فلاح اسماعيل حاجم
الحوار المتمدن-العدد: 1127 - 2005 / 3 / 4 - 10:16
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ان المأزق الذي وقع به العراق على اثر الانهيار السريع و المفاجيْ لنظام صدام حسين وعدم توفر البديل
الجاهز آنذاك؛ لم يقتصر على الجوانب الاقتصادية و الاجتما – سياسية؛ بل ابرز الى السطح جملة من القضايا تقف في المقدمة منها مسألة تنظيم العلاقات في بلد متعدد القوميات والاتجاهات الدينية منها و السياسية. على ان هذه القضية لم تكن وليدة الساعة انما تعود جذورها الى منتصف القرن الماضي؛ اي الى بداية النزاع المسلح بين السلطة المركزية و الحركة القومية الكردية التي كان مطلبها الرئيسي آنذاك حكما ذاتيا لاقليم كردستان ضمن اطار الجمهورية العراقية. الا ان ذلك الشعار سرعان ما تطور اذ وجدت بعض القوى ان الحل الامثل للمسألة القومية في العراق يكمن في اقامة الفيدرالية كشكل للدولة؛ لكن تلك القوى لم تسع الى تحديد نوع الفيدرالية آنذاك ربما لكونها وجدت في موضوعة التنظيم المساحاتي للدولة مدعاة لاثارة اسئلة تشكل الاجابة عليها معضلة لا حول لتلك القوى على الاجابة عليها؛ فذهب البعض الى المطالبة باقامة الفيدرالية القومية؛ فيما وجد البعض الآخر في تقسيم الدولة على اساس التركيبة القومية للمجتمع العراقي قنبلة موقوتة تهدد سيادة العراق ووحدة اراضيه مفضلاً اعتماد الفيدرالية الادارية (الجغرافية) كأساس لترتيب الدولة المساحاتي. ورفض فريق ثالث الفيدرالية بكافة اشكالها معتبراً اياها الخطوة الاولى في طريق تجزئة العراق الى دويلات قومية صغيرة. على انه لابد من الاقرار بان الخيارات المطروحة امام العراق الان ليست بالكثيرة .فاما ان تكون الدولة بسيطة وذلك ما لا يرضي طموحات شرائح شعبية ليست بالقليلة؛ او الاخذ بالفيدرالية كشكل للدولة مما سيدخلنا الى دائرة النقاش حول نوع الفيدرالية وحجم اختصاصات الاطراف المكوّنة لها. اذن نحن امام معضلة كبيرة ينبغي التعامل معها بحذر كبير ودراسة متأنية وعدم الانجرار وراء الشعارات الآنية (رغم مشروعيتها).
ان دراسة و تحديد شكل الدولة العراقية القادمة و الخروج بحلول واقعية سيكون له اثر كبير ليس على بناء العلاقات المستقبلية بين مكونات الشعب العراقي فحسب؛ بل وعلى مستقبل الدولة العراقية ذاتها؛ سيما وان قضية الفيدرالية اصبحت واحدة من ادوات اللعبة السياسية وخصوصا الانتخابية منها. لذا نرى ان من بين اولى المهمات التي تنتصب امام المشرع العراقي؛ اثناء صياغة الدستور الدائم للدولة هي كتابة قواعده بالشكل الذي يجعل من احادية تفسيرها ووضوحها بالاضافة الى عدم تنازعها امراً لا مجال للطعن فيه. هذا من جهة ومن جهة اخرى لابد لقواعد الدستور من ان تتضمن جرداً لا لبس فيه لاختصاصات السلطات الفيدرالية والاختصاصات المشتركة (بين المركز والاطراف) بالاضافة الى الاختصاصات الحصرية للاطراف؛ اذ ان اغلب النزاعات في الدول الاتحادية؛ كما تثبت التجربة؛ ناتجة عن الخلافات حول حجم الاختصاصات الموكلة لاطراف الفيدرالية. وهنا لابد من الاشارة الى ان مسألة توزيع الاختصاصات وجدت مكانها في القانون الاساس للدولة (الدستور) في اغلب البلدان الفيدرالية؛ مما يؤكد اهميتها؛ غير ان القلة من تلك البلدان احالت تنظيم هذه المسألة المهمة الى التشريع العادي؛ فالمادة 71 من القانون الاساس الالماني يسمح باحالة بعض من الاختصاصات الحصرية للمركز الى الاطراف عن طريق اصدار تشريع عادي.
وما زال الحديث يدور حول الاختصاصات واساليب توزيعها بين المركز و الاطراف؛ ارى من الضروري التطرق الى كيفية معالجة هذه المسألة الحساسة في بعض الدول الفيدرالية. فقد ذهب البعض منها الى تضمين دستور الدولة الاختصاصات الحصرية للمركز اما فيما عدا ذلك فاحيل الى الاطراف. ويمكننا العثور على مثل هذا الاسلوب في دستور جمهورية تنزانيا المتحدة لعام 1977؛ حيث تضمن الملحق الثاني للدستور 17 اختصاصا حصريا للاجهزة الفيدرالية ومن ضمنها الدفاع و الامن واعلان الاحكام العرفية و تحديد الضرائب....الخ.
اما في دول اخرى فقد ذهب معدو الدستور ( او ملحقه) الى تحديد اختصاصات الاطراف تاركين المتبقي منها للسلطات المركزية مما يمنح الاطراف بعض الضمانات بعدم التدخل في شؤنها الداخلية.(الى ذلك ذهب المشرع الامريكي في معالجة توزيع الاختصاصات بين المركز و الولايات). اما الاسلوب الثالث فيتلخص بتضمين الدستور اختصاصات المركز و الاطراف على حد سواء (كندا, سويسرا, اثيوبيا, الارجنتين...وغيرها) ويتم اضافة الاختصاصات المستجدة باساليب مختلفة عادة ما تكون عن طريق اللجوء الى تعديل القوانين اوعن طريق الاضافة.
وقد نصت بعض الدساتير على الاختصاصات المشتركة بين المركز و الاطراف اي ما يطلق عليه في القانون الدستوري بالاختصاصات المشتركة؛ اضافة الى اختصاصات كل منهما على انفراد. (دستور الهند لعام 1949).
اما دستور واحدة من اكبر الفيدراليات في العالم فقد ادرج الاختصاصات الحصرية للمركز و الاختصاصات المشتركة فيما ترك ما لم يرد ذكره في الدستور الى الاطراف التي ادرجها الدستور حسب التسلسل الابجدى مؤكدا على مساواتها بالحقوق و الواجبات(دستور الاتحاد الروسي لعام 1993). ان واحدة من اكثر المسائل خطورة في ظل الفيدرالية هي احتمال بروز النزعة الانفصالية لدى الاطراف مما يشكل تهديد امباشراً لسيادة البلاد ووحدة اراضيها خصوصا في ظل ظروف اقليمية و دولية بالغة التعقيد كالتي يمر بها بلدنا اذ ان وجود الفيدرالية كشكل للدولة في العراق قد يزيد من مطالبة الاقليات القومية في البلدان المجاورة بحقوقها القومية المشروعة؛ وهنا يكمن سر القلق الذي ينتاب البعض من جيران العراق من التجربة العراقية. على اساس ما تقدم نرى ان هنالك مسؤلية كبيرة تقع على المشرعين العراقيين؛ وواضعي الدستور على وجه الخصوص؛ وهي صياغة الدستور بالشكل الذي لا يدع مجالا لاستثمار قواعده لاهداف انفصالية من شأنها تهديد سيادة الدولة العراقية ووحدة اراضيها. وهنا لابد من الحديث عن الضمانات التي لابد من اعتمادها لتأمين السيادة الوطنية وعدم التفريط بوحدة العراق وسلامة اراضيه, وفي مقدمة تلك الضمانات تقف ما يمكن ان نطلق عليه الضمانات الدستورية او القانونية, والتي تعني ان يتضمن الدستور او التشريعات الاخرى قواعد قانونية ملزمة, تحرم الاخلال بمبدأ السيادة الوطنية وتلزم الاطراف كافة على التعهد باحترام وحدة الاراضي العراقية.
على ان الاخلال بتلك القواعد يصنف على انه جريمة جنائية. ان ان الضمانات الدستورية للحفاظ على وحدة الدولة وسلامة اراضيها تتجلى بأشكال مختلفة ومنها نذكر:
1- استبعاد امكانية الانفصال لاي من الاطراف الفيدرالية وذلك بربط هذا الحق باجماع الاطراف الاخرى للفيدرالية؛ واعتماد حق النقض (الفيتو) كآلية ناجعة لمنع احتمال الانفصال.
2- منح السلطات المركزية حق استخام القوة للحفاض على سيادة الدولة ووحدة اراضيها واجهاض الحركات الانفصالية.
3- ان يحيل الدستور كل المسائل التي تجسد السيادة الوطنية الى الاختصاص الحصري للسلطات المركزية. من تلك المسائل مثلا( ترسيم الحدود السياسية للدولة و تأمين حمايتها؛ الجمارك و المكوس؛المشاركة بالمنظمات الاقليمية و الدولية؛ الانظمام الى الاحلاف العسكرية؛ امتلاك قوات ومليشيلت مسلحة خاصة؛ اجراء مفاوضات وعقد الاتفاقيات مع الدول الاجنبية............الخ.). ان احالة كل تلك الاختصاصات الى السلطات المركزية سيدعم الوحدة الوطنية ويبعد خطر بروز النزعات الانفصالية وخصوصآ في ظل تعدد الاتجاهات و تشابك المصالح الاقليمية منها و الدولية في منطقتنا الساخنة. على ان ما ورد لا ينبغي؛ بأي حال؛ التأثير سلباً على التوجه الديمقراطي للدولة أو الانتقاص من الحقوق القومية لكافة مكونات الشعب العراقي. اننا نرى بان ما ورد اعلاه سيكون ضمانة ليس لوحدة البلاد فحسب؛ بل وصمام امان وصيانة اكيدة لحقوق الاقليات القومية والتركيبات الاثنية ومن ثم للحفاظ على الحقوق الاساسية للافراد والجماعات في جميع انحاء العراق؛ سيما وان الواقع الديموغرافي العراقي خضع لتغييرات كبيرة يكون من المستحيل معالجتها (باعادة ترحيل) السكان الى مناطق سكانية اخرى. و هنا لابد من الاشارة الى ان ايجاد حلول للمناطق متعددة القوميات والاعراق والتي اصبحت موضع خلاف (مدينة كركوك مثالا) تبدو ممكنة من خلال ربط تلك المناطق بالمركز مباشرة ومنحها صفة الطرف الفيدرالي؛ شأنها في ذلك شأن الاطراف الاخرى؛ وذلك ليس بجديد على التجارب الفيدرالية حيث ذهبت اغلب الفيدراليات (روسيا؛ المكسيك؛ البرازيل...وغيرها) الى منح المدن ذات الخصوصية؛ بما في ذلك الاقتصادية؛ صفة الطرف الفيدرالي؛ ما يجعل منها اداة توحيد وتجسيد للاخوّة التي طالما زيّنت لافتات شعاراتنا الانتخابية. ان وجود الضمانات الدستورية-الحقوقية سيكون منقوصاً دون توفر آليات تفعيله وحمايته؛ وهذا لا يتم الا بوجود ضمانة اخرى لا تقل اهمية عن الاولى؛ الا وهي الضمانة القضائية والتي تعني تكوين سلطة قضائية (محكمة دستورية) تكون من بين اختصاصاتها مسألة حل النزاعات بين السلطات المركزية وسلطات الاطراف وكذلك النظر و حل الخلافات الناتجة عن النزاعات بين اطراف الفيدرالية ذاتها. وارى ان يتم الاخذ بالنظام المركزي (الاوربي) فيما يخص الضمانات القضائية؛ بمعنى ان يصار الى تشكيل جهاز قضائي متخصص (محكمة او مجلس دستوري) يكون من بين اهم اختصاصاته حسم النزاعات التي من الممكن ان تنشأ بين الاجهزة المركزية واجهزة الاطراف.
#فلاح_اسماعيل_حاجم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟