|
الحكومة والشعب
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1127 - 2005 / 3 / 4 - 10:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يأتي انبثاق الحكومة عن مجلس الشعب، تعبيراً عن حالة ديمقراطية من المفترض أن تؤسس لورشة عمل مهمتها تحقيق جملة التعهدات وما قطعتها أحزاب المجلس على نفسها عند انتخابها عبر صناديق الاقتراع. في هذا الإطار من التوجه للعمل الحكومي، يتوجب انتقاء أشخاصاً أكفاء في ورشة العمل للاضطلاع بمهامهم المفترضة. وتلك الكفاءة يجب أن لاتقتصر على الإدارة الجيدة لرئاسة موقع العمل، وأنما إلى المعرفة الكاملة بماهية العمل أي أن يكون الشخص مؤهلاً علمياً لاحتلال الموقع في ورشة العمل الحكومي. وكذلك يتوجب أن يتحلى بصفات لاتقل أهمية عن سابقتها وهي الإخلاص والنزاهة والمواظبة في العمل من أجل خدمة الوطن. وبالضد من ذلك فأن الحكومة ستكون عبئاً على الشعب خاصة إذا كانت حكومة ظالمة، تضم في صفوفها أشخاصاً غير أكفاء يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة وعلى حساب مصالح الوطن والمواطن. ويقترح ((همسون ترو)) عدداً من النصائح والمهام للحاكم والحكومة الصالحة قائلاً:" الحكومة للشعب وليس للحاكم، وإفقار الناس وإساءة معاملة العلماء يدفع البلاد إلى الخراب، والحاكم الذي يبغضه الشعب ويرتابون في نواياه يخسر الحرب، ويتوجب على الحاكم أن يختار وزرائه من أصحاب الفضل، وإن تكون الكفاءة أساس قربهم منه وألا يدع للمحسوبية سبيلاً إليه، كما أن عصيان الحاكم الطالح واجب على الشعب ولكن على الشعب أن يبذل الولاء والطاعة للحاكم الصالح". إن الحاكم والحكومة المستبدة، لايمكنها إحقاق الحق وتلبية مطالب المواطنين. لأنها حكومة فاسدة وأعضاءها أشد فساداً مما يزيد النقمة عليها شعبياً ويزيد استياء الناس منها، حينها تلجأ إلى استخدام العنف المفرط ضد السكان للحد من مطالبهم كما أنها تعمل على شراء الذمم والولاءات لها من أموال الدولة. هذا الإفساد الحكومي، يلحق الضرر الكبير بقطاعات واسعة من الشعب، ويزيد من حالة الاستياء ويدفعها نحو عدم الاستجابة لأوامر السلطة رغم كل أساليب العنف والقهر وما تلجأ إليه لفرض سطوتها على المجتمع. يعتقد ((كونفوشيوس))" إذا حاول الحاكم قيادة الشعب بالاستعانة بالسلطة المطلقة، واستخدام شتى العقوبات لإقرار الأمن والنظام. فسيعمل الشعب على تحاشي العقوبات غير عابئين باحترام السلطان وإرادته. ولكن إن استعان الحاكم (لقيادتهم) بالفضيلة والارتكان على العُرف والعادات الصالحة وما يوقرها الشعب، حينها يرتبط الناس فيما بينهم والحاكم برباط معنوي متين لتقويم أنفسهم وإصلاح حالهم". يتوقف الأداء الحكومي الجيد لأجل الصالح العام على الاختيار الناجح لأعضائها، وأي اختلال في هذا المعيار ينعكس سلباً على الأداء الحكومي بالكامل. لأن ورشة العمل الحكومي مرتبطة المهام والأداء معا والإخلال بأحد قطاعاتها يشل العمل في بقية القطاعات. فالأداء السيئ، لايقتصر ضرره على قطاع حكومي دون أخر، وأنما ينسحب على كافة القطاعات الأخرى مما يتسبب بتعطيل المهام الأساسية وبالتالي يجلب الضرر الكبير على سائر قطاعات الشعب. ويرى ((وليم جودوين))" أن الحكومة نتاج رذائل الأفراد، وأنه يمكن الاستغناء عنها بالعدالة والإنصاف والتوجيه للصالح العام الذي هو قانون العقل". إن الحكومة الساعية لإحقاق العدالة والمساواة بين الناس وتقرًّ بتأدية واجباتها الوظيفية باعتبارها ممثلة عن الشعب وتنتهي مهامها بانتهاء فترة تكليفها، تعد الحكومة الصالحة والقادرة على كسب ولاء الناس. وإن الفساد والرشوة ونهب المال العام المتفشي في أجهزة الدولة، يعود بالدرجة الأولى إلى فساد الحكومة. فالحكومة الفاسدة لاتفسد قطاعات الدولة حسب، بل تفسد الشعب بالكامل. وحينئذ تعد مهمة اجتثاث الفساد والرشوة، من المهام الصعبة. لأن سلطة القانون تأتي من سلطة القرار الحكومي وإلا فان القانون لايكون رادعاً وفعالاً ضد الخارجين عليه. وآليات الردع (الجيش والشرطة) الحكومي هي الجهة الوحيدة الضامنة لفرض النظام على المجتمع وبغطاء شرعي، فأن كانت تلك الآليات فاسدة ومرتشية تضعف سلطة القانون وتشجع على التجاوزات وخرق القانون. وإذا ما تم تفعيل القانون فانه سيطال أوجه الفساد الحكومي وبالتالي أعضاء الحكومة الفاسدة ذاتها، باعتبار القانون فوق الجميع ولاسلطة فوق سلطة القانون. لذا تسعى الحكومات الفاسدة لإضعاف القانون من أجل تسهيل مهمتها في نهب أموال الدولة والتصرف على هواءها دون محاسبة قانونية. ويرى ((منشيوس))" عندما تأتي حكومة صالحة، يخضع المفضول للفاضل ويذعن الأقل صلاحية للأصلح، فأن سيطرت حكومة سيئة يتحكم الأقوى في الأضعف. بينما تقوم الحكومة الصالحة على التعاون المتبادل بين الحاكم والمحكوم (تعاون أساسه تقسيم العمل تقسيماً مثمراً) ويسفر أداء الحكومة السيئة عن صراع بين الحاكم والمحكوم". حينها تصاب المجتمعات بالشلل التام، وتصبح غير فعالة. هًّمها الأساس البحث عن لقمة العيش وتحاشي التدخل في السياسة خشيةً من الاضطهاد والعُسف وما يمكن أن يلحقه بها الحاكم. فإن تلك المجتمعات تخرج عن سياق الحاضر ويتعطل مستقبلها، وتضمحل مساهماتها في رفد الحضارة الإنسانية. إن استمرار الحكومة الفاسدة في أداء أعمالها دون اعتراض شعبي، بسبب العنف والاضطهاد أو الخنوع أو عدم المبالاة يؤدي مع الزمن إلى إصابة كافة أجهزتها بالفساد وينسحب ذلك مستقبلاً على إفساد الشعب بكامله. وإن مبدأ المحاسبة القانونية لاجتثاث الفساد الحكومي، من المفترض أن يكون من أوليات الحكومة الصالحة. فكلما فًّعلت الحكومة من سلطة القانون كلما ساهمت بتعطيل مكامن الخلل في أجهزة الدولة. ويعد استخدام القوة والعنف الشرعي لبث الرعب والخوف في نفوس ضعاف النفوس من المفسدين هو السبيل الأنجع في إعادة هيبة الدولة واجتثاث الفساد وبالتالي كسب ولاء قطاعات واسعة من المجتمع إلى جانبها كونها المستفيدة الأول من هذا الإصلاح الحكومي.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التصورات اللاعلمية في الفكر الماركسي
-
مجالس الفلاسفة والعلماء مع السلاطين
-
الملوك والفلاسفة وتهمة الإلحاد
-
النظام الديمقراطي والسلطة السياسية
-
الفشل في تحقيق الذات وانعكاساته السلبية على المجتمع
-
العنصر الثالث لدعم الاستقرار والتوازن الاجتماعي
-
سلطة القانون في المجتمع
-
مواصفات الرئيس وشروط الرئاسة
-
شروط وآليات العقد السياسي والاجتماعي في كتابة الدستور
-
المرأة والحب في عالم الفلاسفة والأدباء
-
انعدام سُبل الحوار والنقاش مع الإنسان المقهور
-
النزاعات العرقية والمذهبية في المجتمعات المقهورة نتاج سلطة ا
...
-
تنامي ظاهرة الحقد والعدوانية في المجتمعات المتخلفة
-
شرعنة العنف والقتل في الدولة الإرهابية
-
العنف والإرهاب نتاج طبيعي للتخلف والاستبداد
-
سلطة القانون وآليات الضبط الاجتماعي في المجتمعات المتخلفة
-
الطاغية المستبد والشعب المقهور
-
الاستبداد والعنف وانعكاسه على المجتمع
-
الشعوب المقهورة والزعيم المنقذ
-
العسكرة والأدلجة في الثقافة والإبداع
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|