جورج فارس
الحوار المتمدن-العدد: 3878 - 2012 / 10 / 12 - 08:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قد لا تؤمن بوجود الآلهة... لكن احذر لئلا تكون عبداً لإلهٍ صنعه غيرك....
يظن الكثيرون أننا اليوم لم نعد نحيا في ذاك الزمان الممتلئ بالآلهة، وأننا قد تخطينا زمن الذبائح والتقدمات. وهم في ظنهم هذا يوقعون أنفسهم ضحايا عصرنا الذي تحوّلت فيه الآلهة من أصنام مادية الشكل إلى هوس يتحكم بنا من الداخل، حيث كل واحدً منا يقدم لإلهه من وقته وصحته وقوته وربما من ممتلكات الآخرين وحياتهم...
فاليوم لم نعد نرى من يذبح لإله القوة.. لكننا ما زلنا نرى من يقتلون الآخرين فرضاً لهيمنتهم وإثباتاً لقوتهم...
ولم نعد نرى من يتعبد لآلهة الجنس.. لكن هناك الكثيرون من يحيون لأجل الجنس ممن تحركهم فقط نزواتهم الجنسية، الذين لم يكتفوا بالمعروض المتوفر بل راحوا يغتصبون أعراض الناس إرواءً لرغبتهم الطليقة...
ربما لا يوجد في عالمنا من يسجدون لصنمٍ على شكل قطعةٍ نقدية... لكن يكاد لا يخلو مكان على أرضنا من أناس يسلبون الآخرين قوتهم اليومي كي يملؤوا جيوبهم المثقوبة...
ولا أعلم إن كان في الماضي من يتعبد لآلهة الحرية، لكن من المؤكد أن اليوم هناك الألوف وربما الملايين من عبيد الفوضى والعشوائية...
واليوم من ظن نفسه حراً، ربما لم يكتشف بعد أنه عبدٌ لنفسه مقيدٌ بضعفه...
في الماضي عبد أسلافنا آلهة الحب والجمال وربما الصدق والخير... أما اليوم فقد أصبحت هذه الآلهة عملة نادرة...
فقليلون من ينادون بالحب.. وقليلون من يحبون الجمال... وقليلون من يتجملون بالصدق.. والأقل من هم صادقون بخيرهم...
وفي الماضي كانت الأنثى إلهاً. أما اليوم فهي تناضل كي تنال جزءاً من حقوقها من بعض الرجال الذين لا يرونها إلاّ عورة أو وسيلة للمتعة، وهم بذلك ظنوا أنفسهم آلهةً فأصبحوا عبيداً لأنفسهم...
اليوم نحن نعيش في عالمٍ متخمٍ بالآلهة، وكلٌ منا شاء أم أبى هو عبد لإلهٍ ما يوافق رغباته ونزواته أو لإلهٍ فرض سطوته عليه من خلال المحيطين، والمحظوظ فينا من أخذ خطوةً للأمام ليتعبد لعقله فأصبح عقله إلهه الذي به يحيا ولأجله يعيش...!
كل هذه في الماضي كانت تسمى أدياناً أما اليوم فهي متع، عادات، هوايات، اهتمامات، أعمال، مصالح، تحالفات، هيمنات... ونحن اليوم بتنا عبيداً لآلهتنا وضحايا لآلهة الآخرين... ووحده الحق يحررنا حتى من أنفسنا...
#جورج_فارس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟