أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احسان طالب - إلى ضحايا الحلّة















المزيد.....

إلى ضحايا الحلّة


احسان طالب

الحوار المتمدن-العدد: 1128 - 2005 / 3 / 5 - 10:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بلاء التكفير بالموالاة
ومسؤولية العلماء عن دماء الأبرياء :
في أول شهر مارس وتحت شمس الربيع مئات من الشباب ينتظرون أمام مركز طبي في مدينة الحلة، فجأة تفتح أبواب الجحيم، أكثر من ثلاثمئة قتيل وجريح، مستنقع كبير من الدماء الإنسانية يغطي بقعة كبيرة من الأرض، أشلاء وجثث محترقة مشوهة، أصوات سيارات الإسعاف تختلط بصرخات الألم تشكل ضجيجا غاضبا يشق عباب السماء فتمطر لعنات على عقول وأرواح باعت نفسها للشيطان باسم التقرب إلى الديان.
(ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيماً) لعنات وغضب وجهنم وعذاب لمن يقتل واحدا. يا أعداء الإنسانية، يا أعداء الله مئات القتلى والجرحى، آلاف الأيتام والأرامل كل ذلك من أجل فرد مهووس مخمور يريد الذهاب إلى الجنة سريعا. من هو المسؤول عن تفشي هكذا فكر بين شبابنا وأبنائنا .
بعد أحداث أيلول، قال الأخضر الإبراهيمي ممثل الأمم المتحدة في أفغانستان : إنهم شباب خرجوا من بيننا، جلسوا مع أبناءنا في مقاعد الجامعات، كانوا جزءا من نسيج مجتمعنا.
كلما حلت بنا هزيمة أو مصيبة نفضنا غبار المسؤولية عن أنفسنا وألقينا اللوم على الآخرين أينما كانوا ومهما كانوا، وقد نذهب أبعد من ذلك فننفي التهمة عن ذاتنا مهما كانت ثابتة.
في استفتاء أجرته قناة العربية في منتصف شهر أيلول عام 2004 م، تبين أن 94 بالمئة من المشاركين يعتقدون بأن ابن لادن لا علاقة له بأحداث 11 أيلول في نيويورك وواشنطن.
بكل أسف يا سادتي.. نحن الذين ربينا ونشأنا هؤلاء الشباب الذين يعتقدون بمقايضة الجنة بالقتل. يشترون الفردوس بدماء أهلهم وأطفالهم ونسائهم، نحن الذين ملأنا رؤوس الناشئة بفكر التكفير وأبعدناهم عن التفكير.
يقول العفيف الأخضر في رسالة وجهها للرئيس الجزائري في 11 ديسمبر 2004 م :
لماذا تكون الدولة الإرهابيين في مدارسها ثم تلاحقهم شبابا في الجبال لتقتلهم.
نعم يا سادة.. نحن الذين ملأنا كتبنا وخطاباتنا بعلوم وأفكار تبيح ذبح المسلم لأخيه الإنسان لمجرد الشك والظن بأن الآخر خالف معتقدا أو أنكر جملة واحدة، أو تفصيلا صغيرا من مجمل ما جاء في مفصل الإعتقاد أو كونه ناصر مشركا وتعاون معه. يقول الشيخ ابن باز في كتاب العقيدة الصحيحة وما يضادها : إن النسلن قد يرتد بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله. ويكون بها خارجا من الإسلام منها :
ــ من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد (ص) فهو كافر
ــ من اعتقد أن هدي غير النبي أكمل من هديه، أو أن حكم النبي أحسن من حكمه، كمن يفضّلون حكم الطواغيت على حكمه، فهو كافر
ــ من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كَفر
ــ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين.
( ومعنى المظاهرة المناصرة والتعاون معهم على المسلمين ) .
هذا نموذج مما نعلمه لأولادنا وشبابنا ونحشو به رؤوس الناشئة. ولا نكتفي بالتعليم لنظري بل نحضهم على تغيير المنكر، أي منكر يرونه يستحق التغيير فما بالك بما هو أشد من المنكر، فالتغيير فيه أولى وأهم.
( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ).
إن الفهم السطحي لهذا النص جعل للفرد أي فرد كان، كل الصلاحيات ليقوم بنفسه مقام سلطات المجتمع الثلاث :
فهو السلطة التشريعية لأنه المخوَّل بالحكم على ما يراه إن كان منكرا أم لا، وهو السلطة القضائية المفوض بتقييم حجم هذا المنكر وكيفية رده والعقوبة المناسبة له، وهو السلطة التنفيذية كونه المأمور بتنفيذ الحكم الذي رآه مناسباً. وعليه فله الحق في تدمير دور السينما، وتخريب المطاعم وتفجير أماكن العبادة التي يُعتقد أنّها تخالف شريعته أو مذهبه، وقتل من يعتقد أنّهم كفار. كما هو واضح فيعض هذه البنود لا تترك رجلاً واحداً في بلاد المسلمين إلا وتجعله مشبوه العقيدة, مرتدّاً عن الملة يحلّ دمه وعرضه وماله. والبلاء الأكبر عو التفكير بالموالاة، وهو البند الأخير الذي نقلنله عن الشّيخ ابن باز. ولست هنا ولست هنا في صدد إيراد الأدلّة الواردة في كتاب العقيدة والفقه، فهي كثيرة جدّاً ومتفاوتة في الحدّة، ومن شاء فليراجع كتاب ابن تيميّة: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم.
والذي لا خلاف عليه أنّ الغالبيّة العظمى من الشّباب المغرّر به والمدفوع للقيام بأعمال القتل والتخريب يتبنى ويعتقد مبدأ التكفير بالموالاة. كما يعتقد بضرورة تغيير المنكر المباشر باليد، أو بما استطاع. وبناءً عليه يُسلح المغرّرون بالإديولوجيّة الفاعلة ثمّ يدفعهم التحريض نحو الفعل المباشر.
وهنا تقع على عاتق العلماء والدعاة بالدّرجة الأولى مسؤوليّة البيان والشّرح والتّوضيح،
حتى لا يكونوا مسؤولين مسؤوليّة جنائيّةً عن أعمال القتل الجماعيّة التي يقوم بها دعاة الجهاد والتكفير. فالمحرِّض على الفعل له نفس عقاب الفاعل، والعالم الذي يُسْمَعُ صوته كلّ صباح ومساء يدعو لقتال الكفار أينما وُجدوا. ويبيح قتل المدنيّين من غير المسلمين يجب أن يحاكم على دعواه لأنها تتسبّب بشكل مباشر بأعمال القتل. وكما يقول دعاة التكفير والجهاد ـ ملّة الكفر واحدة ـ فالمدنيُّون من غير المسلمين يتساوون مع المسلمين الذين حكموا عليهم بالرّدّة فهم بانّتيجة سواء، لذا كانوا في العقاب سواء. وهكذا تزهق آلاف الأرواح بدعوى تغيير المنكر ومحاربة الكفر بالجهاد.
والمسؤولية تقع أيضاً على المثقفينَ المنتوِّرين الذين يدركون خطأ منطق التغيير والتكفير، لكنَّ الجبن والخوف من ردود الأفعال جعلهم يوارون في مواقفهم ويتلوّنون بآرائهم وكتاباتهم، فلا يحدِّدون المسؤوليّة الفكريّة عن انتشار منهج القتل، ولا يملكون الشجاعة الكافيّة لقول الحقّ، وبذلك يساهمون بشكلٍ غير مباشرٍ في ولوج أجيالٍ جديدة من الشّباب في ميادين الضياع والتخبِّط. إنّ المجتمعات المنفتحتة على العلوم والرِّياضة والثقافة والموسيقا والفنون قادرة على جذب أبنائنا وبناتا نحو الحضارة والسّلام ونبذ العنف، قادرة على ملء عقولهم وقلوبهم وأوقاتهم بتنمية المواهب والبحث عن الجمال المنتشر في كلِّ نواحي الحياة. والأولى بنا تغذية العقول بحبِّ الحياة وعمارة الأرض وعشق الجمال، وتكريم ابن آدم من أيّ عرق أو لونٍ أو دين.
إنّي أتساءل أين تربّى ونشأ وتعلم ابن الثانية والعشرين من عمره الذي فجّر نفسه أمام أحد دور العبادة في العراق. لم يذه إلى أميريكا أو فرنسا أو عاش ونمى وترعرع وهو يسمع أساتذه في المدارس ومشايخه فوق المنابر وقبع ساعات خلف شاشات التلفزة الوطنيّة التي كوّنت لديه من حيث لا تدري القابلية للانتحار والقتل، والمؤسف أيضاً أنّنا نكرّر أخطاء الماضي، نكرِّس أسباب البلاء. في معرض لرسوم الأطفال الصِّغار في إحدى المدن العربيّة صُوِّر على شاشة التلفاز العامَ الفائت كانت أكثريّة رسوم الأطفال تتمحور حول العمليّات الاستشهاديّة. أطفالُ بعمر الياسمين يرسمون أطفالاً يرتدون أحزمة ناسفة للقيام بالعمليّات. ومقدِّمة البرنامجة تفتخر وتشيد بما ترى. أليست هذه ظاهرة شديدة الدَّلالة ؟!
ظاهرة أخرى على صلة بتكوين المجمل الثـقافيّ اللاواعي لدى أجيال الناشئة وهي القنوات الفضائيّة الملتزمة التي تتدرّج في التعصُّب والتزمُّت. فقناة "المجد" المتعدِّدة المواهب تحرِّم الموسيقا كما تحرِّم صورة المرأة نهائيّاً على شاشاتها. حتى عندما تقدِّم برنامجاً خاصّاً بالنساء يقدُّمه رجال يستمعون إلى نساءِ من خلف السِّتار. قناة أخرى اسما "العلم" تفخر بأنّها لا تُسْمِع صوت الموسيقا أبداً أيّة موسيقا. وتؤكـِّد أنّ الأصوات المسموحة فيها لا علاقة لها بالموسيقا. أمّا قناة "إقرأ" المتخصِّصة فتأتي بممثلات متحجِّبات يحاورهنّ رجلُ محروم مفجوع بالشوق إلى النّساء ويسألهنّ عن حجابهنّ وهو يحلق ويحدِّق وكأنّه يريد النفاذ داخل الثوب وما وراء الحجاب. وأخرى لا تقدّم النساء إلا محجّبات ملتزمات وكأنّهنّ خارجات من القبور.
إنّ الشّبّان الذين ينتحرون في العمليّات الجهاديّة إنّما ولدوا ونشأوا في زمن كان الجوّ الثقافيّ العربيّ أكثر انفتاحاً وحرّية مما نشاهده الآن في حياتنا الثـقافية والاجتماعيّة فما بالكم أيّها السّادة في جيلِ يقبع خلف القنوات الملتزمة.
ملاحظة هناك عائلات كثيرة لا تسمح لأطفالها بمشاهدة غير القنوات الملتزمة في كلِّ أرجاء البلدان العربيّة.



#احسان_طالب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هزيمة هتلر وإنجازات الجزيرة


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احسان طالب - إلى ضحايا الحلّة