أخبار الشرق - 4 تشرين الأول 2002
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول اقتراب صدور تشريع جيد ينظم الحياة الحزبية في سورية وان هذا التشريع هو قيد الدراسة حالياً ويمكن أن يعلن خلال الأشهر القليلة القادمة. ورغم ورود هذه الأحاديث نقلا عن بعض المطبوعات والشخصيات المقربة من السلطة فان تكتماً شديداً يمارَس على الشكل والمضمون الذي سوف يصدر على أساسه ويخشى العديد من المهتمين من أن يتم صدوره بالشكل الذي أتى عليه قانون المطبوعات الأخير والذي اعتبره الكثيرون تقييدا أكثر منه تنظيما وقوننة.
وهنا يجوز لنا أن نتساءل بجدية عن الشفافية التي وردت في خطاب القسم. فما يدعو إلى الاستغراب أن يتم إعداد مثل هذا القانون الذي يهم السوريين جميعاً بمثل هذا التكتم والسرية الشديدتين وهو القانون الذي يجب أن يسبق إعداده ندوات ومشاركات وحوارات واستبيانات. وإذا كانت الشفافية كمبدأ ورد في خطاب القسم لا تنطبق على هذه الحالة فمتى وأين يمكن تطبيقها؟!
لقد عاشت سورية منذ بدايات القرن المنصرم حياة حزبية غنية وعريقة ترافقت مع انتشار واسع للجمعيات والمنتديات التي اهتمت بالشأن السياسي الداخلي والإقليمي بشكل مباشر ومنذ العشرينات تواجدت الأحزاب بشكل فاعل داخل سورية، كحزب الإصلاح السوري وحزب الشعب والاستقلال إضافة إلى العديد من الجمعيات كجمعية العهد والعربية الفتاة وغيرها. وقد أنبتت هذه الحياة الغنية بذور مفهوم السيادة الوطنية ومفهوم الارتباط القومي، كما ساهمت في النضال من اجل الاستقلال عن فرنسا وإنجاز التنمية الوطنية وفي الاستقطاب الإقليمي بين المحورين السعودي المصري من جهة والعراقي الهاشمي من جهة ثانية.
ومنذ بداية الثلاثينات بدأت هذه التنظيمات الوليدة بالنضال لمقاومة الانتداب الفرنسي عبر المظاهرات والاضرابات والخطابات الجماهيرية وبرزت الكتلة الوطنية كأبرز معبر عن هذا التوجه من خلال الإضراب الخمسيني الذي نجحت في تنظيمه فيما بين 19/1 و8/3/1936 والذي أجبر المسئولين الفرنسيين على الدخول في حوار أفضى إلى مشروع معاهدة 9/9/1936.
لكن هذا التوجه السلمي الذي اتبعته الكتلة الوطنية وغيرها من الأحزاب الإصلاحية لم يرق للآخرين الذين اعتبروا أن الكتلة الوطنية تقدم التنازلات للفرنسيين، ومن وقتها برزت تيارات معارضة للكتلة الوطنية ومنها الجبهة الوطنية المتحدة التي تشكلت في 22/10/1935 ثم تحولت في عام 1937 إلى الهيئة الشعبية وكان على رأسها الشهبندر الذي انشق عن الكتلة الوطنية وكانت ذروة هذه المعارضة في ما يتعلق بمسألة لواء الاسكندرون الذي أعطي لتركيا في حزيران 1939 واتهام المعارضة للكتلة الوطنية بالتهاون في هذه القضية.
وفي هذه الفترة برز نجم السيد شكري القوتلي كزعيم للكتلة الوطنية، والذي كان يتمتع بصداقة متينة مع البيت المالك في السعودية، ما سيؤثر على مستقبل حزبه والاستقطاب الإقليمي لسورية بشكل عام.
وبعد الاستقلال كانت المشروعات الإقليمية التي تحاول ربط سورية سبباً مباشراً في نمو وبروز التيار القومي العربي ولم تتوقف معارضة هذه "البروزات القومية الناشئة" للكتلة الوطنية على سياسة هذه الكتلة تجاه الانتداب الفرنسي فحسب، بل هاجمت الفساد والمحسوبية والرشاوى والسرقات والدكتاتورية. ولم تقتصر أشكال هذه السجالات الحزبية على المسائل السياسية بل برز الشأن الاجتماعي والاستقطاب بين اليمين واليسار بشكل واضح وانعكس هذا السجال إلى القاع الجماهيري السوري بين الماركسية والليبرالية والقومية والإسلام.
وعلى صعيد قوننة العمل الحزبي فقد كانت وزارة الداخلية هي المخولة بإعطاء التراخيص اللازمة لتكوين وإنشاء الأحزاب السياسية، ويذكر البعثيون جيداً تاريخ العاشر من تموز عام 1945 حين رفضت الوزارة المذكورة منح الترخيص لحزبهم ومع ذلك فقد تجاوز البعثيون هذا الرفض ومارسوا العمل السياسي بحرية كاملة.
ثم صدر المرسوم 50 في تشرين الأول 1946 والذي منح وزارة الداخلية سلطة ترخيص الأحزاب السياسية والجمعيات والمطبوعات. ويذكر التاريخ أن جميع التنظيمات السياسية وقفت ضد هذا المشروع واعتبرته خرقاً فاضحاً للدستور ونظمت المظاهرات الحاشدة واضطر البرلمان نتيجة هذا الضغط الحزبي والجماهيري إلى رفض هذا المرسوم في 14/11/1946.
وفي 17/7/1947 حصلت أول انتخابات نيابية بعد الاستقلال وشاركت فيها القوى البرجوازية الحاكمة وكل أحزاب المعارضة بما فيها البعث والشباب والشيوعي والإخوان وغيرها، حيث سقط فيها مرشحا البعث (ميشيل عفلق وصلاح البيطار) في حين نجح أكرم الحوراني عن حزب الشباب. وبعد النكبة في عام 1948 ركزت المعارضة في نشاطها على أسباب هذه النكبة وعلى تخاذل الحكام وفساد الجيش، وقد ساهم البعث في هذه الحملة رغم كونه حزباً محظوراً (غير مرخص)، وأدى هذا الضغط إلى استقالة حكومة مردم في 21/8/1948.
وبعد حدوث الانقلاب العسكري الأول في 30/3/1949 بأوامر من العقيد حسني الزعيم قال الكيخيا رئيس حزب الشعب قولته المشهورة (ستعيش سورية خمسين سنة على الأقل من الألم والاضطهاد قبل أن تقضي على هذا المرض الذي دخلها)، ويقصد بالمرض مسألة الانقلابات وحكم الجيش.
وبالفعل ففي 3 نيسان 1949 حل المجلس النيابي وأُجبر القوتلي ورئيس وزرائه على تقديم استقالتيهما، وفي 25 حزيران أجريت انتخابات رئاسية كان الزعيم هو المرشح الأوحد فيها وفاز بنسبة تفوق 98 في المائة بموجب طبخة انتخابية معدة على قياسه.
الغريب في الأمر أن البعث وقف حينها وبشدة ضد مسألة الانقلابات ودعا إلى إعادة الحريات ولا سيما للأحزاب وصحفها، والشروع بإجراء انتخابات نيابية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وقد دفعت الأحزاب حينها ثمن وقوفها ضد هذا الانقلاب الجديد وسجن الكثيرون من قيادات هذه الأحزاب وتعرضوا للتعذيب ومن بينهم ميشيل عفلق الذي اضطر تحت التعذيب إلى كتابة رسالة يعتذر فيها للزعيم ويتعهد له بعدم ممارسة العمل السياسي.
ولدى حدوث الانقلاب الثاني بقيادة سامي الحناوي في 14/8/1949 تم إصدار قرار يرفع الحظر عن الأحزاب السياسية باستثناء الحزب الشيوعي والتعاوني الاشتراكي، وشكلت وزارة ائتلافية برئاسة هاشم الأتاسي، كما وضع قانون جديد للانتخابات كان متطوراً جداً في حينه إذ سمح لجميع الرجال والنساء فوق سن الثامنة عشر بالانتخاب واشترط حصول النساء على الشهادة الابتدائية لينلن هذا الحق. وبالفعل جرت الانتخابات في 15/11/1949، لكن ميول الحناوي باتجاه المحور العراقي الهاشمي أدت إلى التعجيل بالانقلاب عليه في 19/12/1949، حيث حدث الانقلاب الأول لأديب الشيشكلي الذي قضى على الاستقطاب الهاشمي لسورية وحوله باتجاه المحور السعودي المصري وكرس هذا الأمر دستوريا بصدور دستور عام 1950 الذي اعتبر سورية جزءاً من الأمة العربية (والغريب أن البعث وقف حينها وهاجم بشدة تدخل الجيش في السياسة واعتبر في بيان له بان المجلس النيابي بسبب هذا التدخل أصبح معطل الصلاحيات ورفض الاشتراك في أية وزارة إلا إذا تولى وزارة الدفاع شخص مدني)، ولقد رفض الجيش الانصياع إلى هذه الشروط إلا أن عودة رجحان كفة حزب الشعب في البلاد عجل بحدوث الانقلاب الثاني للشيشكلي في 28/11/1951 حيث تسلم هذه المرة رئاسة الدولة بكافة صلاحياتها وقام بحل مجلس النواب وقام في 15/1/1952 بحظر النشاط الحزبي للحزب الوطني وحزب الشعب والإخوان المسلمين والتعاوني الاشتراكي وشكل حزبا مواليا له هو حزب التحرير العربي واقر دستورا جديدا للبلاد في 21/6/1953 حول بموجبه نظام الحكم من نظام برلماني إلى نظام رئاسي وأجرى استفتاءً في 11/7/1953 كان الشيشكلي فيه كما جرت العادة هو المرشح الوحيد وفاز بالأغلبية الساحقة.
وفي 30/7/1953 أصدر الشيشكلي قانونا جديدا للانتخابات كما أصدر في 12/9/1953 مرسوما لتنظيم النشاط الحزبي سبقه عفو عن المعتقلين السياسيين وسماح بالعمل للأحزاب المحظورة باستثناء الحزب الشيوعي، وقد تضمن هذا المرسوم إمكانية تأليف الأحزاب السياسية والانتساب إليها شرط أن تكون وسائلها سلمية وغاياتها ديمقراطية وان لا تتبنى وسائل العنف والإرهاب واشترط هذا المرسوم أن تكون سلطات هذا الحزب منتخبة ديمقراطياً من أعضائه وان تمثل هذه الأحزاب الوطن بأكمله وليس طائفة أو منطقة أو إقليما دون غيره كما شدد المرسوم على عدم جواز انتساب العسكريين أو رجال الشرطة إلى أي حزب والى عدم قبولهم داخل هذه الأحزاب بأية صورة من الصور كما حظر هذا المرسوم على الموظفين والمستخدمين استخدام مكانتهم وأمكنة عملهم في النشاط الحزبي كما اشترط المرسوم المذكور أن لا تحوي مبادئ الحزب أية أهداف تناقض حرية الأمة العربية ووحدتها.
لقد جاء المرسوم المذكور في حينها قفزة متطورة جداً في قوننة النشاط الحزبي وبمضامين لا تزال صالحة حتى يومنا هذا (ولا نعلم إذا كان سيتم الاسترشاد به في سن قانون الأحزاب المنتظر).
لقد عاشت سورية خلال هذه المرحلة فترة هي الأخصب في تاريخها السياسي ومع إعلان الوحدة في 22/2/1958 صدر قرار بحل كافة التنظيمات السياسية في سورية، لكن البعث وبعد اشهر قليلة بدأ بمهاجمة جمال عبد الناصر وأنشأ لجنة عسكرية سرية وأعاد تنظيمه داخل الجيش. لقد أحس البعث حينها أن عبد الناصر قد سحب الجماهير من تحت كل الأحزاب السياسية وتأكد هذا الشعور في انتخابات الاتحاد القومي في 8/7/1959 حيث حصل البعث على 250 مقعد من اصل 9445 مقعداً مخصصاً للإقليم الشمالي.
واستمر هذا العداء والتنافر حتى حدوث الانفصال في أيلول 1961 حيث سارع البعث وغيره من القوى التي كاد ناصر بشعبيته أن يزيحها من خارطة الوجود السياسي للتوقيع على وثيقة الانفصال حتى أن أكرم الحوراني (احد ابرز قياديي البعث، الحزب الذي بنى شرعية وجوده على النضال من أجل الوحدة) رفض أية وحدة مع مصر في ظل حكم عبد الناصر ولم يقتصر موقف البعث على تصريحات الحوراني بل أصدر بيانا في حزيران 1962 تحت عنوان (لا وحدة بدون ديمقراطية) رفض فيه إعادة الوحدة مع مصر في ظل حكم ناصر لان عقلية ناصر هي نفسها تتحكم فيها الزعامة والفردية وهو ذو نشأة عسكرية.
وبعد الانفصال تحول الصراع الحزبي من صناديق الاقتراع إلى فوهات المدافع والقنابل والدبابات واستطاع البعث أن يسيطر على الحكم في 8/3/1963. وبعد محاولة جاسم علوان والمجزرة التي أعقبت هذه المحاولة مورس قمع هائل على كل أشكال الحراك السياسي كان الغرض منها تجفيف منابع الحياة السياسية بشكل عام (بما فيها البعث نفسه) لصالح الجيش والأجهزة.
وبعد الحركة التصحيحية 1970 طرحت صيغة هجينة للعمل السياسي هي صيغة الجبهة الوطنية التقدمية التي مثلت صيغة للتبعية والاستعباد أكثر منها صيغة للعمل والمشاركة، والتي تحولت بمرور الوقت إلى صيغة للتكسب والانتهازية بعيداً عن أية فعالية تذكر، وظلت أحزابها تعاني الانقسام تلو الانقسام حتى آلت أحوالها إلى ما نشاهده عليها اليوم حيث تحولت إلى شلل وأفراد متنازعين تحكمهم الولاءات المصلحية والأمنية قبل أي ولاء سياسي أو فكري.
أما المعارضة فقد انقسمت في طريقة تعاملها مع هذا الواقع فاختار بعضها دخول دوامة العنف فتعرضت للسحق والإقصاء الدموي الشامل والبعض الآخر تحول إلى ممارسة العمل السياسي السري ونال نصيبا لا بأس به من الضربات المتلاحقة فعانى أيضا من الاعتقال والملاحقة.
ومع قدوم العهد الجديد ومنذ خطاب القسم ظهرت مؤشرات جديدة في تعامل السلطة السياسية مع المجتمع وتجاوبت المعارضة السياسية بكل أطيافها وبدأت حراكاً سلمياً وديمقراطياً وعلنياً، فطرحت البرامج والمقترحات، ونشطت حركة المنتديات وبدا للجميع في حينه أن هواء نقيا بدأ يتسرب إلى داخل فضاء الحياة السياسية في سورية وترافقت هذه الحركة مع بدء استعادة الشارع السوري عافيته من خلال حركة التضامن الشعبية عبر التظاهرات والاعتصامات التي عبر فيها الشارع السوري بحرية عن تضامنه مع محنة أهلنا في فلسطين.
ورغم وجود تيار قوي يشد البلاد إلى ما كانت عليه سابقاً، ورغم استطاعة هذا التيار تحقيق العديد من الانتصارات على تيار الإصلاح والتحديث وذلك عبر إغلاق معظم المنتديات ومحاكمة العديد من النشطين وزجهم داخل السجون رغم ذلك كله؛ فإن الجميع يقر بان عودة عقارب الزمن أمر مستبعد تماما.
واليوم فان الحديث كثر عن قرب صدور قانون جديد لتنظيم الحياة الحزبية داخل سورية، لكن الصورة التي سيظهر عليها هذا القانون ما زالت تحكمها عقلية التكتم والسرية والتكهنات. وعلى أية حال فان أي قانون سيصدر لن يضيف شيئا إلى ما هو موجود إذا لم يؤسس لتعددية حقيقية في البلاد وهو لن يكفي إذا لم يترافق مع تعديلات دستورية تكرس هذه التعددية كما انه (أي القانون المنتظر) لن يضيف ولن ينقص شيئا في ظل قانون الطوارئ و حالة الأحكام العرفية المعلنة منذ عقود هذا من الناحية العامة.
وإذا أردنا الدخول في التفاصيل أكثر فان صيغة الجبهة الوطنية التقدمية لا يمكن أن تمثل بأي حال من الأحوال وفق أية صيغة من الصيغ شكلا لهذه التعددية سواء من حيث التكوين والميثاق أو من حيث التمثيل والتوازع أو من حيث الدور وآلية اتخاذ القرار, وهي وإذا كان لا بد من استمرارها فانه يمكن قبولها كشكل من أشكال التحالف السياسي الذي يمكن أن يوجد في الكثير من الدول الديمقراطية وهو تحالف غير ملزم ويقبل بوجود الآخرين خارج إطاره فرادى أو ضمن تحالفات أخرى. والجبهة الوطنية التقدمية القائمة حاليا أصبحت تمثل حالة متطابقة ولا تمثل تعددية بأي حال من الأحوال ويمكن أن تتحول إلى حالة حزبية موحدة جديدة تضم معظم أو جميع هذه الفصائل المتطابقة موقفا وتركيبة وتفكيرا كما حصل للعديد من الجبهات الوطنية في دول أوروبا الشرقية (سابقاً) حيث اندمجت أحزاب جبهاتها ضمن هيكل الحزب الحاكم.
الأمر الثاني الذي يمكن الحديث فيه في التفاصيل هو اشتراط أي قانون مقترح في ترخيصه لأي حزب لمبدأ الخيار الديمقراطي ونبذ العنف وهو اشتراط لا بد منه لحياة ديمقراطية سليمة وينبغي أن يتجسد هذا المبدأ خمن خلال أهداف وبرامج جميع الأحزاب طالبة الترخيص وان يكون مكرسا من خلال مؤسسات هذه الأحزاب ومؤتمراتها كما ينبغي أن يتم التأكيد على مسالة الوحدة الوطنية والانتماء القومي وعدم التناقض مع هاتين المسألتين الحساستين.
ومن العناصر الأخرى في التفاصيل فان أي حزب ينبغي أن يمثل في عقيدته وتركيبته أبناء الوطن كافة بعيدا عن أي انتماء عشائري أو مذهبي أو ديني أو مناطقي وان تكون ساحة عمله وتأثيره الوطن بأكمله وان يتجسد هذا الانتماء أيضا من خلال أن تتضمن مبادئه ولوائحه الداخلية رفض أية معونات خارجية (إلا وفقاً للقوانين وبعد موافقة الجهات المختصة).
ومن المواضيع الهامة والحساسة الأخرى التي ينبغي أن يعالجها القانون المنتظر هو علاقة هذه الأحزاب بالجيش, فالجيش مهمته الدفاع عن حياض الوطن وعن النظام الديمقراطي وهو كرامة الوطن وينبغي إبعاده بشكل كامل عن السجالات والمنازعات الحزبية وقد رأينا من خلال استعراضنا لبعض محطات تاريخ الحياة الحزبية في سورية أن الخلافات الحزبية تحولت من خلال تدخل الجيش إلى الدبابات والمدافع والطائرات بدل صناديق الاقتراع ورأي الشارع, وهذا الأمر كما ينطبق على الجيش فانه يجب أن ينطبق على باقي مؤسسات الدولة وبشكل خاص الإعلام الوطني، وهي أيضاً ملك للوطن ويتم تمويلها من الضرائب التي يدفعها كل المواطنين بكل اتجاهاتهم وهي بالتالي يجب أن تعبر عن الجميع وان تساهم في تعميق الوعي الديمقراطي وان لا تنحاز إلى أي حزب أو تيار مهما بلغ قربه أو بعده من مواقع السلطة والقرار السياسي وهذا الأمر يشمل كل أشكال الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب.
كما يجب أن ينطبق هذا المبدأ على المؤسسة التربوية والتعليمية أيضاً، والتي ينبغي أن تبنى مناهجها على حب الوطن والانتماء إلى الأمة العربية وان يدرس فيها تاريخ الحضارة العربية والإسلامية وان يتم التعرض إلى الثقافات والأفكار بحيادية دون أن تتحول هذه المؤسسة الهامة جدا إلى منبر دعاية لحزب أو تيار دون آخر.
وهذا الأمر ينطبق على كل المؤسسات الوطنية بما فيها دور العبادة ولكل الديانات والتي عليها أن تكرس الوحدة الوطنية والانتماء الحضاري للعروبة والإسلام والإنسانية، وان تمارس دورا فعالا في التقريب بين المذاهب وفي الحوار بين الأديان بعيداً عن أي شكل من أشكال الدعاية والترويج لأي تيار كان، فالوطن والأمة هما سقف كافة هذه المؤسسات ولا يجوز وضع أي سقف آخر حزبي أو فئوي أو عشائري.
هذه هي أهم العناصر التي يمكن أن يحتويها قانون عصري جديد للأحزاب بات الوطن بأمس الحاجة إليه للانتقال بسورية إلى عصر جديد تتفتح فيه العقول وتتفجر فيه الطاقات والإمكانيات, وللتطبيق السليم لهذا القانون لا بد من مؤسسة مرجعية للإشراف على تطبيقه ولا بد أن تكون هذه المرجعية مستقلة وبعيدة عن الوصاية والتأثير ويمكن أن تكون هذه الجهة المستقلة هي القضاء العادل وان تضع هذه الجهة ضوابط وعقوبات على أية مخالفة أو تجاوز لأي من مواد هذا القانون وان تدلي برأيها حول أي نزاع أو خلاف ينشب حول تفسير هذه المواد.
__________
* كاتب سوري، ناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان - حلب