|
أريك جون آرنست هوبسباون في ذروة المجد
عادل حبه
الحوار المتمدن-العدد: 3871 - 2012 / 10 / 5 - 16:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أريك جون آرنست هوبسباون في ذروة المجد عادل حبه أريك جون آرنست هوبسباون في شبابه وشيخوخته ( 9 حزيران 1917 اسكندرية مصر-- 1 تشرين الأول 2012 ، لندن المملكة المتحدة) في عام 1856، تحدث كارل ماركس بما يلي:" أنا أعرف البطولة التي اجترحتها الطبقة العاملة الانكليزية في نضالاتها منذ منتصف القرن الماضي. إن هذه النضالات المجيدة قد سجيت في دائرة الغموض من قبل المؤرخين المنحدرين من الطبقة الوسطى". لقد تحدث كارل ماركس عن ذلك في مرحلة كان المؤرخ,ن الانكليز الليبرالي,ن يتسيدون على هذا المجال المعرفي دون سواهم. ولكن هذه الحالة سرعان ما تغيرت بفعل التغيرات السياسية والاجتماعية والفكرية التي طرأت على العالم، وتحديداً على القارة الأوربية ومن ضمنها بريطانيا، لينشأ جيل جديد وبعقلية ونظرة جديدة للمؤرخين المتأثرين بنظرة كارل ماركس وتفسيره للتاريخ. ولقد برز من بين كل هؤلاء على الساحة الأوربية والعالمية في بداية القرن العشرين ما يعرف بمجموعة المؤرخين الماركسيين البريطانيين. وبادر هؤلاء المؤرخون إلى كتابة التاريخ "من الأسفل إلى الأعلى"، وتركوا تأثيراً كبيراً على الحوارات والجدل الذي جرى حول التاريخ الأكاديمي في مواجهة التاريخ
كريستوفر هيل إي. بي. ثومبسون الشعبي. ودخلت الدراسات الخاصة بالطبقة الدنيا وتاريخ عامة الناس، دراسة التاريخ "من أسفل إلى أعلى"، في صدر مواضيع الجدل والحوار الذي جرى آنذاك. فركز المؤرخون الماركسيون البريطانيون على بسطاء الناس، مما غير الطريقة التي كان يجري التعامل مع التاريخ في السابق. فfالنسبة إلى "هيل" و إي. بي. ثومبسون، من مجموعة المؤرخين الماركسييين البريطانيين‘ فإن "التاريخ هو ليس عبارة عن كلمات مدونة على الورق، وليس ملوك متعاقبين ولا رؤساء وزراء، وليس مجرد أحداث، فالتاريخ بالنسبة لهؤلاء "هو الحلو والدماء والدموع وانتصار الناس العاديين". واعتمد هؤلاء المؤرخون على مقولة وردت في البيان الشيوعي لكارل ماركس "إن تاريخ كل المجتمعات القائمة، هو تاريخ الصراع الطبقي"، ولذا اعتبروا أن تاريخ بريطانيا ما هو إلاّ "الصراع بين الطبقة الدنيا والطبقة الحاكمة ". واعتبر هؤلاء المؤرخون "إن عامة الناس هم لا يقفون في خلف الأحداث، بل أنهم رواة التاريخ، وهم ليس العمال ومنتجي النعم المادية والمتمردين فحسب، بل أيضاً هم رموز الثقافة وأصحاب الرؤى". ويعتقد هؤلاء المؤرخون أنه من الواجب تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية مثل الطعام والمأوى قبل التعامل مع السياسة والدين أو الفن. فالمؤرخون الآن أكثر اهتماماً في دراسة حياة الناس المهمشين من الاهتمام بتأثير العوامل الاقتصادية على مر العصور. واعتقد هيل، على سبيل المثال، أن الحرب التي جرت في انكلتره في القرن الثامن عشر لم تكن حرباً أهلية فحسب، بل ثورة احتماعية بكل معنى الكلمة، شأنها في ذلك شأن الثورة الفرنسية والثورة الروسية. ويعتقد المؤرخون الماركسيون البريطانيون أن النخب الحاكمة تخشى التاريخ، وتحاول فرض سيطرتها على المؤلفات والدراسات التاريخية من أجل الابقاء على العامة بعيداً عن مسار الأحداث التاريخية. ولكن ظهور المحموعات الماركسية البريطانية كسرت هذا الاحتكار مما أدى إلى بروز عمالقة في كتابة التاريخ في بريطانيا. ولعلنا نشير إلى قمة وأوج من تصدر هذه المجموعة، وهو المؤرخ البريطاني أريك جون آرنست هوبسباون، الذي غادر هذه الدنيا في أحد مستشفيات لندن قبل أيام، في 1 تشرين الأول/اكتوبر 2012، عن عمر ناهز الخامسة والتسعين. ولد أريك هوبسباون في اسكندرية مصر في التاسع من حزيران عام 1917 من أب انكليزي وأم نمساوية. ودرس في فترة ما بين الحربين العالميتين في أحد مدارس فينا قبل أن يضطر إلى السفرإلى برلين عام 1931 بعد رحيل والديه. وانضم في برلين عام 1931 إلى عصبة الشباب الشيوعي الألماني وتعلق بالافكار الماركسية. وأضطر بعد سنتين من تسلم هتلر السلطة إلى الهرب إلى بريطانيا واستقر في العاصمة لندن في عام 1934. وانضم هوبسباون إلى الحزب الشيوعي البريطاني في عام 1936، واصبح لاحقاً ضمن المجموعة الحزبية المتخصصة بكتابة التاريخ عام 1946- 1956. في مطلع شبابه قدم للدراسة في مادة التاريخ في جامعة كمبريدج، وحصل على شهادة الدكتوارا من نفس الجامعة. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية شارك في الخدمة العسكرية حتى نهاية الحرب عام 1945. ثم تولى التدريس في كلية بيركبيك في لندن، التي لم يُستخدم فيها رسمياً بسبب آرائه السياسية حتى عام 1971. ومن المفارقة أنه أصبح رئيساً لها في عام 2002 وحتى رحيله. كما عمل هوبسباون محاضراً زائراً في جامعة ستانفورد وفي معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا وفي جامعة كونويل، أضافة إلى التدريس في بعض المعاهد الفرنسية والمكسيكية..وفي عام 1956 احتج هو وعدد من مفكري الحزب على الغزو السوفييتي لهنغاريا. واستقال جميع أعضاء اللجنة المتخصصة بالتاريخ من الحزب، باستثناء هوبسباون الذي ظل محتفظاً بعضويته في الحزب الشيوعي البريطاني حتى عام 1991، عام انهيار الاتحاد السوفييتي. وفي عام 1956، اعتبر هوبسباون الحركة في هنغاريا وبولونيا بمثابة "ثورات العمال والمثقفين ضد بيروقراطية النظام السياسي الشيوعي الكاذب"، ووجه رسالة يدين فيها بقوة غزو هنغاريا. وتعاطف لاحقاً مع ربيع براغ عام 1968. كما أدان موقف الحزب الشيوعي الفرنسي السلبي أزاء انتفاضة الطلاب الفرنسيين. وأصبح لاحقاً نجماً بارزاً في الفرع البريطاني "للشيوعية الأوربية"، ليبدأ نشاطه في نقد التجربة السوفييتية. وفي عام 1978 قدم هوبسباون محاضرته المثيرة للجدل "الطبقة العاملة البريطانية بعد مئة عام من كارل ماركس"، والتي نشرت في مجلة "ماركسيسم تودي" اللندنية. وقد أشار في المقال إلى "أن الطبقة العاملة تفقد دورها المركزي في المجتمع، ولم يعد باستطاعة الأحزاب اليسارية مخاطبة هذه الطبقة فقط". لقد تناول المؤرخ هوبسباون في مقالاته وأبحاثه ومحاضراه الكثير والكثير من المواضيع. فقد تناول كمؤرخ ماركسي "ثنائي الثورة"، أي الثورة السياسية الفرنسية والثورة الصناعية البريطانية. ورأى في تأثيرهما كقوة محركة للتيار السائر نحو الرأسمالية الليبرالية القائمة اليوم. كما تناول ما سمي بـ"مجتمع قطاع الطرق"، وهي الظاهرة التي سعى هوبسباون إلى أن يضعها ضمن حدود ذات صلة بالسياق المجتمعي والتاريخي، وليس كما تؤكدها الفكرة التقليدية على كونها شكل عفوي وغير متوقع من التمرد البدائي. ونشر العديد من المقالات في عدد من مجلان الشباب، والتي تتناول البربرية في العصور الحديثة ومعضلات الحركات العمالية والصراع بين الفوضوية والشيوعية وتاريخ الماركسية والأمم والقوميات والديمقراطية والإرهاب والعولمة وحول التاريخ والقرن الجديد والناس غير العاديين والكثير غيرها. كما غطى في مقالاته وأبحاثه الأحداث التاريخية بدءاً منذ الثورة الفرنسية عام 1689 وانتهاءاً بالحرب العالمية الأولى عام 1914. ولكن أوج إبداع هذا المؤرخ العبقري، هو رباعيته المشهورة، "عصر الثورات" و "عصر الرأسمال" و "عصر الأمبريالية" و "عصر التطرف". وشكل هذا المؤلف الضخم الذي عصيرة كل معارفه وأفكاره التي استندت إلى الفهم المادي التاريخي الماركسي للتاريخ. لقد رحل هذا المؤرخ الكبير، ولكنه خلف وراءه أرث تاريخي كبير من المؤلفات والافكار التي أثارت ومازالت تثير الجدل حولها وحول مؤلفها، بين مؤيد لأفكاره وناقد لها. فقد أشار الناقد نيل فيركوسون إلى "أن هوبسباون هو بدون شك واحد من أعظم المؤرخين من جيله...فرباعيته، التي بدأت من "عصر الثورات" وانتهت بـ"عصر التطرف"، تشكل أفضل بداية لكل من يسعى إلى دراسة التاريخ الحديث". كما عرف الناقد أيان كيرشو كتاب هوبسبان "عصر التطرف" بأنه "يشكل تحليلاً بالغ المهارة لتلك الفترة من التاريخ العالمي". ويصف المؤرخ البريطاني ديفيد بريس-جونس هوبسباون أنه "بدون شك عالي الثقافة وخلاق، ولم يقدم خدمة ملحوظة للتاريخ فحسب، بل كمؤرخ مهني سعى إلى التمسك بالحقيقة الموضوعية". من مؤلفات المؤرخ الفذ أريك هوبسباون لقد رثى رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير هوبسباون ووصفه بأنه" عملاق التاريخ السياسي التقدمي، والذي ترك تأثيره على كل القادة السياسيين والأكاديميين. كما نعاه الزعيم الحالي لحزب العمال أد ميلباند واصفناً أياه " كمؤرخ استثنائي، أخرج التاريخ من برجه العاجي ليلامس حياة الناس العاديين". ونعاه السيد مارتين شولس، رئيس البرلمان الأوربي الذي قال فيه" أنه رجل من طينة نوعية استثنائية وغير عادية من الوضوح ". 5/11/2012
#عادل_حبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حملة ايمانية من طراز جديد!!!
-
على النخب القومية في إقليم كردستان العراق أخذ العبر من دروس
...
-
على النخب القومية في إقليم كردستان العراق أخذ العبر من دروس
...
-
على النخب القومية في إقليم كردستان العراق أخذ العبر من دروس
...
-
وشهد شاهد من اهلها
-
اضواء على وجهات نظر محسن كديور حول حقوق الانسان ولاسلام
-
المرأة في الحياة الاجتماعية
-
بماذا يطالب العرب في إيران
-
لقاء مع الأمين العام للحزب الشيوعي الباكستاني
-
وزارة لتقييد المرأة والنيل من حقوقها وليست للدفاع عنها
-
حنين إلى ماض امبراطوري أكل الدهر عليه وشرب
-
علام هذا الإصرار على الإساءة إلى هذه الملحمة التاريخية
-
تصريحات وقحة تحتاج الى ادانة وطنية وليس الى ردود فعل طائفية
-
مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وموقف النخب السياسية
-
العراق بحاجة الى نهج علمي وكفاءات وخبرات استثنائية للخروج من
...
-
ماذا وراء الهجوم على السفارة البريطانية في طهران
-
مشكلة النساء والمثقفون في متغيرات العقود الاخيرة 4-4
-
-مشكلة المرأة- والمثقفون في متغيرات العقود الأخيرة (3 – 4)
-
-مشكلة المرأة- والمثقفون في متغيرات العقود الأخيرة 2-4
-
مشكلة المرأة والمثقفون في متغيرات العقود الأخيرة
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|