أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - ثقافتنا .. بين التلقي والاستجابة














المزيد.....

ثقافتنا .. بين التلقي والاستجابة


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3871 - 2012 / 10 / 5 - 21:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما أن يحدث لنا احتكاك مع الغرب, كمثل ذلك الذي حدث بسبب الفلم المسيء, حتى يكون هناك تأكيد على ضرورة الإقتراب من ثقافة الآخر. فإذا حدث أن كان هناك تفارق في نوعية رد الفعل على فعل بعينه فإن اللوم غالبا ما يلقى على إنساننا المتخلف وعلى ثقافته المتردية التي لا تجعله قادرا على فهم العالم وغير متمكن على الإتيان بردود أفعال متناغمة مع مستويات ما يحدث في الساحات الأوروبية والأمريكية.

لمجرد أننا نعيش في عصر واحد ونضبط ساعاتنا على توقيت جرينج ونستعمل أجهزة إلكترونية متشابهة, فإن ذلك لن يجعلنا ننظر إلى الحياة بعين واحدة.
إن الاعتماد على تناغمات السطح لتقرير طبيعة الثقافات وتحديد مدى تماثلها في العمق غالبا ما يؤدي إلى خيبات كبيرة, فليس يكفي الإنسان أن يرتدي اللباس الغربي لكي يكون أفنديا, هذا على افتراض أن كلمة الأفندي تحمل في إحدى معانيها وجود قدر معقول من الثقافة والوعي.
فالتطور الحاصل على صعيد البيئة الألكترونية وثورة المعلومات ووجود مشاركة عامة في إستعمال منجزات هذا التقدم قد تؤدي من جانبها إلى خلق تصورات وهمية عن إمكانية أن تكون هناك مساحة فعلية للتناغم والتماثل الثقافي والاقتراب الفكري التي من شأنها توحيد عملية التلقي والاستجابة.

لكن ذلك ليس من السهولة أن يحدث, بل ينبغي الاعتراف بحقيقة أن الغرب لم يصل إلى هذه التقنيات إلا من خلال عمليات متواصلة من الخلق والابتكار والاجتهاد, والمدعومة بأنظمة ومجتمعات ليبرالية وديمقراطية متحررة خلقت البيئة الفردية والاجتماعية التي تهيأ لذلك الإنجاز. ففي البدء كانت هناك ثورة ثقافية شملت محاولات تثوير الدين أولا وتحديثه, ثم كان هناك نجاح العلمانية السياسية في إبعاد رجال المؤسسة الدينية عن السياسة وقضايا بناء الدولة, وذلك لم يكن ليحدث لولا عهود متراكمة من التنوير رافقتها تحولات إقتصادية وإجتماعية أدت بدورها إلى علمنة الثقافة بما جعلها قادرة على تحقيق النقلات الإبداعية..

والإنتاج يبدأ في الثقافة قبل أن يتم في المصنع. كما أن الثقافة ليست هي القراءة وتخزين الكلمات والقدرة على الكلام الجميل المفوه, وإنما هي الوعي المترابط والمتفاعل والمركب والمتراكم والمرافق لتحولات أساسية في عمق العلاقات الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية.

وليس مقدرا لذلك أن يحدث معنا لمجرد أن ضبطنا ساعتنا على جرينج أو استعملنا التلفزيون والآي باد كما يفعل الغرب, وإنما نحن بحاجة إلى أن نعيش التطور العلمي والفكري بمنطق الفعل لا بمنطق التلقي, ومنطق التصنيع والابتكار والخلق لا منطق الاستيراد والتقليد. بدون ذلك سوف يبقى المرء أفنديا بالثياب لا باللباب.
منطق الفعل يجعلك بحاجة أولا إلى بنى فكرية وموروث ثقافي ونظم سياسية قادرة على أن تساعد فعلك باتجاهين, أولهما تشجيعه لحاجة إليه, والثانية تأهيله لغياب التناقض معه, ثم سيكون ذلك كفيلا بخلق قاعدة وأسس وعمق يضمن أن يكون ما في السطح انعكاسا لما في العمق.
وإن الطريقين موجودان في الغرب, وقد رصفا قبل قرون. فالحاجة إلى الفعل خلقتها ظروف التحولات الاقتصادية التي بدأت تطلق سراح الصناعة والإبداع والإبتكار, وسبقها إلى ذلك ثورة على صعيد الفكر والعلاقات بين البشر كانت مهدت الطريق لتلك التحولات. في حين أن غياب التناقض مع هذا الفعل خلقته حالة صدام عنيفة كان عاشها الغرب مع المؤسسة الدينية, بكل عقليتها ومصالحها ووسائلها, إبان القرون الوسطى, ولذلك صار المفكر والعالم غير مقيد وحر في اعتقاداته وابتكاراته.
.
وكذلك فإن حالة الخلق والإبداع والإبتكار, مثلما إنطلقت من بنى تحتية, اقتصادية واجتماعية وثقافية, أهلتها لكي تكون نتيجة لأسباب, فإنها أيضا نقلت المجتمع معها أيضا بطريقة هي اشبه بصعود السلم الموسيقي درجة درجة وبدون نشاز. ومن هذا نشهد أن هناك وحدة ما بين النتيجة والسبب, ما بين العمق وما بين السطح, ومساحة واسعة يتحرك فيها خطاب الثقافة الذي يجسد نفسه في الثقافة العامة للمجتمع وأيضا في التشريعات الوضعية للدولة, وفي شكل النظام السياسي.

أما على صعيد مجتمعاتنا, أي مجتمعات التلقي والاستجابة والتقليد والإستيراد, فأنت ترى أننا قد نشترك مع الغرب في شكل المؤسسة, بما يخص طبيعة بنائها المعماري, وحتى على مستوى ديكوراتها من الداخل, لكننا نختلف في نوع الإنسان الذي يعيش في تلك المؤسسة.
مشكلة هذا الإنسان هي أنه, وعلى الرغم من المتشابهات الشيئية مع الغرب, فإن إمتلاكه لهذه الأشياء لم يأتي نتيجة لحالة تفاعل, ينتِجُ ويُنتَجْ, وإنما نتيجة حالة تلقي وجدت طريقها السهل إلى السطح لكنها منعت الوصول إلى ما تحته.

وحدث أن كنا في العقود السابقة "أفنديين" بالثياب لا باللباب.
أما في وقتنا الحالي, وقت الإسلامويين المنقبين المحجبين, فلم نعد أفندية, لا بالثياب ولا باللباب.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية والإلحاد
- العراق وإزدواجية جنسية الحكام.. وطن أم فندق
- الفلم المسيء .. بين الفعل الرخيص ورد الفعل الأرخص, وما بينهم ...
- أمريكا.. حرية تعبير أم حرية تفجير
- الحب على الطريقة الغوغائية
- القدس.. عاصمة إسرائيل
- بين حمد والعلقمي وبن سبأ .. ثلاثية القراءة الممسوخة
- هلهولة ... دخول العلم العراقي في كتاب غينيس للأرقام القياسية
- الحمار الطائفي
- هل كانت الدول الإسلامية .. إسلامية
- الدولة العلمانية لا دين لها.. ولكن هل هي ضد الدين
- العلمانية.. أن تحب الحياة دون أن تنسى الآخرة
- الإسلام السويسري *
- دولة الإسلامويين ومعاداة العلمانية
- الطائفية.. من صدام إلى بشار
- أن نتقاطع مع الدم السوري.. تلك هي المشكلة
- ثلاثة طرق طائفية للهجوم على الطائفية
- كيف تكره الأسد دون أن تحب حمد
- البصرة.. مدينة السياب والشاوي وأهلها الطيبين
- طائفيو المهجر


المزيد.....




- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - ثقافتنا .. بين التلقي والاستجابة