|
كي لا نفتح بوابات المجهول
عادل أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1128 - 2005 / 3 / 5 - 10:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
" إن السحب الداكنة المتجمعة في سماء لبنان إنما هي متجمعة فوق الشام كله ، وبينما الجميع قلق على لبنان ما بعد الحريري ، فان الأسلم لهم القلق على سوريا وما يمكن أن يأتي منها . ". " وكم يكون مفيدا للسوريين الديموقراطيين الراغبين في مجتمع تعددي متوافق في سلام وبآليات ديموقراطية ويشمل ذلك تيار الإخوان أن يتنبهوا هم وجيران سوريا إلى خطر هؤلاء القادرين بسلاح الإرهاب أن يفرضوا أجندة متطرفة حتى على الأحزاب الكبرى والحكومات من خلال إثارة النعرات الطائفية ، وفي سوريا من الأخطاء التاريخية ما يمكنهم من فتح جروح قديمة لا يكون علاجها بالثأر والإقصاء وإنما بالتسامح والصفح .". " إن مستقبلا جديدا يصنع في المنطقة ، يريده العقلاء شراكة بين مكوناتها السياسية والمذهبية والعرقية كافة من أجل رخاء يشمل الجميع ، ويريده البعض الآخر صراعات لا تنتهي ومشاريع تفتيت تضعف الجميع ، لقد فتح الذي وضع أطنان المتفجرات أسفل سيارة الحريري علينا بابا يريده أن يكون على الجحيم ولكن علينا أن نجعله فتحا إلى الحرية والتعاون والإصلاح والبناء المشترك .". هذا ما قاله السيد جمال أحمد خاشقجي في صحيفة " الوطن" ، وكأني بالأستاذ جمال ، هذا المواطن السعودي ، مواطنا سوريا بامتياز " ترف عينه، وينخذه قلبه " استشعارا للخطر القادم والمحدق بسوريا - وهو بهذا يتميز بمرات ومرات عن معظم طاقم مؤسسة الحكم السورية - ، هذه المخاطر التي لا تشكل الأحداث اللبنانية إلا إيذانا بها ومقدمة لها أو بشكل أدق أولى إرهاصاتها . وإذا كان لنا أن نتحدث عن هذا الخطر الواضح على الأوطان ونشخصه , ومن ثم نحاول تجنبه باستخدام السبل والأدوات التي تمكننا من مقاومته واستيعابه ، فان أولى المسلمات هي اللجوء إلى العقل بعيدا عن العواطف والمشاعر ، أو التجلبب بعباءات العقائد والأيديولوجيات .. عقل يحلل ويشخص ويستخلص ويشير . يحلل الواقع ويشخص الأزمة ويستخلص النتائج الممكنة والاحتمالات ، ويشير إلى الحلول والمخارج التي لا بد أن تخدم مصلحة الوطن والإنسان وتؤسس للمستقبل . الواقع يقول لنا أن العالم تغير _ بدأ هذا التغير منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي _ وأنه لا يزال يتغير ، وهو اللحظة في ذروة هذا التغير ، وعلى كافة الصعد الاقتصادية والفكرية والسياسية والاجتماعية . ملامح هذا التغير تقول لنا بوضوح أن العولمة التي تصبغ عالمنا الراهن تسير قدما مطيحة بكل شيء يعترض طريقها، ومع أن قوى التقدم تحاول أن تحد من تغولها ووحشيتها على الصعيد العالمي ، إلا أن الإمبريالية والولايات المتحدة خصوصا تستخدمها كوسيلة للسيطرة الكلية على كرتنا الأرضية . والواقع يقول لنا أن سوريا ، والتي كانت منذ زمن ضمن قائمة الاستهداف كموقع جيوبوليتيكي، أضحت اليوم على رأس هذه القائمة، وخاصة بعد اغتيال الراحل رفيق الحريري وتداعيات هذه الجريمة المركبة . وإذا كان المطلوب من سوريا دوليا هو تنفيذ القرار الأممي 1559 فان المطلوب لبنانيا وعربيا هو تنفيذ اتفاق الطائف بكل بنوده وبخاصة الانسحاب العسكري والأمني والسياسي من لبنان ، وهو الأمر الذي كان يجب أن يحدث منذ فترة طويلة . الأزمة اللبنانية اليوم ، ويشكل خروج الجيش السوري من لبنان محورها الرئيسي ، هي أزمة مركبة وتتعدى لبنان إلى سوريا وسائر المنطقة .لكن ما يهمنا اليوم هو مستقبل لبنان ومستقبل سوريا وذلك لما بين البلدين من وشائج وعلاقات وتداخلات تطال كل مناحي الحياة . وإذا كان لنا أن نترك الحديث عن مستقبل لبنان لأبنائه، فالقرار فيه يعود إليهم واليهم فقط ، الا أن الأمر يقتضي منا أن نذكّر بعد التأكيد على ضرورة خروج الجيش السوري من لبنان على أهمية الحوار الديموقراطي والمسؤول بين أطياف الشعب اللبناني ومكوناته الاجتماعية والسياسية للوصول بلبنان إلى الاستقرار والسلام والسيادة ليوظف في خدمة محيطه العربي وقضاياه العادلة . أما سوريا ومستقبلها الذي أصبح محفوفا بالمخاطر ، فان أول ما يتبادر إلى الذهن هو القول بأن أزمتها في لبنان ، نعني أزمة خروج الجيش السوري من لبنان إنما هي جزء من الأزمة الكبرى التي يعيشها المجتمع السوري ، جزء من أزمة الدولة ، النظام ؛ فكلنا يعلم حجم المترتبات التي ستنشأ عن خروج هذا الجيش ومعه عشرات الآلاف من العمالة السورية الموجودة في لبنان ، والتي ستضاف إلى جملة الأزمات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية . لقد بات لزاما على الدولة السورية ، على أجهزتها ومؤسساتها ، أن تستفيق من أوهامها ، وتتخلى عن رؤيتها أحادية الاتجاه للأمور ، وتتراجع عن رؤاها القديمة التي تجاوزها التاريخ ، وتنفتح على العصر ، آخذة كل المتغيرات العالمية بعين الاعتبار ، وتنكب على معالجة الوضع السوري الخارجي منه والداخلي عبر إشراك الشعب مباشرة في هذه المعالجة ، ومن بديهيات الأمور أن هذا يقتضي تجاوز حالة الاستبداد والانفراد بالسلطة والقرار ، إلى حالة الحرية وتعميمها في المجتمع ، إلى حالة الديموقراطية والاعتراف بالآخر وبحقه في النقد والمعارضة وحرية تشكيل الأحزاب والهيئات وممارسة العمل السياسي بكل حرية وبحماية قضاء مستقل ودستور يكفل الحرية والمساواة لكل المواطنين السوريين بغض النظر عن انتمائهم الديني أو السياسي أو العرقي . وحدها ، مثل هذه الحالة هي التي ستمكن سوريا دولة وشعبا من الإمساك بناصية المستقبل ، فقط عبر مجتمع حر وديموقراطي يمكن للسلطة والشعب معا محاربة الفساد ،وتحجيم القوى الأمنية وتخصيصها بالأمن الوطني والخارجي ، وعزل مراكز النفوذ والقوة وتطويقها ، وإعادة اللحمة بين الجيش والوطن ،ليكون فعلا جيش الوطن المكلف بحماية حدوده وأمنه وسلامة أرضه . فقط عبر مجتمع مؤلف من أناس متساوون في الحقوق والواجبات ، مشاركون فعليون في حياة البلاد السياسية وفي توجيهها ، يمكن لسوريا أن تتغلب على أزماتها وتتصدى لكل الضغوط الخارجية والاستهدافات التي تريد النيل منها كوطن وكشعب . إن أعداء الشعوب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وإسرائيل ونظائرهما من القوى الظلامية لن تتورع عن إشعال فتيل الفتنة وبالتالي الإطاحة بما تبقى من وشائج اللحمة الوطنية السورية وفتح الباب على المجهول ، فهل يتخلى النظام عن إغماض العين عن هذا الذي جرى ويجري ويلتفت إلى البيت الداخلي فيحصنه ويقويه درءا وتحسبا لكل الاحتمالات ؛ أم أنه سيستمر في جموده وتقوقعه على ذاته وعناده في مواجهة طموحات الشعب السوري وأمانيه . إن القارئ للوضع السوري الراهن ، وبسبب من كل الجمود الذي يصبغ الوضع الداخلي ، سواء كان هذا الجمود ناجم عن قرار وسياسة مرسومة ، أو عن ممانعات ومعوقات من القوى ذات المصلحة ببقاء كل شئ على ما هو عليه والتي تجد في التغيير ضياعا لمصالحها ومراكزها ،إن القارئ لهذا الوضع يدرك أنه أمام احتمالات متعددة : 1- أن يبقى النظام على تمسكه بسياسته المعتمده على الركض في الفراغ واستخدام الأوراق الخاسرة هنا وهناك بغية كسب الوقت عله يستطيع بعدها القفز فوق اتفاق الطائف والشرعية الدولية معا وهو بهذا – مع أنه أقل الاحتمالات ورودا – يضع سوريا في قلب الجحيم . 2- أن يسحب الجيش السوري من لبنان مع جدولة عربية ودولية لتنفيذ اتفاق الطائف كاملا وبعض من أو كل بنود القرار 1559 ، قافزا بذلك فوق كل إمكانية لتغيير حقيقي داخل سوريا . وهو ما سيرتب على سوريا استمرار الضغط الخارجي وردات الفعل الداخلية ( المفتوحة على كل الاحتمالات للأسف ) ، ومن ثم الغرق في مسلسل التنازلات لمطالبات الخارج على حساب الشعب وقضية التغيير الديموقراطي ؛ تاركا الباب مواربا لكل التدخلات من الخارج والاستطالات من الداخل . 3- هناك احتمال ثالث وهو نوع من التهويم في عالم الخيال والاحلام والذي لا يمكن أن ننفي إمكانية حدوثه، وذلك في حالة واحدة . إذا كان الرئيس السوري بشار الأسد مقتنعا وجادا في رؤيته الإصلاحية وسعيه الى التغيير الحقيقي – ودعونا نوافق على وجود مثل هذا القناعة - ، وإذا كان صحيحا أن هناك مراكز قوى ذات نفوذ وهي الممسكة بزمام الأمور . جوهر هذا الاحتمال هو أن يقوم الرئيس السوري بإعداد عدد من المراسيم والقرارات التي تنص على سحب القوات السورية من لبنان والتمسك بتنفيذ اتفاق الطائف والإعلان عن تعديل الدستور وتبييض السجون من معتقلي الرأي وإطلاق حرية الصحافة والأحزاب وما من شأنه تفعيل المجتمع المدني من على الشاشة السورية ، ليكون ذلك بمثابة البلاغ رقم /1 / إيذانا بعهد جديد وحياة جديدة لسوريا دولة وشعبا ، يمكنهما معا من شد اللحمة الوطنية وتفويت الفرصة على كل الأيادي الممدودة محاولة النيل من سوريا .
وإننا إذ نرجح إمكانية احتمال خروج الجيش السوري من لبنان وتنفيذ اتفاق الطائف ، بالتوازي مع إهمال مطالب السوريين بالتغيير وتحقيق الانتقال من الاستبداد إلى الحرية والديموقراطية ، وبالتالي لا يبقى أمام المواطن السوري وقواه الوطنية والديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني من وسيلة سوى وسيلة الضغط المباشر والمستمر على الطريقة اللبنانية أو غيرها ، مع التنبيه إلى جملة المخاطر التي يحملها هذا الاتجاه داخليا وخارجيا ، فهل يكون هذا الملاذ الأخير هو المخرج الوحيد ؟ أم أن العقل ومصلحة الوطن هما من سينتصر في النهاية ؟
#عادل_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن والليبرالية
-
تهنئة بالعام الجديد
-
من أوراق السجن : صلاة اليك
-
عرفات : الرجل الرمز
-
سوريا كما نراها وكما نريدها
-
بين رفض الخارج واستيعابه
-
اعلان عن ولادة حزب جديد
-
أرض الحجارة
-
نظرة تاريخية مكثفةالى واقعنا الفكري
-
بين - الوطنية - و - الخيانة -
-
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ...
-
الديموقراطية هم العصر واهتمامه
-
تمتمات العجز الأخرس
-
أفق مسدود
-
الحزب الشيوعي السوري: محطات ودروس
-
اليسار السوري وإعادة السياسة إلى المجتمع - 1
-
حول حزب الاشتراكية الديمقراطية في ألمانيا و مؤتمره الأخير
-
أربعة اتجاهات في السياسة الألمانية حول الحصار المفروض على شع
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|