|
برنامج الاخوان السياسي من المعارضة الى السلطة
محمد فاضل نعمة
الحوار المتمدن-العدد: 3874 - 2012 / 10 / 8 - 22:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مما لاشك فيه ان هناك تغيير في الخطاب السياسي للاسلاميين في مصر عموما والاخوانيون خصوصا من مرحلة المعارضة الى مرحلة السلطة ، وصل حد التناقض في بعض الحالات ، في محاولة للتملص من ثوابتها السابقة والانسجام مع واقع السلطة الجديد وتطمين المراقبين في الداخل والخارج على حسن نواياهم .، الا ان ذلك لم يمنع العديد من القوى في الداخل والخارج من ابداء تخوفها من انعكاس افكار وطروحات الاخوان المسلمين الذين ينتمي اليهم الرئيس على صياغة شكل الدولة المستقبلي وطبيعة الحقوق والحريات التي يتمتع بها الافراد ، ولا يخفى على احد الدور الذي تلعبه قوى الاسلام السياسي في مصر وهيمنتها الفعلية تدريجيا على اغلب مفاصل الدولة التشريعية والتنفيذية، وبالاخص الاخوان المسلمين، في مقابل غموض وضبابية برامجها ، وتناقضها احيانا ما بين مرحلة المعارضة ومرحلة السلطة. ورغم تاكيدات قيادات الاخوان حول التزامهم بمدنية الدولة وضمان الحريات وتفعيل مبدا المواطنة واحترام الاتفاقات الدولية التي ابرمتها مصر سابقا ،الا ان العديد من القوى الليبرالية والمدنية مازالت تشكك في صدقية النوايا الاخوانية في الحكم باعتبارها صاحبة مشروع ذا طابع ديني واضح الاهداف والتوجهات ،وان تغيير الخطاب الاخواني بعد استلام السلطة لايعد سوى تغيير تكتيكي ،لايلغي تماما طروحاتها السابقة ابان المعارضة ، والتي عبرت عنه في في برنامجها الشهير الذي اطلقته عام 2007،في اطار حملتها لاعلان تاسيس حزب الاخوان المسلمين السياسي الذي تغير اسمه بعد ثورة 25 يناير الى حزب الحرية والعدالة . وتكمن اهمية برنامج حزب الاخوان المسلمين ، انه من الوثائق النادرة التي عبرت فيها جماعة الاخوان بشكل صريح وعلني عن رؤاها المستقبلية لبناء الدولة ، كما انه يعد البرنامج الاضخم للجماعة حيث احتوى على ستة ابواب ضمت خمسة عشر فصلا تناول فيها معظم جوانب الحياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والخدمية، ورأس لجنة صياغة البرنامج في حينها الدكتور محمد مرسي عضو مكتب الارشاد والرئيس الحالي ، وقد اثارت بعض بنود البرنامج جدلا واسعا في اوساط المثقفين والقوى المدنية وخصوصا ما يتعلق منها بشكل الدولة وتلك المتعلقة بمبدا المواطنة والمساواة . يرى العديد من الباحثين ممن درسوا مشروع حزب الاخوان المسلمين ان الجماعة تسعى لاقامة دولة دينية بمرجعية من رجال الدين على غرار النموذج الايراني ، في صورة هيئة من كبار علماء الدين في الامة، حيث جاء النص كالاتي (تطبيق مرجعية الشريعة الاسلامية بالطريقة التي تتوافق عليها الامة من خلال الاغلبية البرلمانية في السلطة التشريعية بنزاهة وشفافية حقيقية دون تدليس ولاتزوير ولا اكراه بالتدخل الامني المباشر او المستتر، والتي تتم تحت رقابة المؤسسات الدينية داخلية وخارجية وبعيدا عن هيمنة السلطة التنفيذية . ويجب على السلطة التشريعية ان تطلب راي هيئة من كبار علماء الدين في الامة على ان تكون منتخبة ايضا انتخابا حرا ومباشرا من علماء الدين ومستقلة استقلالا تاما وحقيقيا عن السلطة التنفيذية في كل شؤونها الفنية والمالية والادارية، ويعاونها لجان ومستشارون من ذوي الخبرة واهل العلم الاكفاء في سائر التخصصات العلمية الدنيوية الموثوق بجديتهم وامانتهم ...ويسري ذلك على رئيس الجمهورية عند اصداره قرارات بقوة القانون في غيبة السلطة التشريعية...وراي هذه الهيئة يمثل الراي الراجح المتفق مع المصلحة العامة في الظروف المحيطة بالموضوع. ويكون للسلطة التشريعية في غير الاحكام الشرعية القطعية المستندة الى نصوص قطعية الثبوت والدلالة القرار النهائي التصويت بالاغلبية المطلقة على راي الهيئة ،ولها ان تراجع الهيئة الدينية بابداء وجهة نظرها فيما تراه اقرب الى تحقيق المصلحة العامة قبل قرارها النهائي. يتم بقانون تحديد مواصفات علماء الدين الذين يحق لهم انتخاب هيئة كبار العلماء والشروط التي ينبغي ان تتوافر في اعضاء الهيئة ). لقد تعرض هذا الجزء من البرنامج على وجه الخصوص لاكبر كم من الانتقادات من قبل القوى الليبرالية باعتباره يؤسس لنظام ديني يستبعد تماما مفهوم الدولة المدنية ، وقد ساهم في هذه الانتقادات عدد كبير من المقربين من التيار الاسلامي مثل فهمي هويدي الذي راى ( ان هذا الجزء من البرنامج وراءه فكرة ساذجة ) ، في حين دافع اعضاء الاخوان عن هذا النص بالقول ان راي اللجنة استشاري وليس ملزم ، معتبرين ( ان النص عانى من عدم دقة في الصياغة ) ، في معرض ردهم على عاصفة الانتقادات وقد جاء هذا التبرير متناقضا بعض الشيء مع وضوح النص الذي اوردناه . لذلك فالطريقة التي صيغ بها دور الهيئة الدينية في الدولة والنظام السياسي المصري لابد ان يثير كل القوى المطالبة بمدنية الدولة ، ولم يكن كافيا ما اورده الاخوان من تطمينات ان الهيئة استشارية وان هناك ضعف في الصياغة ، حيث يرى المعارضون لهذا المشروع انه يلغي فعليا دور المحكمة الدستورية العليا لتحل محلها هيئة العلماء باعتبارها المرجعية الاعلى وهذا ما يلغي مدنية الدولة من الاساس على حد وصفهم . كما استثنى مشروع برنامج حزب الاخوان المسلمين رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء من مبداين عامين وهما مبدا المواطنة ومبدا المساواة في الفرص ، حيث حظر تولي الاقباط والنساء لمنصبي رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء، وقد اتسم المشروع بالحسم القاطع في هذا الموضوع بالذات ، مما اوجد نوعا من التناقض مابين القاعدة العامة التي استند اليها المشروع في المواطنة والمساواة وما بين الاستثناء الذين جمعهما في مكان واحد ويبرر العديد من الباحثين ان الاستثناء القبطي في المشروع جاء نتيجة لوجود وظائف دينية للدولة يفهمها العقل الاخواني على النحو الذي كانت عليه قبل ان يعرف البشر مباديء مثل المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص ، فالاخوان يرون ان للدولة وظائف دينية ومن بينها وظيفة جهادية في الحرب والقتال لا يمكن ان يعهد بها لغير المسلم .. وبالطبع هذا الموقف يغفل التغيير الجوهري الذي حدث في طبيعة الدولة في العصر الحديث مع نشاة وانتشار الديموقراطية باعتبارها دولة مؤسسات وليست دولة حاكم فرد و وظائف الديموقراطية موزعة على مؤسساتها وليست مركزة في مؤسسة وحيدة مثل مؤسسة الحاكم او الخليفة كما كان سابقا . وبالتالي فان العقل الاخواني الذي يعلن تاييده للديمقراطية فانه يطبق احكاما لمرحلة ماقبل الديمقراطية ، وهذا الراي يخالف كثير من الاراء الفقهية الاسلامية مثل راي المستشار طارق البشري في مسالة الولاية حيث يرى ( ان الولاية في ذلك الزمان كانت فردية اما الان فقد اصبحت مؤسسية ، منظمة بالدستور والقانون وفق مستويات مختلفة في عملية اتخاذ القرار ) ، كما ناقض المفكر د. محمد سليم العوا راي الاخوان في المشروع مؤكدا ان هناك عملية انتقال من مفهوم الذمة الى مفهوم المواطنة وان (الذمة عقد وليست وضع وان العقد يرتبط باطرافه وشروطه فاذا تغيرا تغير العقد ...حيث تغيرت الاوضاع وتغير شكل الدولة وعقد اهل البلاد عقدا جديدا هو الدستور الذي يبنى على فكرة الحقوق والواجبات وعلى فكرة المواطنة). والمشروع الاخواني لم يكتف بالتمييز الديني بل امتد الى التمييز الجنسي حيث استثنى المراة من تولي رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء كما هو الحال مع القبطي مع منحها حق تولي باقي المناصب مع اشتراط عدم تعارضها مع القيم الاساسية للمجتمع ، مما يعني تحجيم دور المراة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا بما يتلائم مع رؤى وتصورات رجال الدين ، وبذلك تؤكد رؤى الاخوان المسلمين انها بعيدة كل البعد عن تطبيق مباديء الدولة المدنية الحديثة ، مما يعزز المخاوف لدى القوى الليبرالية والمدنية المصرية من انقلاب الاسلام السياسي على العملية الديمقراطية بعد ان تتهيىء له الظروف المناسبة .
#محمد_فاضل_نعمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة المدنية ومازق الاسلام السياسي في مصر
-
الربيع العربي ودعوات احياء الدولة الدينية
-
الذكرى المئوية لاذلال مواطن عراقي
-
خارطة القوى السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير
-
الدولة المدنية بين التأصيل النظري والتغيير العربي
-
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بين المسؤولية الادارية وا
...
-
مئة يوم من التقييم
-
الوجه الآخر للمحاصصة السياسية
-
الدبلوماسية الثقافية ودورها في تعزيز قرار السياسة الخارجية
-
مفهوم الأمن الوطني وهاجس الدولة البوليسية
-
ستراتيجية الاجتثاث والتفتيت الامريكية في العراق
-
جريمة التهجير والعجز الحكومي
المزيد.....
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|