|
أبعدوا -عمر- عن شر أعمالكم يا عرب!!
علي جديد
الحوار المتمدن-العدد: 3883 - 2012 / 10 / 17 - 15:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أسال مسلسل "عمر" الكثير من اللغط و المداد حتى قبل عرضه بكثير.. فمنهم من أعجب به و منهم من لم يستسغ تمثيل الصحابة و منهم من أبهره جانبه الفني و منهم من صب جام غضبه على من فاق تقديسه لعمر تقديسه لله رب العزة نفسه كالأستاذ الكبير أحمد صبحي منصور مستندا على آيات بينات من الذكر الحكيم.. و الان بعد أن أخرجت العقول و الأفئدة ما بها رأيت أن أدلي بدلوي في هذه القضية خاصة بعدما سمعنا عن استغلال بعض السعوديين لأموال الحجاج الأمازيغ لجعل مايكروسوفت تتراجع عن إدراج لغتهم "الأمازيغية" في ويندوز 8 وهو ما يستدعي إعادة النظر في الكثير من الأشياء وهذا موضوع آخر.. إ ن أول ما يلفت نظر المشاهد في آراء النقاد تلك الإيديولوجية العربية الطاغية على المسلسل و في نقدهم له.. فالكثير من الذين أدلوا بدلوهم انشغلوا كما انشغل الذي من قبلهم بمدح جودة اللغة العربية في المسلسل و سمو أخلاق العرب أكثر من انشغالهم بحقيقة الأحداث التاريخية و دقة تسلسلها الكرونولوجي.. كما انصب تفكيرهم على الأثر الكبير الذي سيحدثه المسلسل على الغرب لو تم ترجمته إلى اللغات الأجنبية بحيث سيكون سببا في إسلام الكثير منهم.. مما يدل على أن نقادنا كانوا من المتعاطفين مع محاولات الإسلاميين إلى أسلمة الغرب بالقوة عبر الإرهاب والتي حصدت الكثير من أرواح الأبرياء..
و حتى إذا أعفيناهم من تهمة التعاطف مع الإرهابيين أليس العرب أولى بالمبادئ الإنسانية التي يتبجحون بها دون أن نرى لها أضأل الأثر في ممارساتهم اليومية.. أليس الحكام العرب أحوج إلى عدل عمر من شعوبهم.. لقد تجاهل هؤلاء النقاد هده المسألة رغم أهميتها مركزين فقط على كون المسلسل سيعزز إسلام الرعية و سيبين لها حقيقة إسلام عمر خاصة بعد ظهور بعض الفضائيات التي تسعى إلى زعزعة إيمان البعض به..
التركيز على عدل عمر "الفاروق" كان الهدف منه كذلك صرف الأنظار عن الآلاف من "عمر الواقع" الطغاة و المستبدين الذين لا يردعهم دين و لا ضمير لعل و عسى أن يحجب غربال عدله شمس ظلمهم.. و منهم على سبيل المثال "الفاروق" عمر سليمان الذي فرق بين المسيحيين و المسلمين في مصر و الذي كان مباركيا (نسبة إلى مبارك) إلى أخر رمق من حياته.. و "الفاروق" السوداني عمر البشير الذي فرق بين الشمال المسلم و الجنوب المسيحي بعد أن شرب من دم المسيحيين لأكثر من عشرين عاما.. فكل هؤلاء المستضعفين لا يعرفون شيئا عن عمر الذي أمن بعضهم في فلسطين عن أموالهم و دينهم و خلص بعضهم من ظلم البيزنطيين حين استنجدوا به.. "عمر" هدا الذي في المسلسل يكنون له كامل الاحترام و لكنه الان لم يعد يملك لهم ضرا و لا نفعا.. أن يكون عمر عادلا في المسلسل لن يخفف في مأساة هؤلاء شيئا.. لان من بيده السلطة الآن هو "عمر" مرسي و "عمر" بلحاج و "عمر" بوتفليقة و "عمر" بنكيران" و "عمر" المرزوقي" و "عمر الأسد" و "عمر" الظواهري الذين لم يشتركوا مع عمر بن الخطاب إلا السلطة!!
فالأجدر بالعرب أن يصححوا صورتهم الآن قبل تصحيح صورة عمر.. أن يكونوا "عميرا" الآن و في الواقع المعاش خير لهم من مائة "عمر" في مسلسل لن يشاهده الكثير ولن يفهمه إلا القليل و لن يعمل به احد لأن التجارب أثبتت أن العرب لا يعملون حتى بالقوانين المفروضة بالسيف فكيف يعملون بما جاء في مسلسل غير ملزم.. ما الذي يمنع حكامهم من أن يكونوا مثل عمر هل المستعمر هو الذي يجبرهم على البقاء على الكراسي إلى الموت؟ وهل هو الذي يجبرهم على سرقة أموال الشعب و وضعها في حسابات بنكية في الخارج؟ وهل هو الذي يجبر القضاة و الإداريين على طلب الرشوة من المواطنين لقضاء حاجياتهم؟ وهل هو الذي يجبر بعض رجال التعليم على الانتقام من الطلبة الذين لا يشاطرونهم أرائهم المتزمتة و الظلامية؟ و هل هو الذي يجبر العرب على كراهية بعضهم البعض؟ هل الغرب هو الذي أجبر عرب الخليج المفتونين بأموال الحج للزواج "الجنسي" بالسوريات اللاجئات في المخيمات؟ أم هي الطريقة العربية في تقديم المساعدات؟ و هل الغرب هو الذي فرض على الملياردير (ملياردير بأموال الشعب) السعودي ابن طلال على معارضة إدماج الأمازيغية في وندووز 8 ؟ أم أنه قرأه من نسخة سرية للقران عندهم في السعودية غير التي يقرؤها كل المسلمين في العالم ؟. و هل الغرب هو الذي أجبر ذلك الفقيه الباكستاني المسلم على تلفيق تهمة الإساءة للإسلام على تلك الفتاة المسيحية البريئة؟..أم أن العرب سيظلون دائما أوفياء لنظرية المؤامرة الغربية التي لم تعد تقنع حتى الأقل ذكاء من الحيوانات و الطيور فما بالك بالإنسان؟..
ما يحز في النفس أن نقادنا ضيعوا الكثير من الوقت حول ما إذا كان مقبولا أن يظهر عمر صوتا و صورة و هل هدا فعلا مظهره حسب الكتب.. وقد فاتهم أنه لو كان عمر حيا لما قبل ليس أن تمثل شخصيته لكن لن يقبل أن تصرف تلك الميزانية الضخمة على ثلة من الناس و يبقى المحتاجون لا يملكون ما يسدون به رمقهم.. من العيب أن القيمون على المسلسل وهم يفكرون في تصوير مشهد قصة عمر مع المرأة و أبناءها الجياع (والتي غالبا ما يضرب بها المثل في عدل عمر) و لا يتذكرون و هم في شهر رمضان الكريم أن هناك مليونان من السوريين لاجئين في مخيمات تفتقر إلى أدنى مستلزمات الحياة و لو بعشر إيرادات مسلسل "عمر" للذين لن ينام عمر حتى يوفر لهم المأوى و المأكل على طول مخيمات ما يسمونه الوطن "العربي" و عرضه..
أن تخصص أكثر ميزانية خصصت لعمل "عربي" للتباهي و لإطالة الحكم الإستبدادي في دول التعاون (على الظلم) الخليجي فان ذلك تبذير لبيت مال المسلمين سيتململ له عمر في قبره وهو الذي كان يخاف أن يحاسبه الله على بغلة لو عثرت في العراق لكونه لم يسو لها الطريق فما بالك بآدميين.. لقد فضحت هده الأزمة الخليجيين دعاة الإسلام و بينت أن الأموال التي يصرفونها لإنشاء محميات للطيور و الحيوانات و بناء المدارس للتبشير بلغة العرب في الكثير من الدول الفقيرة ما هي إلا مظلة دينية للتغطية على أعمالهم المشبوهة.. فلو كانت في سبيل الله و الإنسانية لما تخلفوا في الدعوة إلى إنشاء محميات للسوريين.. فبعد الأذى الذي تعرضوا له من أحد حراس معبد القومية العربية لما يقارب السنتين لم يعودوا يطلبون مخيمات مجهزة كباقي البشر بل يودون فقط أن يعاملوا كحيوانات المحميات في الدول الغربية لأنها على الأقل تحضى بحماية أفضل منهم في محميات خالية من القناصة و الشبيحة..
الغربيون الذين يريد العرب أن يتعرفوا على عدالة "عمر" عبر المسلسل لهم عدالة من إنتاج عقولهم.. تطبق بحدافرها إلى اليوم دون حاجة إلى مسلسل على فولتير و لا ديجول.. فقد جلس الرئيس الفرنسي السابق ديجول مع أعضاء حكومته يناقشون كيفية إعادة بناء فرنسا فسألهم ديجول ما هي أحوال الاقتصاد؟ قالوا له صفر و الزراعة؟ قالوا له صفر و الصناعة؟ قالوا له صفر و التعليم؟ قالوا صفر قال و القضاء؟ قالوا هده هي المؤسسة الوحيدة التي لم تزال سليمة صحيحة.. قال ديجول الحاكم الواعي المثقف الان و مادام لدينا قضاء عادل نستطيع أن نعيد بناء فرنسا.. لم يسأل ديجول عن ضخ ميزانيات خيالية لتصوير فيلم لأحد حواريي النبي عيسى ولا أمر وزير الاقتصاد بتجهيز المساجد بملايير الدولارات استعدادا لرمضان كما هو الشأن بالنسبة للدول العربية في زمن الغلاء و القحط و الأزمات كزماننا..
قد يتساءل سائل هل يكفي مسلسل عمر هذا لإقناع الحكام العرب بالحكم بعدالة عمر وهم الذين لم يستطع القران و الحديث جعل و احد منهم يرفع الظلم عن رعيته.. فواحد منهم مثل عمر خير كمثال من ألف مسلسل عن عمر و لا حتى عن الصحابة جميعا لأنه به سيعرف المؤمنون حقيقة الأنبياء و الصحابة.. فقد روى الدكتور عبد السلام الكفافي في مقال له بمجلة "العربي" أن المتصوف المسلم جلال الدين الرومي كان يحترم كل العقائد الأخرى و كانت تعاليمه السلمية توجه إلى كل الناس مهما كانت أجناسهم و ألوانهم و عقائدهم لذلك نال محبة الجميع و جاءوا كلهم إلى جنازته يبكون و يقرؤون كتبهم المقدسة.. ولما علم الحاكم بالأمر أرسل إلى قساوستهم و رهبانهم وقال لهم .. "لماذا تفعلون ذلك و هي جنازة عالم مسلم؟ فأجابوه "به عرفنا حقيقة الأنبياء السابقين و به رأينا مسيرة الأولياء الكاملين"..
فمن يريد تكريم "عمر" يتبع خطاه.. و التشجيع على إرساء دعائم العدل ليس بحاجة لمسلسل "عمر" بل لإرادة سياسية كما فعل ديجول الذي لم يستنجد بفقيه و لا راهب ولا قسيس ولا بدر مال المحتاجين فيما ليس لهم فيه ناقة و لا جمل.. فلم يكن "عمر" إلا بشر مثل بقية العرب و لم يزد عنهم شيئا إلا أنه يختلف عنهم بكونه من القلائل الذين يوثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصا و فهم مغزى الآية الكريمة "إن تحكموا بين الناس أن تحكموا بالعدل" و لم يكن من الذين يفسرون النصوص على هواهم..
وللأسف لم تكن فترة حكمه إلا جرعة عدالة في محيط من الظلم و الاستبداد.. و ما مسلسل "عمر" إلا مسلسل قد خلت من قبله المسلسلات.. فمن كان يحب العدل فان العدل قد مات و من كان يحب المسلسلات فالمسلسلات حية لا تموت.. و للذين يريدون عدالة دائمة و منصفة أن يضعوا أيديهم في أيدي الذين يناضلون من أجل "الدين لله و الوطن للجميع" أما الذين يروجون لمسلسل "عمر" فلا يبتغون إلا بقاء الدين كما هو عليه الآن – موردا للرزق - أو "أفيون الشعوب" كما وصفه ماركس يوما..
#علي_جديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقولهم في فروجهن
-
العرب: شعوب أم قطعان أغنام!!!
-
رسالة إلى الإسلامي رئيس وزراء المغرب
-
عورة الأعراب في الأولمبياد
-
تحرير الله
-
خير أمة .. بالسلوك لا بالمعتقد
-
الساكت عن الحق بنكيران أخرص
-
أصابت الأمازيغية و أخطأ بنكيران ~
-
رسالة إلى صديق إسرائيلي
-
-القذافي-،-مبارك-– أسماء العرب الحسنى
-
ألا بذكر الديمقراطية تطمئن القلوب؟!
-
سقوط الصنم العربي
-
هل كان ”عبد الله الفوا“ رسولا ؟ا
-
الجابري – الأمازيغي المغرر به
-
أكاديب العرب الحقيقية
-
من قطاع الطريق إلى قطاع التاريخ
-
حمى المطالبة بالإنفصال في الوطن العربي
-
وصايا طارق بن زياد -العروبي-
-
الأمازيغ: -حواريو النبي محمد (ص)-
-
العرب و اليهود و احترام العالم
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|