أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عصام عبد العزيز المعموري - ذكرياتي في اليمن - الحلقة التاسعة















المزيد.....


ذكرياتي في اليمن - الحلقة التاسعة


عصام عبد العزيز المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 3873 - 2012 / 10 / 7 - 01:20
المحور: سيرة ذاتية
    


ذكرياتي في اليمن – الحلقة التاسعة

..............................................................................................................
ظلت عدن حلما" جميلا" في ذاكرة كل اليساريين العرب الهاربين من جحيم أنظمتهم أيام السبعينيات والى منتصف الثمانينيات وبالتحديد إلى يوم الثالث عشر من يناير ( كانون الثاني ) عام 1986،أو لنقل الى يوم توحيد الشطرين في 22|5|1990 وكم كنا متفائلين بأن الأخوة
في الجنوب اليماني ينقلون تجربتهم الثرية الى أشقائهم في الشطر الشمالي وبالمقابل يأخذون منهم كل ما هو ايجابي ، ولكن ذلك كله لم يحدث فكان تيار الأخوة في الشمال قد جرفهم وأفقد قوتهم في التأثير وانتقل إليهم كل ما هو سلبي ،وأعتقد أن السبب في ذلك هو فقدانهم لسندهم الكبير المتمثل بالاتحاد السوفيتي السابق فأفقدهم القدرة على التأثير . وكان الأخوة العرب والمسلمون ينظرون الى عدن عضوا"غريبا" في الجسد العربي قبل الوحدة، ففي يوم ما ذهب الزعيم ( عبد الفتاح اسماعيل ) ليمثل وزارة خارجية جمهورية اليمن الديمقراطية آنذاك في مؤتمر وزراء خارجية البلدان الإسلامية فنهض وزير خارجية المملكة العربية السعودية غاضبا" وخاطب المؤتمرين قائلا" : كيف تسمحون لرجل لا يعرف الفرائض الإسلامية الخمس بأن يمثل بلدا" إسلاميا" ؟وكان يشير إلى ( عبد الفتاح إسماعيل ) وتوجهاته الماركسية ، ونهض الزعيم اليماني بغضب مماثل وقال : إن الفروض الخمس التي أعرفها هي( نجران وجيزان وعسير وأبها و.. ) وكان في ذلك إشارة الى المدن اليمانية المحتلة من قبل المملكة من وجهة نظره . وكان الشيوعيون العراقيون الهاربون من فخ اسمه ( الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ) أوقعهم فيه حزب البعث عام 1978 يجدون في عدن جنتهم الموعودة حيث الثقافة والأدب وحرية المرأة ولا يوجد شيء اسمه التمييز الطبقي ،ومن الأسماء العراقية اللامعة التي وجدت في عدن ملاذا" آمنا" في تلك الفترة الشاعران العراقيان ( سعدي يوسف ) و ( مظفر النواب ) والفنان المطرب ( جعفر حسن ) والمخرج ابن ديالى ( ثامر الزيدي ) وأسماء كثيرة أخرى ، وكانت عدن كأنها جزيرة منعزلة عن العالم العربي يطمح كل مهمش ومحبط عربي الوصول إليها ، فلا وجود للبطالة فيها والكل ينعم بالتأمين الصحي والتعليم المجاني والسكن اللائق ولا قلق من شيء اسمه المستقبل ،وكم كنت أتمنى لو ظل هذا الحلم يداعب مخيلتنا مضاف إليه شيئان لتكتمل جنة عدن هما حرية التملك وحرية العبادة ، فلم يكن لليماني الجنوبي آنذاك الحق في تملك العقارات والسيارات وغيرها وكل شيء تمتلكه الدولة وكنت أسمع من المتدينين بأنهم كانوا لايستطيعون ممارسة معتقداتهم الدينية وعندما نرى التجربة الصينية الآن لا نملك الا أن ننحني لهم ونتساءل كيف استطاعت هذه الحكومة أن تدير بلدا" تعداده يفوق المليار ولا تجد فيه شحاذا" ولا معدما" وان راتب رئيس الدولة بقدر راتب ثلاثة عمال خدمة لا أكثر .. وبمثل هذه التجربة كانت تجربة الأخوة في اليمن الجنوبي .
عندما جئت الى مودية في محافظة أبين أواخر عام 1992 لم أجد أثرا" لتلك الصورة الجميلة التي كان يحدثني عنها زملائي العراقيون العاملون في جنوب اليمن ، حيث وجدت حزبا" واحدا" يحكم المديرية ويفرض أجنداته وإيديولوجيته ألا وهو حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تأسس بعد الوحدة في 13 سبتمبر (أيلول ) 1990على يد الراحل ( عبد الله بن حسين الأحمر) شيخ قبائل ( حاشد ) وكان الحزب امتدادا" لفكر الأخوان المسلمين ، واستلم زعامته فيما بعد ( الشيخ عبد المجيد الزنداني ) .
لا أحد يجرؤ في مودية أن يقول بأنه منتم الى الحزب الاشتراكي اليمني أو يبشر بأيديولوجية الحزب ، وكان كل مدراء الدوائر والشخصيات المؤثرة في المديرية من حزب الإصلاح وشاهدتهم أيام الحرب بين الأخوة الأعداء في عام 1994 وهم ينادون بالجهاد ضد الاشتراكي ويبيحون الإفطار في رمضان إثناء تلك الحرب ويقولون : ( إن ذلك مباح لنا لأننا في حالة حرب ضد أعداء الله ) !
في يوم ما قال لي ( صرواح) الموظف في بدالة (سنترال ) مودية بأن رفاقه المتدينين في مودية والذين كانوا في تنظيم إسلامي سري في السبعينيات وبداية الثمانينيات قد قتلوا مدرسا" عراقيا" في ثانوية مودية لأنهم كانوا يعتقدون بأنه ملحد ولم يعرف قتلته إلى اليوم .
كان أقرب مسجد لمدرستنا ( ثانوية الشهيد جواس ) هو ( مسجد مقبابة) وكان يؤمنا صبي صغير لا يتجاوز عمره الثانية عشرة وحين كنت أستمع له في خطبة الجمعة أشعر بالاشمئزاز فهو يقرأ لنا خطبته من كتاب أعده المدرسون المصريون لأئمة المساجد ليريحوهم من عناء البحث في كتب الحديث والفقه والسيرة النبوية ووزعوه على أشهر السنة بالتوافق مع الأحداث الإسلامية المختلفة . وكنت كلما أتذمر من هذا الوضع وأقول لهم : ألا تجدون من هو مؤهل أفضل من هذا الصبي ؟ ويأتيني الرد : هذا سيد ابن سيد ولا يجوز أن يعتلي هذا المنبر إلا من كان سيدا" حتى لو كان صبيا" ، وتعرفت بعد ذلك على حقيقة كنت أجهلها وهي أن المجتمع اليماني يتكون من أربع طبقات اجتماعية هي :1-السادة الأشراف 2- القبيليون (نسبة الى القبائل) 3- الأخدام 4- السلاطين ، وما يقصده الأخوة اليمانيون بالأخدام هم أصحاب الحرف كالجزارين والسباكين والحلاقين والخبازين وغيرها ، فهؤلاء جميعا" ينظر إليهم المجتمع اليماني نظرة دونية ، فمهما يكن تحصيلك الدراسي ولقبك العلمي وجامعتك التي تخرجت منها فأنت لا تعني شيئا" إذا كان والدك يمارس هذه المهن وكنت أسمع عشرات القصص عن أكاديميين يمانيين أكملوا دراساتهم في جامعات عالمية مرموقة وعادوا إلى بلدهم اليمن وبدأوا يفكرون بتكوين حياتهم المهنية والزوجية ولكنهم فوجئوا بأن وصمة عار كانت تلاحقهم لأن آبائهم كانوا جزارين أو سباكين أو حلاقين .. الخ ، فهم من وجهة نظر مجتمعهم ( أخدام ) ولا يحق لهم سوى الزواج من طبقتهم مهما كانت ألقابهم العلمية .
حدّثني زميلي المدرس اليماني من تعز بأن شابا" من قريتهم تقدم لخطبة فتاة ( قبيلية ) وكان الشاب ثريا" جدا" فقد عمل سنوات عديدة في السعودية فوافق أهلها فورا" عليه ، وبعد سنوات عديدة حيث أنجب منها ثلاثة أطفال جاءه أشقائها يهددونه بضرورة طلاق شقيقتهم لأنهم كما يقولون اكتشفوا بعد فوات الأوان أن أباه ( حلاق ) وبالتالي فهو (حلاق ) وهو من (الأخدام ) ، ولا يمكن لفرد يماني ( قبيلي ) أن يتقدم لفتاة من ( السادة ) ولا يمكن لفتاة زيدية ( نسبة الى الامام زيد بن علي بن الحسين) أن تتزوج من رجل ( شافعي ) وبالعكس إلا ما ندر، ولاحظت أن هذا التمييز الطبقي لا يقتصر على الأخوة اليمانيين بل هو العلامة الفارقة لنا جميعا" نحن ملة العرب والمسلمين حيث لاحظت ذلك في القسم الداخلي لثانوية ( الشهيد جواس ) عندما كنا نحن المدرسين العرب نجلس لنتحاور حول الوضع العربي ، فكان المدرس الأردني ( من أصل فلسطيني ) يشعر بالدونية تجاه ( الأردني الأصلي ) ويقولون بأن الأردني من أصل فلسطيني لا يقبل في الأجهزة الحساسة من أمن ومخابرات واستخبارات والدوائر الهامة في الخارجية وكذلك السوري ( السني ) كما كان يقول لنا زملائنا المدرسون السوريون لا يقبل في تلك الأجهزة الحساسة وحتى إن قبل فأهميته ثانوية وهكذا أمة العرب وكما قال الشاعر نزار قباني يوما" : ( في بلدان العالم الثالث ممنوع أن تفتح فمك الا عند طبيب الأسنان) وقال لي مدرس سوداني كان من جماعة الداعية الإسلامي ( حسن الترابي ) بأن مدرسا" شيوعيا" في مدرستهم في السودان جاء يوما" بلحية كثيفة فاستغرب زملاؤه وسألوه : كيف يعقل أن يكون رجل شيوعي بلحية إسلامية كثيفة ؟ فأجابهم : من أجل مستقبل أطفالي .. وكان يقصد بأنه عمل ذلك للتقرب من حزب الترابي ذي النفوذ في السلطة آنذاك .. وهكذا أينما تولي وجهك في الوطن العربي تجد هذا التمييز.
بعد خروجنا من صلاة الجمعة في مسجد ( مودية ) حيث كان يؤمنا رجل من طبقة ( السادة ) سألته وقلت له : الطبقات الاجتماعية معروفة لديكم ولا يمكن لسيد مثلك أن يزوّج ابنته إلا إلى رجل من طبقة السادة .. فماذا تقول لو تقدم لك رجل عراقي مثلي للزواج من ابنتك ؟ وكيف تعرف طبقتي الاجتماعية لتحدد موقفك ؟ فقال " القضية بسيطة جدا" فأنتم أيها العراقيون جميعا" من طبقة ( السادة الأشراف) لأن أرضكم مليئة بأضرحة الأولياء والصالحين ولن أتردد بالموافقة فورا" .



#عصام_عبد_العزيز_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة الثامنة
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة السابعة
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة السادسة
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة الخامسة
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة الرابعة
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة الثالثة
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة الثانية
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة الاولى ( قبل دخولي الى اليمن )
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- الاصول الأجنبية لبعض الكلمات الشعبية التي نتداولها - الجزء ا ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - ال ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - ال ...
- البادئات واللواحق prefixes &Suffixes في اللغة الانكليزية- ال ...
- البادئات واللواحق prefixes &Suffixes في اللغة الانكليزية- ال ...


المزيد.....




- شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
- تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر ...
- -إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم ...
- كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن ...
- قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك ...
- الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو ...
- زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج ...
- زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي ...
- علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عصام عبد العزيز المعموري - ذكرياتي في اليمن - الحلقة التاسعة