أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود يوسف بكير - الإله والإنسان














المزيد.....

الإله والإنسان


محمود يوسف بكير

الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 20:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نحن جميعاً نتصور الأشياء غير المادية ونستوعب المفاهيم المختلفة ليست كما هي تماماً ولكن بحسب طبيعتنا ونشأتنا وثقافتنا ورغبتنا. وبمعنى آخر فإن عقلنا الباطن يعمل بسرعة لوضع تصور محدد لأي شيء لا يفهمه أو يراه لأول مرة.
وتمتد هذه الظاهرة لتشمل ايضاً الأشياء المادية وعلى سبيل المثال فعندما نطالع وجه امرآة جميلة دون سابق معرفة فإننا نقول انها تبدو كملائكة ولكنها في الحقيقة قد تكون شيطاناً ،وقد نرى امرأة أخرى فنقول عليها امرأة لعوب ولكنها قد تكون غير ذلك تماماً ،وفي الفن الحديث يوجد ما يسمى بالمدرسة الانطباعية والفنان من هؤلاء قد ينظر إلى رجل معين فيرسم ثعباناً أو ذئباً أو مجرد ظل رجل! فهكذا هو يراه.

ومعظمنا يميل إلى القفز إلى النتائج والاستنتاجات بسرعة دون تروي أو تمحيص ولو اننا فعلنا هذا لوفرنا على انفسنا الكثير من المعاناة والسؤال ورأينا الأشياء على حقيقتها. وبعبارة أخرى فإننا بحاجة لشيء من التأمل لمعرفة حقيقة الشيء ،وفي هذا قال الشاعر قديما:

لا تسل المرء عن خلائقه في عينيه شاهد من الخبر

والمعنى انك لست بحاجة للسؤال عن خلائق الكثير من البشر (وينطبق المعنى على الأشياء أيضا) ً فيمكنك ان تستعيض عن هذا بالنظر بعمق الى عينه ( أو فحوى الشيء ) عندئذ سوف ترى بصيصاً من حقيقة الشخص او الشيء وليس كل الحقيقة بالطبع ولذلك قال الشاعر "شاهد من الخبر" وليس كل الخبر. وصحيح فإن من لا يرزق متعة التأمل تتسطح أعماقه.

والحقيقة أن طبيعة تصورنا للأشياء غير المادية او المفاهيم قد تكون له اثار بليغة وأكثر خطورة على حياتنا من الأشياء المادية .
فمفهوم الإله مثلاً يختلف من ديانة لأخرى، بل وحتى داخل نفس الديانة ترى تبايناً واضحاً في تصور طبيعة الإله بين اتباعها ولذلك يمكن القول ان لكل منا إله خاص به .

فهناك من يرى الإله واقفاً بالمرصاد لنا في كل كبيرة وصغيرة وأنه يكره الموسيقى والنحت والتصوير والمسرح والسينما وحتى تعليم البنات وانه سينتقم انتقام عزيز مقتدر يوم الدين من كل من يرى بغير ذلك. والإخوة الأعزاء في حركة الطالبان يحملون لواء الريادة في هذا المضمار ويؤمنون بأن الله قد منحهم توكيلا مفتوحا للدفاع عن ملكوته في الأرض وإعلاء كلمته كما يفهمونها هم وليس كما يفهمها الآخرون ومن يختلف معهم يستحق القتل والحرق والتدمير.


وهناك من يرى أننا لا نعدو ان نكون مجرد صدفة في هذا الكون الفسيح وأننا جئنا وسنمضي وكأننا لم نكن وحتى لو كان هناك إله فلابد أنه مشغول عنا بأشياء أكبر بكثير من تفاهاتنا ،فكما اننا غير مشغولين بأمور النمل والهاموش فإننا لا نزيد عن هذا امام الإله ، وأصحاب هذا التصور العبثي لا يعبئون بأي شيء فلا كتاب ولا سماء ولا يعيشون إلا لإشباع غرائزهم ولا يبالون كثيرا بالآخرين .

وبين اولئك وهؤلاء فهناك من يرى ان الإله محبة ونور وهداية وانه متعال وغفور رحيم وانه سيرحم ضعفنا ونقصنا ويتجاوز عن اخطائنا الصغيرة طالما اننا لم نقصد بها ايذاء مخلوقاته دون مبرر او استغلال ضعفهم أو امتهانهم.

والحقيقة أنه ليس بمقدور احد ان يجزم بصحة اي من هذه التصورات عن الإله بنسبة 100% ولكن بما ان الفضيلة والاعتدال هي المنطقة الواقعة بين نقيضين متطرفين وغير مستحبين كما هو الحال بين البخل والإمساك بشدة وبين التبذير إلى حد السفه وكما هو الحال بين التشدد وضيق الافق الممقوت وبين التسيب والتهتك والابتذال بلا حدود ،فإن الأرجح والأقرب للحقيقة هو التصور الأخير. ويؤكد هذا أيضا ما نسميه في عالم الاقتصاد بمنحنى التوزيع الطبيعي الذي يعبر عن أي ظاهرة طبيعية في هذا الكون ، وهو منحنى يشبه التبة الرملية يتركز في وسطه أغلبية أفراد أي عينة إحصائية بشكل طبيعي وفي طرفي المنحنى يقع الطرفين المتناقضين بأعداد ضئيلة. وشأننا شأن كل المخلوقات والأشياء في هذا الكون فإن اغلب البشر يقعون في هذه المنطقة الوسطى (منطقة الاعتدال) بدرجات مختلفة ومن ثم فإن اغلبنا كبشر يتسم بالاعتدال والتفكير الوسطي.


والمفارقة العجيبة في هذا الكون أن اي شيء معتدل لا يلفت الأنظار ويكون غير محسوس عكس حال موجات التطرف والمغالاة التي تتسم بالجلبة والسلوكيات الشاذة التي تلفت الأنظار وتوحي بشكل مزيف بأنها ظاهرة هامة وقوية وتمثل الأغلبية وان قانونها هو القاعدة وليس الاستثناء .

ولو ان الأغلبية المعتدلة تجاهلت هذه الأقليات المتطرفة وواجهتها وتعاملت معها بحزم لتم ابرازها في حجمها الطبيعي والحد من سطوتها وخطرها على الاستقرار والسلام المجتمعي.

هذه الأغلبية الوسطية المحبة للحياة والمؤمنة بإله متسامح ورحيم هي التي صنعت الحضارة والتمدن وهي التي ستنتصر في نهاية المطاف في صراعها الطويل مع التطرف.

ترى من هو إلهك؟

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري



#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من المسيء للإسلام؟
- الإسلام والربيع العربي
- كيف تحكم مصر الآن
- عندما تتحول الثورة إلى مهزلة - الجزء الثاني
- عندما تتحول الثورة إلى مهزلة- الجزء الأول
- عادل إمام مبدع الزمن الرديء
- تأملات فلسفية في أحوالنا العربية
- إلى مؤيدي الأسد: انتبهوا إنه يقودكم إلى خراب مؤكد
- فضيحة في ساحة القضاء المصري
- أصل الحكاية عسكر وحرامية
- الإخوان ومستقبل الثورة في مصر
- أرخص إنسان على وجه الأرض
- الثورة المصرية والرقص على السلم
- مصر ما بين فقدان الذاكرة وعدم الوعي
- العسكري يقود مصر إلى الخراب
- أردوغان يفجع الأحزاب الإسلامية في العالم العربي
- من مفارقات الرؤساء العرب
- ثورات الشعوب تكشف عورة النظام العربي
- رسالة قصيرة إلى الأغبياء الثلاثة
- مبروك يا أسد


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود يوسف بكير - الإله والإنسان