|
التغريبة الفلسطينية ملحمة تاريخية تفتح الجرح .. وتنبش الذاكرة الفلسطينية
محمد بسام جودة
الحوار المتمدن-العدد: 1127 - 2005 / 3 / 4 - 10:20
المحور:
القضية الفلسطينية
جرح مشرّع على شباك الذاكرة المفتوح على بحورٍ متلاطمة بالأحداث، محملةً برياح ألمٍ تعتصر القلوب، فالوطن أصبح ذكرى مؤلمة، لم يبق منه سوى مفتاح صدئ وكوشان طابوا، علته صفرة الموات بتقادم العهد، مفتاح صدئ، وهوية مجرحّة، وسفن محملة بوجوه شتى، لا تناسق بينها.. بلغاتٍ متعددة، وألوان مختلفة، وكل ما يجمعها أنها تتقدم إلى أرض السمن والعسل، وتعتقد أنها الشعب الذي اختارته الأرباب. جرح مشرّع على ذاكرة تختزن السم الأسود، تجرعته أمام سمع بصر القريب والبعيد، فكان حصادهم عبارات الشجب والاستنكار، صدى لا يسمن أو يغني، ذاكرة مشرعة على خيمة هيئة الأمم تتطاير أوتادها أمام رياح كوانين العاتية. والمعذبون.. يصطفون طوابير .. طويلة أمام مباني وكالات الغوث تنتظر كيساً من طحين، ويدان تتكافحان تحتها وبالخط الاستعماري عبارة ( هدية من شعب الولايات المتحدة) وكمياتٌ قليلة من العدس، وزجاجة من زيت لا يعلم إلا الله أي زيت يكون؟! جرح انفتح على الفلسطيني المشرد, بقراه التي تحولت إلى أكوام حجارة,وعلى بقايا من مساجد ومآذن صدئة تشرأب نحو السماء... لتلعن كل من ساهم أو صمت, أمّا الصبار المبثوث في تلك الخرائب المدمرة فهو الشاهد الذي سيحيا مدى الدهر شهيدا شاهدا على أدعياء الحضارة والحرية ليذكرهم بجريمتهم التي لا يمحوها ماح. فالصبار لا زال يسترضع تراب الحواري ويفتح أزهارا صفراء وبرتقالية ليعلمنا عن الصبر وإرادة الحياة. ((التغريبة)) تحمل دلالتان متعاكستان فهي تحمل دلالة التشتت والاغتراب عن الوطن الناتج عن النكبة الفلسطينية من جهة. كما تحمل دلالة التغريبة وهي بمعنى اتجاه الفلسطيني في وجدانه صوب الغرب.. أي الوطن.. ولو نظرنا الي الزمان يتضح أن الزمان ليس من خيال الكاتب وإنما الكاتب في هذا العمل قد التزم بالواقع التاريخي للقضية الفلسطينية وهي بدايات القرن العشرين مع بداية المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين مطلع القرن المنصرم، وانتهى بعام سبعة وستين وهي هزيمة حزيران فالكاتب ألقى الضوء على أحداث تعتبر مفاصل تاريخية هامة وموجعه في أن معاً لفلسطين والعالم العربي.. لقد سلط أضواء بصره وبصيرته وإحساسه على هذه الحقبة. وقد جعل الزمن تراتبياً لأن أحداثه لم تكن في هيكلتها من نسج خياله وإنما الكاتب مجبرٌ الالتزام بما حدث في الواقع.. لأن روايته تؤرخ لمسيرة شعب.. إن علاقة الحدث بالزمن علاقة انحدارية ، فكأن الحدث في النص حجر يتدحرج عن شاهق.. حتى يصل إلى قاع السقوط والانحدار.. فالزمن غول يطحن الفلسطيني بين رَحَويه... حتى بات الساسة يسمون القضية "قضية" الفرص الضائعة وهي تسمية جائرة مقصود بها الخلط وذر الرماد في العيون.. فهل الأم التي تملك ولو مئة طفل من الممكن مطالبتها بالتخلي عن أحدهم للآخر؟! أما بالنسبة للشخوص في العمل الروائي ملتبسة بالحدث والصراع .. فالشخصية تُكشف عن طريق الأحداث الحوارية التي تدور بين الشخوص.. وهذا ما يكشف لنا عن الضيعة الداخلية والخارجية للشخصية، لقد ولج الكاتب إلى المجتمع الفلسطيني عن طريق عائلة (صالح الشيخ يونس ) تلك العائلة التي تمثل البساطة والثورية على حد سواء. لقد كشف لنا عن منظومة من صراعات المجتمع الفلسطيني من خلال هذه العائلة وشبكة علاقاتها. فالقرية (المبهمة ) قرية صالح الشيخ يونس والتي جعل منها مثالاً تصلح أن تنطبق على فلسطين عامة.. تمثل الصراع في المجتمع الفلسطيني. • فهناك صراع طبقي بين البسطاء الفقراء من جهة وبين المختار الإقطاعي المتعالي. • وهناك صراع بين الرجل والمرأة.. فالمرأة وفي أكثر من مشهد قد تحملت العبء الأكبر في النكبة الفلسطينية. • وهناك الصراع العائلي بين العائلات المتنفذة في فلسطين وذلك العداء الذي ذهب ضحيته الدكتور ( أكرم ) بأيدي تيار عائلي اتخذ من الثورة مشجباً علق عليه مصالحة العائلية.. والتي أظهرها مرتبطة مع الإنجليز وانتهت نهاية دموية على يد ابن الأخ الذي اكتشف المؤامرة. • وهناك صراع بين الشعوب المضطهدة وبين المستعمر الغاصب. • وهناك صراع داخلي في داخل اللاجئين بين الوطن واللجوء بين الكرامة واللاكرامة بين الغنى.. والفقر.. من جهة ومؤن وكالة الغوث والخيمة من جهة أخرى. إن الثوب الأخضر.. والطرحة البيضاء والتي ركز عليها المخرج في المقاطع بين الفواصل. لا تمثل إلا إطلالة الوطن (فلسطين ) في ذهن اللاجئ. لقد مثلت الأم الرمز لدى الفلسطينيين في الشتات وفي فلسطين المحتلة سنة 67 وفي فلسطين سنة 48 لأن الكل قد فقد دفئ الوطن حتى لو عاش داخله. أما بالنسبة للحدث فلم يكن من نسج خيال الكاتب ولكنه التزم الحقائق التاريخية والسياسية . ولأنه يطرح سلسلة من آلام الفلسطينيين وجدنا الشعب يتابع المسلسل حتى بعد منتصف الليل.. علماً بأنه يعرف الأحداث مسبقاً... لقد كانت قيمة العمل الأدبي في التركيز على الجزيئات الصغيرة التي يهملها المؤرخ.. والسياسي .. فكان الأدب هو المصباح الذي ركز على الجزئيات الإنسانية. إن هناك تشابه بين التغريبة وبين رجال في الشمس لغسان كنفاني ولكن وجه الاختلاف أن كنفاني جعل الموت داخل الصهريج هو الحدث الرئيس بينما الموت في صحراء العراق كان حدثاً من مجموعة أحداث. • أغفل الكاتب الحديث عن النظام العربي في الضفة الفلسطينية بعد النكبة سنة 48 من باب الصمت أبلغ من الكلام. • تصوير معاناة الفلسطيني.. الوقوف الذليل على أبواب وكالة الغوث.. الأطفال العراة، الجوعى الكبار الذين خرفوا على اسم فلسطين المخيم بطينه وأوحاله ومجاريه. كل ذلك يبقى الصبر الذي يعطي الفلسطيني إرادة الحياة.... لقد رسمت النكبة في وجوه... وأقوال ... وأفعال الفلسطيني فجازت هذه الملحمة التاريخية ... السياسية ... الاجتماعية... الإنسانية كي ترسم بريشتها المعاناة بأقاصي حدتها ... لعل هذا العمل يلقي بحجره الثقافي في بحر الأمة الهادئ لعلها تعيد له بعض الحياة... في مفصل تاريخي خطير... لأمة أضحت جيفه بنهشها كل ذي طفر وناب.
#محمد_بسام_جودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قمة شرم الشيخ ونوايا حكومة تل ابيب
-
رسالة عفوية من حناجر شباب فلسطين إلى من بقيت لديه حاسة السمع
...
-
لم نخسره وحدنا بل خسره العالم أجمع ، لأنه ما آن لهذا الفارس
...
-
أيها المحتل ارحل ...فهنا في غزة جنوب لبنان آخر!!!؟؟؟
-
الخطاب الاعلامي الفلسطيني والقضايا المحورية القدس ..اللاجئين
...
-
حتى لا يصبح الانسحاب من غزة كابوساً في نفق مظلم ...!!!
-
الغزو الثقافي الصهيوني...وثقافة المقاومة
-
من رفح الشامخة إلى قمة الخجل والذل العربي!!!
-
أزمة الثقافة العربية وتحدياتها في ظل الهيمنة الغربية
-
إشكاليات الثقافة العربية المعاصرة وآفاق المستقبل
-
من الجدار إلى الانسحاب من غزة ماذا يخطط شارون!!! كي لا نلدغ
...
-
صفعة مزدوجة من الليكود لشارون وبوش !!!
المزيد.....
-
انضموا واحدًا تلو الآخر.. اندلاع شجار أثناء جلسة محاكمة متهم
...
-
ترامب يرغب بالسيطرة على قطاع غزة.. ما ردود الفعل في الأراضي
...
-
خطوة نحو الذكاء الاصطناعي المارق؟ : باحثون صينيون ينجحون في
...
-
وزيرا الخارجية الجزائري والتركي يبحثان الوضع في غزة
-
-كفاك جنونا وغطرسة-.. الصدر يهاجم ترامب
-
إستونيا تخطر مواطنيها حاملي الجنسيات الأجنبية بالتخلي عنها
-
مجلس النواب الأردني يقترح إصدار قانون يمنع تهجير الفلسطينيين
...
-
بوغدانوف يبحث مع الرئيس العراقي مواجهة التحديات وترسيخ الأمن
...
-
برلين: طرد الفلسطينيين من غزة أمر غير مقبول
-
لبنان.. الثلوج تغطي طريق ظهر البيدر
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|