أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سنان أحمد حقّي - قولٌ في الفصاحة..!















المزيد.....

قولٌ في الفصاحة..!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 3874 - 2012 / 10 / 8 - 15:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قولٌ في الفصاحة..!
كتب الأستاذ العزيز طلعت رضوان المحترم مقالابتاريخ 6/10 ألجاري في الفصاحة وفي اللغة العربيّة واللهجة العاميّة وأودّ أن أًعقّب على مقاله المذكور باستفاضة رغم بساطة مؤهلاتي فيه ، راجيا أن يتقبل ملاحظاتي وتعقيبي برحابة صدر .
قبل كل شئ سنحاول تحرّي معنى الفعل "فصح" وجذره اللغوي باتباع الحالات الستّة لاجتماع هذه الحروف الثلاثة وهي الفاء والصاد والحاء بعد فتح شجرتها كما يقول الإحصائيون
1. فصح :نجد في لسان العرب أن الفصاحة هي البيان ؛ وفصح الرجل فهو فصيح أي طليق ، وأفصحَ هو ضدّ أعجمَ (العجمة هي أي كلام غير عربي وهو أمرٌ معروف) وقيل في الحمار ( أعجمَ في آذانها فصيحا) ومعناه أنه رغم أن الحمار لا ينطق ولا يعرف البيان ولكن نداءه جهْوَرِيٌّ وواضح وبيّن،والفصاحة هي الكلام البيّن الواضح ، ويُقال ( تحت الرغوةِ اللبنُ الفصيحُ) اي اللبن الخالي من الشوائب،والفِصح هو الفطر عند النصارى أي بمعنى أن يُفطروا بعد صيام وكذلك النطق بعد الإمساك عن الكلام أي أفصحوا بمعنى بيّنوا والفصحُ هو اللبن،وفصح الصّبح أي بان ووضُحَ.
وفي مقاييس اللغة نجد أن إجتماع حرف الفاء والصاد والحاء جذرٌ يدلُّ على الخلوصِ في الشئ وعلى نقاءه من الشوائب وهذا ما ورد في لسان العرب أيضا.
2. فحصَ :الفحص هو البحث عن المعايب وهو أيضا قلب التربة أو البحث فيها ، والبحث عن المعايب فيه تنقية من الشوائب أو الأخلاط.
3. حفص : هو الجمع وهو ولد الأسد وهي كُنيةٌ له عن جمعه للخصال الكبرى في الإقدام والشجاعة
4. حصف :حصُفَ أي كان جيد الراي محكم العقل فهو حصيف ، وغنيٌّ عن القول أن محكمي العقل هم خلوٌ من الأخطاء والشوائب
5. صفح : صفح عن الشئ أي أعرض عنه وولاّه جانبه وأعرض عن ذنوبه.(وتُستخدمُ اليوم بمعنى عفا عن إساءاته)
6. صحف :إمّا الخطأ في القراءة ( صحّف الشئ أي أخطأ في قراءته) أو ما يُجمع منه الكتاب
وهكذا نجد أن إجتماع هذه الحروف يُفيد الخلو من الشوائب والخلوص في الشئ كما قال لسان العرب ، ويُقال لفظُهُ فصيح وكلامه فصيح وهذا يعني أنه لفظٌ يُطلقُ على غير الإنسان لا كما قال الأستاذ كاتب المقال ولكن صيغة فُصحى لم أجد لها أصلا ولهذا يمكن أن نقول لغة عربيّة فصيحة وليس فُصحى أو نقول كلامه فصيح ( وهو نعتٌ للكلام أي اللغة وليس الإنسان فحسب).
والفصيح بهذا يكون التبيان والظهور الصحيح الخالي من الشوائب والخالي من العجمة أساسا وهو سرّ تسمية الفصاحة من حيث هي ضدّ العجمة ، وهو ليس البلاغة أو علوم البلاغة إذ أن البلاغة بلوغ المعنى أي نهايته أو أقصاه والبيان هو توضيح المعنى فقط ولكن الفصاحة هي تعني فقط الكلام العربي والخالي من الأخطاء أي مراعاة النحو والصرف ومجمل القواعد المختلفة دون الوقوع في خطأ فيها ولكن ليست البلاغة بالضرورة أي دون فنون الأدب والنقد الأدبي ولا الكتابة الفنيّة ( ويمكن أن نختصر لما تقدّم من جملة طويلة أن الفصاحة لا تتعدّى إلى علاقات الجمل مع بعضها بل تقتصر على المفردات وحُسن إستعمالها وقد يجئ القول فيها بالبلاغة من باب المجاز أو الإستعارة ،امّا عن اللغة الدارجة فإن أصبحت معتمدة فإن اللبناني سيبقى لا يفهم على العراقي والمغربي لا يفهم اليماني وهكذا بل سيتكرّس بما هو أعظم ، ما عدا كوننا سنلجأ لابتكار قواعد ونحو وفنون وعلوم لغويّة بتلفيق قواعد بعد الإطاحة بالعربيّة لا سمح الله
أنا الآن أسأل القارئ الكريم أن يُخبرني عن وجود مثل هذه اللغة التي فيها مثل هذه الأسس والقواعد أعني المنهج والتراكيب والأبنية الهيكليّة بحيث تجد كل ثلاثة حروف أبجديّة لها جذرٌ مشترك يجمعها في المعنى ؟وهناك ما هو أعظم منه فيها وأكثر.
لا أدري لماذا نرفض لغة ورثت تراثا ثرّا ومنهجا خاصّا وعميقا وهيكلا شامخاولها شخصيّة قويّة بين اللغات ؟
إن المغربي الذي لا يفهم اللبناني واليماني الذي لا يفهم اللبناني أو السوداني هم أنفسهم عندما يجتمعون ويتكلمون باللغة العربيّة الفصيحة أو باللفظ الفصيح فإنهم يفهمون بعضا كما نرى وتوجد رغبة متزايدة للعودة للعربيّة الفصيحة أيضا بكل تأكيد وهي أيضا وبالـتاكيد ليست لغة دينيّة والدليل هو أن كتّابها مقروؤون أدبيّا وسياسيّا وثقافيّا في كل مكان ولم نسمع أن أحدا تشكّى من اللغة الفصيحة أو أنه لا يفهمها كلّيّا .
امّا الفرق بين الفصيحة والبليغة والبيان فحيث ان اللغة بلاغيا قد تنطوي على إستعارات وفنون خاصّة في التشبيه والتمثيل والتورية والمجاز وغيره فإن متطلبات الفصاحة لا تشمل فنون البلاغة والبيان بالضرورة ولكن ما يجب أن نعلمه ونُدركه أن الفصاحة ضدّ الإعجام أي أن التكلّم بأية لغة غير عربيّة فهو كلام أعجمي لأنه غير مفهوم وضدّه هو الكلام الفصيح أي عندما يكون مفهوما للعربي فقط ولا يلزم إتباع فنون البيان والبلاغة فهو إذا الوضوح كمهمة الإعراب في النحو فهو التبيان والتوضيح فقط ولا يلزم تعبيرا أدبيا أو فنيّا أو أسلوبا متكاملا كما هي الحال في البلاغة والبيان كما قلنا ولكننا في نفس الوقت نقول إن إتباع اللهجات الدارجة والعاميّة سيجعلنا نبحث عن قواعد بلاغيّة وبيانيّة ساذجة في حين نترك الأسس المحكمة والقويمة لعلوم وفنون وقواعد نقديّة تثير الفخر والإعجاب وأنا بكل تواضع توصّلتُ إلى أنه لا بلاغة إلاّ في الفصاحة أي لا بلاغة في ما هو غير فصيح من الكلام واللفظ ؛ لأنه يُعرّض العقل إلى شطحات ومهاوي تضع الأدب والفن في منحدر من الهبوط والسذاجة المثيرة للسخرية والخروج عن الواقع ويجب أن نحذر كما قال طه حسين من أن نمثّل للواقع بالخيال أو نشبّه له بالخرافة فيُصبح كلامنا ثرثرة تخرج عن الفلسفة التي تقتضي التشبيه والتمثيل للواقع بواقع أي بنماذج وموجودات قائمة في حين أن العاميّة لا تتوفّر على قواعد ولو بحثنا عن شئ منها لكان منّا إختراعا أي خيالا أو صورا خرافيّة أو في أقل تقدير غير مألوفة للأغلبيّة فتصبح معرفة المعاني أحاجي مغلقة وتوريات تامّة
لماذا نترك لغة تكوّنت في زمن طويل وشذّبتها مختلف الفنون والآداب والتجارب؟
وأعود إلى بيان معاني الفصاحة فهي اللفظ والكلام الخالي من الأخطاء ويكفينا خلوه من الأخطاء النحويّة وما شابهها ولكن النظر إلى العلاقات بين الكلمات والجمل أو الجمل
والمقاطع فهذا ليس له علاقة بالفصاحة وهو غير مطلوب من المتحدّث بالعربيّة

لم أجد كفاية من المبررات لترك لغتنا الفصيحة بدعوى أن صفة الفصاحة لا تُطلق على اللغة بل هي مختصّة بالإنسان ، فضلا عن أننا قد أوردنا ما يكفي للطعن في أمر اقتصارها على الإنسان حصرا .
كما أن وجود لغة فصيحة أي غير معجمة هو نعتٌ نسبي فنقول أَفصِح؟ أي وضّح وهو لفظ ضدّ أعجم وما يفهمه أحدٌ فهو له إفصاح أمّا ما لا يفهمه فهو له إعجام كما وضّحنا أو أفصحنا قبل قليل،وهنا نعلم أن هناك لفظ أعجمي وآخر عربي وعندما يكون هناك لفظٌ أعجمي وآخر عربي فإنه توجد لغةٌ فصيحة وأخرى عجماء، وهذا ولا شك مقتصرٌ على لغةٍ بذاتها دون الأخرى وليس واقعا موضوعيا يمكن أن ينطبق على كل اللغات فما هو لفظٌ أو كلامٌ أعجميٌّ لنا فهو لأهله ولأهل ذلك اللسان ليس كذلك أو قد تكون له صفات أخرى أو نعوت مختلفة ولكن هذه النعوت تختصّ بها العربيّة فقط ولا يمكن تطبيقها على اللغات الأخرى.
ومن جانب آخر لا نستطيع الركون إلى الأبحاث اللغويّة المختصّة باللغات الأخرى بسبب التباين التاريخي والأصالة التي تتمتّع بها العربيّة وترسّخ فنون تكاد تنعدم في اللغات الأخرى وما وجده المرحوم بيومي قنديل في اللغة القياسيّة أو النموذجيّة المذكورة لا يمت بصلة للفصاحة فالفصاحة ليست هي اللغة القياسيّة بل الخلو من اللحن أو العجمة أي أثر الألسن الأخرى التي ليس لها جذور مشتركة معها.
إن العربيّة بالأصل هي لغة منطوقة ولا يُعتدّ بكتابتها او رسمها بل أن الكتابة جاءت في عصور لاحقة ويمكن أن تكون أو تظهر لها رسوم عديدة ولكن وفرة المجتهدين والمشتغلين بها جعلها تقف على توافق وهيكليّة متينة ومقبولة في الكتابة التي اصبحت غاية في الجمال .
إنّ حبّنا لكتابات صلاح جاهين وبيرم ونجم وغيرهم لم يدفعنا إلى ترك صلاح عبد الصبور أو حجازي أو علي محمود طه المهندس وشوقي ومن كان قبلهم ويرجع حبّنا لشعر كلام العامّة إلى حبّنا للحياة الريفيّة والبساطة والبيئة التي تعكسها مما لم يتوفّر عليه شوقي وحافظ او الجواهري وبدوي الجبل وعمر أبوريشة وغيرهم وما أدرانا لو أن شوقيا أو نازك الملائكة أو طوقان لو أنهم عاشوا في البادية أو الريف أو المناطق النائية أو الجبليّة ما ذا كانوا سيكتبون أو ان نجما أو مظفّر النواب لو عاشوا حياة أبطال تشارلس ديكنز أو شخصيات هاملت أو مكبث ما ذا كانوا سيكتبون ؟ إننا لا ننكر موهبة أحد من هؤلاء ولكننا نعتقد أنهم لو كتبوا بغير اللغة التي كتبوا فيها لأمكنهم أن يرتقوا إلى مستويات أرقى من الأدب الرفيع الخالد ولهذا فإنه لا يُشبعنا فن اللفظ الذي يتقدّم به نجم بقدر ما يُقدّمه بدرٌ أو الجواهري أو قبّاني أوسواهم فإننا لا يمكن أن نغفل عمق التعبير وتعدّد معانيه أي باختصار بلاغته وجزالته ومتانة نسيجه عند شوقي وسواه.إنهم اي نجم وجاهين وبيرم هم في الحقيقة شعراء فطريون ، أي مثلهم كمثل النحات الفطري العراقي منعم فرات بالنسبة إلى جواد سليم ، او كأحد كتّاب الأغاني العراقيّة( مع جليل إحترامنا لهم ولإبداعاتهم ) بالنسبة لتوماس أليوت أو أراغون أو بول إيلوار.
إن الشاعر والأديب لا يمكن أن يبرز كرائدٍ وعلمٍ خالدٍ على مر الأزمان دون أن يُتقن أدوات الكتابة وأهم تلك الأدوات هي اللغة فإن أتقن إستعمال اللغة التي يكتب بها فإنه يكون قد قطع أكثر من نصف المشوار إلى غاياته ؛ فلم يكن ممكنا أن نتعرّف على ماياكوفسكي لو لم يُتقن الروسيّة ولا بوشكين أو حتّى يفتشينكو وهكذا هو الأمر مع جميع اللغات وأدباءها ومع كل من تألّق من الشعراء والأدباء إذ أن إتقان اللغة أمرٌ من أهم ما يجدر إتقانه ، كيف سيتقن كاتب العاميّة لغته وكيف سيطوّرها؟ هل يعود إلى إبتكار لغة جديدة أم قواعد جديدة أم فنون لغويّة من إبتداعه واختراعه لا يفهمها إلاّ هو؟
إن ظهور لغة جديدة أمرٌ ممكن ولكنها مهمة طويلة عريضة تساهم فيها أمّة بأكملها عبر حقبة تاريخيّة كاملة وهي تنبت كالنبات إذا ساعدت الظروف المختلفة على إنباته ولا تُصنع صناعة فهناك مهمة كمهمة بناء جدار وهناك مهمة كمهمة إنبات شجرة والإختلاف بين المهمتين واسع جدا ومعروف.
نعم إن إحدى وظائف الكاتب والشاعر أن يعمل على تطوير اللغة عموما وتطويعها لمسايرة العصر وابتداع معاني والفاظ جديدة ولهذا وُجدت في لغتنا علوم مثل الصرف والبديع والمعاني فضلا عن إستمرار تواصلها مع جذورها السابقة من اللغات القديمة واللغات التي تفاعلت معها وهذا هو شأن اللغة الحيّة ولكن أن ندع كل هذا الإرث الجميل والخالد لنمسك بأذيال منظومة مفردات متفرّقة لا قواعد لها ولا إرث فنّي أو حضاري فأنا أقول : لماذا؟
هل كرها بالعربيّة ؟ إذا أيضا لماذا؟
وكلمة لماذا أضعها أمام الأستاذ الكاتب كبيرة وبالبنط العريض كما يقولون .
علما بأن لغتنا العربيّة لم تخضع لتطورات الحداثة بأي شكل بل إحتفظت بثرائها التراثي ولذلك لا مجال لإخضاعها إلى متطلبات ما بعد الحداثة إن كان تيار ما بعد الحداثة منهجا يستطيع أصحابه أن يُرسّخوه وبالتالي إخضاعها إلى الإلغاء والهدم والتفكيك
إسمحوا لي أن أروي لكم رواية قصيرة :
كنت يوما في زيارة أختٍ لي وكانت رُزقت بطفل وهو آنذاك يتعلّم النطق والتعبير وحاولت محادثته فكنت كلما أقول له شيئا يقول لماذا ( ليش؟) وعندما أجيبه يتبعها بليش أخرى وهكذا حتّى تعبت من متابعة ( ليشاته ) هذه ففكرتُ فيم أُسكته؟ فاستدرجته إلى أن يُحدّثني هو في أي شئ ثم سألته ( ليش؟) فقال ( حتّى أحسن) وعدت أحدّثه وكلما قال ( ليش؟ ) قلت له ( حتّى أحسن) فيقتنع ولا يعود لسؤاله الدائم( ليش)
فهل نستجيب لدعوة أستاذنا مع كبير التوقير له ، والأمثال كما يقولون تُضرب ولا تُقاس أنستجيب من باب ( حتّى أحسن) ؟
إننا مع ضرورة تيسير اللغة وفنونها وعلومها وأن يُقدِم علماؤها وأدباؤها على تيسير مختلف قواعدها والعمل على تطويرها وتطويعها لاستيعاب المفردات الحديثة والأفكار المفيدة ولكننا متمسّكون بها بقدر تمسّك الأنكليز بلغتهم والروس والألمان والفرنسيين والصينيين واليابانيين والناس أجمعين.
ليس من المعقول أن نجد أن الأمم المتحدة بل حتّى لجنة منح جائزة نوبل للآداب تعتني وتستهدف منح كاتب مغمور يكتب بلغة مغمورة لا يتكلم بها سوى ما يقلّ عن خمسة آلاف نسمة فقط وقيل ثلاثة آلاف ، في جبال الألب ويمنحونه جائزة نوبل للآداب فقط للمساعدة على إحياء تراث لغة تكاد تندرس أو تنقرض ونحن نستمع إلى من يدعو إلى قبرودفن لغة ما زالت تتجدّد وتعيش في ريعان العطاء والتفاعل مع التقدّم وتفعل ما مطلوب منها في التعامل مع الحضارة الحديثة وتقديم المزيد والمزيد الحيّ إلى هجرها نحو كلام ومفردات محدودة تكرّس تفاهم مجتمعات أقل محدوديّة فيما بينها فقط ونعمل على حجب لغة تتيح لنا التواصل مع أكثر من ثلاثمائة مليون شخص بل يزيد ما زالوا يتكلمون بها ويرغبون بذلك ويتعلمون آدابها وعلومها ويتزايدون بتزايد عمق الثقافة والعلم والحضارة وبتنامي محو الأميّة . إن العاميّة كانت أكثر وأوسع إنتشارا عندما كنّا لا نستطيع التقرّب من اللغة الفصيحة واليوم أصبح الذين يتعلّمون اللغة العربيّة الفصيحة في تزايد كبير فهل نعود لندعو إلى تركها واختراع لغة عاميّة؟
أرجو أن يمنحني القارئ الكريم فرصة لأعرض له مثالا عن مشاكل العاميّة ، فقد وضع أحدهم كتابا تاريخيّا مهما منذ أكثر من قرنين من الزمان أو نحو ذلك وضمّنه أحداثا تاريخيّة مهمّة جدا وبتفاصيل دقيقة بالأسماء وتحدّث فيه عن حقبة تاريخيّة مثيرة تشغل بال المؤرخين ولهذا كانت لهذا الكتاب أهميّة عظيمة عندما تم العثور عليه وتهافت المؤرخون لتحقيق مخطوطته ولكن كانت هناك مشكلة كبيرة فقد كتبه كاتبه باللغة العاميّة وكانت اللهجة هي لهجة بعض أهالي البادية والأرياف التي إستغلقت على المؤرخين والباحثين وعمل أحد المؤرخين جهده مشكورا وجال بالكتاب على عدد من الأهالي المسنّين والشيوخ الأكارم وبعض سكان البوادي وفكّ مغاليق اللغة التي كتب بها كاتبنا بعد جهد كبير جماعي وكأنه يفكّ حجر رشيد وعندما حقّق الكتاب وطبعه وجدناه بعد كل جملة أو بضعة كلمات يضع هامشا يُترجم فيه المعنى أو العبارة وعلمنا أنه أي المحقّق قد بذل جهدا لم يكن ضروريا لو أن المؤرخ كتب كتابه بلغة عربيّة سليمة وليس بالعاميّة أفهل نقبل أن يجد أحفادنا ومن يخلفنا ما كتبناه مغلقا عليهم بهذا الشكل بل ربما يكون أعظم. وهل بهذا الشكل تتم خدمة الحضارة والتاريخ الإنساني أم إنها فرصة لإشاعة فن التحريف والتزوير وما يُدعى بإعادة كتابة التاريخ وما هي بإعادة لكتابة التاريخ بل لتزويره؟
إن التاريخ قابل للتحليل والدراسة والبحث المتنوّع وإبداء الرأي ولكنّه عصيٌّ على وضعه مجدّدا حسب الرغبة والغاية المسبّقة.
إن مقال الأستاذ طلعت المحترم والعزيز يبدأ بعنوان يوحي بمحاولة تصويب مفردة
محدّدة لكنه يقودنا إلى أمرٍ غاية في الخطورة إنه في الحقيقة يدعونا إلى قطع الصلة
بيننا وبين تراثنا وتاريخنا، بيننا وبين ماضينا وبالتالي بيننا وبين هويّتنا وأحلامنا للمستقبل.
لن يأتي يوم يتكلّم العالم كلّه لغة واحدة فقط ، إلاّ إذا كانت تلك اللغة تتضمن تراث وتاريخ العالم كلّه وترث وتتّسع لحضارته كلها وتعبّر عن هويّة أبناء أمّنا الأرض جميعا ومثل هذه اللغة يجب أن تتوفّر لها صفات وقدرات وفنون وعلوم عميقة وموحية كثيرا ولا أجد مثلا أنه متوفّر للإنكليزيّة على سبيل المثال مثل هذا على عظيم إحترامنا للمتكلمين بها .
وإذا كان ذلك ضروريا وضروريا جدا فلنترك قوانين الطبيعة تفعل فعلها في تمكين الناس إنتخاب ما يصلح لهم على أسس عمليات الإنتخاب الطبيعي وسنرى لو أن لا عب مسرح العرائس كفّ عن أن يُلعّب اصابعه وخيوطه فكيف ستعمل العرائس عندئذ ؟.



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين عصرالمسرح وعصرالطابعة 3D..!
- هل يوجد فكرٌ يساريٌ إصلاحيّ..؟
- شكلُ الحريّة..لونُ الحرّيّهْ..!
- إلى ذات التنورة النيليّة والسماء الزرقاء..!
- الأنساب لماذا؟
- في جدليّة الزعيم وعبد الناصر..!
- إنسانيّة الكلاب والقطط..!
- المادّة في الأدب الفلسفي..!
- واحرّ قلباه..!
- هوامش وتعاليق على مقال من هو الشيوعي؟
- الحاجة أم الإختراع..!
- البديهيّة والمُسلَّمة واختلاف التنوّع ..!
- البصرة من منظور التنمية الشاملة
- هوامش وتفاصيل سريعة حول الواقع الحضري لمدينة البصرة
- ربيعٌ أم ثورةٌ ؟ ..أم فوضى خلاّقة؟
- في مفهوم الإيمان ..ولماذا الإيمان أولا؟..مرّة أخرى ..!
- البلم ..والبلم العشّاري..!
- تحوّلٌ مثير وجديد..!
- روسيا الأمس ؟ أم اليوم؟ .. !
- قولٌ على قول ٍفي الرد على قول ماركسَ في الأديان..!


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تضرب هدفاً حيوياً للاحتلال في إ ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف موقع حيوي في إيل ...
- إلى جانب الكنائس..مساجد ومقاهٍ وغيرها تفتح أبوابها لطلاب الث ...
- بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س ...
- أمين سر الفاتيكان: لبنان يجب أن يبقى نموذج تعايش ووحدة في ظل ...
- الكنائس المصرية تفتح أبوابها للطلاب بسبب انقطاع الكهرباء
- صورة جديدة لسيف الإسلام معمر القذافي تثير ضجة في ليبيا
- إسرائيل: المحكمة العليا تلزم الحكومة بتجنيد طلبة المدارس الي ...
- في -ضربة- لنتنياهو وائتلافه.. المحكمة العليا الإسرائيلية تأم ...
- ما هو تردد قناة طيور الجنة على النايل سات ؟ والعرب سات وأهم ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سنان أحمد حقّي - قولٌ في الفصاحة..!