الإخوانُ والرأسمالية الحرة

عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3876 - 2012 / 10 / 10 - 06:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

نجاحُ القوى السياسية الدينيةِ والإخوان تحديدا هو بسببِ التصاقهم بالرأسمالية الخاصة، في زمنيةِ تآكلِ وانهيار الرأسماليات الحكومية الشمولية، ولم يكن ثمة جورباتشوف يسرعُ في الانهيار، لهذا فإن القوى الشعبية هي التي قامتْ بذلك واستثمرها الإخوان.
مرحلةُ تصاعدِ الرأسماليةِ الحكومية الوطنية بإنجازات القطاع العام المتواكبة مع عبدالناصر وبومدين وبورقيبة، تعبرُ عن هيمنة البيروقراطيات وعدم أكلها لأغلبيةِ الفوائض، ثم جاءتْ مرحلةُ التصدعِ وتحول الاستثمار من العام إلى الخاص.
أدت المرحلةُ السابقةُ إلى توسيع حضور الرأسماليات الخاصة، على أسس غيرِ إنتاجية واسعة ومتكاملة، ولهذا فإن القطاعات المالية والعقارية والخدماتية المختلفة هي التي تنطلق الآن باتساع كبير.
الطابعُ غير الانتاجي يعبرُ عن خوف هذه الرأسماليات من التجذر الاقتصادي في الأرض، وبضرورةِ بقائِها السماوي معلقا حسب رياح الأرباح.
وقد دعمتْ أعمدتها الهزيلة عبر الدِّين، وأنشطته الاجتماعية السياسية المتداخلة المختلفة، حيث القداسة التي تحمي رأسَ المال الخائفِ من الدول الباطشة، وحيث يكون مراوغا، مرنا يلتف على الشِباك المنصوبة له.
وقد وافقت مرحلةُ الرأسمال الديني مستويات التطور الريفية، حيث الإبقاء على الإقطاع الزراعي، والعائلة الكبيرة المحدودة التطور التقني العلمي، وغياب العلاقات الديمقراطية الحديثة الداخلية فيها، كما وافقت مستوى تطور بعض دول الخليج العربية النفطية التي تضخمتْ رساميلُها، وغدت تبحثُ عن توظيفاتٍ تدر أرباحا كبيرة، بعد أن ضاقت أسواقُ الغرب المأزوم رأسماليا المتضخم في اقتصاداتِ العقار والفائدة السريعة.
لقد شهدت دولُ الشرق قوة بعض الرأسماليات الشرقية المستندة إلى ضخامة قوة العمل العمالية الرخيصة وتقنيات الغرب، وبعض المواد الأولية الثمينة، مما يعبرُ عن وجودِ سيولاتٍ مالية فوق قوى وعي سياسيةٍ نصوصية رأسمالية انتقائية، فلا يعبرُ عن مستوياتِ الرأسماليةِ الحرةِ الغربية ويستغل قصورَها ويصارعُ تطورَها في الشرق.
وهكذا كوّن الإخوانُ تجاربَ نمت بين رأسماليةٍ خاصة مُحاصرةٍ في بلدانها، وبمستوياتِ تطورها الاجتماعية المحافظة، مدعومة من رأسمالياتٍ حكومية خليجية نفطية، مما أدى الى تصاعدها في المجالين الاقتصادي فالسياسي.
لكن في الأشهر الأخيرة تكشف بعضٌ من ملامح التطورات الجديدة، فقد تدفقتْ فجأة رساميل على بعض بلدان هذا الربيع العربي، واتجهت لمواقع الجيوش والبنوك والمؤسسات المالية عامة.
الجيوشُ غدتْ مؤسساتٍ اقتصادية ضخمة، وأي عقود تجرى معها فوراءها أرباحٌ هائلة وتغلغل في مفاتيح الحياة السياسية والعسكرية.
إن تدفق مثل هذه الرساميل يُقصد من ورائه استمرار التوجه الرأسمالي الخاص، وبقاء الحريات السياسية في أطرٍ معينة وعدم تصاعد تيارات تصعيد دور القطاع العام كقيادة اقتصادية مسيطرة.
وواكب ذلك مساعداتٌ ماليةٌ من المؤسسات الغربية المتنفذة مع شروط، الأمر الذي أعاد هذه البلدان للديون وفوائدها ومشكلاتها وأخطارها.
عملياتُ التفردِ الحزبية من بعض تنظيماتِ الإخوان أضعفتْ الجبهة السياسية الوطنية، وحجّمت التطور الاجتماعي السياسي في حدود المحافظة، ووجهتْ الرأسماليات الخاصة إلى المسارات غير الانتاجية نفسها، ولهذا اتسم طابعُ أداء المؤسسات السياسية المنتصرة بالارتجال والطفو على سطوح الحياة السياسية الاجتماعية، كالتوجهِ لترشيد الخدمات كخطةٍ أساسية والانشغال بالعلاقات الخارجية.
عبرَ هذا مجددا عن طبيعة الرأسماليات الخاصة التي ظهرتْ على ضفتي التطور العربي المرتكزة على الخدمات المالية وأرباحها السريعة، وإضعاف النقابات وعدم تحديد الحد الأدنى المعقول للأجور، واللهث نحو ضخامة الرساميل الأجنبية الممنوحة وعدم الارتكاز على المصادر المالية المحلية وعدم الالتفات إلى جعل تقوية الانتاج الوطني المركز الأساسي في البناء الديمقراطي الجديد.
وهذا يماثل الارتكاز على سطوحِ النصوص الدينية رغم حديث الشيخ يوسف القرضاوي عن الاهتمام(بالأسبابِ الأرضيةِ للمشكلات البشرية) وهو كلامٌ يعبر عن الاتصالِ بفلسفةِ ابن رشد، وهي الفلسفةُ التي ضختْ العقلانية واكتشاف الأسباب الاجتماعية لضعف قوى الإنتاج الغربية ولتطوير حِرف أوروبا في العصر الوسيط، ونقلها لمرحلة الصناعة، ولكننا الآن تجاوزنا الرشديةَ، وبحاجةٍ الى فلسفاتٍ وأديان متعاونة تشكل خططا اقتصادية إنتاجية وثقافة تقنية علمية وحراكا رأسماليا وطنيا متعدد الأبعاد متعاونا متكاملا على المستويات الوطنية والقومية والإنسانية يتوجه نحو الصناعات الكبرى الشعبية العربية.

#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات