أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - علي بداي - حاجتنا لحزب وطني يساري ، سرّي، ويُخيف!















المزيد.....


حاجتنا لحزب وطني يساري ، سرّي، ويُخيف!


علي بداي

الحوار المتمدن-العدد: 3885 - 2012 / 10 / 19 - 01:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


قد يجابه عنوان كهذا رد فعل فوري يفيد أن العالم يتجه للعلانية، والنضال السلمي، وأن ماسمي الربيع العربي قد فتح الباب أمام مشاركة الشعوب بصنع مصيرها عبر ممارسة حق الإنتخاب الديموقراطي، وأن العنف والكفاح المسلح والتدابير السرية كلها مفاهيم تصنف ضمن مخلفات عالم الحرب الباردة ودنيا ما قبل العولمة.
لكن هذا المقال يرتكز على إدعاء مخالف مفاده أن أمريكا وبريطانيا فتحتا باب " الديموقراطية" في عالمنا المتخلف بعد أن ضمنتا النتائج التي ستأتي بحلفائهما التأريخيين خلال الحرب الباردة وهم أحزاب الإخوان ومن تفرع منهم. ولا أعتقد أن موقف أمريكا من ديموقراطية تشيلي بعد فوز الليندي عام1970 يحتاج الى تحليل، ولا تحالفاتها مع أنظمة شرق أوسطية قروسطية ماعنة في إنتهاكاتها لحقوق الإنسان تحتاج الى برهنة . أمريكا إذن تقف مع الذين يخدمونها مهما كانت هوياتهم وقد رأت هي وكبار حليفاتها أن " الديموقراطية" المستندة الى أصوات الأغلبية الأمية المسلمة خير من يؤمن لها كل شئ بأقل التكاليف. وقد كشفت " الديموقراطية الشرق أوسطية التي ساعدت أمريكا في خلقها عن وجهها كديموقراطية مدججة بالسلاح بدءً من الهراوات العلنية التي إستعرضتها شرطة " نوري المالكي " الى " كاتمات الصوت" السرية التي تختار ضحايا بدقة من حيث ظروف الزمان والمكان وهدوء وضمانات تامة من حيث التنفيذ، الى أساليب التعذيب التي تتستر عليها أمريكا ليس في العراق وحده بل في كل الدول التي أطاحت شعوبها بدكتاتورييها بإيحاء أو تدخل مباشر من قبل أمريكا وصديقاتها. أمريكا بالذات لاتكثرت لموضوعة حقوق الإنسان ..وتفسرها على أنها حقوق الإنسان الأمريكي الذي يجب أن يبقى سيداً مطاعاً.

ولو إنطلقنا من العراق سنرى لوحة مفزعة، فبعد قرابة ثمانين سنة من عمر اليسار العراقي وكم هائل من خراب البيوت ،عاد المجتمع العراقي الى عقلية القرون الوسطى، فالى اين ذهبت كل تلك التراكمات الكمية الهائلة من الأفعال الثورية المجسّدة بشهداء ومعتقلين يساريين بمئات الآلاف ؟ ولماذا لم ترتق هذه التضحيات بالمجتمع فرتفعه الى مستوى أرقى؟ لماذا لم تؤدي الى تحول نوعي في مستوى وعي الناس؟ ولماذا لم يؤدي النضال العنيد لحزب إستطاع في وقت ما من تنظيم مظاهرة لصالحه شارك بها أكثر من مليون إنسان الى خلق مجتمع صلد بمناعات ضد النكوص ؟قد لانجد الإجابة عن هذه الأسئلة الا بعد بحث موضوعي علمي محايد ( هذا إذا تجاوزنا منظومة التفسيرات الجاهزة بخصوص تلازم الذاتي والموضوعي ،والصلابة الثورية والتمسك بنقاوة النظرية وووووو..) ولكن مما لاشك فيه أن البنيان العقلي الجمعي العراقي قد برهن على هشاشة وركاكة ماكا نت لتكون لو تمكن اليسار العراقي من التعاطي السليم مع المتغيرات ، بأوقاتها، وبالأشكال والصيغ التي كانت مقبوله من قبل المجتمع.

أما السرية التي وضعت كشرط، فهي بحد ذاتها ليست هدفاً بل هي كما أرى الشكل الوحيد المناسب للنضال في دولة الإستبداد والفتاوى التي تشيع دعاوى القتل علناً، ومن ناحية ثانية لا تتلائم العلنية مع الطبيعة "العصاباتية" الحالية للمجتمع العراقي مثلاً حيث يمكن لأي تجمع مالك للمال تأجير أية عصابة وإستخدامها في هدر الدم دون مقابل رادع. كما يمكن للسلطة إرسال مرتدي الزي العسكري لإرتكاب أفضع أعمال العنف ثم التبرئ من هذه الأعمال بنسبها الى منتحلين للصفة العسكرية وهو تكتيك إستخدم بنجاح ضد الأحزاب غير الدينية والتجمعات والنوادي المدنية. هنا يجدر بنا التساؤل أيهما أهم وأكثر جدوى: مقرات الحزب ولافتاته وجريدته التي لايشتريها أحد بسبب تهديد الباعة أم التحريض والفعل الثوري لأشباحة الذين كانوا كما قال عنهم السادات " يولعوا الحريقة..ثم لا تعثر على أحد منهم؟ ستبقى السرية حسبما أرى شرطاً أساسياً لوجود أي حزب يساري ذي مهام إجتماعية كبرى في بلداننا .

وفي مجتمع مازال يعيش على تخوم القيم البدوية ويردد يومياً نشيد "الشرف الرفيع الذي لايسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم تكون "القدرة على التخويف " لازمة لمن يروم حشد ملايين المستضعفين وراءه ..إذ لم يحمل الناس على إدارة ظهورهم لليسار شئ أكثر من إحساسهم بحالة اللاجدوى التي سببها تفريط اليسار بالفرص و تخليه عن مواقعه وتهاونه في الرد على المجرمين بحقه . إن صفة القدرة على التخويف تلزم الحزب الثوري لإرسال رسالة الى المجرم المتسلط أن من الممكن أن يوضع هو في ذات الوضع الذي يكون عليه السجين ، والمطارد .في هذه الحالة فقط سيكون الصراع متكافأ أما بغير ذلك فسوف لن نشاهد أمامنا سوى مشهد مؤلم متكرر هو مطاردة قطيع ذئاب لقطعان خرفان.

كان العراق خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية يغص بأبطال يساريين مستعدين لتحمّل أقصى درجات التعذيب، وقد رحل الآلاف منهم بدون أن تدفع السلطات أي ثمن. رحلوا ضحايا بالمجان ليسجلوا في سجل الشهداء الذي كان يتضخم من سنة لأخرى فيما كان المطلوب أن تستغل شجاعة وصلابة هؤلاء في التصدي المباشر للنظام، لا الإنتظار السلبي ليوم يقع فيه المناضل في فخ المخابرات ثم الإحتفال بموته الإسطوري صامداً !
إذ ماذا يعني للسلطة القمعية المستبدة صمود شخص معارض حتى الموت؟ إنه يعني ببساطة خلاص هذه السلطة من واحد من معاديها في مجتمع متخلف يعج بالمناصرين والإنتهازيين. هو في عرف هكذا سلطة، إنتصار. إنه مرة أخرى السؤال عن تناسب رد الفعل الثوري مع الفعل السلطوي أو الفعل الثوري مع رد الفعل السلطوي. السؤال مرة أخرى عن وضوح الأهداف ودراسة إمكانية الوصول اليها، فمادام الفعل السلطوي في أقصى حالات القسوة ،لابد أن يرتقي رد الفعل الثوري المضاد الى أقصى حالات التأثير الإجتماعي الملموسة . يعطي الحزب الثوري شهيداً مقابل الحصول على مكسب ملموس للناس وحين تتطلب حالة المجابهة التضحية بالبشر يتوجب قبل كل شئ أن تكون آفاق الإنتصار واضحة أو على الأقل أن نتوقع أن المجابهة تؤدي الى نشوء نهوض ثوري حاسم.
وفي العراق،ورغم همجية أساليب السلطات خلت سياسة ومنهج اليسار من توفير غطاء الحماية الرادع، وبقي الآلاف من مناصريه الشجعان مكشوفين أمام أجهزة القمع والمخابرات ضمن مسلسل متكرر لأكثرمن ستة عقود جعل من إسم الشيوعي واليساري مرادفاً للسجين والمعتقل والمطارد. وبعد أن ساد الإعتقاد لفترة من الزمن أن الحزب الشيوعي قد فهم الدرس جيداً وخبر أهمية أن يكون لحزب المهام الكبيرة جهاز ردع وحماية كبير غير الجسد البشري وصموده، وغير معنويات رفاقه العالية، تنازل الحزب الشيوعي طواعية وإيماناً منه "بالمرحلة الجديدة" وتنفيذاً لقرار هلامي بحل المليشيات ،عن أسلحته التي هربّها في زمن النظام السابق بمجازفات رفاقه ومغامراتهم التي قد تفوق التصور. وفي ساحة إمتلأت بالأحزاب والتجمعات الإنتهازية والمشبوهة التي لاترى في القتل الا حرفة مثل باقي الحرف ، بقي الحزب الشيوعي معولاً على تأريخه الطويل .. فاتحاً المقر تلو المقر .. أنظر مثلاً : حاول الحزب الشيوعي العراقي كعادته الركون الى " الثقة بالجماهير" وسمعة الحزب ففتح المقرات العلنية معتمداً على تأريخه النضالي وإفتراض تقدير سكان المناطق الفقيرة بإعتباره المدافع التأريخي عن مصالحها . في مقر" الثورة" هاجمت مجموعة مسلحة المقر وأحرقته وقتلت من فيه، وإغتال مسلحون وكيل وزارة الثقافة " كامل شياع" وقبل ذلك النائب في المجلس الوطني عن الحزب " سعدون ولم يكشف للآن عن هوية الجناة وسوف لن يكشف أبداً لأن لامصلحة لأحد بذلك بمافي ذلك الحزب الشيوعي ذاته الذي سوف يعجز عن الرد على الجناة و لن يكون بمقدوره في حالة كشف هويتهم سوى المطالبة بمعاقبتهم عن طريق سلطة قد لاتعتبر ماقاموا به جريمة بل " جهاداً" أو مايشبه الجهاد.

أنني أتسائل : كم مجرم دفع ثمن إجرامه خلال عقود حكم البعث؟ كم دفع جهاز الأمن والمخابرات مقابل الآف الضحايا من المعارضين ومن المسالمين المشتبه بهم؟ وكم كانت الحياة رخيصة في السياسة العراقية؟ وكم كسبَ إنسان هذه البلاد في النهاية مقابل الآف الضحايا التي قدمّها؟
لقد إفتقر العمل السياسي في بلادنا للحكمة، فحين يجابه الحزب السياسي خصوماً مستعدين لتوظيف المنحرفين في إغتصاب النساء وقطع الأوصال عليه عندئذ إختيار أحد طريقين: أما أن يكون مستعداً بوقت مبكر ليرفع من مستوى مقاومته الى الحد الذي يُخيف ويردع، أو أن يوصي مؤيديه بالتخلي عن إبداء أية مقاومة. فحين يتيقن صانع السياسة أن دفاعاته غير صالحة لمجابهة معارضيه عليه أن ينسحب، فسياسة الناس العقلاء هي صنعة التعامل بالموجود لتغيير الواقع المزري الى آخر أقل رداءة وليست صنعة الإنتحار. وأدوات السياسي هي ليست كأدوات النّجار ولا الحدّاد ، هي البشر، البشر الذي لايمكن تعويضه فحين يطاردك عدوك بالبنادق لايمكن أن تبارز جيشاً بسيف من خشب. لكننا في العراق كنا نفعلها طوال تأريخنا. كنا نفهم الإقرار بالحقائق هزائماً فنخوض معاركنا ونُسحَق حتى آخرنا، لكننا نبقى بنظر أنفسنا منتصرين.



#علي_بداي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنظروا كيف سيخرب الإسلاميون مجتمعنا
- مزعجون أينما حللنا
- أنا وصدام والكويت
- شعب نائم يستحق هذه العمائم
- جائزة التحرر من الإتفاقات لنوري المالكي
- مابعد المزعطة
- خفايا حصول الشهرستاني على -جائزة التحرر من الخوف-
- رؤية شخصية لماضي وحاضر الحزب الشيوعي العراقي
- العلاقة بين السيدة -سيبيلا ديككر- و-نوري المالكي -
- حيرة العراقيين بين القمة والقمامة
- 69 عام ..عمر الدكتاتور القاتل
- يالها من مزعطة!
- ياصاحب أشرف العمائم
- حوار حول الاقليات
- صديقتنا أمريكا
- سياسة اللجوء الأوربية.. أسئلة حائرة
- أخلاق اليساريين - بمناسبة محاولات بعث الروح في الصدام اليسا ...
- مأزق الديموقراطية العراقية و الثورات العربية
- هل جن دولته؟
- وا طنطلاه


المزيد.....




- أول تعليق من نتنياهو على الغارات ضد الحوثيين
- الإشعاعات النووية تلوث مساحة كبيرة.. موقع إخباري يؤكد حدوث ه ...
- 53 قتيلا ومفقودا في قصف إسرائيلي على منزل يؤوي نازحين في غزة ...
- مسؤول روسي: موسكو لا ترى ضرورة لزيارة جديدة لغروسي لمحطة كور ...
- -نيويورك تايمز-: شركاء واشنطن يوسعون التجارة مع روسيا ولا يس ...
- بينها -مقبرة الميركافا-.. الجيش اللبناني يعلن انسحاب إسرائيل ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط وإصابة اثنين آخرين في معارك ...
- الكويت.. خادمة فلبينية تقتل طفلا بطريقة وحشية تقشعر لها الأب ...
- 76 عامًا ولا يزال النص العظيم ملهمًا
- جلس على كرسي الرئيس.. تيكتوكر سوري يثير الجدل بصورة له في ال ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - علي بداي - حاجتنا لحزب وطني يساري ، سرّي، ويُخيف!