|
في تقريره الأول بعد التأسيس هل كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن معوقات التنمية ببلادنا؟
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 3873 - 2012 / 10 / 7 - 02:39
المحور:
الادارة و الاقتصاد
أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي تقريره برسم سنة 2011 ، وهو تقريره السنوي الأول بعد التأسيس . وأكد أن سنة 2011 تميزت بتقلبات دولية وإقليمية لم يسبق لها نظير. إلا أن المغرب. في ظل هذا المناخ، حظي بقدرته على ابتكار نهجه الخاص في إرساء ديمقراطية اجتماعية وتشاركية وإدماجية على نحو سلمي وتشاوري. لاسيما وأن الدستور الجديد كرس الإصلاحات التي بوشرت خلال العشرية الأخيرة قعّدت أسس مغرب الغد. لكن هل تنمية بلادنا مازالت معاقة؟
مناخ اقتصادي واجتماعي صعب وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. اعتبر تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن المغرب يتوفر على مقومات أكيدة، إلاّ أنه يواجه هشاشة اقتصادية ومالية متنامية وتحديات اجتماعية ملحة في ظل مناخ يتميز بأزمة عالمية. وبالرغم من احتدام الأزمة في منطقة الأورو. فإن النمو تواصل نسبيا سنة 2011، كما أن التضخم ظل متحكما فيه. أما المحافظة على القدرة الشرائية. فقد تم تحقيقها من خلال دعم أثمنة المواد الأساسية والمحروقات. وكذا بفعل تدابير اجتماعية. رغما عن الارتفاع المهول الذي شهدته هذه الأثمنة خلال سنة 2011 . وقد ساهمت هذه التدابير الظرفية في الحفاظ على السلم الاجتماعي رغم ما كان لها من أثر على عجز الميزانية الذي بلغ مستوى بات من الصعب تحمله على المدى الطويل. ويقرّ التقرير أن الارتفاع غير المسبوق لنفقات صندوق المقاصة والاستهداف غير الكافي لهذه النفقات. يوضح مدى محدودية هذا النموذج المعتمد على مستوى الإنصاف الاجتماعي والجدوى الاقتصادية. كما أن تفاقم العجز التجاري أضحى يفرض بإلحاح، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة تطوير وإنعاش الصادرات من خلال التثمين الأمثل للاستراتيجيات القطاعية. وكذا العمل على ضبط المبادلات وتسهيل المساطر وتنويع العلاقات التجارية وبلورة إطار قانوني جديد لنظام الحماية التجارية. و في هذا الإطار يؤكد التقرير. أن الحل البنيوي يكمن في جعل التنافسية محورا أساسيا للسياسات العمومية ويدعو إلى ضرورة إعطاء الأولوية للقطاع الصناعي الذي يشكل الإطار الأمثل للابتكار والحفاظ على الشغل من خلال رفع كل القيود التي تحول دون تنميته.
التقدم الحاصل دون انتظارات المغاربة
لقد دعا تقرير المجلس إلى مأسسة الحوار الاجتماعي وإنعاش المفاوضات والاتفاقيات الجماعية وكذا تحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق الدستوري للإضراب. علاوة على تشجيع المقاولات على إرساء نظام الإشهاد في مجال المسؤولية الاجتماعية. وذلك بهدف الوصول إلى إبرام تعاقد اجتماعي. وفي ما يتعلق بالتنمية البشرية. أشارالتقرير إلى أن السياسات المتبعة كان لها وقع إيجابي على المؤشرات الأساسية غير أن حجم العجز الاجتماعي وبطء وتيرة احتوائه. من شأنهما أن يؤثرا على التماسك الاجتماعي . علما أن الدولة تخصص موارد هامة وتبذل جهودا جمة لكن التقدم الحاصل يبقى دون انتظارات السكان. فاستمرار البطالة. خاصة في أوساط الشباب. والولوج غير المعمم للخدمات الصحية الأساسية وللحماية الاجتماعية. والمردودية والجودة غير الكافية لمنظومة التربية والتكوين. تحول جميعها دون استدامة التنمية. مما يحتم وضع هذه التحديات في قلب السياسات العمومية. لكن بفعل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي بوشرت خلال العشرية الأخيرة والدفعة التي أتى بها الدستور الجديد. فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يعتبر أن المغرب يتوفر على عدة مقومات. إلا أن تجسيدها على أرض الواقع يمر عبر سياسات تقوي قيم المواطنة وتحسّن الحكامة ونجاعة التدخل العمومي. وتحرص على تحقيق التنافسية العامة للبلاد إلى جانب تحقيق مستوى أعلى من العدالة والتماسك الاجتماعيين. واستجابة للتحدي الكبير المرتبط باندماج الشباب . أوصى تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتعميم المقاربة الشبابية في تصور وبلورة أي سياسة عمومية. كما أنه سعى هذه السنة إلى التموقع كمؤسسة استشارية تمثل غنى وتنوع الحساسيات المتواجدة داخل المجتمع المغربي. وإلى أن يصبح فضاء للتشاور ولتعميق الحوار الاجتماعي والمدني وقوة اقتراحية في نطاق اختصاصه.
هل تنميتنا معاقة حاليا بفعل كوابح "مستدامة"؟
فرغم المجهودات التي يبذلها المغرب، فإن نجاح التنمية المستدامة مازال يواجه عدة عراقيل. ويجمع المحللون الاقتصاديون أن الفساد يعتبر أكبر معوقات التنمية في بلادنا، مما ما يجعل مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية تظل بعيدا جدا عن انتظارات المغاربة. في واقع الأمر، وبشهادة الكثيرين ، إن الفساد وانتشار الرشوة والبيروقراطية وضعف التمويل وهشاشة البنية التحتية وتردي مجالي التعليم والصحة، هذه كلها توجد في مقدمة معيقات التنمية بالمغرب. فهناك علاقة عضوية بين انتشار الفساد و تدهور القدرة التنافسية للاقتصاديات الوطنية ، وكل الدراسات تبين بأن أكبر الدول من حيث القدرة التنافسية هي الدول الأقل فسادا. فضلا على أن الفساد يؤدي إلى عرقلة القانون وينال من هيبة دولة الحق و القانون ، كما يؤدي إلى انهيار في البيئة الاجتماعية و الثقافية. و يهدم أسس التوزيع العادل للثروة ، و يعوق بناء نظام يجعل المبادرات الفردية تحل محل النفوذ الشخصي واستغلال المواقع . فخلال السنوات الأخيرة ظلت أعلب المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في مكانها دون تحقيق ولو الحد الأدنى من المطلوب والمنتظر، وهذا ما رصدته كذلك التقارير الأجنبية. فقد احتل المغرب مراتب متأخرة في جملة من المجالات، حيث احتل المرتبة 73 عالميا في مجال التنافسية والـمرتبة 93 في مجال الصحة والتعليم والـمرتبة 98 في جودة التعليم الأولي، والـمرتبة 97 في ارتباط المدارس بالأنترنيت والـمرتبة 65 في جودة تدريس العلوم. كما احتل المغرب، في مجال بيئة الأعمال وجودة البنية التحتية المساعدة على التنمية الاقتصادية، المرتبة 69 من ضمن 142 دولة، والمرتبة 68 في انتشار ظاهرة الاحتكارات الكبرى. ومن المجالات التي تعتبرها المتخصصون مازالت متأخرة عن ركب التنمية في المغرب، مجال ليونة المجال الضريبي حيث احتل فيه المغرب المرتبة 100 عالميا، والانفاق على البحث العلمي وجاء فيه في المرتبة 104 عالميا ومجال التشغيل حيث سجل المغرب مراتب متدنية في تسهيل إدماج المواطنين في سوق الشغل، باحتلاله المرتبة 132 عالميا في قياس نجاعة سوق الشغل.
درجة ثقة المغاربة "ترمومتر" نتائج التنمية على أرض الواقع
لازال العديد من المغاربة يُقرّون بصعوبة التمويل والذي يعتبرونه من أهم معوقات انخراطهم في مجال الأعمال، إلى جانب الفساد والرشوة اللذان مازالا يحولان بين المغرب وجلب الاستثمارات والمغامرة في إنشاء المقاولات. كما يعتبرون البنية التحتية غير مواتية لدخول عالم الأعمال، وتبقى بعض مظاهر البيروقراطية المستعصية. يتضح من خلال البحث الوطني حول العيش الكريم (الرفاه) الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط نصف المغاربة غير راضين عن عيشهم، وأن 60 في المائة يعتبرون دخلهم بالكاد يكفي لتغطية مصاريفهم ، و7 في المائة فقط يتمكنون من الادخار. كما أفاد البحث أن 64 في المائة من النشيطين المشتغلين يعتبرون أن دخلهم من العمل غير كاف، و40 في المائة من النشيطين المشتغلين يعتبرون أن عملهم غير ملائم لتكوينهم، و43 في المائة من النشيطين المشتغلين يعتقدون أنه من المحتمل أن يفقدوا عملهم خلال 12 شهرا المقبلة . وفي مجال الصحة إجمالا، يعتبر 63 في المائة من السكان أن جودة الخدمات الصحية ضعيفة أو جد ضعيفة. وهناك 81 في المائة يفتقرون إلى قاعات العرض ومكتبات ومتاحف، و38 في المائة لا يستفيدون أبدا من العطلة. وقد سبق للمندوبية السامية للتخطيط، المتخصصة في الإحصاء والتوقعات، في غشت الماضي أن أعلنت أنه خلال الفصل الثاني من سنة 2012، تابع مؤشر الثقة لدى الأسر منحاه التناقصي الذي ابتدأه منذ الفصل الرابع من 2011 مسجلا بذلك ثالث انخفاض على التوالي. علما أن حساب مؤشر ثقة الأسر المغربية يتمّ على أساس 7 مؤشرات هي: تطور مستوى المعيشة، تطور أعداد العاطلين عن العمل، فرص اقتناء السلع المستديمة (الاستعمال الدائم)، الوضعية المالية الراهنة للأسر، التطور السابق للوضعية المالية للأسر، والتطور المستقبلي للوضعية المالية للأسر. وبحسب استطلاع للمندوبية فان الأسر المغربية تتوقع تدهور المستوى العام للمعيشة ، حيث عرف الرصيد الخاص بهذا المؤشر انخفاضا قدر بــ 2,2 نقاط و1,9 نقطة على التوالي. وهذه كلها علامات تفيد غياب نتائج ملموسة للتنمية على أرض الواقع المعيش بالنسبة للأغلبية الساحقة للمغاربة. خلاصة القول مازالت المعرفة و التعليم والاقتصاد والصحة أهم البؤر الرئيسية التي تعوق تنمية بشرية حقيقية في المغرب، يلمس المغاربة آثارها على أرض الواقع.
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مافيا الكيان الصهيوني وملاذها بالمغرب: أخطر مجرمي إسرائيل يع
...
-
مازالت الصفقات العمومية -كعكة- تسيل لعاب الفاسدين
-
هل -العم سام- يجبلنا على كرهه وبغضه؟
-
الأخطاء الطبية بالمغرب
-
المعارضة المغربية الحالية فُرض عليها وضع المعارضة واقع حالها
...
-
التقرير السياسي للمجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل
...
-
هل المغرب -وردي- أم -أسود قاتم-
-
هل ظاهرة تهريب الكوكايين في الأحشاء بدأت تغزو المغرب؟
-
الدانمارك تسعى لإعادة الاعتبار للدركي المغربي مكتشف البترول
-
قلق وتذمر وارتباك علامات تطبع الدخول السياسي والاجتماعي والج
...
-
الحق في الحصول على المعلومات في المغرب
-
المغرب:هل نحن على ابواب السكتة القلبية أو الدماغية؟
-
الشفافية تستلزم رؤية واضحة حتى لا تصبح مجرد قعقعة
-
فضائح المؤسسات العمومية مغاربة خانوا ثقة الملك والشعب
-
إفلاس صندوق المقاصة مناسبة أخرى للتفكير في تغيير نموذج التنم
...
-
هل أمريكا بصدد إعادة ترتيب أوراقها بشمال إفريقيا عسكريا وأمن
...
-
متي سنتخلص من تسو نامي تهريب الأموال؟
-
التصدي للاعتداء الجنسي على القاصرين تنامي صادم بالقنيطرة وجه
...
-
من سيخلف عباس الفاسي؟ بعد فشل التوافق تم تفعيل استراتيجية ال
...
-
الجاسوسية والجاسوسية المضادة بنكهة مغربية
المزيد.....
-
بعد اجتماع البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة .. سعر الدولار ا
...
-
بسعر المصنعية .. سعر الذهب اليوم بتاريخ 22 من نوفمبر 2024 “ت
...
-
سؤال يؤرق واشنطن.. صنع في المكسيك أم الصين؟
-
-كورونا وميسي-.. ليفاندوفسكي حرم من الكرة الذهبية في مناسبتي
...
-
السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت
...
-
وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا
...
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|