريون من حجم الحملة عليهم. فهم يعرفون انه لا يهم الامريكان بقاء سوريا في لبنان، بقدرما يهمها مواقف سوريا، ولكن المصالح التقت في الضغط على سوريا بعد العراق، وتم تحييد الايديولوجيا والمبادئ وغيرها. هذه سياسة من النوع أعلاه.
إنه مصطلح اشغلني ابتكاره في الأيام الاخيرة: اللاشامية. عدة مفهومية جديدة...اللاشامية، أو العداء للشام. وهو ظاهرة لافتة لا شك أنها أكثر خطورة من اللاسامية على الاقل في الهلال الممتد، المنطقة الصغيرة الممتدة على شرقي بحيرة الحضارة المتوسطية.
ليست اللاشامية ظاهرة عنصرية بمعنى العداء للمتحدرين من عرق أو عنصر معين. فنحن لا نؤمن بوجود ذات اسمها العرق او العنصر. ولا هي ظاهرة صراع طبقي ، ولا هي تعبير عن عداوات دينية نشأت في خصومة على تفسير النص التوحيدي نفسه كما هو حال الخصومة القرسطوية بين المسيحية واليهودية، ولا ترتبط اللاشامية بخطأ او صحة السياسة المتبعة في دمشق فقد تختلف الآراء حولها، بل هو عبارة عن عداء على مستوى تشكل الهويات إنه عداء يرافق تشكل هويات متمايزة.
أما عن عداء الهوية “الاسرائيلية” للهوية الشامية والعربية بشكل عام فحدث ولا حرج. تستطيع “إسرائيل” التعايش مع هويات طائفية ولكنها لا تستطيع التعايش مع هوية عربية. وتكفي نظرة سطحية على الحدود السورية اللبنانية الاردنية الفلسطينية لندرك مدى التهاب الجرح وسخافة وعبثية التعصب لهوية دون أخرى. عائلات بكاملها ما زالت تتصل بقرابة الدرجة الاولى انقسمت على طول الحدود الى سورية او لبنانية او أردنية او فلسطينية. بحيث تختلف جنسية ابناء العم من الدرجة الاولى والاخوة اذا كانوا على قيد الحياة. لقد قسم سايكس- بيكو بلاد الشام الى هويات متماثلة مع دول سميت باللغة القومية العربية دولا قطرية تجنبا لمصطلح “دولة قومية”. وتسعى الدولة القطرية لتشكيل هويتها وكتابة تاريخها المنفصل وتعيين رموزها وأساطيرها المكونة وأعيادها ومواسمها ووطنيتها التي تسعى للتحول الى دولة قومية.
وحتى لو لم ينشأ اي صراع سياسي مع الدولة السورية التي تتصارع للتعايش مع هويتها القطرية هي الأخرى، فإن تشكل الهويات المحلية في الدول المحيطة يؤدي الى صراع داخلي مع الهوية الشامية. نحن نتحدث عن مجتمعات كانت بغالبيتها تفاخر بهويتها السورية او الشامية وبانتمائها الى بلاد الشام في بداية القرن الماضي، وكانت تشهرها بكبرياء في وجه المستعمر دفاعا عن وحدة هذه البلاد وتطلعها أن تتشكل قوميا ومن يدري ربما ايضا ديمقراطيا.
ولم يأخذ تشكل الهوية القطرية السورية، التي فهمت نفسها كهوية عربية ولكنها تصالحت مع نفسها ومع حدودها في مرحلة حافظ الاسد، شكل عداء للهويات الاردنية والفلسطينية واللبنانية. ولكن الهويات الثلاث الأخرى تشكلت، أو أعيد تشكيلها كما في الحالة اللبنانية، دون ان يخلو تشكلها من صراع مع الهوية الشامية الأم. ولا بد أن هنالك علاقة بين انتشار الموقف غير الودي من سوريا بين أوساط من المثقفين الذين يطورون وطنية محلية في هذه المجتمعات مقابل موقف وحدوي ودي تماما تجاهها في اوساط مثقفي المجتمعات نفسها ضعف مع ازدياد قوة الدولة القطرية او الرغبة بإقامتها.
ولذلك ايضا نجد ان الموقف من النظام العراقي بين المثقفين اللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين كان أكثر ودية رغم ان النظام العراقي كان أكثر دموية وأقل ديمقراطية بما لا يقاس من النظام في سوريا. صحيح انه لا يمكن تفسير كل شيء بهذه المعادلة التاريخية التى تلخص تشكل هويات محلية الى هويات وطنية سياسية ثم قومية على اساس تقسيم استعماري بمسطرة ضابطين فرنسي وبريطاني، ولكنها تفسر جانبا مظلما وعميقا ولا واعيا ربما من العداء على مستوى الهوية. إذ لا يمكن تفسير الظاهرة برمتها بانحسار الحركات الوطنية في حقبة تاريخية بين تأثير صدام حسين وياسر عرفات، ولا بالقدرة على تمويل الصحف وشراء المثقفين والابواق الاعلامية بدرجة لا يتوفر للنظام في سوريا قدرة على التباري معها. كما لا يتلخص الأمر بأخطاء سوريا فهي لا تزيد على أخطاء اي نظام من الأنظمة المحيطة بل قد تقل، والسؤال هو بأي معيار يقاس وفي اي سياق يقاس الخطأ. ولا بد من فهم المشكلة الأعمق على مستوى الهوية. وهي مشكلة تكاد تكون بنيوية، وهي تتخذ شكل تخلص من الوصاية حتى حيث لا توجد وصاية. فكم بالحري حيث توجد؟
لا يستطيع العرب في بلاد الشام على تنوع هوياتهم القطرية والطائفية وغيرها ان ينتقلوا الى مرحلة حداثة من أي نوع: ديمقراطية أو غير ديمقراطية، دون التخلص من عصبيات الهوية. فمقتل بلاد الشام هو تحول تنوع الهويات فيها الى سياسات هوية وقضية طائفية. ان الشرط الأول لانتقال العروبة الى تصالح مع الحرية والديمقراطية هو التصالح مع ذاتها، لكي يصبح بالامكان القول نحن عرب وديمقراطيون... بالممارسة وليس القول فقط، خاصة عندما يكون القول شعارا مرفوعا ضد خصم.
3/3/2005الخليج
عزمي بشارة
----------------------------------------------------------------------------------------
نشرة تعتمد بمادتها على مايصدر في المواقع الإلكترونية ومايصل بريد مركز الآن للثقافة والإعلام www.al-an-culture.com [email protected] 00491626534011 0021261140546 http://rezgar.com/m.asp?i=216
#مركز_الآن_للثقافة_والإعلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة مؤسس منظمة العفو الدولية .. المعارضة اللبنانية.. أحد جل
...
-
حرية الصحافة في عالم السياسة ..الأحوال الشخصية ..السرطان الا
...
-
حقوق الإنسان وإدارة الإنترنت .. خرائط الطرق..لبنان حيال مثقف
...
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
-
الاستبداد لحظة انكشافه ..كلكم متآمرون .. الرئة التي يتنفس من
...
-
الفقيد الحريري وسوريا والراعي الكذاب .... من أجل من تبقى في
...
-
وثيقـــــة للتوقيع: مقرح نقاش فيما يتعلق بإعلان جنيف حول مست
...
-
هل كانت قمة شرم الشيخ قمة إنهاء المقاومة؟ آل الصباح والمياه
...
-
مناشدة : ماهر شريف / أيها الأصدقاء المثقفون والمبدعون والفنا
...
-
فلسطين:الحملة الوطنية لتغيير النظام الانتخابي - القوى والاحز
...
-
مــركــزالآن يدعو التيارات الفكرية والأدبية والسياسية للمشار
...
-
سوسن البرغوتي تكتب عن أحياء عربية / العصا التي تستخدمها أمري
...
-
طــــــلال معـــــــلا يدخل -الصمت- ويجسد تاريخ الخراب الآدم
...
-
نشطاء في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني يوجهون دعوة من أج
...
-
رسالة من علي الحاج حسين إلى الأديب الكردي مروان عثمان / صوتك
...
-
سورية التسعينيات : قارة من الشعراء/ ملف يكاد يكون أكبر وثيقة
...
-
حملة الإعتقالات: خطوات فورية لتصحيح مشهد الأحذية الثقيلة
-
الحملة الدوليةلاعادة فتح ملف الجريمة النكراء بحق أطفال بنغاز
...
المزيد.....
-
هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
-
ماذا نعرف عن العالم الخفي لمنجم ذهب تديره إحدى العصابات بجنو
...
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة 23 في الغارة الإس
...
-
ما هي الدول والشركات التي تبيع أسلحة لإسرائيل؟
-
سلسلة غارات إسرائيلية على منطقة البسطا وسط بيروت
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|